الرسوم البيانية بين المأمول والمعمول
منار السعيدية
مريم الشكيلية
يحصُل الإنسان على المعرفة من مصادر متنوعة؛ من خلال توظيف الحواس المختلفة، والملاحظة، والتجريب، والاستكشاف، واستخدام الأجهزة الحديثة، التي تُمكِّنه من الحصول على الكثير من المعلومات النوعية، والبيانات الكمية التي تكون بصُورتها الأولية غير مفهومة؛ لذلك يعمل الإنسان على تصنيف وتنظيم هذه البيانات في شكل جداول ورسوم بيانية، تُمكنه من تحليل البيانات، والحصول على المعلومات، والتوصُّل للمعرفة. وتعدُّ الرسوم البيانية من أهم الوسائل البصرية التي يُوظفها المعلمون في تدريس العلوم.
تُعرَّف الرسوم البيانية بأنها: تمثيل بصري يعبر عن المعلومات العلمية على شكل أعمدة وخطوط ومنحنيات وصور ودوائر بيانية؛ لبيان العلاقة بين متغيرات الحدث أو الظاهرة العلمية (عبدالجليل وعبدالوهاب، 2003م)، ولا تقتصر الرسوم البيانية على نوع واحد، وإنما يوجد لها عدد من الأنواع؛ مثل: التمثيل البياني باستخدام الأعمدة، أو الخطوط، أو الدوائر، أو المساحات. وتعمل الرسوم البيانية كوعاء يتم فيه تخزين كمية كبيرة من المعلومات، وإبراز الطريقة التي ترتبط بها قيم المتغيرات مع بعضها البعض، واستبصار العلاقات بين المتغيرات بسرعة؛ فتسهل على الطلاب تفسير البيانات والتنبؤ بالظواهر العلمية (عطيفة، 1987م). وأوضح الزعبي (2007م) أن قراءة الرسوم البيانية، وإعادة تنظيم المعلومات والبيانات، يضع الطلاب أمام مهمة تستدعي منهم إعطاء تفسيرات علمية مُقنعة لما يُشاهدون، واستخلاص معنى أو خبرة جديدة تمكِّنهم من الخروج باستنتاجات واضحة ومُيسَّرة، وربط الرسوم البيانية بالنص المكتوب للمادة العلمية.
وقد أشار بوني وروث (Bowen, Roth.2005) إلى أن المعايير الوطنية لتدريس العلوم (National Science Education Standards) ركزت على ضرورة تدريب الطلاب على التعامل مع الرسوم البيانية من خلال بعض الممارسات؛ مثل:
١- جمع البيانات، وتنظيمها، ووصفها بصورة منهجية.
٢- إنشاء وتفسير الجداول والرسوم البيانية.
٣- تحليل العلاقات لشرح كيف يؤدي تغيير في كمية واحدة إلى حدوث تغيير في كمية أخرى في قانون ما.
٤- تحليل الجداول والرسوم البيانية لتحديد الخصائص والعلاقات.
٥- استخدام القياسات لوصف ومقارنة الظواهر.
٦- تقديم الاستدلالات والحجج المقنعة التي تستند إلى تحليل البيانات.
.. إنَّ هذه الممارسات تعتبر سلوكا ينتهجه العلماء للوصول للمعرفة، ويُطلق على هذه الممارسات المرتبطة بالتعامل مع البيانات وتنظيمها على شكل رسوم بيانية اسم “مهارات الرسوم البيانية”، وتعني امتلاك الطالب مهارات تفسير ما تتضمنه الرسوم البيانية من بيانات في ضوء المتغيرات التي تتضمنها هذه الرسوم البيانية ودلالاتها، والتنبؤ، والاستنتاج في ضوء هذه المتغيرات (الزعبي، 2007:668م)؛ ومن المهارات الأساسية للرسوم البيانية:
تفسير الرسوم البيانية.
بناء الرسوم البيانية.
ترجمة الرسوم البيانية.
وبالرغم من أهمية الرسوم البيانية، إلا أن الطلاب يواجهون صعوبة في تحقيق مهاراتها الأساسية بالشكل الصحيح، حسب ما جاء في الدراسات:Gultepe,2007; Hattikudur et al,2012’ Tairab& Al-Naqbi ,2004.
ومن هذه الصعوبات:
- تحويل الجداول إلى رسوم بيانية، والعكس.
- إيجاد العلاقة بين المتغيرات من خلال الرسم البياني.
- توظيف البيانات الممثلة في الرسم البياني لإيجاد القيم المجهولة.
- تفسير العلاقات والظواهر العلمية بناء على البيانات المتوفرة في الرسم البياني.
- قراءة وترجمة الجداول والمخطَّطات البيانية باختلاف شكل التمثيل البياني.
- تقييم مدى صحة المعلومات الممثَّلة بالرسم البياني.
ويُوْجَد خلف هذه الصعوبات عددٌ من الأسباب؛ على سبيل المثال لا الحصر: عدم قدرة الطلاب على معرفة أي الجوانب المهمة في الجداول والرسوم البيانية، وكيفية قراءتها، وعدم إدراكهم لأهمية بعض الأجزاء الصغيرة والتفصيلية، وصعوبة ترجمتها لنصوص مكتوبة أو منطوقة، والعكس، وتحديدا فيما يتعلق بالمنحنيات (Dyke& White,2004). وأشارت دراسة بتتجير وهاردنج وإنجلبرك (Potgieter,Harding,&Engelbrecht,2008) إلى أن إخفاق الطلاب في مهارات الرسوم البيانية يعود للإعداد غير الجيد في أساسيات الرياضيات؛ لذا يواجه الطلاب صعوبة الربط بين نظريات العلوم وبين رموز الرياضيات. وفي الميدان التربوي، يواجه الطلاب فعليًّا هذه الصعوبات، إلى جانب تخوفهم من المحتوى العلمي إذا كان يحوي عددًا من الرسومات البيانية، وفي بعض الأحيان نجد عزوفَ بعض الطلاب عن المحاولة في حل الرسوم البيانية أو التعامل معها؛ لاعتقادهم أنها مُعقدَّة، وأنهم لا يملكون القدرة أو المهارة اللازمة التي تجعلهم قادرين على قراءتها وتفسيرها، وهذا ما يطلق عليه مفهوم الألفة بالرسوم البيانية، والتي تتضمن ثلاثة أبعاد رئيسية؛ هي: الخبرة بالرسوم البيانية والتقييم الذاتي لها، والقدرة على التعامل مع الرسوم البيانية، وتفضيل الرسوم البيانية (عفيفي،2013م).
ولأهمية الرسوم البيانية في حياة الطلاب اليومية، وحاجتهم للتعامل معها في مجالات مختلفة، كان لابد من إعدادهم لامتلاك المهارات الأساسية للتعامل معها.. ومن الطرق التدريسية التي أثبتت فاعليتها في ذلك: طريقة التعلم بالاستقصاء العلمي. وذكر عفيفي (2013م) خطوات إستراتيجية الاستقصاء العلمي حسب ما جاء في نموذج ولاية فرجينيا لتدريس الرسوم البيانية، القائم على الاستقصاء العلمي، سنقوم بتوضيحها من خلال تطبيق خطواتها على درس منحنيات وحسابات المعايرة للأحماض والقواعد في منهج الكيمياء للصف الحادي عشر في سلطنة عُمان.
التهيئة: مراجعة مفهوم الحمض والقاعدة، وطريقة عمل الكواشف الكيميائية، وحساب تركيز الهيدروجين.
العرض والاستكشاف: وفي هذه المرحلة يقوم المعلِّم بشرح آلية معايرة الأحماض والقواعد، وكيفية حساب تركيز حمض أو قاعدة مجهولة التركيز باستخدام حمض أو قاعدة معلومة التركيز، ومن ثم يوجه المعلم الطلاب لإجراء نشاط عملي لمعايرة حجم معين من حمض قوي مجهول التركيز (يوضع في دورق ويتم حساب قيمة PH) باستخدام قاعدة قوية معلومة التركيز (موضوعة في سحاحة)؛ من خلال الاختلاف في كمية القاعدة المضافة، وملاحظة التغيرات في قيمة الـPH، باستخدام مجس PH المحوسب، أو جهازPH الإلكتروني.
الامتداد: خلال هذه المرحلة يطلب المعلم من الطلاب تجميع البيانات (حجم القاعدة المضافة، وقيمة PH)، ومن ثمَّ تحويل البيانات المجدولة إلى رسم بياني، ثم تحليل الرسم البياني، وتشجيع الطلاب على استنتاج واستخلاص تركيز الحمض المجهول ومدى PH.
الممارسة: في هذه المرحلة يقوم الطلاب بإعادة إجراء التجربة مع أحماض وقواعد أخرى، ويفضَّل مثلًا أن يكون أحدهم حمضا أو قاعدة ضعيفة؛ لكي يلاحظ الطلاب الاختلافَ في شكل الرسم البياني. ومن الممكن خلال هذه المرحلة استخدام أحد البرامج الإلكترونية مثل “Sparkvue”، والذي يقوم بجمع البيانات في واجهة رقمية واحدة من خلال المجسات الإلكترونية، وتحويلها إلى جداول ورسوم بيانية، ومن خلال هذه البرامج يحصل الطلاب على نتائج بشكل أدق. ومن ثم، يقوم الطلاب بتوظيف البيانات التي حصلوا عليها للوصول إلى الاستنتاجات.
التقويم: من خلال هذه المرحلة يعطي المعلم التغذية الراجعة للأنشطة التي طبقها الطلاب في مرحلة الممارسة، ومدى اكتسابهم للمهارات الأساسية في مُعايرة الأحماض والقواعد، وتحليل وبناء الرسوم البيانية الخاصة بالمعايرة.
التوسُّع والامتداد: يقدم المعلم للطلاب أشكالًا مختلفة من الرسوم البيانية، مرتبطة بموضوع الدرس، والهدف من ذلك التقييم الذاتي للطلاب من حيث امتلاكهم لمهارات التعامل مع الرسوم البيانية لعملية معايرة الأحماض والقواعد.
ونلاحظ من خلال الإستراتيجية السابقة اعتمادها على الجانب العملي لبناء وتفسير وترجمة الرسوم البيانية، بينما توجد طرق أخرى تستخدم كوسيلة تعليم وتعلم؛ بحيث تمكِّن الطلاب من التعامل مع الرسوم البيانية دون الحاجة للجانب العملي. وهذه الطرق تعتمد على تدريب الطلاب على قراءة الرسوم البيانية؛ من خلال الخطوات التالية:
تحديد عنوان الرسم البياني والمتغيرات التي يصفها.
تحديد المتغيرات على المحورين السيني والصادي.
تحديد الوحدات المستخدمة في قياس المتغيرات.
دراسة شكل المنحنى أو الأعمدة التي تعبر عن العلاقة بين المتغيرات السينية والصادية.
تفسير الظواهر العلمية اعتمادا على الشكل البياني.
ومن خلال واقعنا في الميدان التربوي، لمسنا الأثر الإيجابي للخطوات السابقة؛ متمثلا في عدة صور؛ منها:
- زيادة تفاعل الطالبات في الأنشطة المتضمنة للرسوم البيانية، خاصة التي يصاحبها التجريب المعملي، واستخدام البرامج المحوسبة في معالجة البيانات واستخراج الرسوم البيانية.
- ارتفاع المستوى التحصيلي في مادة الكيمياء؛ لأن أغلب اختباراتها تتضمن الرسوم البيانية.
- تطوُّر بعض مهارات التفكير العليا كالتحليل والتركيب والتقويم.
ومن هذا المنطلق، نوجه دعوة لجميع معلمي العلوم والرياضيات والجغرافيا بضرورة التركيز على تنمية مهارات الرسوم البيانية منذ المراحل التعليمية الأولى ومتابعة المستجدات التربوية في طرق التدريس الحديثة التي تتناول تنمية هذا الجانب. كما نوصي بتوجه الأدب التربوي لإجراء الدراسات والبحوث لبيان الأسباب الحقيقية لتدني قدرة الطلاب على التعامل مع الرسوم البيانية، وعدم الألفة معها، وإيجاد طرق العلاج المناسبة.
—————————————————-
المراجع
أولا: العربية
- الزعبي، طلال (2007م)، “أثر الجنس وفئة المعدل التراكمي والمستوى الدراسي لطلاب تخصص الفيزياء في جامعة الحسين بن طلال في قراءاتهم للرسوم البيانية”، دراسات العلوم التربوية، (34)، 686 – 698.
- عبد الجليل، رجاء وعبد الوهاب، فاطمة (2003م)، “أثر استخدام الرسوم البيانية في تدريس العلوم والجغرافيا على التحصيل وبقاء أثر التعلم والاتجاه نحو استخدام الرسوم البيانية لدى تلاميذ الصف الأول الإعدادي، دراسات في المناهج وطرق التدريس، (86)،179-133.
- عطيفة، حمدي (1987م). “تقويم مهارات الرسم البياني ونموها لدى طلاب الشعب العلمية بكليتي التربية بالمنصورة ودمياط”، دراسات تربوية، (2)9، 256- 279.
- عفيفي، محرم (2013م)، “برنامج في العلوم لتنمية مهارات التعامل مع الرسوم البيانية وترجمة الرسوم البيانية العلمية والألفة بها لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية”، دراسات في المناهج وطرق التدريس، مصر،190، 15-64.
ثانيا: الأجنبية
- Bowen, G. M., & Roth, W. (2005). Data and graph interpretation practices among preservice science teachers. Journal Of Research In Science Teaching, 42(10), 1063-1088.
- Dyke, F. & White, A. (2004). Making graphs count. Mathematics Teaching, 188 (7), 42-44.
- Gultepe, N. (2007). Reflections on high school students’ graphing skills and their conceptual understanding of drawing chemistry graphs. Educational Sciences: Theory & Practice, 17(1), 53-81.
- Hattikudur, S., Prather, R. W., Asquith, P., Alibali, M. W., Knuth, E. J., & Nathan, M. (2012). Constructing graphical representations: middle schoolers’ intuitions and developing knowledge about slope and yintercept. School Science And Mathematics, (4), 230-240.
- Potgieter, M., Harding, A., & Engelbrecht, J. (2008). Transfer of algebraic and graphical thinking between mathematics and chemistry. Journal Of Research In Science Teaching, (2), 197.
- Tairab, H., & Al-Naqbi, A. (2004). How do secondary school science students interpret and construct scientific graphs?. Journal Of Biological Education (Society Of Biology), 38(3), 127-132.
5,071 total views, 8 views today
Hits: 387