البيئة الصحية للمطالعة
د. غدير بنت محمد اللواتي
القراءة والمطالعة أمر ضروري في حياة جميع الأفراد في مختلف المراحل العمرية والوظائف والثقافات في كل مكان وزمان.
بطريقها نكتسب ما نحتاجه من معلومات ومعطيات لتطبيق أمور عملية واكتساب العلم أو توسيع نطاق المعرفة والثقافة، وكذلك بها نعبر دروب الخيال ونقضي أمتع الأوقات ونملأ أوقات فراغنا، فلا يعرف الملل والروتين سبيلاً إلى أذهاننا.
«القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب».. عباس محمود العقاد.
وقد ذكر كثيرون تعريفات مختلفة يصفون القراءة ويشرحونها، اخترت من بينها هذه العريفات الثلاث:
- أنها قدرة بصرية صوتية أو صامتة يفهم بها الفرد ويعبر بها ويؤثر فيمن حوله بها.
- هي استخلاص المعنى من المادة المكتوبة وتحليل رموزها.
- كذلك تم تعريفها بأنه استرجاع منطقي أو عقلي لمعلومات في الدماغ وتكون المعلومات على شكل حروف ورموز أو صور.
وكما هو مهم لقراءة مفيدة وغنية أن نختار المادة الجيدة والمفيدة، فإن علينا أن نوفر لأنفسنا البيئة الصحية الملائمة لقراءة أفضل، ومن شروط هذه البيئة:
- أن يكون المكان هادئًا خاليًا من الضوضاء، لتوفير الجو المناسب للتركيز الذهني.
- الجلوس هو أفضل وضع للمطالعة الصحيحة والاستذكار، يجب مراعاة الجلوس بوضع مستقيم وحفظ استقامة العمود الفقري.
- ارتداء النظارات الطبية في حال اللزوم، وإجراء الفحوصات بصورة دورية خصوصًا لدى كبار السن والمصابون بمرض السكر لشيوع زغللة العين وتداخل الكلمات لديهم حين المطالعة وكذلك تعرضهم لطول النظر الشيخوخي المبكر.
- المسافة الصحيحة بين الكتاب والعين ( 30 -50 سم) كلما كانت المسافة أقصر كلما ازدادت انقباضات عضلات العين وبالتالي ينتج إرهاق العين وما يصاحبه من أعراض الصداع وضعف البصر وتشويش الرؤية وتداخل الكلمات والأحرف ببعضها. وأيضًا جفاف العين واحمرارها بسبب احتقان الملتحمة الناتج عن نقص الرطوبة وإفراز الدموع في العين، فعند المطالعة لاإراديًّا يقل الترميش، الذي في الحالات العادية يحدث تلقائيًّا كل خمس ثوان بينما أثناء القراءة تطول هذه الفترة فتصبح 10 أو 20 ثانية؛ ولتجنب هذه الأعراض ينصح بإغماض وفتح العينين بشكل متكرر يصل إلى 20 مرة كل 10 -20 دقيقة.
- الإضاءة الملائمة بحيث لا تكون شديدة ولا خافته فتتعرض العين للإرهاق، وتشير الدراسات أن الضوء الأبيض هو الأنسب للمطالعة بينما يسبب الضوء الأصفر الإرهاق لعضلات العين وما سبق ذكره من أعراض مصاحبة له.
- ويفضل أن يكون المصباح ذو ذراع مرن لسهولة توجيهه نحو الكتاب، ويجب أن يكون الضوء عموديًّا على المادة المقروءة لتجنب إيجاد الظل.
وقد نصحت خبيرة الإضاءة الألمانية مونيكا شيفرفايل أن يأتي الضوء من الجانب حتى لا يتعرض القارئ للابهار الناتج عن انعكاس الضوء الساقط على الأسطح والأغلفة اللامعة.
و تنصح شفيرفايل أن تكون شده الإضاءة بين 300 إلى 500 لوكس، وقد يحتاج كبار السن الى شدة إضاءة مضاعفة مقارنة بما يحتاجه الشباب.
كذلك ينصح الباحثون بأن تكون الإضاءة خلف القارئ أو عن يمينه إذا كانت القراءة باللغة العربية أو عن يساره إذا كانت القراءة باللغة الإنجليزية لتجنب تعريض العين للضوء مباشرة ما ينتج عنه تبخر الدمع وجفاف العين.
- الارتفاع الملائم بين المقعد والمكتب، ويحدِّد الدكتور ساجد العبدلي مؤلف كتاب القراءة الذكية، مواصفات الجلسة السليمة للقراءة: فالمقعد ينبغي ألا يكون لينًا ولا صلبًا، وأن تكون القدمان ملامستين للأرض وأن يكون الظهر مستقيمًا.
- صفاء الذهن.
- الراحة الجسدية (الجلوس المريح، اللبس الملابس، درجة حرارة المكان والتهوية).
- الالتزام بالوقت المحدد، ينصح بالتوقف عن المطالعة كل 30 دقيقة والقيام بتمارين الظهر والرقبة لمدة دقيقتين.
وتشتيت النظر عن الكتاب بتوجيه العين إلى أبعد نقطة ممكنة.
أو القيام بتمرين القلم .. وهو إمساك القلم على مسافة 30 سم ثم تقريبه إلى مسافة 5 سم من الأنف وإبعاده إلى مسافة 30 سم مرة أخرى، يتكرر هذا التمرين كل 30 دقيقة.
في الأعوام الأخيرة، مع توسع التكنولوجيا وسهولة توفرها للجميع انتشرت ثقافة المطالعة الالكترونية، وأصبح الكتاب المطبوع جليس الأرفف المغبرة! يعود ذلك لعدة امتيازات تميز بها الكتاب الالكتروني عن نظيره المطبوع منها الوزن الخفيف وعدم حيازته لمساحات مادية وكذلك تعتبر أوفر سعرًا من الكتب الورقية. وقريبًا مع الأجيال القادمة ستكون الكتب الالكترونية بديلاً تامًا للورقيات المطبوعة، رغم أن هذه الظاهرة لن ترضي عشاق القراءة التقليدية من الأجيال الأقدم!
في المقابل هناك سلبيات ومخاطر حذر منها الباحثون، ففي دراسة أجراها محققون أمريكيون من كلية الطب في جامعه هارفارد، أن الأدوات المضيئة التي تعمل على تعطيل الساعة الداخلية للجسم، تزيد من مخاطر الإصابة بداء السكر وأمراض السرطان.
وقد قام الفريق الطبي بإجراء دراسة تتضمن 12 فردًا ممن قضوا وقتهم في المطالعة الالكترونية، فأظهرت عينات الدم لديهم انخفاض في مستويات هورمون الميلاتونين بالمقارنة مع أشخاص لم يقضوا وقتهم في المطالعة الالكترونية.
يجدر بالذكر أن هذا الهورمون يرتفع لأعلى مستوياته أثناء النوم وينخفض عند اليقظة، وأن الضوء الأزرق الناتج عن الأجهزة الالكترونية يسبب خللاً في إفزاره، وهذا ما لوحظ أيضًا في الأشخاص المستخدمين للأجهزة الالكترونية أثناء وقت النوم، أنهم يعانون من حالات أرق مزمنة.
ختامًا، إن للقراءة والمطالعة فوائد جمة لا تعد ولا تحصى، وقد توصلت دراسة أمريكية أن القراءة والكتابة تفيد في الحفاظ على قوة الذاكرة عند الكبر، حتى لو تم القيام بها بأي عمر خلال الحياة، وقد أشارت الدراسة أن تراجع الذاكرة كان أقل بمقدار 48% في الأفراد الذين يمارسون القراءة أو غيرها من الفعاليات الذهنية مقارنة مع الأشخاص الذين لم يقوموا بذلك.
الروائي الفرنسي فيليب سولرز: «لا يمكن أن نكتب إلا إذا كنا نعرف أن نقرأ، لكن لمعرفة القراءة يجب أن نعرف كيف نعيش. إن القراءة هي فن الحياة الرائع».
9,309 total views, 2 views today
Hits: 622