أوجست كونت و التقطيع الأيروسي للجسد المعرفي
ادريس هاني – كاتب وباحث
(1)
ألم يَكُن من المُفيد أيضًا مُقاربة هذا المسار الوضعاني من خلال التحليل النفسي، القراءة التي ظلّت مُستبعدة نظرًا لطبيعة الموقف الكونتي؛ باعتباره موقفا صلبا ضد ما يبدو لنا رومانسيًّا؟ وأمام هذا السوسيولوجي -الذي أراه أيضا أحد ضحايا الهندسة الاجتماعية- لا بدَّ أن نحاول فهم هذا الميل القوي لوضعنة العلم، والمضي في هذه الهندسة لخريطة العلم، وهذا الشكل الذي انتهت إليه شروط الموضوعية في العلم الكونتي.
ما أضافته الوضعية من أزمة بنيوية للعلم كان كافيا لإحكام هذا الاستغلاق الذي حوَّل العلم من علم مُفتاحي إلى علم تعلمي قابل فقط للانتقال بواسطة أساليب التعلُّم والاستنساخ، لكنه عاجزٌ عن تدريب الذهن على الرؤية التجاوزية والانبثاق وحدس الهشاشة؛ فالقطيعة والتجزيء والتعددية تحوَّلت من وضعية إجرائية إلى إجراء وضعي. وكنا بصدد الدفاع عن حقيقة العلم بوصفه واحدًا في المنطلق والمقصد، وربطنا ذلك مرارا بدور الشجاعة، وعززناه بالرجولة الفلسفية تماما كالرجولة السياسية؛ فالأزمة تقع هناك، وهو ما يمنح التحليل النفسي دورا كبيرا في هذا الرِّهان. ففي بيت متعهر -كما وصفناه حقيقة ومجازا- وأقصد به رضوخ أوجست كونت للتعددية والاضطراب الذهني الذي أدى لتقطيع العلم وتفكيك جسوره، ومنح التعددية في العلم ذي الوضعية التي آل إليها وضعه النفسي، وهو يقبل بالتعددية التي فرضتها عليه زوجه العاهر التي آمنت بالتعدد وشاركته غيره.
عليكم أن تصبروا عليَّ قليلا لأحدث لكم من هذا ذكرا موصولا بمفهوم العلم وأيديولوجياته التي حولته لعلم داعِر قد يُصيب الإنسان إن أدمن على هذا الفهم المزيف لطبيعته ووظيفته بداء الزهري، وهو ما تشكو منه المعرفة المعاصرة؛ معرفة تنزع لمحق الرجولة أو لنقل شكلا من l Émasculation de savoir، الشكل التعسفي لإخصاء المعرفة، أو المعنى الذي استمال العلم بعد أن أخرجه من إحراجات السؤال الفلسفي.
كُلكم على علم بالمسار الحميمي لأوجست كونت، الذي اكتشف الحب المرضي في بيوت الدعارة، بل وبات الحب شكلا من السيكسوباتولوجيا، لكن هذه الجنسانية المشبعة بالوصولية والشهوانية الانحطاطية التي حنت باستمرار للرصيف، جعلت من أبي الوضعانية قابلًا بالخيانة في كل اتجاه، بدءًا بـ”بولين” التي كانت أولى اكتشافاته، وهي مجرد زوجة خائنة، ثم كارولين العاهرة التي تعرَّف إليها كزبون في محلات الدعارة، وأخيرا كلوتيلد. سيعترف أوجيست كونت لرفيقه “فالات” بأنه لم يستشعر أيَّ إحساس تجاه المرأة، لا سيما قبل أن يكتشف بوليت: الزوجة الخائنة. سيلتقِي أوجست كونت بكارولين، تزوجها لأنها أرادت أن تتخطى وضعها، لا سيما وأنها مسجلة في دوائر الأمن، ومُطَالَبة بالمثول كل نصف شهر للمراقبة الصحية، وهو تقليد إجباري تخضع له “بائعات الهوى”، هذا بينما كان أوجيست كونت في حاجة للدعم، وقد عادت كارولين إلى الشارع وكانت تمتهن الدعارة لتصرف عليه.
تزوَّج أوجيست كونت من كارولين، وكان قد حضر البروفسور سيركلي العاشق السابق لكارولين كشاهد على زواج أ.كونت منها. قُلت: عادت كارولين لامتهان الدعارة نظرا لوضعية أوجيست كونت المادية المزرية. كان لكارولين دور كبير في تشكيل التأملات الكونتية، ودورها كان كبيرا، وهذه أيضا إدانة لعصره. واتفق أن اتربط أوجست كونت بأخت لطالب عنده هي كلوتيلدا، بعد أن تخلَّى عنها زوجها الذي سرق الخزينة باعتباره موظفا في جباية الضرائب وهرب إلى بلجيكا، كانت تجربة عاطفية متينة، كانت كلوتيلد تعتبره دميما -هكذا أسرَّت لأختها- حدث هذا بعد أن تغيرت ملامحه وأصابه الوهن بسبب الجذري، فرفضت أن تُنجب منه ولدا لطالما تمنته، ولكن أوجسيت كونت ولع بها واعتبرها نبيلة وهي تواجه داء السل؛ حيث قرر وهو في أرذل العمر -ويا للمفارقة- أن لا يقترب من امرأة أخرى بعد كلوتيلد. وهكذا كانت هذه الأخيرة في نظره قديسة ألهمته الكثير، حتى إنه وقف على قبرها، وقال: “لقد ابتدأت الوضعية الدينية يوم 16 مايو 1845، حينما تأتت لقلبي فجأة، أمام عائلتك المدهشة الحكمة المتميزة: لا يُمكن أن نفكر دائما، لكن يمكننا أن نحب باستمرار”.
ومع ذلك، لم ينسَ أوجيست كونت كارولين، كانت رغم كونها ساقطة تراود ذاكرته، وكانت كارولين هي الأخرى قد تغيَّرت ملامحها نتيجة داء الجُذري القاسي. أيُّ حياة مأساوية تلك: زهري، جذري، سل، خيانة، عهر.. هنا، وَجَب القبض على المعنى الذي أكسبته الفكرة الوضعانية نفسها، المنبثقة من هذا التردي العاطفي ومن الخضوع للخيانة، أقرب شيء إلى الذهن أن يُقال: إن أوجست كونت كان ضحية سوسيولوجية قبل أن يكون أبًا للسوسيولوجيا، وسيكون الأمر بالفعل مدعاةً لمزيد من القراءة والتفكيك؛ فالمؤسِّس الفعلي للسوسيولوجيا هو نتاج وضع اجتماعي طبقي قاسٍ، ترك ندوبا على جسده مرئية، ولكن: ما هي الندوب النفسية غير المرئية التي سترافق أبا الوضعية في تأملاته، لا سيما تلك التي تتعلق بالعلم.
ليس ما ذكرناه إلا مقدمة لشيء آخر أهم، يتعلق بالموضوعية، والتي بات لها شأن آخر مع توطيد النزعة الوضعية التي آلت في نهاية المطاف إلى شكل من العلموية المتطرفة. المسألة تتعلَّق إذن برصد تأثير هذا التصدع النفسي على تصوُّر العلم والعالم والمعلوم، فهي ليست مقاربة أخلاقية وإنما “تحليل نفسية” للمعرفة، وهي مجرد مقدمة لأن الأهم هو رصد التأثير على الموضوعية العلمية نفسها، التي قد تُصبح شكلا من العائق المعرفي.
(2)
الموضوعية والقطيعة والعقبة الإبستيمولوجية
يجب أنْ نَفْهَم العقبة الإبستيمولوجيا بشكل لا يجعلها عقبة تأتي من خارج العلم، بل هي نابعة من سلوك العلماء والعلم، وعلى هذا كان لا بد من التذكير بأنَّ المفارقة هنا تكمُن في أن التعويل على العلم بشروطه الراهنة -وأحسب غ.باشلار قد اجتهد كامل الوسع لنقد بنية العلم وعقباته بما فيه الكفاية- عليه أن يضع في الحسبان أن العلم ينتج عقباته، وهذا ما أسميناه: إنتاج العلم للجهل؛ فحين نقع ضحية إحدى تلك العقبات، فلسنا واثقين أننا سنجتازها بنجاح؛ فالجهل يحيط بالعلم بشروطه الراهنة، وحينئذ سندرك أن غ.باشلار لم يفعل سوى أن نبَّه إلى هذه العقبات، وأعطى الكثير من الإشارات لتفادي الموقف، لكن: ماذا لو كان العلم بشروطه الوضعية نفسها عقبة؟! وماذا لو كان الحديث عن الموضوعية في شروطها الصلبة هي نفسها عقبة؟! ما هو عدد وعديد العقبات؟ وكيف أنتج التقطيع الكونتي واحدة من كبرى العقبات الإبستيمولوجية الناتجة عن الهروب المرضي من الوهم، ومحاولة اختراع أوهام جديدة لحجب أوهام قديمة؟ ولكن قبل ذلك دعنا نشير إلى موقع الموضوعية من كل هذا، هل يا تُرى يكفي إعلان القطيعة ورسم المسافات لتحقيق الموضوعية؟
عن المسافة الموضوعية يتحدَّث العلم التعلمي، يُسلِّم بمفهوم لم يكتمل بعد، لكنه رائج في هذا المضمار التداولي، وهو على كل حال مفهوم ملتبس نظرا لما يفجره من تساؤلات في رأينا نصوغها كالتالي:
- من يحدد المسافة؟
- ما مقدار المسافة؟
- من يحدد أولوية القرب أو البعد كمطلب موضوعي؟
بما أنَّ الموضوعية غالبًا ما تطرح دون شروط وحدود وتصنيف؛ فهي تبقى مطلقة، أو شكلًا من الوهم الذي يُبرِّر به العلم التعلمي كل عمليات الإقصاء التي تُسهِّل عليه مهمة الإغلاق والاكتفاء بنتائج هي في نهاية المطاف من يقف خلف إنتاج كل هذا الذي نعتبره عقبات إبستيمولوجيا مؤجلة.
ستظلُّ الذات حاضرة في تدبير المسافة مع موضوعها، بل الموضوع هو في حد ذاته حدث تُدبره ذات لا ندري وفق أي مقولات خالصة تنظر إلى موضوعها. من بعيد أو من قريب؟ فالذات حاضرة حتى في اختيار النماذج وتطبيق المناهج وترجيح الزوايا دون مرجح مقنع للكل، ومقنع دائما، فما هو موضوعي -كما يقول بوانكاري- يجب أن يكون مشتركا بين عدد كثير من العقول، بل في نظره لا شيء موضوعيًّا إذا لم يكن مماثلا لدى الجميع، بل ينظر أيضا إلى كَوْن الموضوعية علاقة، وحاجة الموضوعية إلى خطاب، وهذا الخطاب يصعب أن ينقل الأحاسيس كما هي على التباسها وغموضها، نحن إذن أمام تحدٍّ ما زالت المعرفة لم تحسمه إلا من خلال الهروب والتقطيع، والغلق واستبدال عقبة معرفية بأخرى، نحن في وضعية سيزيفية بامتياز.
وهنا، سأعود إلى تحليل وضعية أوجست كونت، وعلاقة المزاج بهذا الذي اعتبرناه دائما منجزا، منجزا يتطلب شروطا معينة يخضع لها العقل والعلم، وتحليل هذه النزعة التقطيعية الصلبة؛ باعتبارها فعلا تعويضيا أو حتى ثأرا سيكولوجيا له تجليات في كيف نفكر! وفي أي حدود نفكر! وعلينا أن ندرك أيضا أن أيَّ فعل تعويضي سيكون هنا صارما صرامة فكر كونت نفسه.
حضرتْ الهواجس الانحطاطية وحالة فقد الرجولة المعنوي، الذي يسمح بمشاركة زوجة ساقطة مع الغير، وكذا ما ينجم عن ملتقى الزهري والجذري والسل والإرهاق والإحباط والوهن وخيبات الأمل، حضرت كلها في صياغة رؤية للعالم والإنسان والمجتمع والعقل. إنها أيضا مؤثرات سنفهمها أكثر لو قرأناها في ضوء التأثير الليبيدنالي(libidinal) على المعرفة، إلى دور الإيروس في إعادة تشكيل نظام العلم والعالم في نظر من تشكَّلت ميوله المعرفية على حافة تراجيديا المرض والسقوط العاطفي، سنقرؤه في ضوء المفهوم الذي بات أكثر وضوحا، وهو مكمل لكل القراءات التفسيرية لفرويد؛ سواء عند لاكان، أو إيريك فروم، أو بول ريكور، وهي تفِي بهذا الغرض، ولكن ما نفعله هنا هو قراءة هذه الظاهرة في ضوء ما سماه غ.باشلار بالعقبة الليبيدينالية. وحسنا أنه وضعها في قائمة العقبات المذكورة، وربما التي تتسلل بشكل كبير في مجال العلم ولها أثر سلبي على ما نُسمِّيه في دوائر البحث العلمي “الموضوعية”.
يميز غ.باشلار بين الشهية بوصفها ذات مفعول قاسٍ، وبين الشهوانية ذات المفعول القوي. تبدو الشهية آنية ومحدودة، لكنَّ الشهوانية طويلة الأمد وغير مباشرة ومتجدِّدة. ويؤكد غ.باشلار أن التحليل النفسي التقليدي لم يهتم بالمعرفة الموضوعية، ولم يقف عند ما أسماه هذا الأخير بالانحطاط في تقويم الحياة الموضوعية والعقلانية “التي تُعلن إفلاس العلم من الخارج دون المساهمة في الفكر العلمي أبدا”. لقد اعتبر غ.باشلار الحديث عن العقبة الإبستيمولوجيا ومواجهتها سيجعلنا نرى أثر الشهوانية هنا، وهي شهوانية -حسب باشلار- تتميز بالمكر، وما قد يلعبه الكبت من أثر. إنها حالة ماكرة وصلبة وصامتة تقتضي جهدا كبيرا في تحليلها. وسوف يخوض غ.باشلار في نوع من التحليل النفسي للفكر، ورصد اللاوعي العلمي، عبر مُخطَّط يمتح نماذجه من العلوم الكيميائية والفيزيائية والأدب، أي أننا مع تتبع لآثار الليبدو نفسه في فهم الظواهر العلمية الصلبة. نحن هُنا لسنا أمام فرويد المتهم بجنسنة الفكر والعالم، بل مع فيلسوف علم أدرك الأثر الجنسي فيما يُصار إليه داخل المختبر العلمي، نسمعه يقول: “لا يُمكن التفكير مطولا بسرٍّ أو لغزٍ أو مشروعٍ وهميٍّ، دون إضفاء الجنس بطريقة صماء نسبيا على مبدئه وفصوله”.
في الأمثلة التي ضربها غ.باشلار كيميائيًّا -وسيميائيًّا أيضًا- عن ذلك التمييز الذي يسلكه العالم بمنطق جنساني يتجلَّى في التمييز الجنسي داخل العناصر والمعادن والتعبيرات؛ فالليبدو لا يحتاج إلى صور واضحة بل يمكنه “استبطان قوى غامضة نسبيا”.
ويُشير غ.باشلار إلى أن العقل الحديث وهو يزهو بأنه انتصر على العواطف والرموز، وبات قادرا على معرفة الأشياء، ففي نظره أنَّ الحقيقة ليست كذلك، فما يجري هناك -سواء تعلق الأمر بعقل في طور التشكل، أو خبرة ما، فلا مجال للاستغراب إن وجدنا أفكارا جنسية. ولعل أهم الأمثلة التي ساقها غ.باشلار هي التي تتعلَّق بتفاعل الآسيد مع القاعدة، وكيف منح الآسيد في عملية التفاعل في كل التعبيرات والإنشاءات الكيميائية دورا ذكوريا مقابل الدور الأنوثي للقاعدة: “وحين نتوغَّل قليلا في اللاوعي، لا نتأخر في اكتشاف أن القاعدة مؤنثة والحامض مذكر”.
ثمَّة أمثلة كثيرة ومقنعة، ولكن الغرض منها هو تحقيق الرغبة الباشلارية في فتح الطريق أمام التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية كما يُسمِّيها، وبأنه لا بد من دراسة المشاعر الناتجة عن الليبيدو، وفحص إرادة القوة التي تمارسها الشهوانية على الأشياء والحيوانات، وهي في نظر باشلار دائما نوع من التعويض والتحريف لإرادة القوة؛ باعتبارها إرادة السيطرة على البشر.
إنَّها حالة من القهر، والندوب، والتعويضات، والسُّعار الليبيدي والهوس والهذيان، نحن أمام فصل تعسُّفي بين العلوم، بين أحكام قيمة مسبقة، أمام انزياح عن روح العلم، ومحاولة حرفنته وتحويله إلى ورش مغلق كئيب، وإصابة العلم بداء السل وهواجس ذات تعاني الخصاء السيكولوجي، ومن هنا خصاء العلوم، واستبعاد الفلسفة بدعوى القطيعة للتخلص من أسئلتها وإحراجاتها وتحليل الخطاب العلمي. فخلف هذا الشرخ الإستراتيجي الذي استنزف العقل الحديث ولوث البيئة العقلية وحاصرها بالعقبات، ولا يُحْسِن إلا استبدال عقبة بأخرى، ارتهان لهواجس سيكولوجية تُهَيمِن على الهندسة المعرفية، يُسَاعِد العلم التعلمي في إخفاء كل هذه الأعراض، ويصبح العلم نفسه -بهذه الشروط التي تجعله- علما مخصيا أو علما مسلولا -نسبة لداء السل- عقبة كؤود في طريق المعرفة، ونرتهن للميول الخفية في فهم العلم والعالم؛ فخلف كل انزياح أصاب العلم قد نقف على موقف تعويضي لحياة خاصة. ويبقى تقسيم العلم، وإيجاد شرح كبير بين تخومه، تعبيرا عن موقف خصاء في منبت خبرة عاطفية ساقطة. لقد أعاننا نيتشه على إسقاط أصنام الفلسفة، كما أعاننا فيرآبند على إسقاط صنم العلم وديكتاتورية المنهج؛ فالقضية أحيانًا في الفلسفة أو العلم تقتضي شكلا من الرجولة -بالمعنى الذي لا نحتاج إلى التذكير به: الفروسية- فالفلسفة كالعلم تقتضي الفرسان وترفض الخصاء.
هذا باختصار.. ما عنيتُ به أنَّ الوضعانية هي الشكل المرضي في تصوُّر العلم، وهي تنتهي بالتطرُّف والحصر ورسم المسافات، ووضع عقبة قصوى في طريق المعرفة. أعود وأقول: ألم يكن من الضروري أن نتساءل: لِمَ اقتضتْ الموضوعية الشرخ بدل الالتئام؟
3,209 total views, 2 views today
Hits: 176