أدونيس توليف لا تآلف ولا تأليف
غادا فؤاد السمّان – كاتبة وشاعرة سورية ورئيس تحرير مجلّة -إلا – بيروت
كما أنّ بين العقل والجنون شعرة، وكما أنّ بين أحمد علي سعيد “اسمه الأصل ” وأدونيس “لقب الشهرة ” غربة بيئيّة واجتماعية وفكرية ومنطقية وعقلانية وزمنية تصل حدّ الأسطورة، هناك شرخ واضح في نمطيّة التفكير عند أدونيس الذي اعتمد الأسلوب التصاعدي في بناء هرميته الفكرية، والتصعيدي في تقديم “شطحاته” المعرفيّة والتي يرمّمها عادة بتمرير العديد من محفوظات الذاكرة، المكتظّة بمختلف أنواع الثقافات والقراءات والإطلاعات الموثّقة بأعلام وأقلام وأرباب الأدب والفكر والفلسفة والمعرفة، وهي الرديفة لبعضها البعض أحياناً، والمتفاوتة عن بعضها البعض أحيانا أخرى، والمتناقضة مع بعضها البعض بين شرق وغرب، وعزاؤه في هذا الاشتغال الحثيث عدّة عوامل مسانده ومساعدة في آن، أولها عامل الزمن فالعمر الطويل – أمدّ الله في عمره- والصحة العقلية التي يتمتّع بها خوّلته بالمواصلة والاستمرار على خطّ البحث والتدقيق والمتابعة والإنتاج، ثانيهما وهذا مهم جداً المناخ الأوربي عموماً والفرنسي خصوصاً الذي يتمتّع فيه بكامل أجواء الحريّة التي وفّرت له بوتقة حاضنة لممارسة جميع طقوسه الفكريّة دون تحفّظ أو أي حذر، وحتماً لم يكن ليجد تلك الحرية العميقة ولو بقسط يسير في بلده سوريا لو أنه بقيَ هناك، وخاصّة في مسقط رأسه حيث منطقة الريف التي اتّجه منها قبل ستة عقود من الزمن وربما أكثر إلى العاصمة الدمشقية بقنبازه ومداسه المهترىء، ليقابل رئيس الحكومة آنذاك الذي اهتمّ بجرأة أحمد علي سعيد الشاب اليافع الطموح يوم كان ثمّة رجال للحكومة يجلسون على كراسيهم ومؤخراتهم إلى الكرسي، ورأسهم على المجتمع وعينهم على الوطن والمواطن، بعكس اليوم تماماً، حيث طامعين كُثُر يضعون رؤوسهم على الكرسي وعيونهم على المنصب ومؤخراتهم على المجتمع ومن فيه، ثالثاً وهنا الطامّة الكبرى انحسار عدد العاملين والمشتغلين في المجال الفكري المعرفي الفلسفي الأدبي النقدي وانصرافهم إلى مسعى آخر يوفر لهم لقمة العيش بما تبقى من سُبُل متاحة بعدما تمّ تقويض الحركة الفكريّة العربيّة والأدبية، وتمكّن أصحاب المنابر قبل غيرهم من تهشيم الحياة الصحافية، ونسف المطبوعات اليومية الورقية عن بكرة أبيها فتبعثرت الأقلام وتاه حرّاس الأبجدية وتلاشى الكتّاب وانصرفوا إلى البارات الثقافية والملاهي الأدبية يعرضون بضاعتهم على الأدباء الجُدد والدخلاء الكثر الذين يجيدون صناعة المناسبة الثقافية بعيدا كل البعد عن الحدث الثقافي امتيازاتهم بذلك لقاءات متكرّرة ومغانمهم بذلك قراءات سطحية لأسماء باهتة جداً، لن تتمكن من صنع أيّة حالة ثقافية أو تفلح بترك أيّ صدىً يذكر يتجاوز حدود المناسبة وإن بساعات وليس بأيام وشهور كما كان يحصل أيام أدونيس الذي اقتحم المشهد الثقافي في السبعينات والثمنينات من القرن الفائت في عزّ قيام النهضة الفكرية الإبداعية لجماعة مجلة شعر “يوسف الخال، وأنسي الحاج، وشوقي أبو شقرا، وأدونيس ” وربما في حينه كان أدونيس المنتمي عقائديّا للحزب القومي السوري وفكر أنطون سعادة هو الصوت الأعلى بين المجموعة لسعة اطلاعه وتمكّنه من إطلاق الأحكام بإطاراتٍ نقدية حسب مرجعياتها ومدارسها ومشاربها ومساراتها التقليدية والحديثة وإلى ما بعد الحداثة وكل ذلك كان رهن متابعة جمهور عريض من النقّاد المتربصين بكلّ شاردة وواردة تكون مادة دسمة للتدوال عبر الصفحات الثقافية التي أوجدت مناخاً يومياً خصباً لكافة شرائح المجتمع من كتاب وأدباء وشعراء ومثقفين وحتى الناس العاديين كانوا معنيين في سجالات المثقفين وتقفّي أثر اللمعات الفكرية في دهاليز المقالات التي تتجاوز حيّز الصفحات الثقافية لتكون مثار تداول في المقاهي اليومية ملعب جميع المثقفين ومحطاتهم التي تشهدها منطقة الحمرا- البيروتيّة على الصفّين دون أي تمييز بين الاتّجاهات الفكرية بقدر ما تفتح أبواب الانسجام والتجانس الثقافي على الرغم من كل الاختلافات السياسية، هكذا استطاع أدونيس، أن يشكّل ظاهرة ثقافية إلى جانب كوكبة من المبدعين تحلّقوا حول بعضهم البعض وكانوا علامة فارقة أعطوا بيروت شعلة مضيئة ميزتها بين العواصم وكرّستها كعاصمة للثقافة العربية بلا منازع، رغم كل الظروف التي عصفت بها أيام الحرب الأهلية التي دامت لأكثر من ثلاثة عقود بدأت في بداية السبعينات وبالكاد انتهت أواخر التسعينات، ولو أنّ أدونيس تأخّر به الزمن إلى يومنا هذا، بعد رحيل الخال والحاج وملازمة شوقي أبو شقرا الحاضر دائما رغم إفلاس النهار من حضورها الأدبي والفكري وغياب دورها السياسي، ورغم إفلاس المؤسسات الإعلامية لصالح الأثرياء الجدُد، الذين رهنوا أنفسهم، لانهيار كل المنظومات السائدة والتي أسس لها العديد من أرباب التنوير الفكري والإبداع في العالم العربي، حتى لنكاد نجزم أن أدونيس وحده، يكاد يتفرّد في الساحة الفكرية لمواظبته على المتابعة والمواصلة والحضور، فلم تعقه التقانة الحديثة وفرط وسائل التواصل الاجتماعي، وغياب المنافسين التام له، وتلاشي النقاد الفعلين إلا اللهم ممن لا يزال يعمل من باب الطبطبة والمحسوبيات والمنافقة الأدبية، كل ذلك لم يعقه عن المشاركة والحضور في عدّة محاضرات خلال معرض الكتاب الدولي اللبناني في بيروت 2018 ولم يتسنّ لي في حينه حضور أيّ من الأنشطة والمحاضرات سواء على الصعيد العام أو بلقاءات خاصّة وفّرتها بعض الصالونات الإجتماعيّة للإحتفاء بشخص أدونيس والتكنّي بشهرة أدونيس أكثر من الإغتناء بفكره، وعندما أبديت بعض الامتعاض لغيابي كالعادة عن متابعة المناسبات الدائرة، كان الجواب واحداً لدى الجميع تقريباً جازمين بالقول: لم يفتكِ الكثير، فأدونيس بدأ يكرر نفسه، ويجترّ ذات الأفكار، ويصدّر ما يشاء من رسائل مشفّرة إلى الحضور على أمل أن يتناهى الصوت إلى لجان جائزة “نوبل” ويمنحونه وإن مناصفة مع مرشح آخر حلم الأمس واليوم والغد الذي كرّس لأجله معظم قناعاته والتي وضّبها زمناً طويلاً وهندسها حسب خريطة الطريق التي ترضي الغرب أكثر بكثير مما ترضي الشرق، علّه بذلك يستعيد ألق الترشيح الذي شاع فيما مضى عن احتمال حصول أدونيس على جائزة نوبل والتي بقيت غصّة قائمة على امتداد الدرب الذي اجتازه ولا يزال أدونيس بكامل المسافة القائمة بين بيروت وباريس، وبالعودة إلى كتاب أدونيس “اللغم ” الصادر عن دار الساقي في 2007 الصوفية والسريالية بعيداً عن كل ما سلف، وبصرف النظر عن كوني دارية في هذا الصدد دراية تخصصيّة بإمعان وتأنٍ، أو مجرّد عابرة أثير للفكرة المطروحة، فإنه لا يسعني حتّى أن أتخيّل إمكانية المقاربة بين المنهجين الصوفي والسوريالي، فالصوفية ومن بديهيات القول هي التنزّه والترفّع والإرتقاء عن كل ما هو مادي ودنيوي وملموس لبلوغ وحدانيّة الروح، سعياً ليس للإرتقاء وحسب بل للالتقاء مع منبعها الكوني الغيبي المتافيزيقي العلوي الخارج عن الزمان والمكان، والمجرّد من الغرضيّة والفرضيّات بأسمى حالة من حالات التجلّي والتي يصعب بلوغها حتى على الممارسين لكافة الطقوس الدينية، فالصوفية وإن كانت تنبثق من نواة الإيمان، إلا أنها أعمق بكثير من مسألة التديّن والإنحياز للدين الإسلامي حصراً، فليس كل ملتزم دينياً أو إسلامياً بوسعه الانتشاء ببلوغ درجات الغيب ومعارجه الخفية عن الإدراك الإنساني العادي المحدود الذي بلغه الحلاج في كتابه “الطواسين” أو الشيخ الجليل محي الدين بن عربي صاحب مذهب “العارف الذي لايعرّف “.
وهذا كله يتعارض مع السوريالية فكراً ومنهجاً وطريقة، بل هو بعكس السورياليّة تماماً التي تسعى للغرق والإنغماس الكلّي بكل ماهو حسّي ومادي ودنيوي، مفاتيحها الغرائز والشهوات بأنواعها، باستباحة كاملة لجميع المحظورات والممنوعات، وإحالة اللامنطق في السعي والسلوك إلى نمط من أنماط الإنزلاق والخلاعة والبذاءة والدناءة التي يعجز حتى المتورّط في هذا الغمار التنبوء أو التكهّن في تلمّس معالم الدرب الظلامية، المستنسلة من صلب الأوهام والخيالات الممضّة، والمعاصي والممنوعات والخطايا والمحظورات ضاربين عرض الحائط جميع القِيَم والأخلاق والمعتقدات الدينية، ويملكون بمجملهم كل هؤلاء المنزوين في هذه الزاوية العاتمة جرأة هائلة في التطاول على الذات الإلهية، بالقدح والذمّ والسباب والتشدّق بالشتائم كنوع من أنواع التلذذ في ألفاظ تملأ أفواههم بخطاب موجّه يدّعي فيه هؤلاء كشفهم للحقيقة الكاملة، وتمكّنهم من القبض على ماهيّة الغيب ومن فيه، ويبذلون جهود جبارة للعثور على وسيلة من وسائل التعبير كالرسم وأفضل من جسّد هذه الشخصية بتطرّفها السوريالي فنأ وسلوكاً الرسام الفرنسي الأشهر “سلفادور دالي ” الذي وصل حدّ العظمة وهو يدرك تماماً أنه كان يتهاوى عند مشارف الجنون، وفي الشعر لعلّ “بودلير ” الذي اختار الانتحار ليواجه تناقضات المجتمع الموجعة التي أدخلته في غياهب العتمة الروحية وأقفلت عليه في زنزانة الكآبة دون أن يجد ملاذاً منها حتى في الشعر الذي قاده إلى مطبّ قضائي ومحاكمة علنية بعد نشره لمجوعته الشعرية الأشهر “أزهار الشرّ “، أمّا في الفلسفة فقد بالغ “سيغموند فرويد” في تسويق أفكاره من خلال تطبيقات عملية لتنشيط اللاوعي على حساب الوعي والواقعي، من خلال علاقاته وممارساته المباشرة مع المرضى كطبيب نفساني، معتمداً على مفهوم “الجنس ” كمنطلق لمعظم السلوكيات الإنسانية إن لم نقل لجميعها، بكل ما فيها من سلبيات أو أيّة إيجابية تُذكر، وسرعان ما وجدت أفكار فرويد مرتعاً للكثير من المُحْدِثين والمحلّلين للنصّ الأدبي كقاعدة أساسية لبناءاتهم النقدية بتفكيك النصّ وقراءة ما خلف السطور، ولعلّ أبرز الأعمال الموسيقيّة التي تختزل الأبعاد السريالية للذهنية الماجنة هو الأوبريت الموسيقي الأشهر للمؤلف الألماني “كارل أورف ” الذي لم يحظَ بشهرٍة واسعة كرّست اسمه إلى جانب الموسيقيين المعروفين كمؤلفي سيمفونيات لهم مكانتهم الأبرز في الثقافة الموسيقية على مرّ الأجيال كموتسارت وبيتهوفين وباخ وغيرهم، إلا أن أوبرا “كارمينا بورانا ” العمل الموسيقي الذي يجسّد بالتصادم النغمي إن صحّ التعبير بين المقامات اللحنية الخافتة مرّة، والتصعيدية غالباً والتي بوسعها أن تتسلّل إلى ذهن المستمع وتبثّ فيه طاقة كما وصفها بعض النقاد أنها “شيطانية ” هائلة تكاد في لحظات درامية من التصعيد اللحني أن تصل بالمتلقي حدّ الهستيريا طبعاً في حال الإصغاء التام والتركيز في الموسيقا لدرجة التماهي، وهذه الموسيقا العبقرية بصخبها التحريضي وليدة قصائد قديمة قوامها البحث عن المستباح في الحب لبلوغ أعمق مدارك اللذّة..
ولعلّ الشاعر والناقد العراقي المعروف والمستمر بذات الدأب والجديّة ” عبد القادر الجنابي ” وحده من تصدّى لأدونيس بتعرية فكر أدونيس، والخوض في التباسات الطرح والمقاربة بكتيّب وليس كتاباً لأنه لا يتجاوز ال55 صفحة من القطع الوسط الصادر عن دار الجديد اللبنانية، وهو بعنوان “رسالة مفتوحة إلى أدونيس في الصوفية والسوريالية ومدارس أدبية أخرى “، وقد وضع عدة أصابع على مآخذ الجنوح في فكر أدونيس الذي يسعى بإقناع القارىء العادي على أنها جموح مفكّر فذّ لا يشقّ له غبار، إلا أن الجنابي الذي لا يقلّ ثقافة وحضوراً عن أدونيس في المشهد الثقافي، لم يستطع هضم اللامنطق الوارد في إصدار أدونيس، تماماً كما أنّ الجنابي لم يستطع التواطؤ مع أدونيس ضد ذاته كمثقّف ومبدع وناقد وكاتب وصحافي وشاعر ومهتم في الشأن الثقافي ومتابع حَذِق لا تنطلي عليه أية بدعة من بدع أدونيس المعرفية حيث نقتطف للجنابي ما يلي: والآن يا أحمد علي سعيد، غذا كان فعلاً أبو نواس هو بودلير العرب، وأبو تمّام هو مالارميه العرب، كما جاء في مقدمتك للشعر العربي، وإذا كانت الصوفية هي رامبو العرب وسورياليتهم، كما يفهم من كتاباتك الصوفية والسوريالية، وإذا سلّمنا معك بأنّ “القارىء العربي لو قرأ كتابات النفّري وأشعار أبو نواس لما احتاج إلى قراء قصيدة النثر الغربية “- /كما جاء في تصريح لك – بعبارة أخرى إذا كانت ثقافة قدماء العرب قد احتوت –برأيك – سَلَفَاً كلّ معالم الحداثة الأوربيّة، فما حاجة عرب اليوم إلى شاعر من –طرازك.. !!
في كل ما سيق أعلاه هو محاولة جدّ بسيطة لكشف النقاب عن مجالين مختلفين جملة وتفصيلاً، سواء بالتوثيق العلمي البحت من خلال أبحاث ونظريات وأحكام فكرية موثّقة كقواعد مطلقة غير قابلة للنقاش يصعب جداً حصرها في مقال محدود المساحة والأبعاد، أو كرؤية ذاتية من خلال رصد الإنحدار الاجتماعي الحاصل في الراهن المُعاش، وتدهور القيم والمثل والمبادىء، في ظل انقلابات سياسية، وتوترات عسكرية، ومحاصصات دولية، وإعادة ترتيب مهام ومصالح المعسكرين الأميركي والروسي في ظلّ تنامي القوّة الإيرانية، اللاعب الإضافي في حلبة الصراع العربي×العربي، والعربي× الإيراني، والعربي× الإسرائيلي، وجميع هذه الصراعات تُهدّد أمن وسلام المنطقة العربية بعمومها، والتي وجدت لدى أدونيس بعض الاستثناءات من الإسرائيليين ليلتقي بهم ويروّج لطوبايتهم، متغاضياً عن أنّ وجود بعض الإسرائيليين المعارضين للكيان الصهيوني ما هو إلا صورة بروتوكولية لبروبوغاندا مفتعلة مفادها أن إسرائيل البلد الديموقراطي الوحيد وسط مرتع هائل للدكتاتوريات المتعاظمة في المنطقة والتي تفقد صدقيتها واحترامها تباعاً في نظر شعوبها التي عرفت الانتفاضة معوّلة على إسرائيل كأول منقذ لمحي هذه الدكتاتوريات ولم تكن هذه الشعوب المغُرر بها تدرك أن مسألأة الديموقراطية وأوهام الحرية ما هي إلا طُعُم رماه الإسرائيلي بشراكة أميركية أوربية عربية لتفريغ المنطقة وبسط الهيمنة بكل أنواعها الممكنة، والغريب أن أدونيس المُدان بتصريحات عدّة حول بعض الصهاينة المعتدلين، لم يدخل تحت مجهر النظام السوري الذي يتقن فنون الحساب والتدقيق حتى على “النوايا ” قبل إشهارها، بينما أدونيس مشفوعاً بإسمه وغربته الباريسية يحقّ له الدفاع عن الصهيونية المعتدلة كما سبقه محمود درويش الدفاع بالمثل بالعديد من اللقاءات والتصريحات والحوارات والقصائد ومثله فعلت فدوى طوقان التي امتدحت الصهيوني الإسرائيلي المحتل اعتباراً من موشي دايان وزير الحرب على فلسطين وانتهاء بكل أديب ومثقف وشاعر ومحامي وربما مصفف شعر عرفته طوقان لم تتردّد في الإتيان على ذكره في كتاب مذكراتها بجزئيه “رحلة جبلية ” و”الرحلة الأصعب” وهذا موثّق في كتابي الصادر في بيروت عن دار الهادي في 2001 والطبعة الثانية 2002 بعنوان “إسرائيليات بأقلام عربية – الدسّ الصهيوني ” والذي قوبل بزلزال غضب لا تزال تردداته حتى يومنا هذا من الرفض والإستنكار، لأنه لم يسبق لأي كاتب أو ناقد استطاع أن يتجرأ على المكرسين بالتعرّض إلى مواقفهم المتناقضة بين النظري والعملي، وهنا السؤال الذي لابدّ منه إذا كان بوسع الرموز انتقاء الكثير من الإسرائيليين المثاليين كما صرّحت طوقان عن طوباوية موشي دايان ومعه عشرات الشخصيات الإسرائيلية، وأيضاً عرفنا مثاليات وإنسانية وزير الثقافة “يوسي ساريد ” على لسان محمود درويش ومعه عشرات الشعراء المقربين إلى ذاته الشعرية، وأيضاً مرّ عبر جميع الرقابات القائمة والتي تدّعي الحرص والملاحقة، فهل يجب علينا أن نحمل وبال من تبقّى خارج قوائم هذا المثقف وذاك، لنخوض حرباً بالنيابة عمن يروّج بعلنية تصل إلأى أسماع الأنظمة المتورّمة في عدائها ضدّ الصهيونية وضد كلّ من يفكّر حتى عن تفاصيل الصراع المزمن مع الإسرائيلي المتغلغل في المنطقة، في حين أن العلاقة مع الرموز تحتمل كل وجهات النظر، متى سيصبح المنطق سيد العلاقة بين مثقّف الداخل والسلطة، كما هو شائع بين مثقفي الخارج وذات السلطة؟..
أسئلة كثيرة كان بودّي أن اصبّها دفعة واحدة فوق هذه السطور المتاحة، إلا أن الإجابات ستبقى معلّقة حتماً، لأنّ أدونيس يتمتّع بحرية الطرح، ونحن محكومون بالتلقّي فقط، كما جرت العادة.
4,027 total views, 5 views today
Hits: 313