كورونا (corona) يطرق نقاط التماس .. و”الامتنان مثلث امان”
د. مريم بنت حميد الغافرية
باحثة وكاتبة في مجال الدراسات الأدبية والنقدية
ضيف ثقيل يجوب مساحات الأرض بلا تذكرة أو جواز سفر؛ فجميع الرحلات متاحة له جوًّا وبرًّا وبحرًا. يخلق أزمة الوحدة العالمية الإجبارية؛ يرفع لواء المواجهة ويفرض خطوط الدفاع لتمتد إلى أقصى حالاتها بكافة الإمكانيات والقدرات.
هل زارنا ليوقظ الوعي الحقيقي؟ هل نزل بساحاتنا ليعيد صياغة الأفكار الرتيبة؟ هل حَلَّ ليشحذ الهمم الموات ويعزز همم المناضلين بإخلاص؟ أتراك جئت لتصفي الأرض أم لتجعلها تتصافى وتتسامى؟!
كورونا (Corona) الضيف العالمي الذي جاء ليوقظ الحس الإنساني ويجدد النداء لأهل الخير والنبل والعون والإغاثة. يستنهض الطاقات الإيجابية والابتكارات والاختراعات والاجتهاد ات في صناعة مصلة يجابه هذه الجائحة.
يناشدنا تغيير أنماط الحياة المختلفة، تغيير الأنماط المعيشيّة والعمرانيّة والثقافيّة والتواصل والاتصال والوقوف على توظيف التكنولوجيا لخدمتنا بإيجابية. يناشد الأنسان تغيير الروتين الرتيب الذي لم يستطع لسبب أو آخر تغييره ولوجود نمطية حياة عملية يومية يلتزم بها.
حلَّ كورونا (Corona) ضيفًا على جميع الساحات وكافة المستويات؛ وطرق مختلف المجالات دون استئذان؛ ليجدد سنة التكيف البشري، فالإنسان أسرع مخلوق في التكيف مع الخيارات والبدائل إذا وجد نفسه مضطراً.
كورونا الذي جاء دون موعد أو سابق إنذار. أُغلقت جميع الرحلات والمنافذ عبر الحدود، لكنه جاء ليفتح الرحلات الروحيّة – إلينا- مُجددًا. ويخصها ويخصصها في انطلاقها من روح البشر ومن منطلق (البقاء في البيت) …ترى ما الحكمة من البقاء في البيت؟
إنه خط الأمان الأول” آمنًا في سربه” إثبات الخيرية في الفعل” خيركم خيركم لأهله…” ليكون البيت مشكاة الزيت المتقد عزيمة وإصرار على الخيرية. البيت خط الحماية للإنسان بعد الله الحافظ.
لقد أصبح العالم يرتدي ثوب الحذر من الوباء الذي صنف جائحة عالمية وأطلق عليه اسم
كوفيد 19 (covid19) ويرفع شعار البقاء لأجل البقاء والتباعد لأجل التواصل والفراق لأجل التلاق.
البيت بستان روحك الأول الذي جاء كنية عن الأمن والسكينة.
العالَم مَوْبُوءٌ
وهَـوَاءُ الشّارِعِ يَـجْـرَحْ
المَنْزِلُ وَرْدتـك الأُولَى
لقد شاءت الخيرية السماوية أن تخلو البيوت من كثرة الزوار والاجتماع على موائد الطعام ومن ضيوف الأرض؛ لتجوبه ضيوف السماء. ومن النداء في جامع واحد لتكون البيوت مساجد صلاة وقيام ودعاء.
خلا من زائريه البيت قالوا
فقلتُ: أراهُ مُزدَحِمَ الفِناءِ
فسيحًا، غادَرَتهُ الناسُ كيما..
تَطوفُ به ملائكةُ السّماءِ
ومن المعلوم أن الإنسان مدني في طبيعته وطبعه ولكن مدنية العصر الحديث اقتضت أن ينسحب من طبعه إلى طبيعة لحياة ويتكيف للانشغال بأعماله. وهنا سؤال لمن يتحجج – سابقًا- بالمشاغل في انقطاعه عن الناس ومجابهته لقرار البقاء في البيت بالحزن!
ألم تكُ قبل هذا القرار منغلقًا؟ ألم تعتذر مرار وتتعذر في تقصيرك؟ ألم تكُ حياك بين الخطين:
( البيت إلى الدوام) = (الدوام إلى البيت) تروق لك؟! أليس البقاء في البيت منطلقًا لمحاسبة ذاتك ودافعًا لتجديد الخير في حياتك؟ أليس البقاء في البيت لطفًا إلهيًّا بك وبأهليك؟
لقد فرض كوفيد 19 (covid19) سلوكيات موحدة أولاها ” التباعد الاجتماعي” الذي أصبح مصطلحا عالميا. وهذا التباعد الاجتماعي خلق لحمة في التكافل الروحي والاجتماعي، استفز الطاقات الإيجابية في التعاون على الخير ووصل الأرحام عن طريق وسائل الاتصال التي لا تنفك ملاصقًا لأيدينا أو جيوبنا.
لقد طرق كوفيد 19 (covid19) ثلاثية التماس التي كانت نصًّا ينظر له الواعظون ويلجأ إليه المرشدون وجعله مثلثَ امتنانٍ، إنها ثلاثية نبوية عظيمة” آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه”.
كما طرق كوفيد 19 (covid19) نقاط التماس خارج وداخل دائرة الشكر ووضع “مثلث الامتنان” في قلبها؛ فقد تعود البشر على النعيم فصاروا لا يكترثون بمن دونهم، وصارت صيغة الشكر رتيبة محدودة
” الحمد لله، لا جديد”. إن تقدير النعم والخيرات التي تمتّع بها الإنسان بشكل تلقائي دون شعور حقيقي بعظمة قيمتها قبل الأزمة وقبل أن يفقدها أو تنقص بفعل الأزمة. نعم نعد منها ولا نحيط بعظمتها أن نعددها في ظل الأمن الوارف.
ويكتب اللهُ خيراً أنت تجهلــــــهُ
وظاهرُ الأمرِ حرمانٌ من النعـمِ
ولو علمت مـراد الله من عِـوضٍ
لقلتَ: حمداً إلــهي واسع الكرمِ
طرق كورونا (Corona) نقاط التماس في التغيير بصور إبداعية، “التغيير الذي يعطي للإنسان إنسانيته ويضفي بالتالي على قصته حلاوة وإثارة وبدونه تتبلد حياته ويسقط غي مصيدة الجمود”. لقد أنعش إحساس المبادرة والتطوع في خدمة الآخرين وكأنه يطرق نقاط التماس ويردد ” ضمير حي .. ضميرٌ حي” هذا وقت الضمير الحي وكما يقول المثل الشعبي: ” الحي يحييك…” ولذلك نجد أن السعداء المحظوظين هم من استثمروا في نداء الأزمة وأحيوا روح المبادرة والتطوع في عقولهم وقلوبهم لتنشط الأقدام والسواعد بعدها في مشروعات الخير للإنسان وإعمار الأوطان.
ويتأكد في زمن الأزمة أن من خلال حبات الرمل تتشكل صحاري شاسعة، ومن خلال قطرات المطر تتشكل بحار ومحيطات ومن خلال الأعمال الصغيرة والمبادرات الفردية يتشكل مستقبل أمة إذا امتلكنا ما يكفي من العزيمة والوعي.
استنهاض أفضل ما في الإنسان من قدرات وإمكانات وإظهار أروع ما يمتلك من مهارات لم تظهر من قبل. وسبب ذلك أن أوقات الرخاء لها أناس يديرون الحياة برتابتها وانتظامها ولكن قد لا يكون هؤلاء بذات القدرات وقت الأزمات ومن هنا يستنهض ويستدعي المجتمع وقت الشدّة أكفأ عناصره لإدارة الأزمة وآثارها.
ومن فضائل الأزمات أنها تمتحن المخلصين لأوطانهم، وتسقط أقنعة التابعين لأهوائهم. تصقل معادن الرجال والنساء على حد سواء. ترجح كفة الوطن في أرواحهم والعطاء بلا حدود، يقدمون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، يرفعون علم التكافل والإيثار، يقفون في ساحات القدرة برحابة الصدر واحتساب الأجر.
كورونا (Corona)زمانك أعاد للعافية نصابها في الأولويات فأصبحت تتصدر القمة. إنها سالة إلى من لم يقدر نعمة الخدمات الصحية في بلاده أيام الرخاء؛ ليكن ممنونًا لله وللعاملين في القطاع الصحي كافة على أنهم خط الأمان لتكون العافية فينا وبيننا.
إن مثلث الامتنان يسع القيم الإيجابية وطاقة الأخلاق فينا فساحة الدائرة واسعة باتساع رؤيتنا ومعرفتنا ووعينا واستلهامنا الفرص التي لا تعوض (تأهيل، بناء، عطاء، وتصحيح مسار) للأفراد والمجتمعات وكافة المؤسسات.
سيزخر معجم النور بعد هذه الأزمة بمفردات الضوء الساطع ولن ينتظر، وكما يقول أيمن العتوم: “شروق الشمس لا ينتظر النائمين”.
ستُفتح نوافذ التفاؤل بالخير في الأزمات عند من تعلموا الدرس وفقهوا التجربة…بلا ريب ستثبت جذورهم ويكون لهم عمق التأثير والأثر فالعواصف(الأزمات) القوية تقتلع الشجر الضعيف إلا أنها غالبًا ما تدفعُ الشجر القوي لبناء جذور أعمق!
ملاحظة الجمال في الحياة بصورة أعمق فقد كانت أيام الناس شبيهة ببعضها؛ فلم يعد الناس يلحظون جمال الأشياء الطيبة ” كالشمس التي تعبر السماء باستمرار”. أمل سماوِّيٌ جميل يؤذن في أسماع المتفائلين المخلصين:
قد تورقُ الأشجار بعد ذبولها ..
ويخضرُ ساقُ النبت وهوَ هشيمُ
إذا ما أراد الله إتمام حاجة..
أتتك على وشكٍ وأنتَ مقيمُ
” غدًا نأخذ من قصب الحب خيوطنا الأثيرة نزين بها مسيرتنا” مسيرتنا التي يجليها فجر جديد وقائد بالحب الإلهي رشيد، سلطاننا هيثم بن طارق أيدك الموفق بالعون المديد وألهمك بصيرة النور في الرأي السديد ودمت بعافية تطيب لك وبها نحن نطيب.
2,721 total views, 2 views today
Hits: 314