الذكاء الاصطناعي ونظرية العقل
أ.د. عادل عوض
جامعة المنصورة – مصر
تمهيد
يمثل الذكاء الاصطناعى مرحلة متقدمة من مراحل التطور التكنولوجى يسعى خلالها المختصين إلى تواصل الأنظمة الحاسوبية التى تحاكى الذكاء الإنسانى. ومن النماذج على هذا السعي، أصبح يستخدم لحاسب فى عملية معقدة مثل محاولة فهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقدم حلول أكثر كفاءة، وكذلك يستخدم الذكاء الاصطناعى فى تحليل المعلومات المهمة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين إمكانية الجدولة. هذه التطورات وغيرها تقودنا إلى طرح عدة تساؤلات متعلقة بالذكاء الاصطناعى مثل ماذا يعنى الذكاء الاصطناعى وما أهدافه؟، ما المواضع التى يتفوق فيها الذكاء البشري على الذكاء الاصطناعى؟ وماذا يقصد نظرية العقل؟ وما قيمة فلسفة العقل وما مدى علاقتها بالعلوم الأخرى؟ وهل نظرية الحاسوبية للعقل فى الأساس حركة فلسفية؟ وإذا كانت ذلك ما جذورها الفلسفية؟ ما المقصود بنظرية التمثيل المعرفي؟ وهل من الممكن الدمج بين الذكاء الاصطناعى والذكاء البشري، وكيف يتم ذلك، وما النتائج التى تترتب على هذا الدمج؟ كل هذه التساؤلات سنحاول الإجابة عنها فى دراستنا الحالية.
أحد أهداف الذكاء الاصطناعي استنساخ الإدراك البشري، ومع زيادة تعقيد الذكاء الاصطناعي، قد تصبح الخصائص المعرفية المتقدمة مثل نظرية العقل ذات صلة بهذا المخطط. لذلك، نناقش بإيجاز التداخل بين الذكاء الاصطناعي ونظرية العقل بشان التفاعل بين الإنسان والآلة خلال دراسة وجهات نظر مختلفة حول هذه المسألة([1]).
يهدف علم الذكاء الاصطناعي إلى فهم طبيعة الذكاء البشري وذلك خلال إنشاء برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء([2]).
هناك عديد من أنماط التفكير البشري التي يصعب حتى الآن على الذكاء الاصطناعي التعامل معها كالاقتباس والتمييز والرغبة، وحين يستطيع الذكاء الاصطناعي معاجلة مثل هذه الأنماط سوف يثبت أنه قادر على أن يحل محل الذكاء الطبيعي، أما إذا لم يستطع الذكاء الاصطناعي التعامل مع هذه الأنماط، فبذلك تكون قد اتضحت حدوده وقدراته([3]).
يهدف الذكاء الاصطناعى إلى صنع آلة تفكر بالمعنى الواسع ، والتفكير بالمعنى الواسع يستدعي القيام بعمليات فكرية ونفسية تعتمد وسائل علمية ونظرية وتنظيمية وإدماجية ومنطقية رمزية ولغات خاصة كالليزر والبرولوج … الخ. وهذا يفترض وجود ذاكرة وقدرة أو فاعلية على التمييز والتصنيف والإدراك والتعلم واستعمال اللغات الاصطناعية والمعلومات الواردة من البيئة والمحيط الخارجي ، فعلى الآلة المفكرة أن تدرك محيطها ، وأن تستطيع أن تفرز وتميز وتصنف الأنماط الحسية من شكل ولون ومقدار ، أي أن تدرك الكيف بتفصيلاته وأن تضع الجداول واللوائح ، ومعرفة الكيف تكون ضرورية جدا ، لأنه هو الذي يكون الإطار المرجعي للإدراك الحسي ، فعلى الآلة المفكرة استيعاب كل محيطها الخارجي بكل متغيراته ومجالاته ، يعتمد الإدراك الحسي على الإبصار في الدرجة الأولى، وعلى مرجعيات كثيرة واسعة منها الاحتمالية والمشابهة ، وكل ما يقدمه علم المعرفة في الذكاء السيكولوجي الاصطناعي يمكن الإفادة منه لتكوين آلة مفكرة تستطيع أن تدرك ما يعطي ومالا يعطى لها ، فهي ليست آلة سلبية بل يجب أن تكون إيجابية تغير في المعطى لتضعه في الأطر المعرفية الإدراكية السيكولوجية الصحيحة ، إن بناء آلة تدرك هو حجر الزاوية في الذكاء الاصطناعي ، إذ الإدراك هو البداية للتعرف ولاستقاء المعلومات وتخزينها في الذاكرة الاصطناعية([4]).
لقد ألهمت قدرات البشر ومهاراتهم المعرفية واسعة النطاق ومتعددة الاستخدامات البشر لفترة طويلة لاستنساخ الذكاء بطريقة اصطناعية. لا يتطلب هذا المسعى فهما عميقا للإدراك البشري والعمليات التي تقوم عليه فحسب، بل يتطلب أيضا نماذج مفاهيمية يمكن إنجازها وتنفيذها وفقا لذلك. وبرغم أن فكرة الذكاء الاصطناعي تعود إلى العصور القديمة ، إلا أن ظهور آلات حاسوبية في منتصف القرن العشرين قد مكن البشر أخيراً من تصميم البرامج و إنجازها وتنفيذها بمنطق عقلاني محدد مسبقاً. ومنذ ذلك الحين، زادت التوقعات والإمكانيات مع التقدم التكنولوجي. وفي الوقت نفسه، أصبح من الواضح أن تعقيد الإدراك البشري لا يمكن التقاطه كليا بسهولة في منطق البرمجة. ويرغم أن الكمبيوتر قد تفوق على البشر في العمليات الحسابية خلال وقت قصير، إلا أن المهام المعرفية الأساسية الأخرى مثل التعرف على الأشياء لا تزال تمثل تحديا كبيرا لأجهزة الكمبيوتر([5]).
تعمل الخلية العصبية على مقياس زمنى من ملي ثانية، أي أنه في العادة تحتاج الخلية العصبية بضعة ملى ثوان لتطلق الإشارة، ومثلها كي ترتحل للإشارة العصبية عبر محورها، ومثلها ليعود النظام إلى الحالة المبدئية حتى يستطيع أن يطلق من جديد. إن الترانزيستور العادي مثل الذي في كمبيوترك الشخصي. من جهة أخرى، يستطيع أن يشغل ويطفأ بمعدل جزء من البليون من الثانية أي مليون مرة أسرع من الخلايا العصبية، وهناك نماذج تجريبية يمكنها أن تشغل وتطفأ بمعدل أسرع ألف مرة من ذلك([6]).
كل هذا الحديث عن الملي ثانية وجزء من البليون من الثانية قد لا يكون له تأثير كبير فيك، لذا دعني أعطك مثالا بسيطا عما يعنيه أن يكون شيء ما أسرع مليون مرة من آخر. أفترض أنه كان عندك شخص واحد قادر على نوع معين من العمل في اليوم، وشخص آخر استغرق مليون مرة أطول لإنجازه. إذا كان الشخص الأول بدأ بالعمل منذ أربع وعشرين ساعة مضت، فإنه سيكون بصدد انهائه الآن. أما بالنسبة إلى الشخص الأبطأ، فكى ينهي العمل في الوقت نفسه، هو أو هي عليهما أن يكونا قد بدأ العمل حوالي العام 770 ق.م. هذا هو فرق سرعة الترانزيستور العادي عن الخلية العصبية.
من جهة أخرى، نحن نعرف أن الدماغ قادر على العمل بسرعة كبيرة على بعض المهام. إليك مثالاً: ارفع رأسك للأعلى وانظر حولك، ثم احن رأسك. عندما تنفذ هذا فإن الصورة البصرية التي لديك عن العالم حولك تبقى عمودية. إنها لا تنحني كما يفعل رأسك([7]).
إن هذه العملية البسيطة تتم من دون جهد لدرجة يسهل معها تجاهل أنها تشكل تحدياً حسابياً ضخماً – وأخيراً جداً فقط تمكنت أحدث الآلات من محاكاة ذلك في الوقت الفعلي. هذا لأن الطريقة التقليدية التي يحلل بها الكمبيوتر صورة مرئية مختلفة تماماً عن الطريقة التي يعتمدها الدماغ البشري. لشرح ذلك ببساطة، سيقسم نظام كمبيوتري لإنتاج المجالات البصرية الصورة إلى وحدات صغيرة تدعى بيكسل pixels، ثم يحللها واحدة فواحدة. في جهاز تلفازك على سبيل المثال، فإن الصورة الكاملة تتألف من 525 525 = 275625 بيكسل. ولحني الصورة على الكمبيوتر أن يحلل ويغير كل بيكسل، وستستغرق مثل هذه العملية وقتا طويلا لإجرائها([8]).
إن حقيقة أن الدماغ قادر على القيام بعمليات كهذه بسرعة تعني أنه لديه آلية التعويض البطء في الخلايا العصبية المستقلة. في الواقع، يتألف الدماغ من مجموعات منفصلة من الخلايا العصبية شديدة التخصص. هذا يعني أن الدماغ يعمل بآلية يطلق عليها علماء الكمبيوتر الطرق كثيفة التوازي massively parallel way. أي أن هناك عديد من القطع المختلفة من الصورة تجمع بعضها مع بعض في الوقت نفسه، بحيث إنه على رغم أن كل عملية تتم ببطء نسبي، إلا أن ذلك لا يؤثر في سرعة المحصلة النهائية.
متى ما صادفتك مهمة يستطيع الدماغ إنجازها بشكل أفضل من الكمبيوتر (وهناك عديد منها)، يمكنك أن تكون واثقا من أنك ستجد آلية حاذقة كهذه. على رغم أنك قد تتمكن من برمجة كمبيوتر لمحاكاة هذه الخدع الحاذقة (بتحليل المتوازي على سبيل المثال، إلا أن هذا ليس نمط عملها التقليدي. فالكمبيوتر أفضل بكثير في استخدام السرعة المذهلة (وليس الحذق) لحل المسائل. وهذا يقودنا إلى الاختلاف الثاني([9]).
إن إحدى القدرات المعرفية التي تميز الجنس البشري عن عديد من الأجناس الأخرى هي ما تسمى بنظرية العقل، التي تلتقط قدرة الفرد على أن يعزو لنفسه أو للأخرين الحالات العقلية والذهنية وسعياً إلى نمذجة الإدراك البشري، أصبحت قدرات نظرية العقل ذات صلة بالذكاء الاصطناعي المتقدم. وبالعكس، فإن تفاعل البشر مع عوامل غير بشرية ذكية يؤثر على كيفية أن يعزو الإنسان الحالات العقلية إلى الآلات([10]).
الذكاء الاصطناعي
يمثل الذكاء الاصطناعي أحد أقدم مجالات البحث في علوم الحاسوب، كما أن فكرة التفكير القائم على الآلة تسبق آلات الحوسبة الفيزيائية الفعلية ، استنادا إلى الأساس النظري للحوسبة الذي وضعه تورينج ) Turing1936)، ألهمت فكرة بناء دماغ اصطناعي علماء الكمبيوتر في وقت مبكر وفي حدث فريد في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، أسس كل من مكارثي McCarthy ومينسكي Minsky، وروتشستر Rochester و شانون Shannon الذكاء الاصطناعي بوصفه “علم وهندسة صناعة الآلات الذكية”. بينما يطلق تصنيف أحدث وضعه راسل وآخرون مصطلح الذكاء الاصطناعي على الأنظمة التي (أ) تفكر بعقلانية (على سبيل المثال، التفكير المنطقي)، أو (ب) تتصرف بعقلانية (على سبيل المثال، الوكلاء العقلانيون)، أو (ج) تفكر مثل البشر (على سبيل المثال، النمذجة المعرفية) أو (د) تتصرف مثل البشر (على سبيل المثال، الرؤية الحاسوبية والروبوتات) ([11]).
أضاف “مكارثی” بعض التعبيرات المشروطة إلى المعجم الرياضي القياسي، كما بين كيفية وصف مزايا البرمجة المثالية خلال الدوال التكرارية. حيث إن هذه الدوال يمكن التبرير لها. ولذلك فإن مشكلة التوفيق بين ما يعد ثابتاً وما يعد متحركاً أمر تم تجاوزه من قبل “مكارثی” خلال وسيط الدوال التكرارية. فالأمر ليس من قبيل الصدفة، حيث صمم “مكارثي” لغة البرمجة، التي تعد عنصر البرمجة الرئيس للدالة، والذي يعتمد الاستخدام الفاعل بشكل كبير لها على مسألة “التكرار”([12]). يعد “مكارثي” واحدا من الأوائل الذين عبروا عن هذا الرأي، فإنه رأي شاركه فيه آخرون في الستينيات، هؤلاء الذين سعوا لوصف ما سيكون عليه هذا البرنامج. فقد اعترف “ناعور”، في محاولة منه التجاوز ما يعد ثابتاً إلى ما يعد متحركاً في التفكير حول البرامج، بأن ثمة طريقة واحدة للحديث حول البرنامج وكيانا نصيا ثابتا، وبوصفه كيانا تنفيذيا متحركا سواء بسواء، أي تصوره بوصفه برنامجاً تنفيذياً يتم إيقافه من وقت لأخر من الناحية النظرية، ثم نقوم ببناء عبارات حول حالة آلته التجريدية وقت إيقافه، وخلال القيام بهذا العدد من اللقطات للبرنامج المنفذ نظرياً وتزويدها بشروح خاصة بكل برنامج على شاكلة سابقتها ، يمكن حينها بناء دليل متعلق بحالة الآلة التجريدية عند الانتهاء([13]).
مر علم الحاسوب بمراحل في محاولته تقليد العقل البشري إلى أن انتهى بالذكاء الاصطناعي ، وهي أهم مرحلة يمكن أن تهدد التميز البشري ، والذكاء الاصطناعي نتيجة لآخر التطورات التقنية التي قدمت أفكارا جديدة جعلت علماء علم الإدراك يرون أن العمليات العقلية الإنسانية تتم رياضيا خلال عمليات مخية ، واعتماد علماء الإدراك على آخر التطورات أمر يشبه ما يحدث في الطبيعة من حيث إن البحث داخل الظواهر الطبيعية يقوم على كل ما هو جديد([14]).
آمن عديد من الباحثين أن قوة الذكاء الاصطناعي محدودة فقط بسبب موارد الحوسبة المتزايدة، ومع ذلك، سرعان ما أصيبت أبحاث الذكاء الاصطناعي بسلسلة من خيبات الأمل: فبينما كانت بعض المهام سهلة البرمجة، كانت عديد من المهارات البشرية العامة إما معقدة للغاية بحيث يتعذر تنفيذها أو لا يمكن فهمها بشكل كافٍ بحيث يمكن تصميمها بشكل مناسب، بدلاً من ذلك، ركز الباحثون على مهام أكثر تحديدا يمكن أن تتماشى مع المفاهيم والأساليب والتقنيات السائدة – بما في ذلك البحث والتخطيط والتحسين/ الاستخدام الأمثل والاستدلال. ثم صك لهذا المجال الفرعي لاحقا مصطلح “الذكاء الاصطناعي الضعيف”، كمقابل مضاد لمصطلح “الذكاء الاصطناعي القوي” الذي يمثل ذكاءً اصطناعيًا عامًا قادرًا على حل المشكلات التحكمية التي لم تكن معروفة من قبل استنادا إلى الأساليب والمعرفة العامة([15]).
لقد اقترح آلان تورينج وهو أحد رواد نظرية الكمبيوتر اختبار لتحديد ما إذا كان ذكيا أم لا وهو الذي يعرف الآن باسم “اختبار تورينج”([16]).
ويتضمن هذا المعيار المبدأ القائل بأنه إذا كانت الآلة تتصف بذكاء فلا بد أن نصفها بالذكاء([17]).
كان قد تخيل وجود محقق بشري يتصل بحاسب أو بإنسان في حجرة مجاورة وأن الاتصال سيأخذ شكل رسائل يتم حملها بين الغرفتين عن طريق رسائل محايدة وسوف تطبع هذه الرسائل، لذلك فإن محتوى الرسائل فقط هو الذي يمكن أن يعطي المحقق الإشارات عما إذا كان يتصل بحاسب أم يتصل بإنسان، ووفقا لاختبار تورينج إذا لم يكن المحقق قادراً على التمييز بين الحاسب والإنسان إذن يكون الحاسب في ذكاء الإنسان تماما.
لكن لسوء الحظ فإن هذا الاختبار به عيوب عديدة، فإذا لم يكن المحقق مدربا، فمن السهل خداعه ليصدق أن حاسب غير ذكي تماما ذكي كالإنسان، وفي إحدى التجارب التي قامت على طريقة مشابهة لاختبار تورينج، تم عمل محادثة مع الكمبيوتر عن أمور شخصية، واستمر الكمبيوتر في المحادثة بإقحام عبارات مفاجئة مثل “ما هو شعورك عن ذلك؟ “”وأخبرني بأكثر من ذلك؟”
أحيانا كان الكمبيوتر يستخدم كلمات كان ينطقها الشخص نفسه الذي يتحادث معه في ردوده، لذلك إذا قال الشخص “لقد كانت لي مشكلات مع والدي مؤخرا” فإنه يرد عليه “أخبرني عن والدك” وقد اقتنع عديد من الأشخاص أنهم كانوا يتحدثون مع كمبيوتر وبعضهم رفض أن يصدق ذلك الأمر.([18])
أحد العيوب الأخرى في “اختبار تورينج” أنه يستلزم أن يكون الكمبيوتر مثل الإنسان بالضبط فالأشخاص الذين ينتمون إلى الثقافة نفسها يكتسبون معرفة خلفية متشابهة من والديهم ومن مدرستهم ومن وسائل الإعلام ونتيجة لذلك يكون هناك وحدة واضحة في المعرفة الأساسية المنتظرة لهؤلاء الأشخاص (على الرغم من أنه بالطبع يكون لكل شخص معرفته الخاصة وحيله المحددة التي تجعله قريبا).
الكمبيوتر الذكي الذي لم ينشأ في بيئة الإنسان نفسها، إذ يصعب تخيله تلميذا في مدرسة ابتدائية يجلس في الفصل ويجري في الفناء مع الأطفال لن يكون له المعرفة الأساسية نفسها، وهذا لا يعني أنه أقل ذكاء من البشر بل يعني أن خبرته مختلفة عن الإنسان، وبالرغم من ذلك فإنه مع المحقق النابه فإن الكمبيوتر سيفشل في “اختبار تورينج”([19]).
تدل هذه العيوب على أن مقياس تورينج لا يمكنه النهوض وحده بوصفه معيارا لذكاء الآلات([20]). وتدل أيضا على مشكلات أساسية أكثر موجودة فيه فهو يتعامل مع الكمبيوتر على أنه صندوق أسود وهو المصطلح الذي يطلقه العلماء والمهندسين على الشيء الذي يجهلون عمله الداخلي لذلك يمكن فهمه فقط على اعتبار تفاعله مع بيئته، ووفقا لاختبار تورينج يتم تحديد ذكاء الكمبيوتر فقط على اعتبار تفاعله مع المحقق وليس بالتفكير في أعماله الداخلية، وهذا الرأي كان له نظيره في حركة في علم النفس في النصف الأول من القرن العشرين تسمى “المذهب السلوكي”، وقد رفض رواده محاولات المحللين النفسيين مثل فرويد لفهم العقل البشري، خلال مراقبة النفس وخلال تحليل تقارير الأشخاص عن خبراتهم الشخصية وكان هؤلاء السلوكيين يهتمون فقط بالملاحظات والمعايير العلمية([21]).
أن آلة تورينج ليست نوعاً فعلياً من الآلات التي يمكنك شراؤها في المتجر، إنها فكرة نظرية بحتة ، ومع ذلك، فإن جهاز الكمبيوتر الذي تشتريه في متجر هو جهاز تورینج ، إنه يتعامل مع الرموز وفقا للقواعد الحسابية وبالتالي ينفذ الخوارزميات([22]).
ثمة وجهة نظر أخرى تعرف باسم الذكاء الاصطناعي القوي ، وهي تتبنى، بدلا مما سبق ، موقفا متطرفا حول هذه القضايا ، فبالنسبة لها ، ليست الآلات التي سبقت الإشارة إليها وحدها هي التي يجب أن يشار إليها بأنها ذكية وتملك عقلا وغير ذلك ، بل يمكن أن نعزو لكل أداة حاسوبية تعمل عملا منطقيا، صفات عقلية ، حتى البسيطة جدا منها ، الميكانيكية ، أو مثل جهاز تنظيم الحرارة، والفكرة في ذلك هي أن النشاط العقلى ليس سوى القيام بسلسلة من العمليات المحددة بدقة ، يطلق عليها عادة اسم خوارزمية ، يمكن أن نعرف الخوارزمية تعريف بسيط بأنها إجراء حسابی من نوع ما ، والخوارزمية في حالة جهاز تنظيم الحرارة بسيطة إلى أبعد حد ، إذ يتابع الجهاز باستمرار ارتفاع درجة حرارته عن حرارة المحيط أو انخفاضها عنها ، وعندئذ يتخذ إجراءاته بصورة أن الدائرة تنقطع في الحالة الأولى ، وتتوصل في الحالة الثانية ، ولكن الخوارزمية ، في حالة أي نوع ذي شأن من أنواع النشاط العقلي ، للدماغ الإنساني ، ستكون أعقد من ذلك بكثير، وإن كانت بالنسبة لوجهة نظر الذكاء الاصطناعي القوي خوارزمية ليس إلا، وهي تختلف في سويتها اختلافا كبيراً جدا عن خوارزمية جهاز تنظيم الحرارة البسيط ، ولكن ليس من الضروري أن تختلف عنه بالمبدأ ، فالفرق إذن ، وفقا للذكاء الاصطناعي القوي ، بين طريقة عمل دماغ الإنسان الأساسية (بما في ذلك جميع تجلياته الواعية) وطريقة عمل جهاز تنظيم الحرارة ، تكمن فحسب في هذا التعقيد الكبر بكثير في حالة الدماغ (أو في البنية “الأعلى مرتبة” أو في “المزايا الذاتية الاحتكام”، أو في ميزة أخرى يمكن أن تنعت بها الخوارزمية) ، والأهم من ذلك ، أن جميع الصفات العقلية من تفكير، إحساس ، ذكاء، فهم ، وشعور- هي في نظر أصحاب الذكاء الاصطناعي القوي ، مجرد مظاهر لهذا الأسلوب المعقد في العمل ، الأمر الذي يعني أنها بالنسبة لهم ليست سوى ميزات للخوارزمية التي نفذها الدماغ([23]).
عموماً، إمكانية أن تستطيع الماكينة أن تفكر فعلا بطريقة البشر نفسها ، وليس ببساطة مجرد محاكاة التفكير البشرى، يشار إليها ب الذكاء الاصطناعي القوى strong AI. وعلى هذا الاعتقاد، فهذا يعني أنه سيكون من الممكن بناء حاسوب يكرر تماما أداء المخ البشري في كل جانب من جوانبه.
إذا كان من الوارد بناء آلة تفكر تماما بنفس طريقة البشر، فهذا يفجر عددا من القضايا المهمة، وخاصة وأنه من غير المرجح أن تكون للحاسوب خبرات حياتية غنية، كالتي كانت لدى البشر طيلة سنوات عديدة، ولن تكون له على الأرجح أحاسيس متنامية مختلفة، تدرك قيم مختلفة مكتسبة من خبرات الحياة، ولا قدرة على إدراك القيم المختلفة، ومواجهة المعضلات الأخلاقية، وربما لم يعامل بالطريقة نفسها التي يعامل بها البشر. وربما الأهم من ذلك كله هو جسم جهاز الحاسوب، إذا كان له شكل الجسم أصلا (ربما على هيئة روبوت)، فربما يكون مختلفا تماما عن جسم الإنسان، فمن الممكن أن تكون له عجلات بدلا من الساقين، وجهاز استشعار يعمل بالأشعة تحت الحمراء بدلا من العين([24]).
لذلك، فالقضية المهمة التي يطرحها مفهوم الذكاء الاصطناعي القوى هي مشكلة العقل- الجسد، ومفهوم الوعي Consciousness، والمسائل المرتبطة بالفهم، والإدراك awareness. وربما تكون الحجة الأفضل التي نناقشها هنا هي تجربة المخ في راقود brain-in-a-vat. تخيل أن لديك نسختين من عقلك، الأولى هي النسخة العادية، تلك النسخة التي اعتدت على استخدامها، والنسخة الثانية هي التي سنطرحها الآن([25]).
تخيل أنك عندما ولدت، استخرج مخك ووضع في راقود، حيث ظل حيا، ويتغذى بتغذية مناسبة تتيح له النمو وبناء القدرة على الاتصال. وعلى مدى هذه الفترة استمر إرسال الإشارات الكهروكيميائية إلى المخ لتغذيته بقصص خيالية خالصة، وأرسلت إشارات حركية من المخ إلى العالم بحيث يكون بوسعك تعديله، وبمقدورك التحرك فيه من شأن شبيه العالم هذا أن يبدو لك حقيقيا. ومن الناحية النظرية، من شأن عقلك في هذه الحالة، أن يكون النوع نفسه من المشاعر الأحاسيس مثل مخ نما وتطور في جسد بالطريقة المعتادة([26]).
على افتراض أن نسختى المخ في هذه المناقشة أتيح لهما فرصة النمو على الصعيد المادي بالطريقة نفسها (درجة الحرارة نفسها ، الطرقات نفسها وسبل التنشيط نفسها ، الخ) الأمر الذي يعني أن كل شيء بات مرهوناً بطبيعة العالم الخيالي. مطابقاً تماماً لعالم الواقع، فلن تكون هناك طريقة لمعرفة الفارق؛ حيث سيكون المخان قد نموا وتطورا بالطريقة نفسها تماماً. إلا أنه من الناحية العملية، فإن كل أساليب المحاكاة لا تسفر عن مضاهاة تامة مع الشيء الحقيقي، ومن ثم سيكون هناك، في الواقع، أوجه اختلاف صغيرة جداً تسمى “الكيفيات الخاصة “qualia وهي الخبرات الحقيقية intrinsic experiences.
من شأن المؤيد لفكرة الذكاء الاصطناعي القوى، أن يرى أي اختلافات بين نسختى عقلك من الضالة بحيث يمكن التغاضي عنها، إلا أن المعارض للفكرة سيشعر بأنه مهما كانت الاختلافات قليلة إلا أنها بالغة الأهمية([27]).
يتناول كل فريق من المؤيدين والمعارضين يدعم رأيه في هذا النقاش الفلسفي ويستند إليه. هناك من يتناول الموضوع من وجهة نظر مادية، ويتصور أنه لا وجود للسمات الروحية، فلا يوجد شيء مثل الروح الخالدة، وأن “الأمخاخ تسبب العقول”. وعلى العكس من ذلك، هناك من يعتقد أنه مهما كانت العناصر المادية، فحيثما كان المخ (البشرى) معنا، فهناك شيء آخر لا يمكن قياسه، وهذا الشيء هو الأمر المهم.
من منظور علمي، فإن الحالة الأولى هي الأقرب إلى الواقع. فقد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة جدا، لكن المخ في المحاكاة يمكن أن يكون قريب الشبه بما يكفي من المخ الحقيقي.
في الحالة الثانية، قد يكون من غير المجدي الجدل مع شخص يقول إنه مهما نشهد، مهما نستطيع أن نجرب أو نقيس، هناك شيء آخر، موجود ويتجاوز كل شيء، فهذا ليس أسلوباً علمياً([28]).
ثمة سببا لاستخدام العضلات الاصطناعية، وليس المحركات، للتحكم في مفاصل أي روبوت، كان بروكس مهتماً بأن الضوضاء الصرفة لأنشطة كوج الخاصة بالهيكل العظمي قد تتعارض بشكل جاد مع محاولة إعطاء كوج سماع شبيه بالإنسان. هناك بحث في مختبر الذكاء الاصطناعي لتطوير أنسجة عضلة كهربائية ميكانيكية مركبة، يمكنها أن تعمل في صمت بالإضافة لكونها أكثر صلابة، لكن هذا لن يكون متاحا خلال التجسد المبكر لكوج. ولسبب مختلف تماما، تم التفكير في اختيار لتصميم برمجيات التحكم البصري لكوج كما لو أن عيونه تتحرك بالعضلات، وليس المحركات، بإنشاء نقطة تفاعل برمجيات تصل إلى إعطاء كوج مجموعة من عضلات العين الافتراضية. لماذا قد يكون هذا التعقيد الإضافي في نقطة التفاعل حكيما؟ لأن نظام التحكم في العملية المناوئة” المبين بمثال أجهزة التحكم في عضلة العين من الواضح أنه سمة عميقة وكلية الوجود للأجهزة العصبية، المتضمنة في التحكم في الانتباه بشكل عام والمعطلة في علوم الأمراض مثل التجاهل أحادی الجانب. لو أننا في طريقنا للحصول على هذه النظم التنافسية على مستويات أعلى من التحكم، قد يكون من الحكمة إنشاؤها في “على كل الطريق من أسفل”، مع حجب الترجمة النهائية إلى حديث – محرك – كهربائي كجزء من التنفيذ الخاص، وليس النموذج([29]).
الجوانب العملية الأخرى أكثر وضوحا، أو على الأقل يتم استحضارها بشكل فوري أكثر بالنسبة لعديم الخبرة. تم توفير ثلاثة أزرار حمراء “قتل طوارئ” بالفعل في بيئة كوج، لضمان أنه لو اشترك كوج في نشاط ما قد يؤذي أو يعرض إنسان متفاعل للخطر (أو يعرض نفسه)، تكون هناك طريقة لجعله يتوقف. لكن ما هي الاستجابة الصحيحة لكوج تجاه زرار القتل؟ لو تم فصل طاقة التشغيل عن محركات كوج فجأة، سوف ينهار كوج، وسوف يتحطم ذراعيه بسقوطهما على أي شيء أسفلهما. هل هذا مانريد حدوثه؟ هل نريد لكوج أن يسقط أي شيء يمسك به؟ ما الذي يعنيه “توقف” لكوج؟ تلك قضية حقيقية لا يوجد عليها بعد أي إجماع([30]).
هناك انتقاد حديث لــ”الذكاء الاصطناعي القوی ” تلقي القليل جدا عن الاهتمام وهو ما يطلق عليه مسألة “تأسيس الرمز grounding .”Symbolمن المهم بالنسبة لبرامج الذكاء الاصطناعي الضخمة أن يكون لها بنی معلومات من المفترض أن تشير إلى شيكاغو، أو لبن، أو إلى الشخص الذي لا أتكلم معه، لكن هذه الدلالة الخيالية ليست الدلالة الحقيقية نفسها ، تبعاً لهذا النوع من النقد. هذه “الرموز” الداخلية ليست “مؤسسة” بشكل صحيح في العالم، ومن ثم فإن المسائل التي يتجنبها الذكاء الاصطناعي الصرف، وغير الروبوتي، ليست عادية أو سطحية. بوصفي – دانييل دينيت – أحد الذين ناقشوا، ورفضوا في النهاية، نوع من هذه المسألة منذ كثير من السنوات التي مضت، لا أرغب في أن يفسر ذلك بأنني أتخلى عن رأیی السابق. أسلم بأن كوج يثير مسألة تأسيس الرمز، دون أن يكون عليه البت في حالته بوصفها نقدا لــ “الذكاء الاصطناعي القوى”. أي شيء في کوج قد يكون مرشحا للرمزية سوف يتم “تأسيسه” آليا في فئته الحقيقية، تماماً كنظيره لدي أي طفل، لذلك لا تظهر القضية، إلا بوصفها مسألة عملية لفريق كوج، يجب حلها أو عدم حلها، كما يملى الحظ. لو حدث ذات يوم أنه كان على كوج أن يعلق لأي شخص عن شيكاغو، فإن مسألة ما إذا كان كوج في أي وضع يسمح له بفعل هذا سوف تظهر للأسباب نفسها تماماً، وتصبح قابلة للحل على الاعتبارات نفسها ، كمسألة موازية حول دلالة كلمة “شيكاغو” في لهجة طفل صغير([31]).
الذي أقلق سيرل إزاء هذا الادعاء هو أنه أدرك فيه بقايا من السلوكية التي ورثها علماء الذكاء الاصطناعي من الفلاسفة وعلماء النفس ، وفي التصور السلوکی لحالة عقلية مثل “الفهم” ، نجد أن كل ما هو مطلوب للفهم هو السلوك الصحيح ، أما ما يحدث في العقل فلا رأى السلوكيين وأتباعهم عن أن يكون دوراً بدائياً للصور الذهنية والأفكار ، ويملك قدرا ضئيلا من الفهم([32]).
كنت مهتماً – سیرل – بتحدى تلك النظرية ولو أن الادعاء قد أعيد تعريفه حتى وأنه لم يعد تلك النظرية ، فإن اعترضاتي لم تعد تنطبق عليه لأنه لم يعد هناك افتراض قابل لاختيارهم لتطبيقه ، ودعونا الآن نرجع إلى السؤال أو إلى المسألة التي وعدت بأنني أفهم الإنجليزية ولا أفهم اللغة الصينية وعندما نسلم كذلك أن الآلة لا تفهم أي من الإنجليزية أو الصينية – فلابد وأنه ما يزال هناك شيئا عندي يجعل الحال بأني أفهم الإنجليزية وهناك شئ ما ذات صلة بذلك بداخلی يجعل الحال كأني أفشل في فهم اللغة الصينية والآن – لماذا لا نستطيع أن نقدم هذه الأشياء مهما كان مسمياتها لآلة؟([33]).
في أوائل القرن الحادي والعشرين، تم استكمال أبحاث الذكاء الاصطناعي السائدة بمفاهيم بشأن معالجة مجموعات البيانات واسعة النطاق بأساليب إحصائية، أعني، استخراج البيانات والتعلم الآلي. ولقد جذب التعلم العميق بشكل خاص، وهو نهج التعلم الآلي الذي يعتمد على “الشبكات العصبية الاصطناعية”، جذب مؤخرا كثير من الاهتمام لنجاحه غير المسبوق في التطبيقات على التعرف على الأشياء، والرؤية الحاسوبية، وغيرها من المهام المعقدة للغاية([34]).
قبل الحديث عن الشبكات العصبية الاصطناعية، فمن المهم أن نعرف، على وجه شبه مؤكد، أن الهدف ليس نسخ المخ البيولوجي الأصلي بالضبط، بل استخدام بعض الأفكار المستمدة من طريقة عمله في بناء شبكة عصبية اصطناعية. ولا بد من الإشارة في مستهل الأمر إلى أنه بينما يحتوي المخ البشري على 100 مليار خلية، فإن الشبكة العصبية الاصطناعية ربما تحتوي على مائة فقط أو حتى أقل من ذلك. بالإضافة إلى ذلك أثبتت الشبكات العصبية الاصطناعية إنها قوية للغاية، وأن أدوات الذكاء الاصطناعي متعددة الجوانب قادرة على اتخاذ القرارات، تخص على سبيل المثال، تغيير مسار خطوط نقل الطاقة الكهربائية، والتعرف على التوقيعات المزورة، والتعرف على الكلام وفهمه، واكتشاف عمليات التزوير والغش في استخدام بطاقات الائتمان([35]).
تتكون هذه الشبكات من عدد محدود من الأعصاب الصناعية ومن الترابطات التي تصل بين تلك الأعصاب بعضها البعض . وتحتوي علي وحدات معالجة بسيطة (تقابل الخلايا العصبية) لها وصلات دخل ( تقابل الزوائد الشجرية ) ووصلات خرج (تقابل المحاور العصبية)، وتتصل هذه الوحدات مع بعضها البعض عن طريق نقاط اتصال بينيه (تقابل نقاط الاشتباك العصبي) . ويخصص لكل من نقاط الاتصال (وزن) هو عبارة عن قيمة عددية تعبر عن مدي سماح نقطة الاتصال لعبور الإشارة الكهربية. وتقوم الخلايا العصبية الاصطناعية بجمع قيم الإشارات الكهربية التي تصل إليها من زوائدها الشجيرية، فإن كان المجموع أقل من حد معين ، تبقي الخلايا العصبية خاملة ، وإلا فأنها تستثار وترسل إشارة كهربائية عبر محاورها العصبية الي خلايا أخري تقوم بدورها بالعملية نفسها . وهكذا دواليك حتي يتم الوصول الي نتيجة المعالجة النهائية([36]).
يجب أن نشير هنا إلى أن الشبكات العصبية الإلكترونية ليست مجرد أحلام وردية تخطر فقط في أذهان المنظرين، فلقد صنعت فعليا، ويفاد من تطبيقها في مجالات جمة. إنها تستخدم في التحكم بالطيران (التعرف على الطائرة)، والتمويل (مسح عمليات بطاقات الائتمان لاكتشاف أي نصب محتمل)، والأمن (التبصيم والتعرف على الصوت)، والطب (معالجة الصور والتشخيص)، وهذه مجرد بضعة استعمالات. لكن عند النظر في الشبكات العصبية الإلكترونية، فإنه من المفيد أن يكون لدينا مثال محدد في الذهن، لذا دعونا أتحدث عن مشكلة التعرف على نمط في المجال البصري – قراءة الرمز البريدي المكتوب بخط اليد على المغلفات، على سبيل المثال (هذه التقنية تحديدا تمر بتطورات سريعة للبريد في الولايات المتحدة الأمريكية). فالشبكة العصبية الإلكترونية تتألف من ثلاثة أجزاء : وحدة إدخال (في هذه الحالة مجموعة من الأنابيب الضوئية، كل واحد منها يمسح مربعا صغيرا من المغلف)، ووحدة مخرجات (ربما لترجمة للرمز البريدي على شكل إلكتروني)، و فيما بينهما وحدة تسمى بالوحدة المخفاة تحول المدخلات إلى مخرجات([37]).
في هذه الحالة، قد يكون لديك عدد مختلف من المستويات من الترانزيستورات في الوحدة المخفاة، كل منها تتلقى الإشارات من ترانزیستور من مستوى أدنى، وتجمعها، ومن ثم تبعثها إلى الأعلى إلى ترانزیستور في المستوى الذي يليها. على سبيل المثال، قد يستشعر نظام من الترانزيستورات في الأنابيب الضوئية المختلفة مرور تيار إذا ما التقطت الأنابيب الضوئية بقعة فاتحة على المغلف، وعدم مرور تيار إذا التقطت الأنابيب الضوئية بقعة غامقة. وستقيم مجموعة الترانزيستورات هذه الإشارات بشكل متباين (مثلا قد تعين أهمية مضاعفة مرتين للأنابيب الضوئية التي تقرأ منتصف المجال البصري على تلك التي تقرأ الأطراف). في النهاية، سيجمع النظام كل المدخلات متباينة الأهمية ويقوم بإرسالها كإلكترونات في «لحمة» ترانزیستور يقرر ما إذا كان ترانزیستور آخر في المستوى الأعلى الذي يلي هذا المستوى سيكون مشغلا أو مطفأ. و في قمة الوحدة المخبأة، قد يكون لديك ترانزیستورات تشتغل فقط عندما تشير ترانزيستورات في المستويات الأدنى، والتي تعالج المجال البصري المهم من المغلف، إلى وجود مجال بصري غامق من جهة وفاتح من أخرى. هذا الترتيب يجب أن يذكرك بما نعرفه عن المعالجة البصرية في الرئيسيات([38]).
في النهاية ترسل الوحدة المخبأة إشارات إلى وحدة المخرجات وتحصل أنت على جواب: «الرمز البريدي هو 90210»، على سبيل المثال. في عديد من الشبكات العصبية الإلكترونية، تقارن هذه النتيجة بالجواب الصحيح المعروف سلفا. وإذا ما كانت الأهمية المبرمجة للروابط المتباينة في الشبكة غير دقيقة، فمن المرجح ألا يشبه المخرج من الوحدة المخبأة المدخل المكتوب كثيراً.
البرنامج مصمم بحيث يمكن تغيير الوزن المعطى لكل جزء من المجال البصري للجهاز (فقد تقوم الآن بتعيين ثلاثة أضعاف الأهمية للإشارات من مركز المجال إلى تلك التي من الأطراف على سبيل المثال). وتجرب الشبكة من جديد باستخدام هذا التقييم الجديد، ويجري المزيد من التغييرات، ومن ثم تجرب مجددا، وهكذا حتى تصل الشبكة العصبية الإلكترونية إلى القراءة الصحيحة. وعملية التجربة والخطأ هذه هي ما يدعى بالتدريب([39]).
بالنتيجة (وهذا في العادة يأخذ وقتا طويلا)، فإن الأهمية المعطاة لأي جانب في الشبكة ستعدل، بحيث تعطى الإجابات الصحيحة لعدد متباين من المدخلات الاختبارية. ونقول إن الشبكة قد نجحت ضمن إطار «مجموعتها التدريبية». من ثم تشغل الشبكة ببرنامج الأهميات المعدل لقراءة الأنماط من دون مراقبة أو تعليم. (وحتى نشر الكتاب، على سبيل المثال، نجد أن الشبكات العصبية الإلكترونية التي يديرها مكتب البريد قادرة على قراءة مايزيد على ثلث الرموز البريدية على المغلفات، بما في ذلك تلك المكتوبة بخط اليد).
لكن لغرضنا الحالي، فإن تطوير الشبكات العصبية الإلكترونية يوضح شيئا مهما للغاية عن الكمبيوترات. إنه من الممكن لآلة أن تقوم بأشياء هي غير مبرمجة بالذات للقيام بها . فلا أحد يعطي الشبكة العصبية الإلكترونية تعليمات دقيقة حول قراءة الرمز البريدي. عوضا عن ذلك، تبرمج الشبكة بحيث تمر خلال عمليات التدريب حتى تصل إلى المراد اعتمادا على نفسها إلى حد ما([40]).
إن تعلم الآلة أحد مجالات الذكاء الاصطناعى، يهتم بالأنظمة الذكية القادرة على التعليم، ولفهم تعلم الآلة سيكون من المفيد أن يكون لدينا فكرة واضحة عن الأنظمة الذكية. كما أنه وثيق الصلة بأهداف كلا من الذكاء الإصطناعي وعلم النفس المعرفي، يعد البشر أفضل بكثير كمتعلمين من برامج تعلم الآلة والنماذج السيكولوجية، فباستثناء بعض الظروف السطحية، فإن الخلل الشائع في النماذج السيكولوجية الحالية للتعلم هو عدم كفاءتها الكاملة كمتعلم، وبما أن هدف تعلم الآلة هو خلق آليات تعلم أفضل وفهمهما فإن النتائج الناجمة عن تعلم الآلة سوف تكون ذو فائدة لعلماء النفس على الأقل حتى تقترب أنظمة أو تحدث في تعلم الآلة مثل القدرة على التعميم والتعامل مع المدخلات المزعجة (الصاخبة) واستخدام المعرفة السابقة والتعامل مع بيئات معقدة وتكوين مفاهیم جديدة والاستكشاف النشط وغيرها تعد أيضأ مواضيع في مجال سيكولوجية التعلم والتطور. فالنتائج النظرية لسهولة التعامل أو لصعوبة التعامل الحسابي (الخاص باستخدام الكمبيوتر) لمهام تعلم بعينها تنطبق بالتساوي على البشر والآلات ([41]).
أحد أكبر المفاهيم الخاطئة التى يعتقدها كثير من الناس عن الحاسبات هى أنها غير قادرة على التعلم والتكيف مع الفرص الجديدة. ومن المؤكد أن هذا صحيح بالنسبة لبعض أجهزة الحاسوب، من حيث أنها مجرد أجهزة مبرمجة، ولا يتوقع منها إلا أن تؤدى فقط ما برمجت عليه، ومع ذلك، تستطيع عديد من أجهزة الحاسوب أن تتعلم من التجربة، وتغير بشكل كبير طريقة تشغيلها، وتغير مسلكها بشكل جوهري. بالطبع، لا بد أن تعطى القدرة على القيام بذلك، لكن لن تفعل أكثر من ذلك.
في الحقيقة، فإن جانبا مهما من جوانب مجال الذكاء الاصطناعي هو قدرة أجهزة الحاسب على التعلم. ومع الأنواع الكلاسيكية من الذكاء الاصطناعي، ففي حين أنها ربما لا تكون لديها القدرة على التكيف مثل بعض الطرق، فإنها وبخلاف مدخلاتها عن طريق الإنسان قادرة تماما على القيام بذلك([42]).
نظام الخبير القائم على القاعدة هو بحكم التعريف قائم أصلا على استخراج مجموعة من القواعد من خبرات بشرية، مع بعض المعلومات الأخرى، مثل قواعد البيانات عن مجال المشكلة.
يتجسد ذلك كله في صورة بنك من القواعد، يؤدى انطلاق بعضها إلى قواعد أخرى بالتبعية. لذا عند إدخال بعض البيانات، تبدأ مجموعة من القواعد الفائزة (بمعنى القواعد الملائمة لهذه المدخلات ومن ثم ستنطلق وتعمل)، 6 أو 7 أو أكثر من القواعد المنطلقة في تسلسل، تقدح كل قاعدة القاعدة التالية لكي تنطلق إلى أن يتم الوصول إلى النتيجة الأخيرة للقاعدة الأخيرة. نفهم من ذلك أنه لكي تأتي القاعدة الأخيرة في السلسلة السارية بنتيجتها، فلا بد أن تكون جميع القواعد السابقة في السلسلة قد انطلقت كل منها في ترتيبه([43]).
نظرية العقل
العقل واحد من المجالات المثيرة والمهمة والشائقة التي يتناولها الباحثون بالدرس والفحص والنقد في الفلسفة ، علم النفس ، علم الأعصاب ، الذكاء الاصطناعي ، والعلم الإدراكي ، والحق أن التفلسف حول العقل قديم قدم الفلسفة ، ولكن فلسفة العقل بوصفها فرعا فلسفيا واضح الموضوعات والمشكلات والمناهج والنظريات لم تعرف إلا في النصف الثاني من القرن العشرين ، ويمكن تحديد بقدر كبير من اليقين والاطمئنان بداية فلسفة العقل المعاصرة بظهور كتاب جلبرت رايل Gilbert Ryle (1900- 1976) “تصور العقل” عام 1949 وكتاب لودفيج فتجنشيتن Ludwig Wittgenstein (1889-1951) “بحوث فلسفية” عام 1953([44]).
إحدى حسنات الكتابة عن العقل هي أنه ليست هناك ضرورة لتفسير أهمية هذا الموضوع ، وقد يحتاج المرء إلي وقت طويل لأن يري أن الأفعال القصدية في حد ذاتها ومنطق الضرورة والاحتمال الكمي مواضيع مهمة في الفلسفة ، ولكن يمكن لكل شخص أن يري مباشرة أن العقل مركزي في حياتنا ، إن عمل العقل ، الواعي واللاواعي ، الحر وغير الحر في الإدراك والفعل ، والفكر والشعور والتأمل والذاكرة وفي جميع الحالات الأخرى ، لا يمثل ناحية من حياتنا بل ، بمعني خاص ، حياتنا.
يواجه المرء مخاطر في كتابة كتاب من هذا النوع ، فمن أسوأ الأشياء التي يمكن القيام بها هي أن توحي للقراء أنهم يفهمون شيئا بينما في الواقع لا يفهمونه ، وأن شيئا تم تفسيره بينما في الواقع لم يفسر ، وأن مشكلة انحلت بينما في الواقع لم تحل ، أنا علي وعي كامل بجميع هذه المخاطر ([45]).
مع نهاية القرن العشرين أصبحت فلسفة العقل أكثر فروع الفلسفة حيوية ونشاطا، وشغلت معظم الفلاسفة الأحياء مثلما شغلتهم فلسفة اللغة ولا تزال ، ومع القرن الحادي والعشرين قفزت فلسفة العقل إلي مكان الصدارة ، وكيف لا؟ وهي أحدث فروع الفلسفة وأكثرها إثارة للجدل ، وأعظمها استفادة من نتائج العلم ، وأبعدها أثرا في فروع الفلسفة الأخرى ، ليس هذا وحسب ، بل ينظر إليها كثير من الفلاسفة الآن – يحذون في ذلك حذو سيرل – علي أنها الفلسفة الأولي، وفلسفة العقل هي دراسة المشكلات الفلسفية المتعلقة بالعقل والحالات العقلية ، إذا أمعنا النظر في جغرافيا العقل، وجدنا أنها متنوعة المشاهد ، كثيرة الأجواء ، متباينة الأجزاء ، ولكي لا تتداخل هذه الأجزاء بعضها في بعض ، يحسن أن نحدد بداية مشكلات فلسفة العقل ونصنفها في مجموعات هي :
1- طبيعة العقل .
2- التمثيل العقلي .
3- العقل والجسم .
4- العقل والذكاء الاصطناعي .
5- الحالات العقلية .
6- معرفتنا بالعقل([46]) .
تثير طبيعة العقل جملة تساؤلات أبرزها : ما هذا الشيء الذي نسميه العقل هل هو شيء فيزيائي مثل المخ ، أم أنه شيء غير فيزيائي؟ وهل هو شيء علي الإطلاق؟ وهل من الأفضل فهمه علي أنه “عملية” أو مجموعة من “الوظائف” من النظر إليه علي أنه شيء؟
يطرح التمثيل العقلي سؤالا جوهريا : كيف يمثل العقل الأشياء؟ الإجابة عنه في النظر إلي قضيتين هما الوعي والقصدية ، وفي الوعي نتساءل : ما الوعي وكيف يرتبط الوعي بالعالم الفيزيائي؟ وما أنواع الأشياء التي تكون واعية ؟ كيف نستطيع أن نعرف ما إذا كان الشيء واعيا؟ وهل الوعي ظاهرة واحدة أم ظواهر كثيرة ؟ وما وظيفة الوعي؟ وما نظريات الوعي؟ وفي القصدية نتساءل ما القصدية ؟ وما الحالات القصدية؟ وهل كل الحالات العقلية تظهر القصدية؟ كل الحالات العقلية وحدها هي التي تظهر القصدية؟ وما علاقة القصدية بالوعي، والسؤال الرئيس في مشكلة العقل والجسم mind-body problem هو : كيف يرتبط العقل بالجسم؟ وتتفرع عنه أسئلة أخري من قبيل : ما العلاقة بين الخصائص العقلية والخصائص الفيزيائية ، وما علاقة المخ بالعقل؟
أما موضوع العقل والذكاء الاصطناعي فيطرح علينا أسئلة محيرة حقا : هل تستطيع الآلة أن تفكر؟ هل الآلة تملك عقلا؟ هل العقل برنامج كمبيوتر؟ هل الكمبيوتر رقمي؟ كيف نميز بين العقلية البشرية والذكاء الاصطناعي؟
يقوم موضوع الحالات العقلية علي تصنيف هذه الحالات وبيان علاقة بعضها ببعض ، ويتساءل: هل الآلام أحداث حسية فقط؟ أم تنطوي أيضا علي عنصر باعثي مثل النفور؟ وهل يمكن أن توجد آلام لا نعيها؟ وهل الانفعالات مثل الغضب والغيرة تتضمن بالضرورة كيفيات محسوسة؟ وهل تتضمن عنصرا إدراكيا مثل الاعتقاد؟ وأخيراً تدور معرفتنا بالعقل علي فكرتين هما معرفتنا بعقولنا الخاصة ومعرفتنا بالعقول الأخرى([47]).
إن فلسفة العقل فرع من الفلسفة، يناضل فيه الفلاسفة لإحراز فهم شامل ومنظم للعقل الإنسانى، الذى يعد مصدراً للتفكير ومكمن الخبرات. أو بمعنى آخر: هى محاولة فهم ما العقل؟ وماذا يعمل؟ وكيف نستطيع أن نكشف النقاب عنه؟([48]). وذهب “جيروم شيفر” إلى المعنى نفسه تقريباً، عندما عرفها بأنها: فرع من الفلسفة يهتم بدراسة كل الظواهر أو الحالات العقلية، والتى لا تفهم إلا خلال الوعى([49]).
فلسفة العقل مثل فلسفة السيكولوجيا يمثل كلاهما نمطا بعينه من البحث في طبيعة العقل ، ومع ذلك ، فهما مختلفان في أن الأخير فرع من فلسفة العلم ، يهتم بالمسائل الناشئة عن الفروع المختلفة لعلم السيكولوجيا، أو حول الطبيعة العلمية للسيكولوجيا ، وفلسفة السيكولوجيا موضوع بحث واسع جدا ، يشمل داخل نطاقه السيكولوجيا الاجتماعية والتحليل النفسي ومعظم الجوانب الأخرى في السيكولوجيا النظرية والتجريبية والتطورية([50]) .
ترتبط فلسفة العقل ارتباطا وثيقا ببعض فروع الفلسفة مثل الابستمولوجيا ، الميتافيزيقا ، فلسفة العلم ، فلسفة الأخلاق ، وترتبط أيضا بفروع معرفية أخري مثل علم النفس ، علم الأعصاب ، نظرية المعلومات ، العلم الإدراكي، وهذا الأخير هو دراسة علمية للعقل الظواهر العقلية ، يضم عدة فروع ، هي الفلسفة ، علم النفس ، علم الأعصاب ، الذكاء الاصطناعي ، علم اللغة ، ويسعي إلي تفسير العقل والتفكير في حدود برامج الكمبيوتر([51]).
تجمع نظرية العقل عددًا من الصفات المختلفة للحالات العقلية للفرد كجزء من ذاته بدءًا من بحث بريماك Premack ووودراف Woodruff (1978) على الرئيسيات، تم تأسيس نظرية العقل كقضية شاملة في عديد من مجالات البحث الأخرى في علم النفس، بما في ذلك علم النفس المعرفي وعلم النفس التنموي وعلم النفس الاجتماعي، على الرغم من اقتراح عديد من النماذج لاختبار نظرية العقل للفرد، وارتباط أوجه القصور بالفعل ببعض الاضطرابات، إلا أن نظرية العقل تظل نظرية ومجالاً نشطاً للبحث. على سبيل المثال، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هناك ارتباطات عصبية مخصصة لنظرية العقل، أو إذا كانت نظرية العقل تنبثق بشكل مشترك من ارتباطات ثانوية أخرى مثل الوعي أو معالجة اللغة أو التنبؤ([52]).
النظرية الحاسوبية للعقل
النظرية الحاسوبية للعقل هي حركة فلسفية تفترض فكرة أن العقل البشري يمثل كيانا حاسوبياً لمعالجة المعلومات. على الرغم من اسمها، فإن النظرية الحاسوبية للعقل ليس لها علاقة مباشرة بنظرية العقل الأصلية، ولكنها بالأحرى تتناول منظورًا عامًا للعقل، على كل حال، يمكنك إيجاد سمات نظرية العقل في النظرية الحاسوبية للعقل كخاصية ناشئة من معالجة الوظائف منخفضة المستوى للعقل، أنشئت النظرية الحاسوبية للعقل على يد بوتنام Putnam (1976) وعززها لاحقا فودور Fodor (1975)، يعد أصحاب النظرية الحاسوبية للعقل/ الحوسبيون أن الدماغ البشري آلة حاسوبية تتكون من أجهزة للمعالجة الحاسوبية وبرمجيات تستخدم كيانات تمثيلية. في النظرية الحاسوبية للعقل، تعتمد الخبرة والفكر البشريان فقط على مجموعة من المدخلات (مثل المحفزات) وعدد من عمليات الحوسبة والحالات الداخلية والمخرجات المتطابقة (مثل السلوك) ([53]).
تعد الأمور العقلية، مثل المعتقدات، الصور، والأفكار، هى ما هى عليه نتيجة لما تمثله؛ وذلك، برغم كل شئ، وهو التبصر المركزى للنظرية التمثيلية للعقل، وهى تمثل ما تمثله نتيجة للطريقة التى تتصرف بها داخل العقل – مع ذلك، فقد رأينا فقط أن ذلك لا يمكن أن يكون بسبب أي صلة تحملها للعالم الخارجى – والقصد هنا، أنه يمكن لأنواع مختلفة من الأشياء – حالات المخ، حالات الحاسوب،علامات الحبر على الورق، والأصوات – أن تمثل جميعها الشئ نفسه([54]). و”ديكارت” فى هذا يختلف عن أصحاب المذاهب الواحدية الذين يردون كل أنماط الوجود إلى الروح فقط أو المادة([55]).
هذه ثلاثة معتقدات رئيسة للنظرية التمثيلية للعقل؛ الشكية التمثيلية، الأنانه المنهجية، والثنائية الديكارتية؛ وكانت مؤثرة إلى أبعد حد فى تاريخ التفكير حول العقل، وهذه المعتقدات الثلاثة يتم تمثيلها لدرجة ما فى الإدراك المعرفى المعاصر؛ فهى ميراث “ديكارت”.
لقد قدم “هوبر” تحريفاً لرأى “ديكارت”، كان لكل من “هوبز” و “ديكارت” وجهات نظر مختلفة حول العقل، واختلفا عن بعضهما البعض بشكل جوهرى فى نقاط كثيرة-، فقد اقترح أن “كل التفكير ما هو إلا حساب”، ويعنى بذلك، أن التفكير يمكن فهمه على أنه نوع من الحساب، ومازالت وجهة النظر هذه مؤيدة من بعض الباحثين فى الذكاء الإصطناعى، مثل “باسكال” و”ليبنتز”([56])– والذى ربما يكون غير شعورى، باستخدام عمليات شكلية على الرموز المُخزنة فى العقل، ومع رأى “هوبز” الفاصل عن العقل، يمكن أن نرى اكتمال نموذج العقل الديكارتى بوصفه نموذجاً أصلياً للعلم المعرفى المعاصر. إن حالاتنا وعملياتنا العقلية يمكن عدها تشكيلاً لنوع ما من نظام تمثيلى مستقل، وهى جميعاً فى الواقع، يمكن عدها من ناحية ما بوصفها أشياء رياضية – أو على الأقل لغوية؛ ولكن على أية حال، تكون شكلية من ناحية أخرى ، على الأقل عند مستوى ما من الوصف، والعمليات التى تؤديها عليها عقولنا عندما نفكر، يمكن تصورها بوصفها نوعاً من الحسابات. مرة ثانية، لاحظ أن هذا التفصيل المحكم ليس واضحاً ولا صحيحاً بالضرورة؛ بل يمكن أن يكون فى الواقع رغم أننا نتمثل العالم، فإن تمثيلاتنا لا تكون بأي معنى مجرد أشياء شكلية مميزة فى حد ذاتها، وهذه النتائج الخاصة بفلسفة القرن السابع عشر تحتوى على بذور الإدراك المعرفى المعاصر([57])، الذى يهدف إلى الغوص بعمق فى طبيعة العقل أكثر بكثير مما كان معتاداً فى علم النفس التجريبى التقليدى([58]).
هكذا، طوال الثلاثمائة سنة الأخيرة – أو يزيد – أصبح المذهب الديكارتى لفلسفة العقل دارجاً وغير دارج، وكذلك تم تقسيمه ودمجه مع المذاهب الأخرى. ومع نهاية القرن التاسع عشر أنجبت الفلسفة ما يُعرف بعلم النفس، ويسمى علم النفس أحياناً، الاستبطان، والذى كان ديكارتياً جداً فى عملية توجيهه، ولكنه سريعاً ما أفسح مجالاً للسلوكية، وهى مدرسة لعلم النفس، ولكنها ضد “ديكارت” بشكل غير قابل للجد”،. بعد ذلك، فى أوائل الخمسينيات حدث تطور ملحوظ، حيث بدأت السلوكية تتراجع وتفسح مكاناً لعلم النفس المعرفى([59]).
بمعنى آخر، كانت السلوكية على وشك أن تصبح موضة قديمة فى طريقها للزوال([60]). لقد كان الإنقلاب على السلوكية التى سادت علم النفس حدثاً رئيساً، ليس فقط فى تأسيس علم النفس المعرفى، ولكن فى تأسيس علم المعرفة ككل([61]).
لذلك فقد أصبح علم النفس المعرفى فرع من علم النفس، يتناول بجدية الإتجاه الحسابى للنظرية التمثيلية للعقل، بالرغم من أن الأسباب التى كانت وراء هذا التطور فى علم النفس كانت عديدة ومعقدة، إلا أن المرء يمكنه أن يقول مع بعض الإنصاف. إن أسباب اختفاء السلوكية وظهور علم النفس المعرفى كان لها علاقة بالصعوبات التى واجهها السلوكيون فى مد نماذجهم البسيطة إلى حد ما من تشكيل العادة والتعلم، إلى نظريات السلوك المعقد، التفكير، الذاكرة، حل المشكلة، واكتساب اللغة، وما شابه، أي بالضبط الأشياء التى وجد كل من “ديكارت” و”هوبز” أنها أكثر امتاعاً وتشويقاً، إن أمثلة ونماذج الفشل والاخفاق اقترحت أن النظريات من فرع مختلف جداً([62])، والتى تصف البنيات التمثيلية الداخلية بالتفصيل – أو ربما عمليات المخ – ستكون ضرورية لتفسير تلك السلسلة من الظواهر، فى الوقت نفسه بدأت الفلسفة فى التأرجح إلى الخلف فى الإتجاه الديكارتى – الهوبزى، وبدأ علم اللغة، بالأسلوب الديكارتى جداً لتشومسكى، فى الظهور بوصفه علماً ميسراً، أما علم الحاسب الآلى، فإن ظهر بوصفه فرعاً ناضجاً وسيلة حاسبة تؤثر على التمثيلات، إلا أن علماء الحاسوب بدأوا فى البحث عن الذكاء الإصطناعى، وبذلك تم تصور الإدراك المعرفى([63]).
مشكلة تمثيل المعرفة
تعود جذور النظرية التمثيلية للعقل إلى الفلاسفة اليونانيين القدماء ابتداء من أفلاطون الذى يؤكد على أن المعرفة الحقيقية تعتمد على مبادئ كلية عامة تتضح فى عالم المثل، فالمثال هو الوجود الحقيقى أما العالم المحسوس فهو صورة للمثال.
كذلك أرسطو الذى يرى أن الصورة هى الجوهر الحقيقى وهى التى تفسر وجود المحسوسات، ويقول أن المعرفة دائماً هى معرفة بالأشياء الثابتة، وهى صور الأشياء المحسوسة.
وديكارت فى العصر الحديث يؤكد على أننا لا ندرك الأشياء إدراكاً مباشراً بل عن طريق صور فى العقل، والعقل يجب أن يكون حاضراً حضوراً مباشراً، وأننا لا نعرف العالم الخارجى إلا عن طريق صور ذهنية([64]).
أيضاً عندما قال لوك أن صور الموضوعات هى التى خلالها ندرك الموضوعات المباشرة. وهذه الصور تنتقل من الأشياء المادية فى الخارج إلى المخ، كما أن الموضوع المباشر للإدراك يكون صورة حاضرة فى العقل، إذن النظرية التمثيلية ترى أن الانطباع الحسى هو فقط الموضوع المباشر للإدراك. وبناءً على ذلك ترى هذه النظرية أن بعض الأفكار الممثلة للأشياء هى نسخ مطابقة وصحيحة للأشياء الطبيعية. ولقد سميت تمثيلية لأن الأفكار والصور تعد نسخ للأشياء المادية، أي تنوب عن هذه الموضوعات المادية. وبناء على ذلك ترى هذه النظرية كما يرى باركلى أحد ممثليها أن الوجود إدراك، أي وجود الشئ المادى فى العالم الخارجى مرتبط بإدراكه عن طريق العقل.
ترى النظرية التمثيلية أن الموضوع المادي لا يمكن أن يكون متطابقاً أو متماثلاً مع الموضوعات الحاضرة فى الوعى، لكن يكون مختلفاً ومتميزاً عنها([65]).
بالنظر إلى طريقة بديلة لتحديد نظام الوظيفة الكلى، واحدة بشكل ما تحافظ على توظيف نماذج خرائط التدفق فى توصيف برامج الحاسب الآلى. مرة أخرى، للموائمة دعونا نركز على المعتقدات والرغبات بدلاً من إدراك المعتقدات والرغبات بشكل فردى، لننظر إلى العقل على أنه يحتوى على “صندوق معتقدات” و “صندوق رغبات”.
الفكرة أن تكوينك لمعتقد أن النافذة مفتوحة هو مسألة رمز يعبر عن افتراض أن النافذة مفتوحة الموجود فى صندوق المعتقدات الخاص بك. وبالطريقة نفسها، إرادتك لفتح النافذة هو امتلاكك لهذا الرمز فى صندوق الرغبات. صندوق المعتقدات والرغبات الخاصة بك مرتبطين بطريقة مميزة بباقى النظام المؤسس لعقلك. إذا كان الرمز الذى يمثل أن النافذة مغلقة موجود فى صندوق المعتقدات الرغبات – للسير فى الغرفة وغلق النافذة. تواجد الرمز نفسه فى صندوق المعتقدات (بافتراض غيابه من صندوق الرغبات) ربما – ومرة أخرى – بالتوافق مع وجود رموز أخرى فى صندوقى لمعتقدات والرغبات – يؤدى إلى سلوك مختلف تماماً([66]).
يتطلب السلوك الفكري معلومات لحفظها ، أما لفتره قصيرة الأجل أو لفتره طويلة الأجل ، وعادة ، كلاهما معاً ، وإحدي مهام الذكاء الاصطناعي ، إفراز حساب بقدر المعلومات ، أو كميتها المتمثلة فى نظام فكري ، ومن المعروف أن النظام العصبي البشري له جوانب أو أجزاء كثيرة ، وان هذه الاجزاء من المحتمل ان تعمل بطرق مختلفة مع ذلك ، فهناك عوامل جذب كثيرة عند افتراض أن كل المعلومات مختزنه فى نفس النظام الترتيبي لها ، وربما لا يكون شكل تخزين المعلومات هو الذي يميز أنظمه عمليات المعلومات ، والهدف الذي أستخدم من أجله([67]).
هنا يقوم التمثيل على إقامة تناظر بين العالم الخارجي وما يقترحه الإنسان من عمليات استدلاليه تنطوي تحت جهاز رمزي من صنعه ، مشابهة تامه بين الصفات الاولية لموضوعات العالم الخارجي وأفكارنا عنها ، بالإضافة إلى التسليم الأولى لدية بوجود علم طبيعي يكون سببا لحدوث أفكارنا عنه ، هذا عن موضوع الإدراك أو المعرفة ، أما عن إدراك الذات ، فإن للوعي أهمية خاصه وهو يعمل فى إطار نموذج معرفي([68])، لكن كيف يمكن للمعرفة في نطاق شغل ما أن تمثل كأبنية بيانية ف ذاكرة الحاسوب على منوال يمكن به النفاذ إليها بطريقه ملائمه لحل المشكلات([69]).
يستخدم بعض العلماء فهم “المخطط” Sehmea “والتمثيل” بمعنى واحد ” لكن مفهوم التمثيل يتضمن مشابهه من عالم الواقع أكثر من المشابهة التي يتضمنها مفهوم التخطيط ، فالتمثيل قد يكون قريباً فى شكله العقلي من النسخة أو الصورة الأصلية ، أي أنه أكثر قربا من الخصائص العيانية والملموسة ، وقد يكون رمزيا أيضا ، فى حين أن المخطط أكثر تجريدا وتصورية، فالتمثيل هو العملية التي يحل خلالها شئ آخر ، أو يرمز اليه بوصفه بديلا له([70]).
يعد تمثيل المعرفة أيضا من المجالات المهمة و المحورية فى الذكاء الاصطناعي ، فهو بمثابة العامل المشترك بين كل المجالات ، ويتعلق باللغات الرمزية الصورية المستخدمة فى عملية تمثيل المعارف من صيغاتها اللغوية الحرة ، إلى لغة تستطيع النظم الذكية أن تتعامل معها بسهولة ([71]).
النظرية التمثيلية للعقل كما يشرحها فودور فرضية تقول بأن أي أفكار تراود الإنسان لابد أن ترتبط بمعادلات داخلية بلغة (قد تكون فطرية أو عالمية مشتركة بين الجميع) وهذه المعادلات لها خصائص نحوية ودلالية (سیمانطقية) وكذلك عمليات عقلية مثل التعليل المنطقي reasoning الموجود في عمليات الكمبيوتر أو العمليات الحسابية المنطقية computational processes التي تؤدي على أساس هذه المعادلات([72]).
يتضح أن النظرية التمثيلية للعقل ليست هي الجدلية على هذا النحو، بل المنعطف اللغوي الذي يمنحها إياها فودور؛ حيث إن طريقة عرض فودور تضيف نوعا من الغموض؛ لأنه يكتب وكأنه لا مجال للاختيار إلا بين قبول لغة التفكير أو رفض الفكرة كلها، تماما بأن التفكير يتضمن استخداما للمفاهيم، أما ما قدمه جيتش في البداية فقد فصل بشكل ملائم بين المكرر أو المعقد، فقدم أولا فكرة التمثيل العقلي، وتركها مفتوحة دون أن يحدد معنی تمثيل، وبعد ذلك اقترح كلمات توضح دور تمثيل الأفكار، ولذلك فإن القضية الأساسية هنا ليست إذا ما كانت النظرية التمثيلية للعقل صحيحة أم لا، ولكن ما نوع العنصر الذي عليه التمثيل العقلي ؟([73]).
إن الخلط بين القضايا يفسر إصرار فودور على أن النظرية التمثيلية للعقل فرضية أمبريقية؛ حيث يمكن بشكل أو بآخر البرهنة على أن نظرية اللغة الداخلية تمثل حلا للمتطلبات النظرية لعلم النفس الإمبريقي، فرغم أنه من النادر أن نتخيل أن التجارب السيكولوجية يجب أن تدفعنا إلى البعد عن الفرضية الفلسفية القائلة بأن التفكير يحتوي على ممارسة للمفاهيم ويدرك فودور جيدا أنه يحيي التفسير الفلسفي التفكير القديم الذي تناولته أعمال ديكارت ولوك، ولكنه أشار إلى أن الفلاسفة يستطيعون حاليا أن يسلموا مسائلهم ومشكلاتهم للعلماء، وينتظروا حكمهم، لكن في الواقع ليس الأمر أن النظرية التمثيلية للعقل مقبولة فلسفيا طالما وجدها علماء النفس أو السيكولوجيين مثمرة تجريبيا ، وإنما أن السيكولوجيين ملزمون بالنظر إلى العقل بهذه الطريقة على وجه الدقة؛ لأن النظرية غير مقبولة على الصعيد التخصصي أو الفلسفي؛ لذا يذهب الفيلسوف درتسكي إلى أن حالة الوعي المتجاوبة مع خبرات اللون الأحمر يمكن تفسيرها بوصفها حالة مادية داخلية تمثل خاصية خارجية خلال الوظيفة البيولوجية، ومن الضروري أن تكون الخبرة الواعية باللون الأحمر أن تتوافر فيها العلاقة التمثيلية المنقولة انتقائيا مع خاصية كون الشيء أحمر – حيث إن هذه الخاصية الأخيرة في حد ذاتها قابلة للتفسير مادياً – وهذا ما يطلق عليه درتسكی “النظرية التمثيلية للوعي” لذلك : يقول أن أطروحة التمثيل نظرية توحد بين خصائص الخبرة الذاتية والخصائص التي تمتلكها الأشياء أو الكائنات الأخرى([74]).
ترى النظرية التمثيلية أن الموضوع المادي لا يمكن أن يكون متطابقا أو متماثلا مع الموضوعات الحاضرة في الوعي، لكن يكون مختلفاً ومتميزاً عنها([75]).
بالنظر إلى طريقة بديلة لتحديد النظام الوظيفي الكلى، واحدة بشكل ما تحافظ على توظيف نماذج خرائط التدفق في توصيف برامج الحاسب الآلي. مرة اخرى للموائمة دعونا نركز على المعتقدات والرغبات بدلا من إدراك المعتقدات والرغبات بشكل فردي، لننظر إلى العقل على أنه يحتوي على “صندوق معتقدات” و “صندوق رغبات”.
أن تكوينك لمعتقد أن النافذة مفتوحة مسألة رمز يعبر عن افتراض أن النافذة مفتوحة الموجود في صندوق المعتقدات الخاص بك. وبالطريقة نفسها، إرادتك لفتح النافذة هو امتلاكك لهذا الرمز في صندوق الرغبات. صندوق المعتقدات والرغبات الخاصين بك مرتبطين بطريقة خاصة بباقي النظام المؤسس لعقلك. إذا كان الرمز الذي يمثل أن النافذة مغلقة موجود في صندوق الرغبات، مثلا، ربما يؤدي ذلك – بالتوافق مع الرموز المناسبة في صندوقى المعتقدات والرغبات – للسير في الغرفة وغلق النافذة. تواجد الرمز نفسه في صندوق المعتقدات ربما بالتوافق مع وجود رموز أخرى في صندوقی المعتقدات والرغبات – يؤدي إلى سلوك مختلف جداً([76]).
هذه الطريقة للتفكير في الأنظمة الوظيفية الكلية تمكننا من رؤية أوضح الكيفية أن المخلوقات المختلفة في المعتقدات والرغبات ربما يتم رؤيتها وظيفية على الخط نفسه. أنت طفل، وأنا ربما، نلائم النموذج المبسط. نحن نختلف رغم ذلك في الرموز الظاهرة في صندوق المعتقدات والرغبات الخاص بنا.
مفهوم العقل هذا، والنظرية التمثيلية للعقل تم الدفاع عنها لفترة طويلة بواسطة جيري فودور الذي يؤكد على أهمية وجود الحالة العقلية بوصفها عملية تنظيمية السلوك، ويوضح ذلك خلال دراسة اللغة فيقرر أن فهم اللغة وبالتحديد لغة الحوار يفترض قبلا أو يستلزم عملا عقليا يقوم به الشخص الذي ينصت للحوار، فتشكل الكلمات والحروف نمطا معرفيا ذا مفهوم محدد في كل لغة. هذا يعني أن اللغة ليست مجرد أصوات مستمرة التدفق، بل معان مفهومة، حيث يقرر الفهم ضرورة وضع خبرة سابقة منظمة تعمل على تحديد مفهوم القضية أو الحكم. فالتوافق المعلوماتی لقواعد النحو مثلا يمثل عملية داخلية معتمدة على خبرة سابقة، وبتوحيد أنماط المعرفة في لحظة سماع جملة، تعمل هذه الأنماط على تحديد مفهوم القضية أو العبارة. وبهذا يتوصل فودور إلى أن عملية الفهم – مثل فهم النحو – هي عملية داخلية لحظية للمعرفة، وهي تمثل بناءً نفسياً يجعل الحالة العقلية جانبا أساسياً التفسير السلوك الملاحظ([77]).
ينتقل فودور إلى الآليات المعرفية ويقول أن أفضل المرشحين لكى يتم التعامل معهم كأنظمة معرفية معيارية أو قياسية تشترك فى الدور الوظيفي نفسه.
النظرية التمثيلية للعقل تتطلب افتراض نظام للرموز يعمل ، وظيفته “التمثيل العقلي”. هذه الرموز خلفت ما اسماه فودور لغة الفكر، شفره ثابتة بيولوجيا مشابهة لشفرة الآلة المدخلة في الآلة الحاسبة التقليدية. تكوينك لمعتقد أن النافذة مفتوحة هو موضوع جملة في لغة الفكر المنسجمة مع الجملة الإنجليزية، “النافذة مفتوحة”، مكتسبة دور وظيفي ملائم أو كما قلنا سابقا مسألة دخول هذه الجملة في صندوق معتقداتك([78]).
يعد “هيلاري بوتنام” مؤسس الوظيفية المعاصرة في نسختها الحسابية . كما كتب سلسلة من الأوراق المجمعة في مؤلفة العقل ، اللغة والمجتمع، حيث يرى الناحية الجديدة هي بديل للسلوكية ونظرية الهوية خلال الحجج المتعلقة بالوقائع المتعددة.
تحليله للألم ، ليس حالة فيزيائية – كيميائية في المخ Brain ولكنها حالة وظيفية للكائن الحي بأكمله :
- جميع الكائنات الحية قادرة على الشعور بالألم وهي آلية محتملة .
- كل كائن قادر على الشعور بالألم يمتلك على الأقل وصف واحد من نوع معين. (التمكن من الشعور بالألم يمتلك نوع مناسب من التنظيم الوظيفي).
- أي كائن قادر على الشعور بالألم يمتلك التحليل إلى أجزاء ، تلك الأجزاء تمتلك بشكل منفصل وصف من النوع المشار إلية في الفقرة (۲) .
- لكل وصف من النوع المشار إلية في الفقرة (۲) ، لديه مجموعة فرعية من المدخلات الحسية، بحيث يمكن للكائن الحي مع هذا الوصف أن يكون في موضع ألم ؛ وهذا فقط عندما يكون هناك مدخلات حسية فرعية([79]).
دافع “هيلاري بوتنام” عن ثنائية التوصيف الوظيفي (وهو التصنيف الذي يمكن أن تندمج تحته توصيفات الحالة الذهنية مثل الحديث عن الاعتقادات والرغبات والنوايا ) ، والتوظيف الهيكلي أو المادي (وهو التصنيف الذي يمكن أن يندرج تحته الحديث عن حالات المخ وعملياته). والتناظر الوظيفي الذي كان يصور أحيانا لتوضيح هذه الثنائية (الوظيفية مقابل التركيب) هو في الواقع التناقض بين الحديث عن “سوفت وير” Software الكمبيوتر “برنامجه” والحديث عن “هاردوير” hardware الكمبيوتر (إلكتروناته). وهكذا يمكن أن يكون للمرء “تماثل وظيفي ثنائي الصورة ” functional isomorphism([80]).
يتم تطبيق استخدام النماذج المستوحاة من الحوسبة على النحو الذي اقترحته النظرية الحاسوبية للعقل بشكل شائع في علم النفس المعرفي وعلوم الأعصاب الحاسوبية ومجالات البحث ذات الصلة، ومع ذلك فقد تعرض الجوهر الفلسفي للنظرية الحاسوبية للعقل لانتقادات شديدة – وفي بعض الحالات من قبل بوتنام وفودور أنفسهم في أبحاثهم اللاحقة([81]).
تفاعل الذكاء الاصطناعي ونظرية العقل
يمكن تعريف “التفاعل بين الإنسان والحاسوب” بأنه المجال الذي يهتم بدراسة التفاعل بين الأشخاص وبين الحاسوب، وأيضا تصميم وتقييم واستخدام الواجهات البينية، بين المستخدمين ونظم الحواسيب. ويعمل هذا المجال متعدد المجالات على دمج علوم الحاسوب، والعلوم السلوكية، والتصميم ومن الأهداف الرئيسة لهذا التفاعل جعل نظم الحاسوب قابلة للاستخدام ومقربة من المستخدمين، فالمستخدمون يتفاعلون مع نظم الحاسوب خلال واجهات بينية لدي المستخدم، الهاردوير والسوفت وير، وتوفر هذه الواجهات وسيلة إدخال تسمح للمستخدم أن يتفاعل مع النظام، ووسيلة إخراج، تسمح للنظام بتقديم المعلومات للمستخدم.
يمثل مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب أحد فروع علم الحاسوب – حديث النشأة – الذي يهتم بدراسة المداخل التي يتفاعل خلالها معالجات المعلومات البشرية مع المعالجات المؤتمتة. ويهدف إلى اندماج كل منهما مع الآخر في نظام واحد وتبسيط تعامل الإنسان مع الحاسوب من أجل تطوير نظم الحاسوب وتحاشي المخاطر التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية([82]).
نفهم من ذلك، أن هذا الفرع يختص بتصميم وهندسة الواجهات البينية البشرية. وتمثل فكرة التفاعل بين الإنسان والحاسوب دورا مختلفا في الفروع المختصة بالتصميم. وفي ضوء علم الحاسوب المهتم ببناء النظام، فإن الوجهة البينية واحدة من المكونات الرئيسة للنظم التفاعلية. وعادة ما تكون الوجهة البينية التفاعل بين الإنسان والحاسوب العامل الوحيد الأكثر أهمية في نجاح أو فشل النظام التفاعلي أو التطبيقي. ويتم تشغيل بعض نظم الحاسوب بقليل من التداخل أو عدم التداخل، ولكن معظمها نظم تفاعلية، ويمتلكون مستخدمين بشريين يعملون في مهام مساعدة للحاسوب. وفي مجال التصميم الاصطناعي، فليس هناك ما يسمي بالحاسوب النظري أو المجرد، بل يعد نظاما فيزيائيا منظما. وفي العلم المعرفي. فالتفاعل بين الإنسان والحاسوب مجال تطبيق للعلم([83]).
وعليه يعد التفاعل بين الإنسان والحاسوب مجالا متعدد التخصصات يجمع بين ما هو نظري وما هو عملي، ويتضمن عديدا من المجالات منها علم النفس، علم الاجتماع، بيئة العمل، التصميم الصناعي. ويهدف إلى تصميم وتنفيذ نظم حاسوبية تفاعلية من أجل الاستخدام البشري مع دراسة الظواهر المحيطة بهم.
جدير بالذكر، أن التقدم في مجال تكنولوجيا الدوائر المدمجة والتي عملت على زيادة سعة التخزين وسرعة أداء الحواسيب بالإضافة إلى ظهور أدوات نقل جديدة، لغات برمجة جديدة، وكذلك التوسع الهائل في تطبيقات الحاسوب وفي عالم غير المبرمجين قد عمل على تطور التفاعل المباشر بين المستخدم والحاسوب. وخلال بعض التعريفات تم صياغة معيار “الحوسبة التفاعلية” Interactive” Computing، أي أن التحكم الواقعي في عملية الحوسبة يكون بين يدي المستخدم وذلك خلال معالجة فورية بالإضافة إلى وجود تسهيلات للمقاطعة والتي يمكن للمستخدم خلالها إلغاء وتعديل العمليات أثناء عملها. وإن وجد رد الفعل بهذا الشكل لدى الحاسوب بالإضافة إلى أن ردود أفعاله ليست عشوائية وإنما تتبع تصميم معين يشير إلى أن الحاسوب يتميز بكونه هادف وبكونه شيئاً اجتماعياً([84]).
تم تطوير مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب للاعتراف به كتخصص لجذب الابتكار والإبداع. وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية، تم الكشف عن حلول جديدة، وخاصة بالنسبة للمستخدم بوصفه كائناً بشرياً، جعل المستخدم البؤرة التي ينبغي للتكنولوجيا أن تخدمه وليس العكس. ومع ظهور شبكة الانترنت، جنبا إلى جنب مع الانخفاض في الأسعار وزيادة قدرة الحواسيب الشخصية، إلى جانب أمور أخرى، قدم في عقد التسعينيات تغيير سريع جداً في مجال التكنولوجيا. وكان لهذا تأثير كبير في البحث والتطور في مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب. حيث ازدادت مطالب وتوقعات الأشخاص كمستخدمين للتكنولوجيا([85]).
من الممكن تشغيل برامج وضعت منذ ما يقرب من خمسة عقود والحصول على النتائج نفسها بالضبط، ومثلما تحاكى الحواسيب غيرها من الآلات، تحاكى أيضاً بعضها البعض، ولم تغير تطورات المكونات المادية نوع البرامج التى يمكن تشغيلها، بل إن هذه التطورات كان المراد منها أن تجعل الحواسيب أرخص وأسرع، وأكثر قدرة على التعامل، برامج أكثر، وبيانات أكثر([86]).
هناك أسباب للإعتقاد بأن التفاعل بين الإنسان والحاسوب ميدان حقيقى لتطبيق نظريات الإدراك المعرفى، فهذا التفاعل هو هندسة وتصميم فرع ثانوى مهتم بكيفية بناء واجهات إنسانية، وكذلك مجموعة من موضوعات البحث فى دعم العلوم، إن موضوع أو فكرة التفاعل بين الإنسان والحاسوب يمثل دوراً مختلفاً فى الفروع الموجهة بالتصميم فى مقابل تلك الموجهة بالعلم، وفى جزئية علم الحاسوب المهتم ببناء نظام، فإن الواجهة الإنسانية واحدة من المكونات الرئيسة للأنظمة التفاعلية بشكل نموذجى، تمثل أكثر من نصف خطوط شفرة النظام، وفى مجال التصميم الصناعى، تكون الواجهة الإنسانية أيضاً واحدة من الأشياء المراد تصميمها، ولكن فى الإدراك المعرفى، فإن التفاعل بين الإنسان والحاسوب هو مجال تطبيق للعلم، ومهام التفاعل بين الإنسان والحاسوب تمنح بيئات لاستكشاف مسائل نظرية مهمة ومتعددة فى الإدراك المعرفى مثل إكتساب المهارات وانتقالها([87]).
من ناحية أخرى، فإن الإدراك المعرفى يسعى إلى النظريات العامة للفهم والمعالجة الإنسانية، فلا يوجد شخص هنا: إن صحة النظرية تم تحديدها خلال الدحض والمثال المعاكس – وكلاهما جدلى وتجريبى – وليس خلال فعل وسلوك أي شخص بعينه، مستخدم أو موضوع، وقد تم افتراض النموذج وتصوره بشكل مجرد، ولكن لم يتم استخدامه فى الحقيقة، فالنماذج هى موضوع النظرية. وفى مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب، فإن النموذج هو الذى لا يحتاج فقط إلى أن يحتكم إلى الشخص الذى صنعه، ولكن يجب أيضاً أن بكون له معنى “للمستخدم” – حتى الجزء النظرى منه – ، ولمجموعة مصممي ومهندسي واجهة المستخدم المسئولين عن تصميم النظام وتنفيذه([88]).
يتعلق التفاعل بين الإنسان والحاسوب بالطريقة التي يمكن أن تستخدمها الحواسيب لدعم الكائنات البشرية التي تشارك في أنشطة بعينها. ومن ثم فإن هذا المجال ينطوي على تقييم، وتصميم نظم البرمجيات التفاعلية في سياق مهمة وعمل المستخدم. يرتبط أحد الجوانب المتعلقة بهذا المجال يرتبط بتصميم التفاعل. ويعد تصميم التفاعل عملية تصميم المنتجات التفاعلية لدعم الأشخاص في حياتهم اليومية وبخاصة حول إنشاء تجربة المستخدم التي تعزز وتوسع عمل الأشخاص. ويقترح أنصار هذا المجال بعض نماذج دورة الحياة. مثل إنتاج نموذج للتنمية لتصحيح بعض المشكلات في نموذج دورة الحياة الكلاسيكية لهندسة البرمجيات. وإدخال هذه المناهج المختلفة من أجل تطوير واجهات المستخدم بشكل فاعل. أما الحجة لوضع هذه النماذج التطورية البديلة فكانت حاجة المستخدمين إلى تطوير النظم في مراحل تابعة بدلاً من إنتاج الرموز والتعديل([89]).
لقد أدخلت التحولات في النماذج التقنية مثل الحوسبة واسعة الانتشار أجهزة الحاسب الآلي إلى الحياة اليومية. في الواقع، تختفي أجهزة الحاسب الآلي هذه بشكل متزايد ككيانات تحكمية وتصبح جزءًا من البيئة، أي أنها صارت جزءاً من البيئات الذكية المنتشرة والمحيطة([90]).
تختلف السيارات ذاتية القيادة أو الروبوتات البشرية المساعدة عن تطبيقات الكمبيوتر السابقة بمجرد إثارة فكرة أقوى عن الوكيل الذكي. يمكن لروبوت الخدمة الاستفادة من الحوسبة العاطفية وتكييف اتصالاته وسلوكه بناءً على الحالة العاطفية المكتشفة لمستخدمه. وتلتزم السيارة ذاتية القيادة بعدد من القواعد والقيود مع اتباع مستويات مختلفة من الاستراتيجيات من أجل توجيه السيارة. قد تنتج مثل هذه الملاحظات شعورًا بشريًا بأن هذه الآلات لا تمتلك المعرفة والوعي بالوضع الحالي فحسب، بل تتبع أيضا أغراض معينة (أهداف مهمة مباشرة أو غير مباشرة) ومعتقدات خاصة (معرفة احتمالية أو غير مؤكدة). وبالتالي، يعزو البشر الحالات العقلية في النهاية إلى الآلات – بسبب سلوك هذه الآلات المعقد و”الذكي” والشبيه بسلوك الإنسان. يثير هذا السؤال البحثي المفتوح عما إذا كان يمكن أيضًا تشغيل الارتباطات العصبية لنظرية العقل بواسطة آلات متقدمة بما فيه الكفاية، وكيف يمكن مقارنة هذه الفكرة مع نظرية العقل التقليدية التي تمت تجربتها في التفاعل بين الأشخاص([91]).
من ناحية أخرى، قد لا يتطلب إدراك الوكيل الذكي بالضرورة آلة ذات سمات نظرية العقل. عندما يتحدى الذكاء الاصطناعي لاعبا بشريا في إحدى الألعاب، فقد يعزو الإنسان بعض الاستراتيجيات والتكتيكات إلى الذكاء الاصطناعي، في الواقع قد يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزمية فقط لاستكشاف مساحة القرار الحاسوبي لجميع التحركات المحتملة للعبة بأكملها واختيار المسارات المثلى عند كل منعطف، بينما من الواضح أن اتباع شجرة القرار لا يمثل خاصية من خصائص نظرية العقل، ومن ثم قد ينتج الإدراك البشري لها انطباعات مختلفة. تنطبق حجج مماثلة على روبوتات الدردشة مثل اليزا Eliza التي تستمر في إجراء محادثة خلال الإجابة عن سؤال بسؤال آخر. أو اختيار تورينج الشهير الذي يستخدم للتمييز بين البشر والآلات التي تتظاهر بأنها بشر. إضافة إلى ذلك، يمكن حل معظم نماذج نظرية العقل بواسطة أجهزة الحاسب الآلي، إما باستخدام القواعد والحقائق والمنطق (على سبيل المثال، مهمة الاعتقاد الزائف باستخدام لغة البرمجة “برولوج”) أو عن طريق التعلم الآلي (على سبيل المثال، اختبار قراءة العقل في العيون باستخدام الشبكات العصبية العميقة المدربة) ([92]).
إن الفكرة بأن الحالات السيكولوجية البشرية بالنسبة للبشر، مثلما تكون الحالات الحسابية لآلة “تورينج”، بالنسبة لآلة “تورينج” هى ما تُعرف بالوظيفية السيكولوجية، وهناك نوعين عامين من الأسباب يثيرها هذا النوع من الوظيفية فى مقابل وظيفية الآلة، حيث يهتم الأول بعدم المحدودية الواضحة لمجموعة من الحالات السيكولوجية البشرية التى نود أن تكون نظرياتنا على مستواها، ويهتم الثانى بالمعايير التى نقدمها فى نسب الحالات السيكولوجية إلى البشر أو إلى الآلات.
افترض أن الكائنات البشرية آلات “تورينج”، لذلك، فإن هذه الكائنات يكون لديها عديد من حالات الآلة الممكنة بشكل غير محدود، كم عدد المعتقدات التى يمكنك بوصفك كائناً بشرياً واحداً، أن تتبناها؟ ليس فى فترة ما، بالطبع، أو حتى فى حياة المرء كلها، ولكن ما مدى حجم قائمة المعتقدات الممكنة التى تكون قادراً على تبنيها، بمقتضى بنيتك السيكولوجية؟ فهل يمكنك، على سبيل المثال، أن تعتقد أن رقم (2) خليفة رقم (1)، وأن رقم (3) خليفة (2)، وهكذا، بالنسبة لكل الأعداد الطبيعية؟ إذا كنت تفكر أنه بالنسبة لأي إعتقاد من هذا الشكل، يمكنك أن تشكل هذا الاعتقاد وتقبله، فبذلك تعتقد أنه يمكنك قبول كثير جداً من المعتقدات الممكنة، ونحن حتى لم نتعد علم الحساب الأولى جداً، ولا نحن قد لمحنا إلى الرغبات، الآمال، المخاوف، وتعدد عمليات ما دون الوعى الضرورية لسيكولوجية تامة، واعتبارات مثل هذه، يمكنها أن تثير الرأى بأن عدد الحالات السيكولوجية الممكنة التى يجب على الإدراك المعرفى التام أن يفسرها، يسبق على نحو وسع عدد حالات الآلة الممكنة لآية آلة “تورينج”، بالرغم من آلة “تورينج” حتى ذات التعقيد الصغير، بارعة فى حالات حسابية كثيرة بشكل غير مقيد. بالطبع، هذا لا يقتضى أن المخ ربما يكون قادراً على إفتراض حالات فيزيائية كثيرة، بل العكس تماماً([93]).
هكذا أثبت “تورينج” – وهذا ربما يكون أعظم إسهام له – أن آلته العالمية يمكنها أن تحسب أية عملية يمكن لأي حاسوب، بأى بناء، أن يقوم بها. إن آلة تورينج العالمية حرباء Chameleon (متغير) حسابى تام، قادراً على محاكاة أية آلة حسابية أخرى([94]).
النقطة الأساسية، كما أنه يمكن لوصف أكثر غنى لآلة “تورينج” محدودة، أن ينتج من الحديث عن حالاتها الحسابية وليس من الحديث عن حالاتها الآلية – بمعنى أنه يوجد كثيراً جداً من الأولى أكثر من الثانية -، لذلك، فإن كثيراً من الوصف الغنى – ومن ثم الأكثر خصوبة سيكولوجيا على نحو ممكن-، للأدمغة البشرية، سينتج من الحديث عن حالاتها الحسابية، وليس من الحديث عن حالات الآلة الخاصة بها. حتى ولو كانت هناك بالمصادفة حالات سيكولوجية كثيرة يكون بها البشر قادرين على التواجد، سيكون ثمة أسباب لتفضيل التفسير الوظيفى النفسى للحالات السيكولوجية، إفترض ان لديك آلتين “تورينج”: T1 و T2، وكلاهما آلة للجمع، وكلاهما مصنوع من المادة نفسها، ولكن إفترض أن جداول الآلة الخاصة بهما، ومجموعات حالات الآلة تكون مختلفة، فى حين تقوم الآلة الأولى T1 بجمع المضاف الأول بعد إضافة (1) إليه، مع عدد المرات المحددة بالمضاف الثانى، تقوم الآلة الثانية T2 بجمع المضاف الثانى بعد إضافة (1) إليه، مع عدد المرات المحددة بالمضاف الأول، بالإضافة إلى ذلك، فإنهما ينجزان مهامهما باستخدام مجموعة مختلفة من حالات الآلة، يبدو إذن إنه من العدل القول أنه عندما تقوم هاتين الآلتين بجمع زوج من الأرقام، فإنهما، من بعض النواحى المهمة، يفعلان الشئ نفسه، إذا اعتبرناهما “كاعتقاد” بأي شئ حول المسائل الحسابية التى يحسبانها، فإنهما بذلك، “يتفقان” فى كل إعتقاداتهما، حتى بالرغم من أنهما لا يتشاركان فى أي من حالات الآلة، ومن ثم، فيبدو أن المستوى الحسابى للوصف، لبعض الأغراض على الأقل، مفيداً فى وصف آلات “تورينج”، فهل سيكون هذا صحيحاً بالنسبة للبشر؟([95]).
يمكن اختزال هذه القضايا إلى حجة فلسفية كما اقترح سیرل وتجربته الفكرية في الغرفة الصينية: إن البرنامج المعقد بدرجة كافية ينفذ رمزًا يحاكي قدرات العقل البشري ولا يجعل هذا البرنامج يمتلك بالضرورة نموذجا حقيقيا لعقل الإنسان. وبالتالي عارض سيرل كلاً من النظرية الحاسوبية للعقل ووجود ذكاء اصطناعى قوي([96]).
إن إحدى طرق اختبار أية نظرية عن العقل؛ أن يسأل المرء نفسه عما سيبدو عليه الأمر إذا ما كان عقله يعمل فعلاً، بناءً على المبادئ التى تقول النظرية أنه يعمل بناءً عليها، ولنطبق هذا الاختبار على برنامج “شانك” بالتجربة الفكرية التالية، افترض أننى حبيس غرفة، ولدى رقعة كبيرة من الكتابة الصينية، وافترض أيضاً أننى لا أعرف اللغة الصينية، ولا كتابة ولا تحدثاً، وأننى لست واثقاً من قدرتى على تمييز الكتابة الصينية بوصفها كتابة صينية عن اليابانية مثلاً، أو حتى الشخبطة التى بلا معنى؛ وبالنسبة لى، فإن الكتابة الصينية مجرد عديد من الشخبطة التى بلا معنى، وافترض أنه بعد هذه الرقعة الأولى من الكتابة الصينية، أعطونى رقعة ثانية من نص صينى مع مجموعة من القواعد لربط الرقعة الأولى بالثانية، والقواعد مكتوبة باللغة الإنجليزية، وأنا أفهم هذه القواعد مثل أى متحدث للغة الإنجليزية، وهى تمكننى من ربط مجموعة من الرموز الصورية بمجموعة أخرى، وكل ما أعنيه بكلمة “صورى Formal” أننى أستطيع تمييزها جميعاً خلال أشكالها. والآن افترض أيضاً أننى أعطيت رقعة ثالثة من الرموز الصينية مع بعض التعليمات، باللغة الإنجليزية أيضاً، تمكننى من ربط عناصر هذه الرقعة الثالثة مع الإثنين الأوليين، وهذه القواعد تعلمنى كيف أصدر رموزاً صينية بعينها رداً على أنواع بعينها من الأشكال التى أعطيت لى فى الرقعة الثالثة، وأنا أعلم أن الأشخاص الذين أعطونى كل هذه الرموز يسمون الأولى “نصاً” والثانية “قصة”، ويدعون الثالثة “أسئلة”، بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يدعون الرموز التى أصدرتها إليهم رداً على الرقعة الثالثة “إجابات عن الأسئلة”، ومجموعة القواعد التى أعطوها لى باللغة الإنجليزية “البرنامج”. والآن لنزيد القصة تعقيداً: تخيل أن هؤلاء الأشخاص أعطونى قصصاً باللغة الإنجليزية، والتى أفهمها، وسألونى بعد ذلك أسئلة بالإنجليزية عن هذه القصص، وأنى أرد عليهم بالإنجليزية، وافترض أيضاً أنه بعد فترة تمرست على إتباع التعليمات الخاصة بالتعامل بالرموز الصينية، وأن المبرمجين أتقنوا البرمجة أكثر؛ لدرجة أن من وجهة النظر الخارجية – أى وجهة نظر شخص خارج الغرفة التى أنا حبيسها – كانت إجاباتى مطابقة تماماً لإجابات متحدثى الصينية الأصليين، لا أحد ممن ينظرون إلى إجاباتى يمكن أن يزعم أنى لا أتحدث أية كلمة صينية، ولنفرض أيضاً أن إجاباتى بالإنجليزية كانت، مثلما هو الحال فعلاً، مطابقة لإجابات متحدثى الإنجليزية الأصليين، لسبب بسيط، وهو أنى من متحدثى الإنجليزية الأصليين، من وجهة النظر الخارجية – وجهة نظر شخص يقرأ “إجاباتى” – تعد إجابات الأسئلة الصينية والأسئلة الإنجليزية جيدة بالدرجة نفسها، ولكن فى حالة اللغة الصينية، على خلاف الإنجليزية، نجد أننى أنتج الإجابة خلال معالجة رموز صورية غير مفسرة، وفيما يتعلق باللغة الصينية، فأنا أتصرف مثل الحاسوب، أقوم بعمليات حسابية تقديرية على عناصر محددة مسبقاً، وبالنسبة لأغراض التعامل مع اللغة الصينية، فأنا مجرد تمثيل لبرنامج الحاسوب([97]).
هناك تطوير آخر للحجة، ويبدو أنه أكثر قوة، رغم أنه تلقى اهتماماَ أقل من الاهتمام الذى لقيته حجة الغرفة الصينية، فى الحجة الأصلية افترضت أن نسب تركيب الجملة والحساب إلى الجهاز كان لا إشكالياً، ولكن إذا تمعنت بالمسألة فسوف ترى أن الملاحظ هو مقياس الحساب وتركيب الجملة، إذا استثنينا الحالات التى بها يحسب الشخص فعلاً فى عقله الذاتى، لا توجد حسابات جوهرية أصلية فى الطبيعة، عندما أجمع اثنين مع اثنين واحصل على أربعة، فإن هذا الحساب لا يتم بالنسبة إلى الملاحظ، أقوم بهذا الفعل بصرف النظر عما يفكر فيه أي إنسان، ولكن عندما أكبس زر “2+2=4” على آلتى الحاسبة الجيبية وتطبع”4″، فإن الآلة لا تعرف شيئاً عن الحساب أو عن الرموز، لأنها لا تعرف أي شئ عن أي شئ جوهرياً، إنها دائرة الكترونية معقدة نستعملها للحساب فقط، التحولات الكهربائية المهيجة جوهرية للآلة، ولكن الحساب فى عين الناظر… وما ينطبق على الآلة تماثل طريقة وجود المعلومات فى الكتاب، وإنها موجودة هناك من دون شك، ولكن هذا الوجود ليس جوهرياً، بل يعتمد على الملاحظ. لهذا السبب ليس بإمكانك أن تكتشف أن الدماغ حاسوب رقمى، لأن الحساب لا يوجد فى الطبيعة، بل ينسب إليها، ولهذا السؤال: هل الدماغ حاسوب رقمى؟ سؤال معرف بصورة سيئة، فإذا سُئل: هل الدماغ جوهرياً حاسوب رقمى؟ فإن الجواب لا شئ حاسوب رقمى جوهرياً سوى الأشخاص الوعيين الذين يفكرون بواسطة الحساب. وإذا سألت: هل بإمكاننا أن ننسب ترجمة حسابية إلى الدماغ؟ فالجواب: نعم، ننسب ترجمة حسابية إلى أي شئ([98]).
لكن الإدعاءين اللذين يقدمهما أنصار الذكاء الإصطناعى هما؛ أن الحاسوب المبرمج يفهم القصص، وأن البرنامج – بمعنى ما – يفسر الفهم البشرى، ولكننا الآن – والكلام على لسان “تورينج” – فى موقف يسمح بفحص هذين الإدعاءين فى ضوء تجربتنا الفكرية هذه:
أ- فيما يتعلق بالإدعاء الأول، فيبدو من الواضح تماماً أنى لا أفهم أية كلمة من القصص الصينية، ولدي مُدخلات ومخرجات لا تختلف عن تلك التى لدي متحدث الصينية الأصلى، وأستطيع أن أتبنى أى برنامج صورى تشاؤه، إلا أننى أظل لا أفهم أي شئ. وللأسباب نفسها، فإن حاسوب “شانك” لا يفهم أى شئ من القصص، سواء أكانت بالإنجليزية أم بالصينية، أم أياً كانت اللغة، لأنه فى حالة اللغة الصينية يكون الحاسوب أنا، وفى المحاولات التى لا يكون الحاسوب فيها أنا، فلا يكون لديه الحاسوب أكثر مما يكون لديّ فى الحالة التى أفهم فيها شيئاً.
ب- فيما يتعلق بالإدعاء الثاني، وهو أن الحاسوب يفسر الفهم البشري، فإن بإمكاننا أن نرى أن الحاسوب وبرنامجه لا يقدما شروطاً كافية للفهم؛ لأنهما يؤديان وظائف وليس هناك فهم.
إذا ما قبلنا حجج “سيرل” – وقد حاول البعض هدمها بالفعل-، فعلينا أن نسأل: “ما الذى فى البشر يجعلهم جنساً خاصاً؟”، وهنا لا يبدو – “سيرل” – ملزماً تماماً. باختصار، هو يؤمن بأن الصفات القصدية Intentional مثل التفكير والمعرفة، ترتبط بحقيقة أن الحاسوب البشرى يتضح فى الأعصاب واللحم والدم.
إن ما يهم فى العمليات الدماغية ليس الظل الصورى لذى تلقيه سلسلة التشابكات العصبية، بل الخصائص الفعلية لهذه السلسة، إن حجج الصيغة القوية للذكاء الإصطناعى التى رأيتها تصر على رسم موجز حول الظلال التى يُلقيها الإدراك العقلى، ثم تصر بعد ذلك على أن الظل هو الشئ الحقيقى.
الآن يجب أن تترك الفراغ جانباً؛ فعندما يتم حله، سوف يقربنا إلى لب ما يجب أن يكون إنسانياً، والآن لنبق مؤقتاً فى هذه اللايقين([99]).
لقد فهم بعض النقاد والشراح حجة الحجرة الصينية فهماً خاطئاً فى بعض الأحيان، الأمر الذى دفع “سيرل” إلى الإشارة إلى بعض الأفكار الخاطئة عن الحجة، إذ اعتقد بعض الناس أنه يحاول إثبات أن “الآلات لا تستطيع أن تفكر”، أو إثبات أن “الحاسوب لا يستطيع أن يفكر، ومن ثم، فإن بعض الآلات على الأقل تستطيع أن تفكر، وبالنسبة لنا، فإننا نعرف أن من الممكن بناء أمخاخ اصطناعية تستطيع أن تفكر أيضاً، ويقوم المخ البشرى بأعمال كثيرة من بينها الحساب، فهو يجمع “5+5” ويحصل على “10” مثلاً. وعلى هذا النحو – وفقاً لتعريف الحاسوب – تكون الأمخاخ أجهزة حاسوب لأنها تحسب، ومن ثم تستطيع “بعض” أجهزة الحاسوب أن تفكر، مخك ومخى على سبيل المثال([100]).
لذلك، فإن النتيجة العامة المستخلصة من تجربة “سيرل”، هى أن أية منظومة يقتصر عملها على معالجة الرموز الفيزيائية، وفقاً لقواعد حساسة البنى ستشكل فى أحسن الأحوال محاكاة جوفاء للذكاء الوعييى الحقيقى، ذلك لأنه يستحيل توليد دلالات حقيقية Real Semantics بالاعتماد على نحو أو تركيب لغوى Syntax أجوف. وتجدر الإشارة إلى أن “سيرل” يطبق إختباراً غير سلوكى للوعى، إذ يعد أنه يجب أن يكون لعناصر الذكاء الوعيي محتوى دلالى حقيقى([101]).
فيما يتعلق بالانبثاق المحتمل لسلوكيات شبيهة بنظرية العقل في الآلات المستقبلية، يقدم المفردون (على سبيل المثال، کورزويل 2006 ,Kurzweil ؛ فينج 1993 ,Vinge) أتباع تيار ما بعد الانسانية – منظوراً مختلفاً.
الذكاء الفائق superintelligence ذكاء يفوق في الأداء أفضل الأمخاخ البشرية في كل مجال عمليا، بما في ذلك القدرة العلمية على الإبداع، والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية. هذا التعريف يترك الأمر مفتوحا حول كيفية تنفيذ الذكاء الفائق – قد يكون في حاسب رقمي، أو مجموعة الحاسبات على هيئة شبكة، أو نسيج قشرة دماغية مزروع أو شيء آخر([102]).
في هذا التعريف لا يعد ديب بلو Deep Blue ذكاء فائقا، حيث إنه ذكي فقط في نطاق واحد ضيق (الشطرنج)، وحتى في هذا النطاق فإنه لا يتفوق بشكل ضخم على أفضل البشر. والهويات مثل الشركات والمجتمع العملي ليست هويات ذات ذكاء فائق أيضا. ورغم أنها تستطيع أداء عدد من الأعمال الذكية لا يستطيع إنسان فرد أداءها، فإنها ليست مندمجة بما يكفي لاعتبارها “ذوات إدراك”، وهناك كثير من المجالات حيث تؤدي بشكل أسوأ من البشر الأفراد. على سبيل المثال، لا يمكنك الحصول على حديث في الوقت الحقيقي مع “المجتمع العلمي”([103]).
رأى عديد من الكتاب أن هناك فرصة حقيقية أن يتم ابتكار ذكاء فائق خلال بضعة عقود، ربما كنتيجة لنمو أداء العتاد والقدرة المتزايدة لتنفيذ خوارزميات وبني مشابهة لتلك المستخدمة في المخ البشري. قد يتضح أن الأمر سيحتاج وقتًا أطول، لكن يبدو أن الوقت الحالي ليس أساسًا جيدًا لتحديد إمكانية زهيدة لفرضية أن الذكاء الفائق سوف يتم ابتكاره خلال حياة بعض من يعيشون اليوم. ونظرا لضخامة نتائج الذكاء الفائق، قد يكون من المفيد إعطاء هذه الإمكانية بعض الاعتبارات الجادة حتى لو ظننا أن هناك فقط احتمالا صغيرا لأن تحدث في أي وقت قريب.
المطلوب مقدماً للوصول إلى مناقشة هادفة حول الذكاء الفائق هو إدراك أن الذكاء الفائق ليس مجرد تقنية أخرى، أداة أخرى سوف تضاف بشكل متزايد إلى قدرات الإنسان. الذكاء الفائق مختلف جذريا. تحمل هذه الفكرة تأكيدا لأن انتساب صفات بشرية للذكاء الفائق هو مصدر خصب كبير للاعتقادات الخاطئة([104]).
دعنا ننظر في بعض الجوانب غير العادية لابتكار ذكاء فائق:
- قد يكون الذكاء الفائق هو آخر مبتكرات البشر التي دعت إليها الحاجة في أي وقت.
نظرًا للتفوق العقلي للذكاء الفائق، قد يكون الأفضل في إجراء الأبحاث العملية والتطويرات التقنية من أي إنسان، وربما الأفضل حتى من كل البشر معاً. والنتيجة المباشرة لهذه الحقيقة أن([105]):
- التقدم التقني في كل المجالات الأخرى سوف يتسارع بظهور الذكاء الاصطناعي المتقدم.
من المرجح أن أي تقنية يمكننا التنبؤ بها حاليا سوف تتطور بسرعة بواسطة أول ذكاء فائق، وبلا شك مع كثير من التقنيات الأخرى التي لم تحل ألغازها بعد. التقنيات القابلة للتنبؤ بها والتي من المرجح أن يطورها الذكاء الفائق تتضمن الصناعة الجزيئية الكاملة وتطبيقاتها ذات مدى واسع:
(أ) حاسبات بالغة القوة.
(ب) أسلحة متطورة، ربما تستطيع نزع التسلح النووي بأمان
(ج) السفر عبر الفضاء ومسابر فون نيومان (مسابر ذاتية الاستنساخ بين النجوم).
(د) التخلص من الشيخوخة والمرض.
(هـ) التحكم في السجايا الرقيقة المزاج الإنسان، وعاطفته ومحفزاته.
(و) تحميل (مسح عصبي أو عصبي فرعي لمخ خاص وتنفيذ البنى الخوارزمية نفسها على الحاسب بطريقة تحافظ على الذاكرة والشخصية).
(ز) إعادة إحياء مرضى التجميد والتخزين cryonics في انتظار التطورات المستقبلية.
(ح) واقع افتراضي واقعي تماماً.
- سوف يؤدى الذكاء الفائق إلى ذكاء فائق أكثر تطوراً.
ينتج هذا عن العتاد المتطور الذي يمكن لذكاء فائق ابتكاره، وأيضاً من التطورات التي يمكنه إنجازها لمصدر شفرته الخاص.
- يمكن نسخ العقول الاصطناعية بسهولة([106]).
لست متأكداً متى أصبحت مدركاً للمرة الأولى للتفرد Singularity. عليّ القول بأنها كانت يقظة تقدمية. في نصف القرن تقريباً الذي أنغمست بنفسي – كيرزويل – فيه في الحاسب والتقنيات المرتبطة به، سعيت إلى فهم معني وغرض الارتفاع الحاد المستمر الذي شهدته على كثير من المستويات. وبالتدريج أصبحت مدركاً لحادث التحول وشيك الحدوث في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين. تماماً مثل فجوة سوداء في الفضاء غيرت بشكل درامي أنماط المادة والطاقة متسارعة نحو أفق حدثها، ذلك التفرد وشيكة الحدوث في مستقبلنا تحول بشكل متزايد كل شيء راسخ وكل جانب في حياة الإنسان، من الأمور الجنسية إلى الروحية([107]).
دعنا نعرف الآلة فائقة الذكاء بأنها آلة يمكنها التفوق بدرجة كبيرة على كل الأنشطة الذكية لأي إنسان أياً كان ذكاؤه. حيث إن تصميم الآلة هو أحد هذه الأنشطة العقلية، فإن الآلة فائقة الذكاء يمكنها تصميم حتى الآلات الأفضل، ومن ثم سوف يكون هناك دون شك “انفجار ذكاء”، ويكون ذكاء الإنسان قد تأخر كثيرا وراء هذا الانفجار، لذلك فإن أول آلة فائقة الذكاء هي آخر اختراع احتاج الإنسان لأن يصنعه في أي وقت([108]).
لوضع مفهوم التفرد في منظور أبعد، دعنا نستكشف تاريخ العالم نفسه. “التفرد ” كلمة إنجليزية تعني حدث فريد من نوعه، سوف يكون له، تضمينات متفردة singular. تبنى علماء الرياضيات الكلمة للرمز إلى قيمة تتخطى أية حد محدود، مثل انفجار له قيمة تنتج عن تقسيم ثابت على رقم يقترب أكثر فأكثر من الصفر. انظر على سبيل المثال إلى الدالة y = 1/x . لكما اقتربت قيمة x من الصفر، فإن قيمة الدالة y تنفجر إلى قيم أكبر فأكبر.
هذه الدالة الرياضية لا تصل بالفعل أبداً إلى قيمة لانهائية، حيث إن القسمة على صفر “غير محددة” رياضياً (من المستحيل حسابها). لكن قيمة لا تتخطى أي حد محدود (تقترب من اللانهاية) كلما اقترب المقسوم عليه x من الصفر([109]).
المجال التالي لتبنى الكلمة كان علم الفيزياء الفلكية. لو حدث لنجم ضخم انفجار سوبرنوفا، تنهار بقاياه في النهاية إلى نقطة يكون لها كما يبدو القيمة صفر وكثافة لانهائية، وبشكل التفرد في مركزه. ولأنه كان يظن بأن الضوء يعجز عن الهروب من النجم بعد أن يصل إلى هذه الكثافة اللانهائية، أطلق عليها الثقب الأسود. وهي تتألف من تمزق في نسج المكان والزمان.
تخمن إحدى النظريات أن الكون نفسه بدأ بمثل هذا التفرد، ومع ذلك، من المثير للاهتمام أن أفق الحدث (سطح) لأى ثقب أسود له حجم محدود، وقوة الجاذبية لانهائية نظريا فقط عند المركز ذي الحجم صفر لهذا الثقب الأسود. في أي مكان يمكن قياسه بالفعل، تكون القوى محدودة، رغم أنها ضخمة إلى حد هائل([110]).
أول ذكر للتفرد بوصفه حدث قادر على تمزيق نسيج التاريخ الإنساني هو عبارة جون فون نيومان المقتبسة سابقاً. في الستينيات كتب أ. ج. جود I.J. Good عن “انفجار ذكاء” ناتج عن آلات ذكية تصمم جيلها التالي دون تدخل من الإنسان. وكتب فیرنور فينج Vernor Vinge، عالم الرياضيات وعالم الحاسبات في جامعة سان دييجو ستيت، حول الاقتراب السريع من “تفرد تقني” في مقاله لمجلة لومني في 1983 وفي رواية خيال علمي “معزول في جزيرة في الوقت الحقيقي” في 1986 ([111]).
قدم كتابي – كيرزويل – في 1989 “عصر الآلات الروحية” مستقبل متوجه بشكل لا يمكن تجنبه نحو آلات تتخطى بكثرة الذكاء الإنساني في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين. ووصل كتاب هانز مورافيك Hans Moravec لعام 1988 “أطفال العقل” إلى نتيجة مماثلة بتحليل تقدم الروبوتية. في 1993 قدم فينج بحثا لمؤتمر نظمته ناسا يصف التفرد بوصفه حدث وشيك سينتج أوليا من قدوم “هويات ذات ذكاء أكبر من ذكاء الإنسان”، وهو ما رآه فينج بوصفه نذير ظاهرة خارجة عن السيطرة. ويصف كتابي لعام 1999 “عصر الآلات الروحية: عندما تتخطى الحاسبات الذكاء البشري”، الصلة الحميمية المتزايدة بين ذكائنا البيولوجي والذكاء الاصطناعي الذي نبتكره. ويصف كتاب مورافيك “الروبوت: مجرد آلة تتخطى العقل” والذي نشر أيضا في 1999، روبوتات أربعينيات القرن الواحد والعشرين بوصفها ورثتنا التطوريين”، آلات سوف “تنمو منا، وتتعلم مهاراتنا وتشاركنا في أهدافنا وقيمنا.. أطفال عقولنا”. وحلل كتابا المتخصص الأسترالي داميين برودريك Damien Broderick في 1997 و 2001 وكلاهما يحمل العنوان نفسه “الشوكة”، التأثير النافذ للمرحلة المتطرفة من التسارع التقني، المتوقع خلال عدة عقود. في سلسة واسعة من الكتابات، وصف جون سمارت John Smart التفرد بوصفها نتيجة حتمية لما أسماه انضغاط “مست WEST” (أي المادة، والطاقة، والفضاء والزمن)([112]).
يجادل التفرديين بأن القدرات الحاسوبية سوف تبلغ مستوى الدماغ البشري بل وتتفوق عليه في غضون عقود قليلة، وذلك استنادا إلى النمو الأسي وفقا لقانون مور (أي مضاعفة الأداء كل 18 شهراً؛1965 ,Moore). ومن خلال إحصاء معدلات النمو الحالية سيكون من الممكن بناء شبكات عصبية اصطناعية بمقياس دماغ بشري حقيقي حوالي عام 2045. يمكن أن يؤدي انفجار الذكاء الاصطناعي الناتج بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تقديم نظرية العقل بوصفها جزء من الذكاء الاصطناعي العام([113]).
يكمن السر وراء نجاح قانون مور في كيفية عمل الترانزستور وطريقة صنعه. فالترانزستور، أساسا، عبارة عن صمام يتحكم في تدفق الكهرباء. وبالطريقة ذاتها، التي يتحكم بها رجال الإطفاء بتدفق تيارات ضخمة من الماء في خرطوم إطفاء الحريق عن طريق تدوير صمام، يمكن لفولتات صغيرة جدا في الترانزستور، أن تتحكم في تدفق تيارات كبيرة من الكهرباء. وتتحكم نظرية الكم بدورها في ديناميكية الترانزستور (فغياب إلكترون في الترانزستور) يعمل بحسب نظرية الكم كإلكترون ذي شحنة معاكسة أي (ثقب). وتقرر نظرية الكم كيفية حركة هذه الإلكترونات والثقوب في الترانزستور.
إن ما يجعل قانون مور ناجحا هو الجهد المبذول لتصغير حجم الترانزستورات. فلقد كانت الترانزستورات الأصلية عناصر كهربائية أولية بحجم قطعة الــ 10 سنتات، ومرتبطة بواسطة أسلاك، وكانت الترانزستورات تبني يدويا في البداية. أما اليوم فتصنع باستخدام أشعة ضوئية لحفر أخاديد وخطوط دقيقة على شرائح سيليكونية (وتدعى هذه العملية بالطباعة الضوئية) Photolithography([114]).
يمكن مقارنة هذه العملية بصناعة القمصان الملونة: لقد كانت الطريقة القديمة هي تلوين كل قميص يدويا، ولكن الطريقة الأكفأ هي وضع استنسيل (شريحة من الورق أو المعدن عليها نقوش) فوق كل قميص، ومن ثم رشه بالحبر. وبهذه الطريقة يمكن للمرء أن يطبع، بشكل متكرر، صورا على القمصان، وينتجها بالجملة بكميات غير محددة. وبالمثل يسقط الضوء فوق استنسیل من نوع خاص يدعى القناع، يوضع فوق شريحة السيليكون، ويحتوي على الشكل المطلوب من الخطوط والدوائر المعقدة. وتطبع حزمة الضوء المركز، التي تمر عبر القناع هذا النموذج على الشريحة الحساسة للضوء، وتعالج الشريحة بعد ذلك بغازات خاصة، تحفر الدائرة على الشريحة، حيثما تتعرض للضوء، وبهذا الشكل يحفر الهيكل الأساسي للدائرة، وتصنع الترانزستورات على هذه الأخاديد برش الشريحة بأيونات خاصة، وتكرر هذه العملية حوالى 20 مرة بحيث تشكل نظاما متعدد الطبقات من شرائح السيليكون التي تحتوي على أسلاك وترانزستورات([115]).
في السعي وراء زيادة ذكاء الآلات باستمرار، قد تصبح نظرية العقل جزءا مهما في التفاعلات بين الإنسان والحاسوب. في البيئات الذكية والتقنية، قد يطبق البشر خصائص نظرية العقل بشكل أساسي على شركائهم في التفاعل غير البشري. وعند تصميم وكلاء شبيهة بالبشر، أو سيارات ذاتية القيادة، أو أجهزة تكنولوجية وتقنيات محيطة، يصبح من المهم تنظيمها وفقا لمكونات نظرية العقل البشرية. بمجرد أن يخصص البشر الأهداف أو الدوافع أو المعتقدات لنظرائهم من غير البشر، تصبح هذه الأفكار بطبيعتها جزءا من مساحتهم التفاعلية، كما يجب أخذها في الاعتبار بعناية([116]).
على عكس ذلك، قد تصبح نظرية العقل نفسها أيضا ميزة أساسية لذكاء اصطناعي قوي، أو على الأقل ذكاء اصطناعي ضعيف متقدم بدرجة كافية للتفاعل. والمستقبل وحده هو ما سيخبرنا ما إذا كان من الممكن تنفيذ السمات المشابهة لنظرية العقل باستخدام نموذج نظري محدد جيدا، والذي لا يزال يتعين تطويره بحلول ذلك الوقت. أو بدلاً من ذلك، قد تنبثق الخصائص القائمة على نظرية العقل أيضاً بوصفها جزء من شبكة عصبية اصطناعية كبيرة بما يكفي بمجرد اقتراب تعقيدها من حجم تعقيد الدماغ البشري. وإذا حدث ذلك، سيتطلب هذا التطور حدوث تطورات هائلة في الهندسة الكهربائية والذكاء الاصطناعي وعلوم الأعصاب الحاسوبي وعلم النفس المعرفي. وحتى ذلك الوقت، يظل السؤال الفلسفي هو هل يمكن اعتبار الآلة التي تحاكي الذات والتي تتضمن مفهوماً لنظرية العقل فرداً حقيقياً يتمتع بقدرات نظرية العقل الفعلية، ويمكن مقارنتها بالبشر([117]).
تعقيب
على الرغم من تفوق الآلة على الإنسان في أمور عديدة، إلا أنه تظل منطقة الإدراك البشري منطقة شديدة الخصوصية والتعقيد، ويصعب على الحواسيب الوصول إلى تكوين إدراك على شاكلة الإدراك البشري، فالعقل البشري مثلاً قادر على استيعاب الأوامر بسرعة فائقة مقارنة بالحاسب مثل التحرك إلى اليمين أو اليسار. فهى حركات بسيطة ولا تحتاج إلى مجهود كبير لدي العقل البشري، فى حين أنها تمثل عمليات حسابية ضخمة داخل الحواسيب.
أن مرحلة الذكاء الإصطناعى تمثل المرحلة النهائية حتى الآن التى توصل إليها علم الحاسوب فى إطار المحاولات عديدة لتقليد الذكاء الإنسانى. وهذا ما دافع عديد من الباحثين إلى القول بأن الذكاء الإصطناعى مهما كانت قوته فهو يمثل نسبة ضئيلة من الذكاء البشري لأن هذا الذكاء الاصطناعى فى الأساس ما هو إلا محاولات محدودة لتقليد العقل البشري غير المحدودة. وهذا ما يفسر لنا الذكاء الاصطناعى الضعيف الذي لا يستطيع حل المشكلات، والذكاء الاصطناعى القوي الذى يحاول حل المشكلات ويحاول أن يكون على نمط الذكاء البشري.
برامج تعلم الآلة قد تكون مفيدة لعلماء النفس لأن مثل هذه البرامج قادرة على قراءة النتائج وحالات التعلم والتعامل مع البيئات المعقدة وتكوين مفاهيم جديدة ولاستكشاف النشط وغيره من الموضوعات المهمة فى مجال علم النفس وسيكولوجية التعلم والتطور.
تقوم فلسفة العقل على تناول عديد من الموضوعات مثل طبيعة العقل والتمثيل العقلى وعلاقة العقل بالجسم، والعقل وتعامله مع الذكاء الاصطناعى، والحالات العقلية، ومدى معرفتنا بالعقل، فهى تقدم عديد من الإجابات، ولكنها أيضاً فى الوقت نفسه تفتح المجال لعديد من التساؤلات الأخرى قد تكون أعمق وأكثر خطورة متعلقة بالعقل وفلسفته ولهذا فهى وثيقة الصلة بكثير من مجالات الفلسفية مثل الأخلاق، فلسفة العلم، والميتافيزيقا، وعلم الأعصاب، وغيرها من العلوم التى تسعى إلى تفسير العقل وعمليات التفكير فى حدود برامج الكمبيوتر.
إن نظرية التمثيل المعرفي تمثل خطوة نحو محاولة تقليد العقل البشري خلال البيانات المعلوماتية وإظهار كيف يتعامل معها العقل البشري الطبيعي، ومع ذلك لا تستطيع هذه النظرية أن تقدم تفسيرات دقيقة وصادقة بشكل كامل حول ما يتعلق بالنظرية الإنسانية وحول التجارب الإنسانية والمعارف البشرية والرغبات الموجودة داخل العقل البشري لأن هذه المعرفة فطرية والتجارب الإنسانية قائمة على نوع من الخلايا الحسية والعصبية التى تعد ضمن مميزات العقل البشري.
إن محاولات الجمع بين الذكاء الاصطناعى ونظرية العقل محاولات قائمة فى جوهرها على الإبداع ومجالات البحث عن حلول جديدة لما تحتوى عليه هذه العلاقة من التعقيد. كما أن هذه المحاولات نابعة من الرغبة فى التطور التكنولوجى لأجل خدمة الإنسانية وليس العكس، بمعنى أنها محاولات تسعى إلى تحسين حياة المجتمعات البشرية خلال التقنيات المتطورة.
الهوامش
([1])Bengamin Erb., Artifial Intelligence & Theary of Mind Technical Report, August 2016, P. 6.
([2])آلان بونيه: الذكاء الاصطناعي، واقعه ومستقبله، ترجمة على صبري فرغلي، عالم المعرفة (172) الكويت، 1993، ص11.
([3])أحمد شفيق الخطيب: قراءات في علم اللغة، دار النشر للجامعات، القاهرة، 2001، ص 297.
([4])سامي أدهم: الفلسفة الصنعة، دار كتابات، بيروت، ص164-157.
([6])جيمس تريفل: هل نحن بلا نظير، ترجمة ليلي الموسوي، عالم المعرفة(323) الكويت، 2006، ص50.
([12])Colburn, T.R, : Philosophy and computer Science, M.E. Sharpe, U.S.A. 2000, P. 137.
([14])David C., Gooding, “Review of Johne Sealre: “The Rediscovery of the Mind”, Isis, Vol. 85, No. 2, 1994, P. 362.
([16])Jeffery, M: The Human Computer., 1st ed., London, Little Brown, 1999, P.13.
([17]) روبوت سوكولوسكي: الذكاء الطبيعي والاصطناعي، ترجمة أحمد شفيق الخطيب، الثقافة العالمية(44) الكويت، 1989، ص29.
([18])Jeffery, M: The Human Computer., P.14.
([20]) روبوت سوكولوسكي: الذكاء الطبيعي والاصطناعي، ص29.
([21])Jeffery, M: The Human Computer., P.101.
([22])John Searle: What your, Computer Cant Knor; Private Collection art Resource, Herscavici, attists, Oxford un, 2014, P. 4.
([23])روجر بنروز: العقل والحاسوب وقوانين الفيزياء، ترجمة محمد وائل، بسام المعصرانى، دار طلاس، دمشق، 1998، ص40.
([24])كيفين واريك: أساسيات الذكاء الاصطناعى، ترجمة هاشم أحمد محمد، مراجعة السيد عطا، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2013، ص94.
([29])دانييل دينيت: الوعي فى عقلي الإنسان والروبوت، ضمن كتاب الخيال العلمى والفلسفة، تحرير سوزان شنايدر، ترجمة عزت عامر، المشروع القومى للترجمة(1859)، القاهرة، 2011، ص308.
([32])Hirtstein, William: On Searle Belmont, California: Wadsworth, 2001, p. 36.
نقلاً عن: نهال علاء: العقل والعلم المعرفي عند جون سیرل ، رسالة دكتوراه ، بكلية الأداب ، جامعة قناة السويس،2019 ، ص39.
([33])John Searle, Mind, Brains, and Programs, The Behavioral and Brain Science, Vol. 3., 1980, P. 522.
([37])جيمس تريفل: هل نحن بلا نظير، ص137.
([41])Boden, Margret A., Artificial intelligence, Acadwmic Press San Diego, New York, Boston, London Svdnev, 1996, P. 89-90.
([44]) صلاح إسماعيل : فلسفة العقل ، دار قباء الحديثة ، القاهرة ، 2008 ، ص15 .
([45]) جون سيرل : العقل ، مدخل موجز ، ترجمة ميشيل حنا متياس ، عالم المعرفة ، 343 ، الكويت ، 2007 ، ص14 .
([46]) صلاح إسماعيل : فلسفة العقل ، ص15 – 16 .
([48])George Graham, Philosophy of Mind; An Introduction, Second edition, Blackwell Publishers, LTD, Oxford, 1998, P.2.
([49])Jerome, A. Shaffer, Philosophy of Mind, Prentic-Hall Inc, London, 1968, P.4.
([50]) Block, N. & Segal, G.; “The Philosophy of Psychology”, 4 – 71 in Grayling, A. C. ed.; Philosophy 2: Further Through The Subject, Hall INC. London, 1969, P.5
([51]) Marvin L. Minsky.,: “Semantic Information Processing,” Cambridge, Mass: MIT Press, 1968, P.V.
نقلا عن صلاح إسماعيل : “فلسفة العقل ، ص17 .
([54])Stilling, N.A. & Others, Cognitive Science: An Introduction 2nd ed, Cambridge, Mass: MT Press, 1995, P. 332.
([55]) عبد الوهاب جعفر: أضواء على الفلسفة الديكارتية، دار الوفاء، الإسكندرية،1990 ، ص38.
([56])Moor, J., & Bynum, T.W., Introduction to CyberPhilosophy, In Cyberphilosophy; the intersection of philosophy and computing, edited by Moor, J & Bynum, T.W., Oxford; Blackwell, 2002, P.1.
([57])Stilling, N.A. & Others, P. 333.
([59])Stilling, N.A. & Others, P. 334.
([60])Collins, A.F. (et al)., Theories of memory, Hove, U.K; Hillsdale, U.S.A.; L.Erlbaum Associates, 1993, P.12.
([61]) محمد طه: آفاق جديدة فى دراسة العقل، عالم الفكر، المجلد 35، العدد(1)، الكويت، 2006، ص170.
([62])Nuallian, S.O. & Others, Tow Science of Mind; Readings in Cognitive Science and Consciousness, Amsterdam, Piladelphia; John Benjamins Pub, Co. 1997, P. 37.
([63])Stilling, N.A. & Others, P. 334.
([64]) عماد الدين عبد الرازق: العقل عند أرمسترونج، دار الثقافة، القاهرة، 2007، ص57.
([65])Stilling, N.A & Others, P. 367.
([66]) عماد الدين عبد الرازق، ص58.
([67])Stilling, N.A &Others , p.368.
([68]) Colman.A.M(Ed),Companion Encyclopedia of psychology vol.1,1sl. London,new work: routledg, 1994 p. 358.
([69])Tye ,M, “A Representation theory of pains and their phenomenal character Blockm ,N, Flanagan,O, & Guzeldere, G.(Eds) the nature of consciousness: Philosophical Debates 3rd , Ed , Cambridge ,mass, MIT press, 1998, p334.
([70])ادوارد ايه فايجينباوم ، باميلا ماككوردك: الجيل الخامس للحاسوب ترجمه مدحت محفوظ، الألف كتاب ، الهيئة العامة المصرية للكتاب ، العدد 226، القاهرة 1996 ،ص123.
([71])شاكر عبدالحميد: عصر الصورة ، الايجابيات والسلبيات ،عالم المعرفة ،العدد311، الكويت ، 2005 ،ص6.
([72])Mcginn ,Colin: Minds and Bodies philosopher and their ideas , 1997, P. 118, Ph2.
([74])Meginn ,Colin : Fred Dretske’s Naturalizing the mind missing the mind: consciousness in the swamp ,Blackwell Publishers Inc , pp528-537, 1992, P. 529, ph l.
([75])عماد الدين إبراهيم: ص57-58.
([76])John Heil, Philosophy of mind, London, 1998, P. 105.
([77])محمد الضوي: النظرية السلوكية فى فلسفة العقل، مجلة كلية الآداب – جامعة الاسكندرية، العدد(64)، 2010، ص237-238.
([78])Fodor, J., Psycho semantics, Massachusetts, I.T., U.S.A., 1984.
نقلاً عن: دعاء حسني حسن: فلسفة العقل عند فوردور، رسالة ماجستير غير منشورة – كلية الآداب جامعة أسيوط، ص72.
([79])Putnam, Hilary. : ” The Nature of Mental States.” In Putnam , Mind , Language , and Realist , PP.429-434-440 ; Originally Published as ” Psychological Predicates, ” In Wiliam H. Capitian and David D. Merrill, eds. Art, Mind, and Religion. Pittsburgh, Penn.: university of Pittsburgh Press, (1975C), pp.37-48.
([80])وليم ليونز: فلسفة العقل، ضمن كتاب أوليفر ليمان: مستقبل الفلسفة في القرن الواحد والعشرين ، ترجمة مصطفى محمود محمد، مراجعة رمضان بسطاويسى، عالم المعرفة (301)، الكويت، 2004، ص260.
([82])Ehrlich Kale (1996): Applied Mental Model in Human-Computer Interaction”, in, , Oakhill. Jane & Garnham, Alan (Ed), Mental Models in Cognitive Science: Essays in Honour of Phil Johnson-Laird, Psychology Press, UK, P. 239.
([84])Suchman, Lucy A.: Plans and Situated Actions: The Problem of Human-Machine Communication, P. 10.
([85])Ghaoui, Claude (2006): “Encyclopedia of Human Computer Interaction”, Idea Group Inc., U.S.A., 2006, P. xiv.
نقلاً عن زينب شحاته: المشكلات الفلسفية لعلم الحاسوب، رسالة دكتوراه غير منشورة- كلية الآداب، جامعة المنوفية، 2017، ص233-234.
([87]) Gellatly, A. (Ed.) , P. 200.
([88])Okhill, J& Garnham, A. (Ed.), Mental Models in Cognitive Science; Essays in Honour of Phil Johnson- Laird, East Sussex; Psychology Press, 1996, P. 239.
([91])Singh, Shawren : Software Engineering and HCI, In, Ghaoui, Claude, “Encyclopedia of Human Computer Interaction”, 2006, P. 550.
([96])Stilling, N.A. & Others, P. 347.
([97])Gellatly, A. (Ed.), P.204-205 .
([99])Gellatly, A. (Ed.), PP. 204-205.
([103])نيك بوستيوم: قضايا أخلاقية فى الذكاء الاصطناعى المتطور ضمن كتاب: الخيال العلمى والفلسفة، تحرير سوزان شنايدر، ترجمة عزت عامر، المشروع القومى للترجمة(1859)، القاهرة، 2011، ص435.
([107])راي كيرزويل: الذكاء الفائق والمفردة، ضمن كتاب الخيال العلمي والفلسفة، تحرير سوزان شنايدر، ترجمة عزت عامر، المشروع القومى للترجمة(1859)، 2011، ص313.
([113])ميتشيو كاكو: رؤي مستقبلية، ترجمة سعد الدين خرفان، مراجعة محمد تونس، عالم المعرفة (270)، الكويت،2001، ص43.
9,621 total views, 11 views today
Hits: 2412