حلقات مع الدكتور الوردي (حلقة ٢)
السيد قصي الخباز
التماسك الاجتماعي وتقديم الرؤية في كتاب مهزلة العقل البشري
التماسك الاجتماعي من المفاهيم المهمة والصعبة والمشوقة في نفس الوقت حيث يهتم بدراستها كلا من علم الاجتماع وعلم النفس لما لها من طابع انساني اجتماعي نفسي يتغير بتغير المؤثرات التي تدخل على المجتمع، ومع هذا يبدو أنه ليس هناك معنى متفق عليه لشرح هذا المفهوم.
يستعمل هذا المفهوم لوصف الحالات التي يرتبط فيها الأفراد بعضهم ببعض بروابط اجتماعية وحضارية مشتركة، يقبلون بالكامل قيم الجماعة ومعاييرها، وهذه الجماعة المترابطة والمتماسكة تطور معايير تنظم بها السلوكيات والعلاقات الشخصية. [1]
أيضا جاء في دليل المصطلحات:
التماسك الاجتماعي يعني درجة من الرضا أو الاتفاق بين الأعضاء داخل المؤسسة السياسية أو الاجتماعية. [2]
إنما أوردت هذا التعريف لمصطلح استعمله الدكتور الوردي في كتابه غافلا عن تقديم تعريف له وهو ما يترك المجال فضفاضا لإسقاط الأفكار والنزعات الشخصية فتكون دخيلة في فهم النص، وسوف أورد لك نصا آخر من الكتاب يتعلق برؤية الدكتور الوري للتماسك الاجتماعي الذي هو محل بحثنا.
يقول الدكتور الوردي ما نصه: “إن الاتفاق يبعث التماسك في المجتمع، ولكنه يبعث فيه الجمود أيضًا؛ فاتحاد الأفراد يخلق منهم قوة لا يستهان بها تجاه الجماعات الأخرى، وهو في عين الوقت يجعلهم عاجزين عن التطور أو التكيف للظروف المستجدة، وقد أثبتت الأبحاث الاجتماعية أن المجتمعات البدائية التي تؤمن بتقاليد الآباء والأجداد إيمانًا قاطعًا فلا تتحول عنها تبقى في ركود وهدوء، ولا تستطيع أن تخطو إلى الأمام إلا قليلاً”.[3]
إن الرؤية التي يقدمها النا الدكتور في نصه هذا فيها الكثير من المعاني الجميلة حيث ذكر مثلا القوة قبال الجماعات الأخرى وهذا الاطلاق لمفهوم القوة حسب ظني أنه يشمل جميع جوانب القوة ولا يقتصر فقط على القوة العسكرية أو الاقتصادية غير أنه نوع من المقارنة حيث جعل لها طرفين وكأنه قوة قبال قوة أخرى وحبذا لو ابتعدنا عن منطق المقارنة في بنائنا الذاتي والاجتماعي وركزنا دائما على التقدم والتطور والاستفادة من تجارب الآخرين بدلا من المقابلة في الإمكانات.
أيضا يقدم الدكتور العجز عن التطور كأحد عوائق هذا التماسك ولعمري لا أعلم كيفية التوفيق بين وجود القوة وحصول العجز عن التطور، ثم أنا لا نشك في مطالعة الدكتور وقراءته للتاريخ حيث لم يسوق لنا نماذج حصل فيها هذا التماسك والجمود كأمثلة حيه تثبت صدق الدعوى المقدمة كي لا تكون مصادرة على المطلوب، ثم لو وجدت مثل هذه المجتمعات المتماسكة الجامدة هل يمكن حصر عدم تطورها في سبب محدد هو أنها متماسكة اجتماعيا؟
نعم تبقى الدعوة لتنقية تقاليد الآباء والأعراف الاجتماعية وتعديلها مع ما يتناسب وعجلة التطور أمرا حسنا مع الحفاظ على التماسك الاجتماعي، ولا يقال: أنه غير ممكن حيث جاء في التعاريف السابقة لو لاحظت معي عزيزي القارئ كما في تعريف أميل دوركهايم ” هذه الجماعة المترابطة والمتماسكة تطور معايير تنظم بها السلوكيات والعلاقات الاجتماعية” (دوركهايم (إِميل -) (1858-1917م) [4]
اننا في الوقت الذي ندعو فيه لدفع عجلة التطور ومواكبة المجتمعات العلمية لا نرى أي عائق يقف بيننا وبين أن تكون مجتمعاتنا مترابطة ومتماسكة اجتماعيا طالما توافقنا وتألفنا على أن نطور قيما تناسب مجتمعاتنا دون أن تكون حجر عثرة أمام هذا التطور.
هذا ما أردت بيانه في هذه الحلقة ولنا وقفات أخرى في حلقات قادمة إن شاء الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] ثقافة العيب في حياتنا اليومية، د فاطمة الزهراء علي الشافعي، ص29
[2] الإعلام والتنمية في مواجهة الإرهاب: دليل المصطلحات، د رامي عطا صديق، د فاطمة شعبان، ص128
[3] مهزلة العقل البشري، د علي الوردي، ص20
[4] الموسوعة العربية، ج9، ص429ofh
2,854 total views, 2 views today
Hits: 89