نحو البرنامج الوطني للتنمية الثقافية
محمد بن رضا اللواتي
لَيْس بمقدور الثقافة أنْ تُحقِّق شرط التنمية ما لم تعزِّز الاقتصاد وتنوِّعه؛ وهذا الأمر يترتَّب عن تحويل الثقافة إلى صناعة. ظهر هذا المصطلح أوَّل مرة لدى الفيلسوف الألماني “تيودور أدورنو” في كتابه “جدل التنوير” (1944)، تبعه في استخدامه له “ماكس هوركهايمر”، وكان الرجلان باستخدامهما له يريدان تنبيه المجتمع إلى أن ثمة صناعة هابطة تسوق إلى الانجرار في السلبية تتمثل في مجلات وأفلام وبرامج إذاعية. لاحقا، تم استخدام المصطلح هذا لأجل تعزيز دور الثقافة في التنمية.
وقد صاغتها “اليونسكو” في التالي: “هي عملية إبداع وإنتاج وتوزيع للسلع والخدمات ذات الصبغة الثقافية، محمية بحقوق الملكية الفكرية”١.
ولكن أن تتحول الثقافة إلى “إنتاج” في سلطنة عُمان، فلا بد أولا من توافر شرط تحويلها إلى “سلعة” تستند لـ”الجودة” وتدخل في “قطاع الخدمات” من خلال توفر عامل “التمويل”. وهذا العامل، في الظرف الحالي الذي لا يستوعب فيه “القطاع الخاص” صلته بالشأن الثقافي، وما الذي يدفعه إلى دعمه وتبنيه، بل لا يجد أن الشأن الثقافي يقبل الدعم حتى من دوائر المسؤولية الاجتماعية، لا يمكن توفره إلا في ظل “خُطة وطنية للتنمية الثقافية” تعمل على جعل الثقافة في قلب “التنمية” بالسلطنة، حينها يمكن للقطاع الخاص، والمنظومة المصرفية تحديدا، تحمُّل مسؤولياتها تجاه “تمويل الثقافة” باعتبارها “أداة للتنمية” ٢.
الخطة الوطنية لصناعة الثقافة
– تعمل على تحويلها إلى صناعة
– عبر تمويل أنشطتها
– وتحويلها إلى منتج
– وتوفير سوق لها
الدورة الصناعية للثقافة
تمرُّ الثقافة -لكي تُصبح سلعة لها مُستهلكين وسوق- عبر المحطات التالية؛ تُعرف بدورة صناعة الثقافة ٣.
نحو خُطة وطنية للتنمية الثقافية
تزعم هذه الورقة أنه ليس بمقدور تحول الثقافة في سلطنة عمان إلى صناعة ما لم تكن هنالك خُطة وطنية تعتمدها الجهات المعنية خصوصا وزارة التراث القومي والثقافة لأجل دعم ذلك.
وفيما يلي البنود المقترحة لأن تتضمنها لوائح الخطة الوطنية للتنمية الثقافية:
1- اعتماد تعريف الثقافة بما عرفتها به اليونسكو، وما قدمنا من تعريف له في صدر هذه الورقة؛ لأنَّ التعريفين المقترحين لا يسلبانها مقدرتها على توليد الإيرادات، ويقران كونها وسيلة للنمو وتعزيز وإدامة التقدُّم الاقتصادي، ويحافظان على خصوصية المجتمع العُماني بعاداته وتقاليده والتزامه الديني؛ إذ يُعدان المعتقد ضمن المركب الثقافي، بل وأهم مكنوناته.
2 اعتماد تعريف اليونسكو “لصناعة الثقافة”، وهي: “عملية إبداع وإنتاج وتوزيع للسلع وللخدمات ذات الصبغة الثقافية المتسمة بالجودة، محمية بحقوق الملكية الفكرية” ٤.
3- تبني “الدورة الثقافية” التي تبدأ من دعم تحويل الأفكار المبدعة والمضامين المعرفية إلى منتج، فنشره، فعرضه، ثم رفع كل الموانع المعيقة من استهلاك الناس له ٥.
4- تتحديد المجالات الثقافية بدقة، كالتراث الثقافي التاريخي والطبيعي المنتج للثقافة السياحية، وفنون الأداء من أوبرا وموسيقى وسينما ومسرح، والفنون البصرية من البرامج التليفزيونية والأعمال الدرامية والوثائقية..غيرها، والصناعات الحرفية، وتأليف الكُتُب المتنوعة المختلفة، والإعلام المرئي والمسموع والتفاعلي، وغير ذلك مما اعتمدته اليونسكو في تقريرها عن الإحصاءات الثقافية وتصنيفها لها ٦.
5- تحديد مواقع تكوين الثقافة وبؤر ظهور المبدعين، من قبيل النوادي الثقافية، والصالونات، والجمعيات الثقافية للأدباء والكتاب، ونوادي الفنون التشكيلية والرسم واستديوهات السينما والتصوير، والمجلات الثقافية والمحكمة، ودور النشر والمكتبات العامة والمكتبات التجارية…وغيرها، وإصدار قانون يرسم حقوقها وواجباتها.
6- تحديد تعريف يفرق المُنتج للثقافة عن المثقف وعن المتعاطي للثقافة وعن الممارس للعمل الثقافي. فالمنتج الأول للثقافة هو المبدع لفكرتها، كالكاتب والروائي والممثل والمسرحي وذوو السبق الصحفي، وأمثالهم ممن يبدعون الفكرة الخامة.
7- لا بد من الاهتمام البالغ بهذه الفئة تحديدا، فهؤلاء هم الذين يبدعون الفكرة الثقافية التي تتحوَّل إلى مُنتج لاحقا. ومن الضروري التفريق بين مُبتكر للمادة الثقافية كالمؤلف وكاتب الرواية السينمائية، وصاحب اللوحة التشكيلية وأمثالها من الأعمال التي تقبل أن تتحول إلى صناعة، وبين المتعاطين للثقافة من قراء ومثقفين معلوماتيين؛ فهؤلاء لا ينتجون الثقافة، ولا يبتدعون الفكرة التي تتحول إلى نتاج. هؤلاء تتشكل منهم السوق الثقافية وهم المستهلكون، بينما تكون الريادة لأولئك المبدعين للفكرة. الريادة الثقافية ينبغي أن تكون للمبدع للفكرة التي تتحول إلى منتج ثقافي وليس المتعاطي.
8- إعادة رسم الموقعية الثقافية للمثقف وقيمته والتقدير الذي يستحقه على أن تكون الموقعية مبنية على الإنتاج الإبداعي الذي يصدر عنه وليست الشهرة، وتكون له سمة كسمة رائد أعمال، سمة الريادة الثقافية الوطنية.
9- يعدُّ المثقف اليوم في السلطنة مهملا، ليست له مكانة مرموقة تليق به كمنتِج للثقافة، فالممثل العُماني يتقاضى أقل الأجور مقارنة بأقرانه، والفيلم العُماني لا يجد دعما حتى لأجل عرضه على القنوات الرسمية للبلد، فضلا عن دعمه. ويعاني المؤلف من الحصول على دعم لطباعة كتبه. هذا كله ينبغي أن يتغير بما اقترحناه حول إعادة الموقعية الريادية الثقافية للمثقف في السلطنة.
10- وعلى الغرار ذاته، ينبغي التفريق بين المنتج الثقافي ذي الجودة العالية، وبين أنماط من الثقافة التي لا تصل إلى إبداع، ولا تتميز بميزة القبول؛ لفقدها عناصر الجذب والجودة.لقد ظهرتْ العديد من المؤلفات، مؤخرا، لا تحمل قيمة مضافة، ولا تستند إلى الجودة، ولا تملكُ دُوْر النشر المحلية -على قلتها- إلا المُضِي قُدما في طباعتها لعدم وجود العرض.
11- تأسيس وتسهيل تمويل بيوت صناعة الثقافة وسن الأنظمة حول ذلك، وتشجيع المنظومة المصرفية على تبني أهمية الصناعة الثقافية في التنمية الوطنية، وعد دعم المنظومة المصرفية للصناعة الثقافية والقطاع الخاص لها ضمن مسؤوليتها الاجتماعية والتنموية.
12- وحاليا.. تكاد تكون الصلة بين المثقف وبين القطاع الخاص معدومة؛ إذ لا يجد هذا القطاع في النتاج الثقافي ما يدعوه إلى تبنيه. ولكن في ظل الخطة الوطنية للتنمية الثقافية، والتي تسعى لتحويل الثقافة إلى منتج عبر صناعة معتمدة على الجودة، فإن القطاع الخاص يمكنه حينئذ تحمل مسؤوليته تجاه ذلك.
13- تأهيل موظفي القطاعات الثقافية الحكومية بكيفية التعامل مع الشأن الثقافي. فالأنظمة الرتيبة والبيروقراطية القاتلة وقلة الاهتمام بالمثقف ومتطلباته التي من خلالها تتحول أفكاره المبدعة لمنتج لا بد من أن يلتزم موظفو القطاعات الثقافية الدولية ببذل أقصى الدعم.
14- تحديد المدة الزمنية كالخمسية مثلا لأجل إعادة صلة الثقافة بالتنمية وتطبيق البرنامج الوطني للتنمية الثقافية بمكنونات إستراتيجيته.
ختاما، تحيل الورقة الباحثين إلى ما تمخضت عنه نتائج المؤتمر الدولي الذي عُقد في مدينة هانغتشو (الصين) في الفترة من( 15- 17 مايو 2013)، بعنوان: “مفتاح التنمية المستدامة الثقافة”، فلقد كان أول مؤتمر دولي يركّز بشكل خاص على الروابط بين الثقافة والتنمية المستدامة منذ انعقاد مؤتمر ستوكهولم في عام (م1998) الذي نظمته اليونسكو. ومنه إنطلق أول منتدى عالمي – على الاطلاق- لمناقشة دور الثقافة في التنمية المستدامة “رؤية لبرنامج عمل مابعد عام 2015” من الضروري بمكان الاطلاع عليها ٧.
—————————————————-
الهوامش:
أنظر https://ar.wikipedia.org/wiki/
أنظر: إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية: http://www.uis.unesco.org/Library/Documents/framework-cultural-statistics-culture-2009-ara.pdf
أنظر: إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية: http://www.uis.unesco.org/Library/Documents/framework-cultural-statistics-culture-2009-ara.pdf
أنظر: مصدر سابق: إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية: http://www.uis.unesco.org/Library/Documents/framework-cultural-statistics-culture-2009-ara.pdf
أنظر: مصطر سابق: إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية: http://www.uis.unesco.org/Library/Documents/framework-cultural-statistics-culture-2009-ara.pdf
أنظر: مصطر سابق: إطار اليونسكو للإحصاءات الثقافية: http://www.uis.unesco.org/Library/Documents/framework-cultural-statistics-culture-2009-ara.pdf
أنظر: http://diversity1983.blogspot.com/2014/06/blog-post.html
5,643 total views, 5 views today
Hits: 266