مسرح الدُّمى.. خيوط للفرح بين عِلم ومَرح
فنُّ تحريكِ الدُّمى، أو فنُّ تحريكِ الإنسان عبر الدُّمى، هذا ليس حوارًا بين جماد وعاقل، إنه حوار الروح للروح، روح تلك الدُّمية التي استحالت طاقة وفرحا حين أسكنها المسرح قلب قلبه.
من يَصْنع كل هذا الجمال؟ قلم كاتب صار حبره مدينة دُمى؟ أم ألوان رسام لا يزال يلعب يزين طفولته؟ أم صانع احترف تحويل الرسوم إلى ضحكات ومشاعر؟ أم هو ذلك الممثل الذي تتوحَّد روحه مع الدُّمية فيصيرا طفلا واحدا على مسرح يعشق الطفولة.
من يَصنع الفرح؟ أهو المخرج المُمسك بكل تلك الخيوط؟ أو هو الفني الذي يُضيء عتمة المكان بألوان وأصوات تسكن ذاكرتنا؟ أم هو الجمهور؟ سيد اللعبة، والمصفِّق للدُّمى ترقص على مسرح لو سألناه لقال: “السلام على كل من يصنع هذا المسرح السعيد، فيضفي طفولة أنقى وأرقى على أرض لا تمل من تشييد المسارح”.
مسرح الدُّمى هو فنٌّ شعبي قديم جدًّا، يعود أصله إلى الثقافات الآسيوية القديمة، ثم ازدهر في البلاد العربية بعد ذلك؛ فكان وسيلة لتسلية الناس، كما كان وسيلة جيدة لحكاية القصص ذات دلالات قيمية، وإنسانية وسياسية.
ويعدُّ مسرح الدُّمى من أهم التقنيات الدرامية التي يمكن اللجوء إليها للاستعانة بها في إخراج العروض المسرحية الموجهة للأطفال والكبار، وتقديمها بطريقة حركية ديناميكية مشوقة وجاذبة.
ولو عُدنا بتاريخ هذا الفن إلى الوراء قليلا، سنجد أنه ظهر قديما عند المصريين القدامى (الفراعنة)، والصينيين، واليابانيين، وبلاد ما بين النهرين وتركيا، حتى أصبح إحدى أدوات التعليم والترفيه والتشويق.
أما في الغرب؛ فقد كان اللاعبون ينتقلون باللعبة ويتجولون بها من مكان إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، وكانوا يرتادون المدن والقرى النائية لإسعاد الصغار والكبار على حدٍّ سواء، إلى يومنا هذا.
في المحور الأول من هذا الاستطلاع توجهنا بعدد من الأسئلة وكانت حول:
– أنواع الدُّمى.
- مراحل صناعة الدُّمية.
– اختلاف الدُّمية المصنعة لخدمة عرض مسرحي عن باقي الدُّمى.
– دور صانع الدُّمى ثانوي أو محوري في العملية الفنية للإنتاج المسرحي؟
اعداد: بسمة الخاطري
أنواع ومراحل صناعة الدُّمية
إيمان عمر
وجهنا بسؤالنا الأول، وكان حول أنواع ومراحل صناعة الدُّمية، للأستاذة إيمان لطفي عمر، محركة وممثلة ومصممة دُمى، من سوريا؛ حيث أجابت: إنَّ للدُّمى عدة أنواع؛ منها: دُمى القفاز، والجاوى، والإصبع، والماريونيت (دُمى الخيطان)، وهناك الدُّمى الملبوسة، ودُمى الطاولة، وكلُّ نوع من هذه الدُّمى يحتاج عدة مواد، أو حسب شكل الدُّمية والشخصية المراد تنفيذها بما يناسب النص.
وعن مراحل صناعة الدُّمية، أجابت إيمان عمر: هناك عدة طرق لصناعة الدُّمى: الطريقة الأولى: صناعة دمية من الإسفنج بطريقة النحت على كتلة إسفنجية، أو يصنع من الإسفنج كرة الرأس فقط، ويشكل عليها ملامح الوجه، وبعدها يغطى في كلا الحالتين بقماش مناسب حسب لون البشرة، ثم إلصاق العيون، والأذن، والأنف، وفتحة الفم. والطريقة الثانية: وهذه الطريقة تحتاج وقتا أطول، وهي عبارة عن نحت الوجه بالطين، ومن ثم أخذ قالب الوجه بالجبصين، وبعدها نقوم بأخذ طابع الوجه بعجينة الورق التي تمزج مع الغراء الأبيض، وبعد أن يجف تماما نقوم بوضع الجبس الأبيض مع قليل من الغراء فوق الورق، ويجفف بمادة السماذج، إلى أن يصبح ناعما، بعدها يُطلى الوجه باللون المناسب.
وتابعت قائلة: يُصنع جسد هذه الدُّمية إما من الإسفنج أو يخاط الجسم ويحشى بمادة الديكرون، وتكون الملابس تبعا للدور الموجود في العرض المسرحي؛ حيث يتم الاطلاع على النص المسرحي قبل صناعة الدُّمية.
وحين سألناها حول ما إذا كانت الدُّمية المصنعة لخدمة عرض مسرحي تختلف عن باقي الدُّمى، أجابت إيمان عمر: دُمى مسرح العرائس مختلفة عن غيرها من الدُّمى، من حيث الحركة، ووضع المفاصل وتحرك الفم وغير ذلك؛ حيث تكون مُجسَّمة بطريقة مُجهَّزة للتحريك، وخلق الروح فيها من خلال محرك الدُّمى.
دور صانع الدُّمى
رملة حسين
بينما أجابت الأستاذة رملة بنت حسين اللواتي، بكالوريوس اقتصاد، وصانعة دُمى، من سلطنة عُمان، عن نفس السؤال، مُؤكِّدة على رأي إيمان، مضيفة أنَّ دُمى المسرح تختلف في كونها تخلق عالمًا من السحر والخيال؛ سواء لأغراض تعليمية أو ترفيهية.
وحين سألناها عن دور صانع الدُّمى، وما إذا كان ثانويًّا أو محوريًّا في العملية الفنية، أجابت قائلة: لا يُمكن أن يكون دور صانع الدُّمى ثانويًّا، بل هو المحور الرئيسي في عرض العرائس.. ببساطة إنْ لم يكن هناك مصنع دُمى لن يصبح عرضا عرائسيا. وأجابت رملة: لصانع الدُّمى دور رئيسي في جميع مراحل صناعة الدُّمية، وما يتطلبة العمل من فنيات، وخيال.
أما عن المحور الثاني من الاستطلاع؛ فقد توجهنا بعدد من الأسئلة، حول:
- مسرح الدُّمى، وماذا يتميز به عن بقية أنواع المسرح؟
- وظيفة مسرح الدُّمى، ترفيهية أم تعليمية؟
- مسرحة القصص، وهل هي بديل عن القراءة الورقية؟
- ولمن يعُود الفضل في أن نشعر بأن بعض الدُّمى فيها روحا؟ للكاتب أم صانع الدُّمى، أم المخرج؟
- وأخيرا.. كان سؤالنا حول معوقات انتشار هذا النوع من الفنون.
ما هو مسرح الدُّمى؟ وبماذا يتميز عن بقية أنواع المسرح؟
كريم دكروب
يُجيبنا الدكتور كريم دكروب، مخرج متخصص بمسرح الدُّمى من لبنان، وأستاذ بالجامعة اللبنانية، قائلاً: مسرح الدُّمى هو نوع من أنواع المسرح، وهو أيضا لغة من لغات المسرح، كما في المسرح التمثيلي والأوبرا والباليه والسيرك يوجد مسرح الدُّمى، وإنما الفارق بينه وبين غيره، وجود بعض المفردات الخاصة والمختلفة قليلا، مثلا أهم شيء بالمسرح التمثيلي أن الشخص الذي يُمثل هو الشخص الإنسان، الكائن البشري، بينما في مسرح الدُّمى الممثل هو الدُّمية نفسها، والذي يحرك الدُّمية هو المحرك وليس الممثل، فمن الممكن أن نُطلق على الدُّمية “ممثل بالواسطة”، ومحرك الدُّمى يضع إحساسه وفكره ورؤيته للدور، لكنه لا يستخدم جسمه في الدور، وإنما يستخدم الدُّمية.
مسرح الدُّمى يتميز بأدوات ليست في المسرح العادي
نيروز الطنبولي
بينما تُجيب الأستاذة نيروز الطنبولي، وهي كاتبة ورسامة وصانعة دُمى من مصر، بقولها: هو مسرح يعتمد على الدُّمى؛ أي أن فيه كلَّ مواصفات المسرح، من شخصيات وإضاءة، وديكور، وكل الأمور التي يحتاجها المسرح، إضافة إلى أنَّ كل الشخصيات تكون من الدُّمى، أو تكون شراكة بين الدُّمى ومجموعة من الممثلين.
وأنَّ مسرح الدُّمى يتميز بأدوات ليست في المسرح العادي، وهذه حالة من التفرد، وتكمُن صعوبتها أن الدُّمية كائن جامد، وليس لديها القدرة أن تؤدي بملامحها؛ لذلك المطلوب من المحرك أن يخلُق نوعًا من المواءمة بين الأداء الصوتي للدمية، وحركتها، وهنا تكمن الصعوبة.
وأيضا -والكلام لا يزال للأستاذة نيروز الطنبولي- يُمثل مسرح العرائس عاملا مثيرا لجميع المراحل العمرية من الأطفال والكبار، بتباين الأعمار، والأطفال يكونون في قِمَّة الانتباه، حتى وإن انشغلوا بالدُّمية عن الحوار. أما الكبار، فهو يُخاطب ذكرياتهم الجميلة، فيكونون سعداء بذلك.
وظيفة مسرح الدُّمى
بثينة أبو البندورة
وحين توجَّهنا بالسؤال للأستاذة بثينة أبو البندورة، صانعة ومخرجة مسرح دُمى من الأردن، ومؤسِّسة مشروع “الدُّمى والحركة”، عن وظيفة مسرح الدُّمى، إنْ كان تعليميًّا أو ترفيهيًّا، أجابت: تتعدَّد أدوار الدُّمى المتحركة خاصة في الآونة الأخيرة ما بين ترفيه وعروض تهدف للمُتعة، لتتعداها نحو أدوار أعمق في التعليم، والتغيير الاجتماعي والنفسي؛ ففي التعليم يمكن استخدام الدُّمى المتحركة بشكل مباشر أو غير مباشر؛ بسبب مزايا الدُّمية المتحركة، وقدرتها على شد الانتباه وإثارة الدهشة، ويمكن اعتبار هذه المزايا من أهم العوامل التي تساعد على التعلم الإيجابي والتفاعلي.
وتابعت: كما تمَّ توظيف الدُّمى في برامج العلاج النفسي، والتغيير الاجتماعي، وبسبب عدم آدمية الدُّمية المتحركة وطبيعتها المصنوعة، فإنها تتمتع بميزة تخطي عتبات النفس الدفاعية وسلوك الحذر أو التوجس النابع عن الشعور بالتهديد لدى المتلقي في حالات استخدام الأساليب التقليدية للعلاج والتغيير.. فالدُّمى المتحركة تخترق الحواجز وتشكل ركنا آمنا للمتلقي؛ مما يجعلها أداة ممتازة وفاعلة في العلاج النفسي والتغيير الاجتماعي.
أمل المزوري
وترى أمل المزوري، حكواتية من المغرب، أنَّ وظيفة الدُّمى تعليمية؛ لأن بها ما لا يُعد ولا يُحصى من الرسائل التي تعلمنا وتُهذبنا. وتثقيفية لأنها تتطرَّق للمواضيع التي تزودنا بمعلومات ثقافية وترفيهية؛ لأنها من الوسائل الممتعة للتسلية.
أما الدكتور كريم دكروب، فأجاب: وظيفة مسرح الدُّمى مثل وظيفة الفنون كافة، لا يمكن أن نقول ترفيهيا فقط، أو تعليميا فقط، هو نشاط إبداعي إنساني ممكن يكون للأطفال، ويمكن يكون للكبار؛ حيث إنه أول ما ظهر كان للكبار، وفي القرن العشرين بدأ ينظر إليه أنه محبب وجاذب للأطفال، ووظيفته بالدرجة الأولى التواصل الإبداعي بين المبدع والمتلقي بغض النظر عن طبيعة المتلقي.
مسرحية القصص .. هل هي بديل عن القراءة
هنادة الصباغ
وحين توجَّهنا بالسؤال حول مسرحية القصص، وما إذا كانت بديلًا عن القراءة، أجابتنا هنادة الصباغ، فنانة تشكيلية واختصاصية بمسرح العرائس من سوريا: مسرحة القصة واردة جدا، وكثير من الأعمال المسرحية هي قصصية؛ مثل: “حكايات أندرسون”، جميعها تحولت إلى مسرحيات، و”ذات القبعة الحمراء” المعروفة لدينا بـ”ليلى والذئب”… وغيرها الكثيرـ وتحمل أفكارا ومضامين غنية، لكنها ليست بديلة عن القراءة الورقية فهذه ثقافة أخرى، للقراءة مُتعة خاصة لها علاقة بسرد الحكاية، والقصة مثل الحالة النفسية للطفل، وقصة قبل النوم؛ حيث يطلب من والديه قراءة قصة ما، وأدب القصة مُختلف عن أدب المسرح؛ فالمسرح حالة أخرى أنت تذهب لمكان ما، تنضمُّ لمجموعة تريد مشاهدة نفس العرض؛ فأنت تُشارك هذه المجموعة متعة المشاهدة، وتأثير العرض على الجمهور مُباشر حيُّ الأحداث والكلام، من افتتاح الستارة والإضاءة المبهرة والديكور والألوان وظهور الممثل أو الدُّمية على المسرح، ومشاركته التفاصيل والأحداث بالفرح والحزن والغضب… وغيرها من مشاعر وأحاسيس.
أمَّا القصة، فأنت تقرأ وتتخيَّل وحدك الشخصيات والديكور والمكان والألوان، وتأخذ انطباعك الخاص كما تراه أنت؛ فهذه ثقافة مختلفة عن الأخرى.
ميثاء المنذرية
وترَى ميثاء المنذرية، حكواتية من سلطنة عُمان، أنْ لا بديل عن القراءة الورقية؛ فكلٌّ له حضور وميزته.. مَسْرحَة القصص عملٌ رائع ومُكمِّل لقراءة القصص، ويظهر جانبا إبداعيا ومهارة الشخص الذي يحول القصة إلى عمل مسرحي.
أمَّا بثينة أبو البندورة، فترى أن مَسْرَحة القصص هي شكل من أشكال حكاية القصة، والقصة تُحكى بأشكال متعددة؛ منها: القصة المكتوبة التي نقرأها قراءة، أو القصة المحكية شفاهةً ونسمعها مثل الحكواتي، أو حاليا عن طريق القصص المسموعة بالأجهزة، أو مُمكن عن طريق الأفلام أو اليوتيوب -أي الوسائل التكنولوجية المرئية- ولا أعتقد أنه يوجد بديل عن القراءة الورقية، بل هي إضافة نوعية لحكاية القصة، وطرق انتقال القصة وتوصيلها للمتلقي عن طريق مسرح الدُّمى؛ فهو إحدى طرق إيصال القصة، وشكل من أشكال الفنون المختلفة.
وكان للدكتور كريم دكروب، رأي أيضا؛ حيث قال: لا يوجد هناك شيء بديل عن شيء آخر في الفنون، وطبيعة الإبداع والتلقي متنوعة، يعني يمكن للإبداع أن يصل للمتلقي عن طريق القراءة، أو السرد، أو التمثيل والمسرح والدُّمى، ولا يوجد شيء بديل عن شيء، وهو فن قائم بذاته، له وظيفته، وفوائدة، والتي من أهمها -خاصة بالنسبة للطفل- تنمية القدرة التخيلية والإبداعية للمتلقي، وهذا ما يستفاد منه في العملية التعليمية؛ والذي من أهم أهدافه: تنمية القدرات الإبداعية والابتكارية عند المتعلم، وهو قادر على القيام بهذه المهمة بشكل فعال؛ لذلك نحن نستعين في مسرح الدُّمى بعملية مَسْرَحة القصص، ولكن القراءة نشاط ضروري ومستقل، ويجب أن يقوم به الصغار والكبار.
مسرح الدُّمى لا يبعد الطفل عن الكتاب، وإنما دعم فكرة أن الطفل ينتبه للحكاية ويستمتع بها، وعند تقديمها بطريقة مسرحة الدُّمى، نحن نساعده أن يقوم بعمليْن؛ هما: توسيع مداركه، ثمَّ يذهب لشراء القصة ويقرأها، فيكون معه شعور لطيف؛ وبالتالي لا تُبعِده عن الكتاب الورقي، وإنما تحفِّزه على شراء القصة ويحتفظ بها. إذن؛ هو لن يكون بديلا عن الكتاب الورقي. وهذا ما نلاحظه الآن أنَّ من يُقدِّم قصة أطفال يصطحب القصة مع دُمية، أو مسرح دُمى، وتُباع كتب الأطفال مع الدُّمى الأساسية المتضمَّنة في الكتاب. ونحنُ في أشد الحاجة أن نجعل الطفل العربي يتعلق بشخصيات عربية، تسعَى لغرس القيم والأخلاق، وينجذبُ لها، كما ينجذب للشخصيات العالمية، كشخصيات ديزني… وغيرها.
أماني عبدالنور
بينما ترى أماني عبدالنور، اختصاصية دراما من الكويت، أنَّ المسرح لا يحل محل القراءة، وأنَّ المسرحية تجسد القصة من وجهة نظر الكاتب، ولكن القراءة تفتح آفاقَ الذهن وتنمِّي الذكاء والخيال.
مسرح الدُّمى
”فن تحريك الدُّمى”
وعن سؤالنا: لمن يعُود الفضل في كون بعض الدُّمى تشعرنا بأنَّ فيها روحًا، أجابت أمل المزوري بقول موجز وبليغ: الكل له الفضل في ذلك! الكاتب بأجمل سيناريو، والصانع بأحلى الدُّمى، والمحرِّك بتركيزه، والمخرج بآرائه وأفكاره.
وأجابت ميثاء المنذرية: الكلُّ يُكمل الآخر، ولكن الذي في الواجهة هو من يُعطيها القدر الأكبر من الأهمية؛ فالمحرك له دور كبير ومهم.
بينما أجابت هنادة: هذا يكُون بالتعاون بين الدُّمية التي يصنعها الفنان، والفكرة التي يطرحها المخرج، وأداء الممثل الذي لديه القدرة على إحياء الدُّمية وإظهار القوة الفنية للفنان صانع الدُّمية، وفكرة المخرج معا، وهنا نكون استطعنا خلق مَشهد مسرحي، فيجب أن تكون الدُّمية غنية المضمون، والشكل مع مُمثل بارع تفتح أمام المشاهد فكرة غنية من خلال العرض.
ونعُود لموضوع الحب، والذي أُصر عليه دائما.. الدُّمى هي أشياء تحب، فتبث الحب إذا كانت الدُّمية مصنوعة بحب، وأعطت الشخصية حقها بالتعبير من خلال الكاركتر وتعابير وجهها وأزيائها، وميكانيزم الحركة الصحيح، وأمسكها فنان مُحب وعاشق ولديه الثقة المطلقة بالدُّمية التي ستنقلُ حسه ومشاعره، ويتحلى بالبراعة بنقل أحاسيسه لهذه الدُّمية ونفي أناه جانبا، ستكُون هذه الدُّمية مِطواعة له، يبثُّ من خلالها الحب الذي تلقاه، ومع فكرة الكاتب والمخرج غنية المضمون تكون العناصر اكتملت، فتصل هذه الروح التي نتحدث عنها من خلال الدُّمية.
أما الدكتور كريم دكروب، فأخبرنا: في أطروحة الدكتوراة التي قُمت بها، أسميت باللغة العربية مسرح الدُّمى “فن تحريك الدُّمى”؛ ووضعتُ هذا المصطلح لأنه العملية الأساسية، أو فعل التحريك، وهذا المحرك كل فكره وإحساسه والقدرات الإبداعية عنده يضعها بفعل التحريك؛ وبالتالي المتلقي يشعر أن هذه الدُّمية حيَّة فعلا؛ لذلك الفضل يعود أولا لمحرك الدُّمية، ولذلك فالإبداع يكمُن في عملية التحريك فقط؛ لذا نحن ننطلق من عملية التحريك. أما عملية التصنيع، فتخلق الوهله الأولى التي تجعل المتفرج ينجذب للشكل، أو تُعطِي أحيانا إمكانية تجعل المتفرج ينجذب لنوعية الشخصية؛ لذلك فتصنيع الدُّمى مهم أيضا، ولكن الدور الأول للتحريك.
وأضاف: أما الإخراج، فهو الأساس بكل العملية المسرحية، والأساس بتحريك الممثل، والأساس بالتكامل الفني في العرض المسرحي؛ ولذلك له دور كبير، ويعطي التوجه الإبداعي الذي سيذهب إليه المحرك.
مسرح الدُّمى عمل جماعي
وترى بثينة أبو البندورة، أنَّ المسرح هو عملٌ جماعي، ويعتمد على جميع هذه العوامل، لكن برأيي الشخصي، كلما كان المحرك أكثر مهارة في تحريك وتقليد ومحاكاة الحركة الحقيقية للكائن الحي، كانت الدُّمية أكثر إقناعا، وأوصلت الشعور أنها دمية فيها روح، وكأن الروح دبَّت فيها.
وهنا، يُمكن أن نقول أيضا إنَّ الفضلَ الأول يعُود لمن أبدع الفكرة، ثم لِمَن استطاع أن يُحرك الأدوات أو الدُّمى بغض النظر عن شكلها أو نوعها ليجعلها تحاكي الكائن الحي، فيصبح لدينا شعور بالدهشة.
مسرح الدُّمى :
مُعوِّقات هذا الفن
وحين توجهنا بالسؤال حول مُعوِّقات هذا الفن، رغم ما يحمله من دهشة وسحر، أجاب الدكتور كريم دكروب: لأنَّ هذا النوع صعب.. أصعب شيء فيه هو أنَّ الفارق بينه وبين الفن التمثيلي، أنَّ الممثل يضع كل جهده ليعرض نفسه، ويكون هو مركز الحدث، بينما محرك الدُّمى كل جهده يكون منصبًّا حتى يخفي نفسه، وهذا الموضوع ليس سهلا بالنسبة للمثل؛ لذلك فهذا يحتاج جهدًا إبداعيًّا مضاعفًا من المخرج والممثل والمحرك وكل طاقم العمل، وهذا لا يتوافر دائما، كما أنَّ هذا الفن يحتاج إمكانيات مادية كبيرة.
ثقافة مسرح العرائس
وكان لهنادة الصباغ رأي، حيث قالت: يجب العمل على نشر ثقافة مسرح العرائس، التي لا تزال خجولة بمجتمعنا العربي، ولا تُعطى الاهتمام اللازم من القطاعات الحكومية، ولا يرصد لها ميزانيات مناسبة، ولا تدخل داخل الإطار الأكاديمي والتعليمي بالمناهج المدرسية والجامعات، فهي تبقى ضمن جهود فردية وهواة لهذا الفن، مع وجود نخبة مثقفة أكاديميًّا من خلال الدراسة بالخارج، لكنها فئة قليلة جدا.. لذا؛ يلزمنا عدة مسارح داخل المدينة الواحدة ليصل هذا الفن لكل فئات المجتمع، يلزمنا كوادر فنية مدربة بشكل أكاديمي لنقل هذا الفن والمعرفة والخبرة. كما يوجد فهم خاطئ لمسرح العرائس والاستخفاف به، واعتباره للتسلية وللأطفال فقط، وهذا مفهوم خاطئ، وليُحب الناس هذا الفن يجب أن يشاهدوا عروضا مُختلفة كجمهور يستطيع التمييز وتغيير الانطباع السائد، ولتكون السوية جيدة يجب الاطلاع والمقارنة والتحفيز لفرق من دول أخرى، وتبادل خبرات وإيجاد نقاط الضعف والعمل عليها.
مسرح الدُّمى وتميزه في عالم الفنون والتعليم والتغيير الاجتماعي والنفسي
وتتفق بثينة أبو البندورة مع الأستاذة هنادة والدكتور كريم، في كثير من النقاط؛ فكان ردها كالتالي: نعم، مسرح الدُّمى يمتلك الكثير من السحر والدهشة، ليجعله مميزا في عالم الفنون والتعليم والتغيير الاجتماعي والنفسي، مثل جميع الفنون في العالم، وهناك الكثير من المعوقات لهذا الفن كما لجميع الفنون، وأعتقد أنَّ المشكلة أولا: عدم توافر الخبرات الكافية لتشكل قاعدة قوية في كل بلد، وغياب الشكل المنهجي الأكاديمي في تناول الدُّمى المتحركة؛ فهو فن يحتاج الكثير من التعلم والتدريب من أجل إتقانة؛ وبالتالي نحن بحاجة لتشكيل قاعدة لخلق حالة ومشهد ثقافي، وهذا سيخلق حركة ونوعا من التحفيز لجلب عدد من الفنانين والمهتمين بمسرح الدُّمى.
مسرح الدُّمى وموضوع الدعم الذي يعاني منه
وأضافت: أيضًا موضوع الدعم الذي تُعاني منه جميع الفنون، من قبل الجهات المعنية بتنمية الفنون والثقافة، ورُبما هذا عاملٌ مُهم جدًّا لانتشار مختلف الفنون بشكل عام.
وبرأي أمل المزوري: لا يعمل الجميع على انتشار هذا الفن؛ لأنه من المسارح القديمة جدًّا، وبما أنَّنا في عصر السرعة، فالكل يبحث عن الجديد التكنولوجي السريع، إضافة الى ذلك فالأغلبية غير واعية لما له من أهمية.
وأكدت أماني عبدالنور، على رأي أمل المزوري؛ بقولها: مسرح العرائس موجود في جميع البلاد، ولكن التكنولوجيا العصرية والرسوم المتحركة حلَّت محلَّ هذا الفن، ولكن وعلى الرغم من حلول تلك الفنون الرقمية (digital TV)، إلا أنَّ لمسرح العرائس والدُّمى المتحركة رونقه وسحره وجمهوره الذي يستمتع به.
وفي المحور الثالث من الاستطلاع، توجَّهنا بعدد من الأسئلة؛ حول:
- الإقبال الجماهيري على مسرح الدُّمى؟
- الموضوعات التي ينجذب إليها الجمهور أكثر في مسرح الدُّمى.
- مسرح الدُّمى هو مسرح مناسبات؟
- الجدوى الاقتصادية من مسرح الدُّمى.
الإقبال الجماهيري على مسرح الدُّمى
حسين دشتي
حين توجَّهنا بالسؤال الأول، حول مدى الإقبال الجماهيري على مسرح الدُّمى، أجاب الأستاذ حسين دشتي، حكواتي ومذيع من دولة الكويت، والمعروف بشخصية “جحا”: أنَّ الإقبال ليس كبيرا في هذا الوقت الحالي، بسبب انتشار التكنولوجيا وغزوها لعالم الطفل، والذي جعل ارتباطه بهذا الفن قليلا، وأنَّ مُعظم الجهود في هذا المجال هي جهود فردية، ولا توجد جهة معينة تهتم بهذا الفن.
بينما أجاب الأديب والكاتب المسرحي يوسف البري، من الأردن: أعتقد أنَّ إقبال جمهور الأطفال على حضور العرض المسرحي الذي يكون أبطاله من الدُّمى هو أكبر بكثير من مسرحيات الأطفال التي يكون أبطالها من البشر؛ وذلك يعود لعِدَّة عوامل؛ أهمها: هو شكل الدُّمية وألوانها التي تُحاكي عالم ومخيَّلة الطفل بشكل أوسع؛ مما يصنع الدهشة والفرح بداخله، ويجعله متابعاً جيداً لأدق التفاصيل خلال العرض، ومما يزيد من دهشة الطفل وتفاعله هو وجود الأغاني والموسيقى الموظفة بشكل جيد لخدمة الفكرة الرئيسية للعمل المسرحي، ونحن في الآونة الأخير قُمنا بتقديم عروض بنكهة مختلفة، وهي المزج ما بين الدُّمى والبشر في تقديم العرض على غرار برامج الأطفال التليفزيونية التي انتهجت هذا النهج، وقد كان تفاعل الطفل معها بشكل أكبر؛ مما دفع الكثير منهم للصعود إلى خشبة المسرح للتفاعل والمشاركة في صناعة الحدث.
الموضوعات التي ينجذب إليها الجمهور أكثر في مسرح الدُّمى
يوسف البري
وحول الموضوعات التي ينجذب إليها الجمهور أكثر، يجيب الأديب يوسف البري: أعتقد أنَّه لا يُوجد أي محظُور في طرح أي فكرة من شأنها أن تُشكِّل إضافة لثقافة الطفل، وتعزيز قيم الخير والحب والجمال لديه؛ لذلك أقول إنَّ الأمر لا يتعلق بالفكرة أو الموضوع بقدر ما يتعلق بأسلوب الطرح، هنالك أمور على كاتب مسرحيات الدُّمى ومخرجها عدم تجاهلها أبداً مهما كانت الفكرة؛ منها: إضفاء روح الدعابة والفرح على العرض، واختيار جمل قصيرة للحوار قادرة على إيصال الفكرة، وتوظيف الموسيقى بشكل جيد، عندها سوف يُقدم للطفل عرضا مسرحيا غنيا بكل مكونات الجمال التي يحبذها الطفل بأي عرض مسرحي؛ سواء كانت دُمى أو غير ذلك من أشكال العروض المسرحية المختلفة.
بينما يرى الأستاذ حسين دشتي، أن أكثر الموضوعات إقبالا، هي تلك التي تحاكي واقع الكبار والصغار.
هل مسرح الدُّمى هو مسرح مناسبات؟
وحول سُؤالنا: ما إذا كان مسرح الدُّمى هو مسرح مناسبات؟ أجاب الأديب يوسف البري: ليست الفكرة إنْ كان مسرح مناسبات أو غير ذلك، بالنهاية هو شكل فني جميل ويحبه الطفل، ويمكن أن يوظَّف كعرض يتناول أي مناسبة: وطنية مثلاً، أو دينية، أو أجتماعية، لكن هذا النوع يُمكن أن يخلق من العروض المسرحية أبعد من ذلك بكثير، كأن يُوظف في تعزيز القيم الأخلاقية الجميلة، ومحاكاة للأنشطة المدرسية… والكثير من الأمور الأخرى.
ويخبرنا الأستاذ حسين دشتي، ومن واقع تجربته الشخصية، أنه قدَّم عملا في شهر رمضان، وكان هناك إقبالٌ كبيرٌ، خاصة من قبل الأطفال؛ لذلك فهو يرى أن هذا الفن يعتمد على الموسم، وأن موسم شهر رمضان الأكثر إقبالا على مسرح الدُّمى.
هل بالإمكان تحويل المسرح المدرسي إلى مسرح دُمى؟
وعن سؤالنا حول ماذا إذا كان بالإمكان تحويل المسرح المدرسي إلى مسرح دُمى؟ أجاب الأديب يوسف البري: بالطبع، تجربة تفعيل دور مسرح الطفل في كل أشكاله في الفضاء المدرسي تعدُّ تجربة غنية ومهمة للغاية، وهنالك جهود جبارة تُبذل من قبل الهيئة العربية للمسرح -بالتعاون مع وزارت التربية والتعليم- من أجل ترسيخ وتفعيل دور المسرح المدرسي، والعمل على مَسْرَحة بعض الدروس الواردة في المناهج التعليمية؛ لغاية إخراج الطفل من أجواء التلفين المباشر وبث روح الفرح والدهشة في نفس الطالب، إضافة إلى أنَّ المعلومة المدرسية التي تمرَّر من خلال المسرح للطفل تكُون أكثر ثباتاً في عقله عن غيرها، من التي تُمرر له بشكل تلقين؛ وذلك بالطبع إذا ما تمَّ مزج العمل المسرحي بموسيقى وأغنيات تتناسب مع المرحلة العمرية المستهدفة. أما عن اللون الفني للعرض المسرحي المقدَّم للطالب من خلال المدرسة، فأعتقد أنَّ نتائجه سوف تكون مُبهرة؛ سواءً كان ذلك بعرض بشري، أو دُمى، أو خيال الظل، أو الخروج بعرض يمزِج بين تلك الأشكال جميعها. وفيما يخصُّ مسرح الدُّمى تحديداً، فأعتقد أنَّه أبسط من الألوان الأخرى فيما يتعلق بالمسرح المدرسي؛ بحيث يُمكن صناعة ما يُسمَّى بدمى الأدوات، والتي تتم صناعتها بواسطة أدوات بسيطة مُتوفرة، ويُمكن الحصول عليها بسهولة، وقد عقدت الكثير من الورش التدريبة لصناعة هذا النوع من الدُّمى في الكثير من المدارس في الوطن العربي.
الجدوى الاقتصادية من مسرح الدُّمى
وحول الجدوى الاقتصادية، يرى الأستاذ حسين دشتي، أنه لا يوجد جدوى اقتصادية من مسرح الدُّمى، وحتى إن وُجدت عروض مسرحية فتكون بسيطة جدا، وتكون عروضًا مجانية، الجهة المستضيفة هي من تدفع أجور المسرحية.
فيما يرى الأديب يوسف البري، أنه لا يجب النظر إلى الفن المسرحي من زاوية مادية أبدا.
هل مسرح الدُّمى هو ابن قوانين المسرح الكلاسيكية
مهند العاقوص
وحين توجَّهنا بالسؤال إلى أديب الأطفال السوري مهند العاقوص، حول ما إذا كان مسرح الدُّمى أقرب لعائلة أدب الطفل حديثة الولادة، أم أنه ابن قوانين المسرح الكلاسيكية الخالدة، أجاب: مسرح الدُّمى قديم جدًّا، بل هو من أقدم الفنون، ومنه بدأ المسرح ككل، لكنه الآن ابن شرعي لكلا الطرفين.. وبرأيي، الأولوية لمعايير أدب الطفل حين تتضارب تلك المعايير مع شطحات المسرح، ونزوعه نحو اللا قيد واللا شرط إلى الإمتاع والجذب.
هكذا هو مسرح الدُّمى، طفلٌ كلما حاولت الإمساك به، يفلت من بين يديك، وكأنه يقول: “أنا أكثر شَغَبا من أن تقيِّدوني في مكان وزمان ومقابلة، أنا أكبر من أن يُحِيط بي استطلاع أو كتاب أو موسوعة، أنا الحياة وأنتم الدُّمى، هذه الأرض خشبة تضحك فرحا”.
9,877 total views, 2 views today
Hits: 1697