أنيسة الهوتي


كانت ليلةً صيفيةً قصيرة، لَكِن لأحداثها العَجيبة بَدَت طويلة، فقد شعرتُ بأن الأعوامَ تَمُرُ سريعة خارجَ مُحيطي الزَمني والليلةُ لاتزَالُ تحبو عِندي!قال تِلك الكلمات، ثُم سَكت، وتدريجياً غَاصَ في عالِم التفكير، وإذا بصوتٍ يُخرِجهُ من عالمهِ الذي كاد أن يغرق فيه: عَمي جَلال، أكمِل القِصة نحنُ متشوقون كَثيراً لمعرفة التالي.
نَظر جَلال في وجوه الأطفال الجالسين أمامه، والتشوقُ مرسومٌ بألوانٍ مختلفة في ملامح كل واحدٍ منهم، ثُم نظر إلى المُنادي، وقـال: لِماذا هذه العَجلةَ يا باسم؟!فنظر إليه باسم ولم يرُد، ولكن أجابَ طارق: نُريدُ أن نعرِفـ ماذا حصل يا عَمي لا نريد الانتظار.

جَلال: حسنـاً، حسنـاً أيهُـا المُشاغبون الصُغار، ولَكِنني أُحذركم فقد وصلنا إلى الجزءِ المُخيف ولا أُريدُ سماعَ صراخٍ أو بكاء، وإن سمعتُ أحدَكُم يصرخُ أو يبكي سأطرده من الغُرفة، أو فليخرج الآن.

كامل: عمي، عمي إن أصغرنـا هُنا هو عاطف أخرجهُ مِن الغُرفة فهذا أفضل لنا، لأنه سيفعل كما فعل الأسبوع الماضي، سيصرخ ويبكي طوال الليل، وبسببه ستعاقبنا أمنا ولن تدعنا نسمع قصصك، أو نأتي للزيارة الأسبوعية لبيت المزرعة.

عاطف وهو يَبكي ويُمسك بقميص أخيه الأكبر عادل: لا، لا أريدُ الخُروج أُريدُ أن أبقى وأسمع قِصة عَمي جلال.

جلال: حسنـاً، حسنـاً عاطف قد كبُر الآن، وليس طِفلاً صغيراً كما كان في الأسبوع الماضي، أليس كذلِك؟

عاطف وهو يمسح دموعه: نعم يا عمي، لقد شربت الكثير من الحليب وكبرت، أنا لست صغيراً الآن لن أبكي، ولن أصرخ.

جَلال: حسناً إذاً، سأكمل القصة، وبعد إختفاء جميع من كانوا معي فجأة، وانقطاع الكهرباء، خَرجتُ من هذه الغرفة إلى المطبخ بحثـاً عن المِصبـاح الذي عادةً تضعهُ جدتكم أنيسة في خِزانتها القديمة تحت طاولة الطعام العريضة، وبصعوبة شديدة وصلت هناك فالظلام كان شَديداً، وحينَ دَخلتُ إلى المطبخ ووقفتُ أمام الطاولة سمعت زئيراً مُرعِباً، فرميتُ بنفسي تَحتَ الطاولة واختبأت هناك وإذا بي أرى ظلـاً كبيراً يمشي على ثماني أرجل، وبدأ يقترب مني أكثر فأكثر حَتى توقفت أنفاسي مِن الرُعب، واستيقنت بأنه وَحشٌ فضائيٌ وكانت تقطرُ مِنه مادة لزجة كريهة الرائحة، ومِن جوعه كانَ يَشمُ رائحة اللحم البشريٍ الشهي مني، فهممتُ بالزحفِ على رُكبي كالطفلِ الصغير حتى أخرُجَ مِن بابِ المطبخِ دون أن يشعُرَ بي، ولكنهُ باغتني مُهاجماً.

صَرخَ عاطف مرعوباً: آآآآآ الفضائي أكل عَمي جَلال!

كامل: أصمت عمنا جَلال أمامنا يحكي لنا ما حصل، لقد أخبرتكم يجب أن تخرجوه من الغرفة.
الجميع لا يضحك مِن شدة هول الأحداث التي كانوا يتصورونها في أذهانهِم

جَلال مُكمِلاً القِصة: أردتُ الصُراخ وطَلب النَجدة ولَكِن لَم أستطِع فقد كان يضعُ أقدامه الدبقة ذي الرائحة الكريهة على رقبتي ويضغط بقوة على حِبالي الصوتية، وفجأةً شعرتُ بأسنانـهِ الحادة على قِمة رأسي فشعرتُ بأنني سأموتُ خِلالَ ثوانٍ لأنه سيلتهِمُ رأسي مع دماغي الآن، وبينما أنا أستسلم للموت، إذا بطلقةٍ ناريةٍ قوية أردته بعيداً، ورأيتهُ يتهاوى أمامَ عَيني مُرتطِماً بِالجِدار، تَنفستُ الصُعداء ونَهضتُ مِن مَكاني لأرى مَن الذي أطلق النارَ، فإذا بِهِ جدكم عَلي مَع بُندقيتهِ الشوزن الستينية، فَشكرتُهُ على إنقاذِهِ لحياتي ولَكِنهُ إختفى فجأة مِن أمامي كالشبح والفضائيُ كذلك اختفى!
بعدهـا أخذتُ مِصباح الجدة أنيسة القديم، وبدأتُ أبحثُ عَن عودِ ثِقابٍ كي أُشعِل الفَتيل، ووجدتُ عُلبة عودِ الثِقاب على الطاولةِ وفيهِ عودٌ واحدٌ مكسور، ففكرت أن أنظف المصباح من الغبار قبل إشعاله بحذر حتى لا أخسر العود فهو الأملُ الوحيد، وأخذتُ طرفَ قميصي ومسحتُ بِهِ المِصباح وإذا بي وسط دُخانٍ كثيف يَلفني، وصوتٌ أجش يقول :شُبيكـ لُبيكـ عِرفان بَين يديك.

يا إلهي إنه جِنيٌ عِملاقٌ أزرق، بعينين حمراوين تقذفانِ النيران، فكدت أسقطُ من طولي حين وأنا أرتعد من الخوف، لكنه تداركني قائلاً: لا تخف يا سيدي، لستُ هنا لأؤذيكَ بل لأخدمكَ وأحقق لكَ أُمنية.

فقلتُ له بعد أن شعرتُ بالإطمئنان: ألا يجب أن يكونو ثلاثاً؟!

فرد قائلاً: حسب أوامرِ مالكتي أن أحقق أمنية واحدة لكل من يخرجني من المِصباح.

فتعجبت من قوله وقلت له: ألا يجب أن أكون أنا مالِكُكَ الآن لأنني أخرجتُكَ مِن المِصباح!

فقال بصوتِ شِبه منزعج: مالِكتي هي جدتُكَ أنيسة، وهذا طلبها مِني إن شئتَ أطلب أمنيتك وإن لم تشأ فإني سأرجع إلى المصباح بعد دقيقة، وستجد نفسك في زمنٍ متأخر عن هذا بإحدى عشر دقيقة.

وما أن قال لي ذلك حتى تذكرت أسنان الوحش الفضائي الحادة على قمة رأسي وأقدامه الكريهة على رقبتي، فقلتُ لهُ بدون تفكير وتدبير: أعِد الكهرباء رجاءً.

فردَ علي: لَكَ ما شئتَ سيدي.

وصفق بيديهِ ثلاثاً، وعادت الكهرباء.

ومُنذُ ذَلِك اليوم والجني عِرفان صديقي، ولَكِنه إشترط بأن لا أذكُرهُ لِأحد، وإن فعلت فإنه سيأخذ كل من أخبرتهم عنه إلى المصباح للأبد.
ومـا أن إنتهى جلال من جُملتهِ، وإذا ببابِ الغُرفةِ يُفتحُ بقوة، وشخصٌ عظيم الجُثة يقف أمام الباب يكاد ظلهُ يغطيهم، فصرخَ الأطفال: الجني عرفان سيختطفنا الآن.

وسقطَ عاطفُ مغشياً عليهِ مِن الخَوف، أمـا الجَدُ عَلي فوقف مُندهشاً أمام الباب منصدماً من رؤية أحفاده يصرخون هلعاً، وإبنه الأصغر جلال، يكادُ يختنقُ مِن الضحك وهو يتقلبُ على الأرض!

 3,939 total views,  8 views today

Hits: 882