اندماج العلوم مع الفنون والتكنولوجيا
منار محمد علي السعيدية
المقدمة
يعد الخيال العلمي من أهم العلوم الحديثة لتنمية الأبداع وإعداد علماء المستقبل ، ويذكر العالم العربي الدكتور أحمد زويل إن ” الجميل في أمريكا- وهو ما جعلها تتقدم علميا – إن الخيال لا يقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه ، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لا بد أن يحلم ، وإذا لم يتخيل العالم ويحلم فسيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا ” وأول الخطوات لتنمية الخيال العلمي لدى الطلاب وهو تنمية قدراتهم الفنية والتكنولوجية وربطها بالعلوم . فالعلوم هي جانب من الفن، فهي معلومات علمية يكتسبها الطلبة ، وأنشطة تحتاج إلى مهارات فنية وهو يسعى للارتقاء بذوق الإنسان وحسه وخياله ليكون قادرا على تصور المفاهيم العلمية، وخاصة المجردة منها ، ورسم تصورات خيالية ، و منطقية للمفاهيم المجردة .أما العلوم والتكنولوجيا فكلاهما يكمل الآخر . والخيال العلمي هو الذي مهد الطريق للثورة التكنولوجية ، لذلك لابد على معلم العلوم أن يعمل على توظيف التكنولوجيا داخل الحصص الدراسية وتنمية قدرات الطلبة على التعامل معها وخاصة إنها تشكل جانب مثير لهم . ومن خلال هذا المقال سوف اناقش التوجهات الحديثة لتوظيف التكنولوجيا ، والمهارات الفنية خلال حصص العلوم .
العلوم والفنون
بدأت اللغات الأولى للإنسان عن طريق التعبير وتسجيل الاحداث باستخدام الرسومات، وذلك لكونها أسهل الطرق في عملية التخاطب وإيصال المعلومات. ويعمل العقل البشري على تخزين المعلومات على شكل تصورات ذهنية. وعند تصفحنا لكتب العلوم سنجد العديد من الرسومات والصور التوضيحية الهدف الرئيسي منها هو توضيح وتعميق المعلومات لدى الطالب. ونجد أن معلم العلوم كثيراً ما يستخدم الرسوم الكاريكاتيرية والهزلية والقصص المصورة في عملية تدريس المعارف المرتبطة بالعلوم، ولكن يجب أن يكون الطالب مشاركاً لعملية الدمج بينهما. وأن يضيف لمساته الفنية في إعداد المنظمات البصرية، والخرائط الذهنية المرتبطة بالمادة العلمية، حيث أن هذه المنظمات بالإضافة إلى دورها في ترسيخ المعلومات، وتبسيطها، وتنظيمها فإنها تضيف الحس الجمالي لدى الطالب. كما يجب على المعلم أن يكلف الطلبة بإعداد الرسوم الكاريكاتيرية والهزلية والقصصية ليكتشف مدى فهمهم للمفاهيم أو اكتشاف التصورات البديلة المتولدة لديهم. وكثيراً ما نجد من السهل أن يعبر الطلاب عن فهمهم بالحديث ولكن يجدون صعوبة في التعبير عن فهم بالكتابة، لذلك هذه الطريقة تنمي لدى الطلبة مهارة التعبير عن أفكارهم بالكتابة والرسم. ومن خلال تجربة أجريتها مع الصف السابع عند الانتهاء من دراسة أجزاء النبات قمنا بتخصيص حصة دراسية وفي مجموعات، عملت الطالبات على تأليف قصة كرتونية مصورة بأسلوب علمي للموضوع، ومن ثم كرمنا أجمل قصة كرتونية مصورة مع مراعاة الصحة العلمية في الحوار.
وفي دراسة أجراها ستيدنتي ، سيبالا و سادوسكا (Studente, Seppala , & Sadowska ,2016)
كان الهدف الرئيسي منها تحقيق التداخل بين الفنون والكيمياء في ثلاث مشاريع متفاوتة التعقيد تؤدي إلى إنجاز عمل فني متكامل للجدول الدوري و يحقق المتعة في التعلم، ورفع التحصيل الدراسي من خلال توثيق المعارف والمعلومات بالأعمال الفنية، وتفسير تمازج الألوان وانفصالها باستخدام الكيمياء. وأكدت الدراسة من أجل تحقيق هذا التداخل يجب أن نحدد الطريقة والأسلوب الذي يجب أن نتبعه ، بالإضافة إلى تحديد المعارف، والمهارات التي يجب أن نزودها للطلاب .
توظيف الرسم في المختبر
ولكن هل يمكن لمعلم العلوم أن يستخدم الرسم والفنون داخل المختبر؟
يعتبر الرسم خطوه أساسية لبداية العمل المخبري، واختصار للكلمات الكثيرة التي توجد في خطوات العمل؛ حيث يسهل للطلبة تصور ما سوف يقومون به. فكثيرا ما يعاني المعلمين من ضياع الوقت ، وعدم قدرة الطلبة على توصيل الدوائر الكهربائية وربط الأجهزة مع بعضها البعض، ولكن من خلال استخدام السبورات الصغيرة أو الورق يمكن للطالب رسم الدائرة الكهربائية أولا على الورق أو السبورة من ثم وضع الأجهزة في مكانها المخصص على الرسم وربطها مع بعضها بالأسلاك. كما أن الرسم يستخدم كخطوة أساسية في التعلم المبني على التصميم الهندسي حيث تسمح هذه الخطوة للطلبة بتحديد العوامل الرئيسية لحل المشاكل والمقارنة بين المزايا والعيوب للتصاميم المقترحة وبذلك يسمح لهم باختيار افضل الحلول والنماذج ويمكن تفعيل هذا النهج في تدريس التراكيب، والروافع، والبكرات، وغيرها من المواضيع( Li., Huang., & Chang,2016) .
لذلك يجب على المعلم اختيار الطرق التدريسية المناسبة التي تعمل على تنمية المهارات العلمية وتنمية الاتجاهات الايجابية نحو العلوم والمهن المرتبطة بها.
العلوم والتكنولوجيا
يشهد عصرنا ثورة علمية وتكنولوجية شغفت بها عقول ابنائنا وطلابنا، وأصبحت محور حديثهم واهتماماتهم ، لذلك كان من واجب المعلم ادخال التكنولوجيا إلى داخل الغرف الصفية. ولقد أصبح لتكنولوجيا التعليم التأثير الواضح في العملية التعليمية وتعددت انواعها، وربما مادة العلوم هي من أكثر المواد بحاجة إلى ادخال تطبيقات التكنولوجيا؛ لاحتواها على الكثير من المواضيع المجردة التي يصعب على الطالب تعلمها. ومن أحدث التقنيات التي تم ادخالها إلى مدارس السلطنة السبورة الذكية. وهي نوع خاص من السبورات البيضاء الحساسة التي يتم التعامل معها باللمس، وتمتاز بإمكانية تفاعل الطالب مع مادة العرض. كذلك من التقنيات الحديثة التي تم ادخالها في بعض المدارس السينما التعليمية ثلاثية الأبعاد والتي تعمل على إيجاد بيئة تعليمية جاذبة، تعزز الدافعية للتعلم، وتحقق الأهداف المعرفية لمادة العلوم من خلال التعامل مع الواقع الافتراضي عن طريق تهيئة قاعة خاصة للسينما التعليمية، وتزويدها بالأجهزة، والأفلام العلمية المرتبطة بمناهج مادة العلوم، مما يساهم في زيادة الدافعية لدى الطلبة لتعلم المادة ورفع مستواهم التحصيلي.
الخرائط المفاهيمية الالكترونية
كثير ما يستخدم المعلمين خرائط المفاهيم للربط بين المعرفة العلمية وتنظيمها. يعمل المعلم على رسمها في اللوح السبوري بشكل متدرج خلال عرض المادة العلمية ولكن من خلال استخدام المنظمات المفاهيمية المتقدمة عبر الانترنت ONACOM ويمكن للمعلم والطالب رسم خرائط مفاهيمية و إضافة المحتوى الرقمي المتعلق بالمفاهيم (على سبيل المثال، أشرطة الفيديو التعليمية عبر الإنترنت، و الرسوم المتحركة والصور والألعاب والأنشطة والتجارب والقصص ) التي تم تحميلها في النظام، وبالتالي تصبح خريطة المفاهيم تفاعلية مع الطالب، وتمكنه من اختيار المحتوى الرقمي – المرتبط بالمفهوم – الذي يرغب الطالب بمشاهدته، وتمكن الطلاب من إدارة عملية التعلم الخاصة بهم من خلال التفاعل مع البيئة التعليمية (Korur, ., Toker., & Eryılmaz, 2016). ومن الدروس التي قمت بتنفيذها وهي مشابهه للمنظمات المتقدمة وكان للصف التاسع لدراسة وحدة المادة والتغيرات الكيميائية وقمت بإعداد عرض يحتوي على محطات وكل محطة تحتوي على مقطع فيديو من ثم تجربة وفي النهاية اختبار إلكتروني باستخدام برنامج quiz creator .
التكنولوجيا والعمل المخبري
وتعتبر التكنولوجيا جزء لا يتجزأ من العمل المخبري ، حيث أنها تعمل على تأسيس القيم والمهارات الإيجابية لدى الطالـب التي تمكنه من التعايش في مجتمع المعلومات الحديث، إلى جانب توفير الجهد، والوقت في تنفيذ التجارب من خلال استخدام المجاهر الالكترونية، والميزان الحساس، وأجهزة الاستشعار (مجسات الحموضه ودرجات الحرارة ومجسات السرعة ) والخطوة الاولى التي يجب على المعلمين القيام بها هي: تدريب الطلبة على استخدام هذه المجسات، حيث تمكنهم من الحصول على نتائج دقيقة، وتتيح وقتاً إضافياً للنقاش والاستفسارات. ومن خلال تجربتي لاستخدام المجسات الالكترونية في تدريس الكيمياء للصف الحادي عشر ومواضيع الفيزياء في الصف العاشر، واجهت صعوبة في البداية لعدم قدرة الطالبات على استخدام البرامج المحوسبة التي يتم ربطها بالمجسات، ولحل هذه المشكلة قمنا بتنفيذ مشاغل لطالبات الصف العاشر والحادي عشر و وجدانا لها الاثر الكبير في تحسن استخدام الطالبات لهذه المجسات، وتحسن في اتجاهاتهن للعمل داخل المختبر . وفي تجربة أجريت لطالبات المدارس المتوسطة حيث تم تدريبهن أولاً على استخدام المجسات الالكترونية، من ثم توجيههن لتنفيذ مجموعة من التجارب من خلال العمل بالاستقصاء الموجه المفتوح . وجد أن توجهات الطالبات قد تغيرت نحو العمل المخبري والعلوم (Martin ., Durksen., Williamson ., Kiss, & Ginns ,2016) .
ومن البرامج الجميلة والتي استخدمتها في تدريس الكيمياء “برامج المختبرات الافتراضية مثل Crocodile Chemistry، حيث كنا نجري تجارب افتراضية مثل تجارب المعايرة وتجارب قوانين الغازات وكان لهذه البرامج الأثر الكبير في فهم الطالبات وتفاعلهن خلال الحصه الدراسية.
كذلك يمكن تفعيل البرامج الالكترونية التي يتعلمها الطلبة في مادة تقنية المعلومات خلال حصص العلوم: مثل برنامج LEGO Mindstorm Education EV3 ، يستخدم هذا البرنامج لبرمجة الريبورت، ويمكن من خلال البرنامج إدراج مجموعة من التجارب و توضيح قوانين السرعة وغيرها من المفاهيم المرتبطة بالفيزياء؛ وبذلك يمكن تشجيع الطلاب للمشاركة في مسابقات الريبورت التعليمي التي تعتبر جزءً من مسابقات التنمية المعرفية التي تنظمها وزارة التربية والتعليم.
بالإضافة لما سبق، يمكن أن نحقق اندماج جميل بين التكنولوجيا والفنون في تدريس العلوم، من خلال استخدام مجموعة من البرامج المحوسبة التي تتعلمها الطلبة في تقنية المعلومات و تحتاج إلى لمسات فنية وبعض الرسومات، والتنسيق مثل: برامج فلاش( flash) ، وسكراتش Scratch))، التي تستخدم لصنع افلام كرتونية. وكانت الطالبات كثيراً ما يَقُمنَ بتطبيق هذه البرامج لتصميم دروس في مادة العلوم أو شرح خطوات تجربة معينة فنجد تنافس بين الطالبات والسبب في ذلك هو كون العلوم يمثل قاعدة خصبة لإبراز مواهبهن في هذه التطبيقات. كذلك بالتعاون مع معلمي تقنية المعلومات يمكن للطلاب تصميم مواقع الكترونية للعلوم باستخدام برنامج الفرونت بيج Front Page)).
وتعمل وزارة التربية والتعليم على تزويد المدارس بأحدث التقنيات التي تخدم تعلم العلوم ، وتساهم صفحة المستودع الرقمي في موقع الالكتروني للبوابة التعليمية لسلطنة عمان على تزويد المعلم ببعض البرامج والتطبيقات وعرض أعمال المعلمين .بالإضافة الى تنفيذ العديد من الورش من اجل تدريب المعلمين على استخدام احدث التقنيات التي تساهم في رفع التحصيل الدراسي لطلاب وتنمية قدراتهم المختلفة.
ويعتبر معلمي العلوم الأدوات الفعلية لإنشاء جيل مفكر مبدع قادر على مواكبة تطورات العصر ولتحقيق ذلك كان لابد عليهم من تحقيق الاندماج بين العلوم وباقي المواد كتقنية المعلومات والتربية الفنية والرياضيات وغيرها من المواد .
وفي ختام هذه المقال الموجز الذي سلط الضوء على ضرورة كسر الجمود، وضغوطات المواد العلمية من خلال توظيف التكنولوجيا والفنون في تعلم وتعليم العلوم ، مما يفيد في إخراج الطاقات الفنية والمواهب التكنولوجية للطلاب ، وصقلها في المواد العلمية، ومن يدري ، فربما نساهم في إعداد جيل يلبي حاجات المجتمع في الوظائف العلمية ، ولكن تكون لهم مسيرة فنية وإنجازات تكنولوجية .
—————————————————-
1-Martin, A. J., Durksen, T. L., Williamson, D., Kiss, J., & Ginns, P. (2016). The role of a museum-based science education program in promoting content knowledge and science motivation. Journal of Research in Science Teaching, 53(9), 1364–1384.
2- Korur, F., Toker, S., & Eryılmaz, A. (2016). Effects of the integrated online advance organizer teaching materials on students’ science achievement and attitude. Journal of Science Education and Technology, 25(4), 628–640.
3- Studente, S., Seppala, N., & Sadowska, N. (2016). Facilitating creative thinking in the classroom: Investigating the effects of plants and the colour green on visual and verbal creativity. Thinking Skills and Creativity, 19, 1–8.
4- Ochterski, J., & Lupacchino-Gilson, L. (2016, October 01). Getting an A in STEM: beginning a steam collaboration between art and chemistry students. The Science Teacher, 83(7),39-45.
5- Li, Y., Huang, Z., Jiang, M., & Chang, T. W. (2016). The effect on pupils’ science performance and problem-solving ability through Lego: an engineering design-based modeling approach. Educational Technology & Society, 19(3), 143–156.
16,538 total views, 11 views today
Hits: 5381