التكنولوجيا في تدريس العلوم.. إبداعٌ يتجدَّد
حنان بنت خلفان الحديديَّة
يَزْخَر الأدبُ التربويُّ بالعديد من الطُّرق والإستراتيجيات التي وُضِعَت من أجل الرُّقي بالتعليم. وقد ركَّز مُعظَمها إمَّا على طُرق التدريس، أو على الوسائل التعليمية، وقد تَنَاول بعضُها المناهجَ وتصميمها. ولعلَّ من أهم المداخل الحديثة في التعليم؛ هو: استخدام التكنولوجيا في التعليم، والتي غيَّرت مَسَار التعليم عن الماضي، حتى أصبح لدينا مصطلحات التعليم التقليدي ومصطلحات التعليم الحديث. وقد أحْدَث استخدامُ التكنولوجيا طَفْرة نوعية في التعليم وطرق التدريس ووسائله بشكل خاص. ولعلَّ مِنْ أكثر المناهج استفادةً من التكنولوجيا، وأكثرها حاجة إليها؛ هي: المناهج العلمية، كيف لا وهي المنبعُ الذي صَنَع العقولَ التكنولوجية، والتي يُرْجَى منها أنْ تكون أحد أسباب الرُّقي والابتكار التكنولوجي مُستقبلاً.
وتبرُز أهمية التكنولوجيا في عَصْرِنا هذا؛ كونه عصرَ الانفجار المعرفي والتطوُّرات العلمية التي تُحتِّم على الواقع التدريسي مُواكبتها لأجل دَفْع عجلة التعليم إلى الأمام دومًا. ويُمكن إبراز أهمية التكنولوجيا في مُواجهة التحديات التعليمية المعاصرة؛ مثل:
– أهميتها في العملية التعليمية: حيث إنَّ لها دورًا في الإدراك الحسي وتقريب الواقع للتلميذ، خاصة عند تدريس بعض المفاهيم المجردة.. وبالتالي تساعد على الفهم الصحيح.
– أهميتها في مواجهة الانفجار المعرفي المعاصر: فالكِتَاب المدرسي قد لا يحوي جميع الحقائق المتعلِّقة بالدروس، خاصة وأنَّ عالمنا هذا يَشْهَد بشكل دائم مزيدًا من الاكتشافات والاختراعات؛ لذا كان لِزَاما على المعلِّمين توجيه الطلاب إلى البحث عن كل ما هو جديد في عالم المعرفة، خاصة ما هو مُتعلِّق بالمحتوى التعليمي الذي يدرسونه. وقد تعدَّدتْ وسائل البحث التكنولوجي التي تُعِيْن المعلم أو الطالب في الوصول إلى المعلومة أيًّا كان موقعها.
– الانفجار السكاني وما ترتب عنه من ازدياد أعداد التلاميذ في بعض المناطق: هنا قَدْ تستطيع بعض وسائل التكنولوجيا مُواجهة هذا التحدي، خاصة في قاعات الدراسة المزدحمة (ضمراوي، 2016).
– تساعد على الفهم الصحيح للمفاهيم والظواهر العلمية، وتساعد على مواجهة التصورات البديلة عند الطلاب كما أشار إليه كورر وآخرون (Korur, Toker, & Eryilmaz,2016).
– وسيلة مُعِيْنَة للمعلم في التدريس، ووسيلة مُشوِّقة للطالب في التعلم؛ حيث نَرَى في هذه الأيام تعلُّق هذا الجيل بالتكنولوجيا وتطبيقاتها؛ فمن الجيد إدخال التعليم في مجال يُحبُّه الطلاب، ويجدونه وسيلة مُسليَّة لأجل الرُّقي بتوجهاتهم نحو التعليم عامةً، ونحو تعلم العلوم خاصةً.
أساليب وأفكار جديدة
تتعدَّد أساليب إدخال التكنولوجيا في التدريس. وهي في تطوُّر دائم؛ الأمر الذي يَسْتَدعي من المعلِّم المبدع البحثَ عن كلِّ ما هُو جديدٍ في عالم التكنولوجيا، وله علاقة بالرُّقي بأساليب التدريس أو وسائله، أو حتَّى استخدامه كوسيلة للتقويم. وهنا؛ سنعرِّج على بعض ما توصَّلت إليه الدراسات من طُرق وأفكار جديدة لاستخدامات التكنولوجيا في تدريس العلوم.
منظمات المفاهيم الإلكترونية المتقدِّمة
طريقةِ المنظَّمات التخطيطية ليست من الطرق الجديدة في التدريس، إلا أنَّها لا تزال ذات أهمية كبيرة، خاصة فيما يتعلَّق بتدريس المفاهيم ودراسة العلاقات بينها. إلا أنَّ هذه الطريقة لا تخلو من بَعْض التحديات؛ لعل أبرزها: التصوُّر البديل للمفهوم والطبيعة المجرَّدة لبعضها الآخر.
ومن هُنا، جاءتْ الفكرة لتطوير هذه الخرائط البسيطة لتصبح مُنظَّمات إلكترونية مُتقدِّمة. وهي تقنية يُمكن بها تصميم الخرائط المفاهيمية إلكترونيًّا باستخدام عِدَّة برامج؛ منها على سبيل المثال لا الحصر (Cmap tools). ومن أبرز ما يُميِّز هذه الطريقة التقنية -كما جاء في دراسة أجراها كلٌّ من: كورر، وتوكر وإيرلماز (2016)- هو القُدْرَة على رَبْط المفهوم بوسائط مُتعدِّدة كالصوت والفيديو والصور وتأثيرات أخرى، الأمرُ الذي يُساعد على بقاء أثر المعلومة، وتخزينها في الذاكرة بعيدة المدى. ومن الفوائد التي ذُكِرت في هذه الدراسة كذلك: أنَّها تُثِيْر دافعية الطلاب وحماسهم للتعلم وتخفِّف من ثِقَل الحمل المعرفي عليهم؛ مما يُساعِد على ترتيب المعلومات لديهم وإدارتها. وكذلك من فوائد هذه المنظمات: أنَّها تُساعد على الاستقصاء العلمي، أو يُمكن استخدامها جنباً إلى جَنْب مع الاستقصاء. كما يُمكن من خلالها تقويم المفاهيم السابقة لدى الطلاب والتصوُّرات البديلة لديهم؛ مما يُساعد على بناء المعرفة العلمية الصحيحة.
استخدام الليجو في التصميم الهندسي
إنَّ قضية التصميم أصبحتْ إحدى القضايا الضرورية في تدريس العلوم حاليا، خاصة وأنَّها إحدى الممارسات العلمية والهندسية الموصَى بها في معايير الجيل القادم للعلوم الـ(NGSS).
وتدريس المفاهيم العلمية بطريقة التصميم الهندسي أثبتَتْ جَدَارتها في تدريس مواضيع (STEM)، كما جاء في دراسة أجراها “لي, هانج, تينج وشانج، 2016”. وقد أثبتَ الباحثون في الدراسة أنَّ استخدام قطع “الليجو” في التصميم هي ذات تأثير إيجابي عقلي وفيزيائي على المتعلمين. وأنَّها تَتَماشى مع إستراتيجيات ما وراء المعرفة. وقد أجْرَى الباحثون هذه الدراسة على طُلاب الصف الرابع لتحديد كيف يُؤثِّر التصميم الهندسي على أدائهم العلمي، وقدرتهم على حل المشكلات. وقد جاءتْ النتائج إيجابية للعاملين التابعين؛ حيث لُوْحِظ تقدُّم الطلاب الملحوظ في الأداء العلمي، والقدرة على حلِّ المشكلات، خاصة عند دراسة المواضع الفيزيائية.. وكان تقدُّم فئة الذكور أكثر من الإناث في القدرة على حل المشكلات.
الأجهزة المخبرية والأدوات الرقمية
تَزْخَر المختبرات حالياً بالعديد من الأجهزة الحديثة والرقمية، والتي لها الفضل الكبير في تسهيل العمل المخبري على كلٍّ من: مُعلِّم العلوم، وفني المختبر. ومن الأجهزة التكنولوجية التي استخدمناها بكثرة في تدريس الأحياء؛ هي: المجسَّات الإلكترونية. وهي أجهزة تُساعد على رصد استجابات دقيقة لنتائج التجارب.
وهُناك أمثلة أخرى منها ما تمَّ استخدامه في دراسة أجراها كيم (Kim,2016) وهي دراسة هدفتْ إلى التحقُّق من آثار أسبوع مكثف لبرنامج استقصائي في العلوم والتكنولوجيا، لطالبات المدارس المتوسطة. وقد أشار كيم في دراسته إلى أنَّ التكنولوجيا أصبحتْ عاملاً مُكمِّلا في تدريس العلوم، وأنَّ التكنولوجيا تُعتبر أداة ومهارة وعملية في تدريس العلوم. وأنَّه ينبغي أن يُعرَّض الأطفال عند دراستهم للعلوم للتطبيقات الإلكترونية كمهارة لأجل أن يُصبح تعلُّم العلوم لديهم ذا معنى. وكذلك أوْضَحتْ الدراسة بأنَّ الطلاب الآن قادرون على استخدام تكنولوجيا الحاسوب للبحث عن إجابتهم خلال العمل الاستقصائي. والمعلِّم يُصبح مجرَّد مُوجِّه ومُيسِّر لعمل الطلاب. وخلال هذا البرنامج المكثَّف، تعلمَّت الطالبات استخدام تكنولوجيا تفاعلية مثل (CBLs)، وكذلك استخدام تكنولوجيا “Google Earth”. الأولى استُخدِمت لتحديد جودة الماء، والثانية لتحديد مواقع البراكين في العالم. فبعد أن أوْضَحت التعليمات للطالبات كيفية استخدام التقنيتين، قامتْ الطالبات بإكمال الأنشطة الاستقصائية باستخدام تلك التقنيات. وقد لُوْحِظ استمتاع الطالبات أثناء استخدام التقنيات. وكانت نتائج الاختبارات البُعدية مُرتفعة في كلٍّ من الاتجاهات والمعرفة العلمية المكتسبة. ومن وسائل التكنولوجيا الحديثة التي لفتتْ انتباهي كباحثة هي حاسبة الآثار البيئية (ecological Footprint). وهي تقنية جديدة لم أكن على علم بها إلا حين اطلعت على دراسة تتحدَّث عن أزمة النفايات (McPherson,2016)، وهي تقنية تعتمد على جهاز يقوم بطرح أسئلة تتعلَّق بالبيئة، وعلى الطالب مُتابعة الأسئلة إلى أن يصل لتحديد الآثار البيئية. وكذلك تساعده هذه التقنية على اقتراح الحلول المناسبة للمشاكل البيئية، وهي تكشف عن الخلفية العلمية للطلاب عن البيئة وقضاياها.
استخدام التكنولوجيا في التقويم
ويُمكن استخدامُ التكنولوجيا كذلك في التقويم. وقد نال استخدام التكنولوجيا في التقويم اهتماماً كبيراً في مَجَال التعليم. وقد تعدَّدتْ طرق التقويم التكنولوجي، والذي يُطلق عليه في بعض المراجع “التقويم الإلكتروني”، واستخدمت عِدَّة تطبيقات منه في عدة مؤسسات تعليمية؛ مثل: المدارس، والمعاهد، والجامعات.
ومن البرامج التي جرَّبتُها سابقا؛ هو: برنامج “hot potatoes”، وهو برنامج بسيط يُساعد على إعداد أسئلة وتمارين إلكترونية ومسابقات مختلفة؛ مثل: ملء الفراغات والتوصيل…وغيرها؛ لذلك أرَاه مُناسبا لعمليات التقويم التكويني. وقد وَرَدتْ طريقة تكنولوجية أخرى في دراسة أجراها كلٌّ من كرومرين وديمريس، وهي استخدام جهاز الأفراس أو ما يسمى بـ(Clickers)، وهو جهاز رَصْد استجابات إلكتروني يُساعد المعلِّم على التقويم اللحظي والختامي، ورصد الاستجابات الخاطئة للطلاب. ومن مزايا هذه الطريقة أنَّه يُمكن الإجابة عبرها عن سؤال أو سؤالين في نفس الوقت، وتقدم تغذية راجعة فورية للطلاب، ولكنها باهظة الثمن. ومن هنا، أرَى أنَّه من الواجب على معلم العلوم اليوم أنْ يهتم بتثقيف نفسه إلكترونيًّا. وأن يكون على اطلاع بالطرق التكنولوجية الحديثة التي يُمكنه استخدامها أثناء تدريس مواضيع مختلفة من العلوم.
31,004 total views, 2 views today
Hits: 12235