الـمكونات الـمادية للمطبوعات العمانية القديمة وتطورها
د. خالد بن سليمان بن سالم الخروصي
كاتب وباحث
الـمقدمة:
تعد الــمطبوعات بشكل عام صنعة أوروبية ولا علاقة للعرب فيها؛ بل نقلوها بحذافيرها من الغرب، بعكس الـمخطوطات التي تعد صنعة عربية بامتياز، حيث كان الأوروبيون ـ قبل صناعة الورق ـ يعتمدون على الكتابة في الرقوق لعدم انتشار صناعة الورق لديهم بشكل واسع. وعند اختراع آلة الطباعة في ألـمانيا عام 1450م ؛ لم تستطع مصانع صناعة الورق الأوروبية ــ الـمحدودة جدًا ــ مواكبة طلبات الورق من قبل الـمطابع التي انتشرت بشكل واسع؛ لأن الورق القديم (الأصلي) الذي كانت تكتب عليه الـمخطوطات كان يصنع من الكتان والقطن والقنب، وطبيعة صناعته تتطلب وقتــــًا وهي ذات جودة عالية ومكلفة جدًا في الوقت ذاته. ولـمضاعفة إنتاج الورق لتلبية الطلبات المتزايدة؛ تم ابتكار الطريقة الميكانيكية لصناعة الورق التجاري، أي صناعة الورق بشكل آلي بكميات تجارية كبيرة؛ حيث اعتمد الأوروبيون على الطباعة في الأوراق التجارية التي انتشرت في جميع دول العالم انتشارًا واسعًـا، وتم استعمال الحبر الحديدي في عمليات طباعة الـمطبوعات. فكانت الشجرة بكل ما فيها من شوائب تُدخل في آلات فرم وتُخرج ورقــــًا؛ وكان هذا الورق حامضيًا مملوؤًا بالخشب – اللجنين- وهو قابل للتلف السريع. لذلك كانت أوراق القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أوراقا تجارية بامتياز وطبعت فيها أهم الكتب وتلفت كميات هائلة منها في جميع دول العالم وخصوصًا في أوروبا. وسوف تناقش هذه الورقة الـمكونات الـمادية للمطبوعات العمانية وتطورها فقط، وتجنب مناقشة أية جوانب أخرى التي سيتم مناقشتها في الأوراق الأخرى من الـمؤتمر.
الـمكونات الـمادية للـمطبوعات القديمة:
تتكون الـمطبوعات العمانية القديمة بشكل عام من ثلاثة عناصر رئيسة، هي: الورق والجلد والـمداد.
الورق: عادة ما يكون ورق الـمطبوعات القديمة ورقـــًا تجاريــًا يتكون من اللـجـنـين وهو لحاء الشجر أو قشوره؛ ويعرف اللـجـنـين على أنه إحدى إصابات الورق التي تظهر على شكل بقع بُنية اللون يتم علاجها في مرحلة الـمعالجة وهي إحدى مراحل صيانة الكتب. ولا تُصاب الـمخطوطات عادة بهذه الإصابة نظرًا إلى أن ورق الـمخطوطات ذا جودة عالية؛ تم صناعته من القطن والكتان والقنب وليس جذوع الشجر المليء بالشوائب.
الجلد: كانت معظم الـمطبوعات القديمة تخرج من الـمطابع بجلد ورق كرتوني يتراوح سمكه بين 135 إلى 500 جم. وقليل منها كان يتم تجليده في الـمطابع بغلاف سميك وهو ما يمكن التعبير عنه بالطبعات الخاصة. وانقسمت الطبعات الخاصة إلى عدة درجات كل درجة أجود وأكبر تكلفة من الطبعة الأخرى. وابتدأت الطبعات الفاخرة بما كان مجلدًا بغلاف سميك مُغطى بقماش أو كتان بدون زخارف أو طباعة للعنوان، ثم تأتي بعد ذلك نفس ذلك مع إضافة جلد طبيعي في منطقة الكعب لتقوية منطقة الكعب المعرضة للتفكك عند كثرة التقليب، بعدها يتم إضافة ظلوع في الكعب للتزيين، بعدها يتم كتابة العنوان على منطقة الكعب، بعد ذلك يتم كتابة العنوان في غلاف الكتاب بالإضافة إلى الكعب، بعدها يتم إضافة لسان لحماية أطراف الورق الأمامي، بعدها يتم تركيب ورق الزخرفة الرخامية) إيبرو) كقميص للكتاب؛ وذلك لإضفاء لمسة جمالية عليه. ثم بعد ذلك يتم إضافة زخارف على الكتاب بدلاً من العنوان للتشبه بالـمخطوطات وهي أعلى مراحل تجليد الـمطبوعات.
الـمداد: استعمل الحبر الحديدي في طباعة الكتب؛ وكانت تستخرج من أكسيد الحديد، وهي أحبار تمتاز بخاصية ثباتها ولكن سلبيتها تكمن في أنه بارتفاع درجة الحرارة فإنها تتفاعل مع الورق مؤدية إلى ثقب مكان الكتابة. وفي حال ارتفاع الرطوبة فإن هذه الأحبار تظل ثابتة ولا تتأثر بعكس الأحبار الحجرية التي تتمدد محدثة هالة نتيجة ارتفاع الرطوبة.
القرائن التي تدعم أن الكتب الـمطبوعة صنعة غربية:
هناك عدة قرائن يمكن أن تعد بصمات غربية واضحة في صناعة الـكتب الـمطبوعة، وهي:
ضلوع الكعب: وكان يتم عملها لتزيين منطقة الكعب وتدعيمها ضد الصدمات.
ورق الإيبرو :ويعرف كذلك بورق الزخرفة الرخامية، وقد بدأ في عصر السلاجقة وانتشر في إيران والصين ووصل إلى الغرب عن طريق تركيا، وكان الشرقيون يستعملون الألوان الـمائية لعمل ورق الإيبرو، وقد صنع الغرب هذا النوع من الزخارف عن طريق الألوان الزيتية.
طريقة الخياطة :بعكس صناعة الـمخطوطات العربية؛ قام الغربيون بنشر الكتب بمنشار تمهيدًا لخياطتها في مكان النشر؛ وذلك عن طريق إدخال إبرة الخياطة وتمرير خيوط ترص الـملازم الورقية. وهي طريقة تجارية تهدف إلى العمل السريع. بينما عمل العرب على خياطة الـمخطوطات بالخياطة العربية بدون نشرها.
التذهيب :قام الغربيون بتذهيب الـمطبوعات حراريــًا، بينما قام العرب بختم الـمخطوطات؛ عن طريق صناعة قوالب من الـمعدن وضغطها في جلد ماعز مدبوع لنقل تلك الزخارف إلى الكتاب.
الـمخلع :تم عمل مخالع الكتب الـمطبوعة من نفس ورق القميص؛ بينما عمل الشرقيون مخالع الـمخطوطات من نفس جلود الغلاف بعد حفها؛ وذلك لتحمل أكبر قدر من فتح الغلاف وإغلاقه بدون انقطاع الـمخالع.
بشكل عام، تعد هذه الـمطبعة يدوية وتقليدية بامتياز وليست آلية، وهي تأخذ جهدًا ووقتًــا وتكلفة مادية حتى يخرج الكتاب منها مطبوعًا ومجلدًا. يمكن اعتبارها مطبعة للأعمال الفنية التي تخرج إصدارات خاصة وفاخرة؛ وسلبية في هذه الطريقة البطىء الشديد في إخراج الكتب. ويسند هذه الفرضية في رسالة أرسلها السلطان برغش بن سعيد (1287هـ ــ 1305هـ / 1870م – 1888م) إلى الملك الخديوي توفيق ملك مصر (1296 هـ ــ 1309هـ / 1879م ــ 1892م) عام 1304هـ/ 1887م، يطلب منه فيها تسهيل الإجراءات القانونية الخاصة بطباعة كتاب قاموس الشريعة؛ وذلك بسبب بطئ طباعة الـمطبعة السلطانية إذ لم تخرج سوى اثنا عشر جزءًا من ضمن تسعين جزء (أرشيف زنجبار، بدون رقم. وثيقة حصل على نسخة منها الشيخ الباحث سلطان الشيباني).
والدليل الآخر الذي يثبت صحة فرضية أن الـمطبعة السلطانية كانت مطبعة فنية تركز على جودة الإخراج وليس على سرعة الإنتاج ما استنتجه الشيخ سلطان الشيباني بأن كتاب قاموس الشريعة الجزء الأول، وهو باكورة إصدارات الـمطبعة السلطانية الذي تم طباعته عام 1298هـ / قد تم طباعته أربع مرات بصف أحرف مختلف، فكان يتم طباعة نسخ محدود في كل مرة، ثم يطبع بعد مدة نفس الكتاب بصف أحرف مختلف (مقابلة، الشيباني، سلطان بن مبارك، 8 أغسطس 2018، مسقط.)
دراسة لـنماذج من الـمطبوعات العمانية القديمة:
هذه نماذج من الـمطبوعات العمانية تم دراستها لورقة العمل هذه، وقد تم انتقاؤها لتكون متنوعة طباعة وتجليدًا وتاريخــًا ومكانـــًا؛ وذلك للخروج بفكرة موسعة عن الـبُـنية الـمادية للـمطبوعات العمانية القديمة.
العنوان :قاموس الشريعة
الـمؤلف :الشيخ جميل بن خميس السعدي
مكان الطباعة :زنجبار ــ الـمطبعة السلطانية
سنة الطباعة :1304هـ/ 1887م
الوصف الـمادي: نموذج لتجليد الـمطبعة السلطانية، من الخارج الدفتان الأمامية والخلفية، ويظهر فيها الطابع الغربي للتجليد ويتجلى ذلك في الضلوع، وهي خطوط بارزة في الكعب تربط بين الغلاف الأمامي والخلفي، وتستعمل للزينة بالإضافة إلى حماية الكعب من الصدمات، بالإضافة إلى الزخارف الغربية التي تم تذهيبها على الغلاف بطريقة الطبع الحراري، كما تم عمل إطار بني أنيق يحدد أطراف الكتاب. وتم إضافة هوية عمانية للغلاف وتجلى ذلك في اللون الماروني (الأحمر القان) وهو لون الغلاف بالجلد الطبيعي، وهو اللون الأساسي لسلطنة زنجبار، هذا إلى جانب ختم السلطان في وسط الدفتان الأمامية والخلفية. وبشكل عام فإن هذا الغلاف مكلف للغاية ولا يستعمل إلا كإهداءات خاصة لكبار الشخصيات والـمقربين من السلطان. وقد صدرت جميع إصدارات الـمطبعة السلطانية بهذا التجليد سواءً بلسان للكتب الكبيرة أو بغير لسان للكتب الأصغر، ويبدو الطابع الأوروبي للتجليد واضحــًا.
تابع الوصف الـمادي:
أما قميص الكتاب، فهو مغطى بورق الإيبرو، الـمعروف بورق الزخرفة الرخامية، وبعد فحصه تبين أنه ورق إيبرو أصلي تم صناعته في أوروبا، وبالتحديد سواءً في فرنسا أو بريطانيا. وهو صنعة غربية بامتياز، إذ وعلى الرغم من أن منشأ هذا الورق شرقيــًا، وانتقاله إلى الغرب عن طريق إيران ثم تركيا، إلا أن العرب لم يستعملوه في تجليد كتبهم. وبشكل عام يتبين بأن هذا الورق مكلف؛ وعادة ما يتم استعماله لتقميص النسخ الفاخرة من الكتب.
تابع الوصف الـمادي:
يتبين أن ورق كتب الـمطبعة السلطانية هو ورق تجاري، الذي كان سائدًا في ذلك الورق، وتسبب استعماله في تدمير الجانب الأكبر من الكتب التي تم طباعتها في ذلك الوقت لحامضيته واحتوائه على كميات كبيرة من الخشب. كما أن قميص الكتاب من نوع آخر؛ وهو أسوأ من ورق الكتاب وأقل جودة.
وبشكل عام، يعد عمل الـمـطبعة السلطانية مكلفــًا للغاية بسبب أن التجليد السميك الفاخر الذي كان يتم في الـمطبعة، بالإضافة إلى تكلفة ورق الإيبرو الأصلي بالإضافة إلى الزخارف الـمذهبة.
العنوان :صدقات الحكم في لطائف النعم
الـمؤلف :الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي
مكان الطباعة :الهند ــ مومباي
سنة الطباعة : 1309هـ/ 1892م
الوصف الـمادي :كتاب مطبوع بعملية النسخ بالخط اليدوي، ثم تم طباعة نسخ منه، وهو الـمعروف بالطباعة الحجرية. كما تم عمل نفس طريقة الطباعة للـمطبوعات الخاصة لتبدو وكأنها مخطوطات. وقد تم التجليد بواسطة جلد الـماعز الطبيعي مما يوحي بأهمية الكتاب وأن النسخة فاخرة. كما تم ختمه بختم الطغرائية السلطانية مكتوب بوسطها عبارة )يا فتاح مكررة) بأسلوب فني. ويبدو بأن هذه النسخة هي النسخة السلطانية.
العنوان :مشارق أنوار العقول
الـمؤلف :الشيخ عبدالله بن حميد السالمي
مكان الطباعة :مصر ــ مطبعة الجريدة “الـمحروسة”
سنة الطباعة : 1314هـ/ 1896م
الوصف الـمادي :تم تجليده لاحقا بسبب أهمية الكتاب لصاحبة أو أراد أن يهديه لإحدى الشخصيات الـمهمة؛ لأن هذا النوع من التجليد بالجلد الطبيعي بالختم عن طريق الضغط مكلف جدًا، وهو تجليد مطابق لتجليد الـكتب الـمخطوطة.
العنوان :اختصار الأديان لتعليم الصبيان
الـمؤلف :الشيخ علي بن محمد الـمنذري
مكان الطباعة: مصر ــ الـمطبعة الأمينية البارونية
سنة الطباعة : 1318هـ / 1900م
الوصف الـمادي :نموذج للتجليد العادي للـمطبوعات، ويلاحظ خفة الغلاف، إذ يتكون من ورقة أكبر سمكًا بقليل من أوراق الكتاب، وكان يتراوح سمكها بين 100 إلى 1000 جرام. كما لا يتم وضع قميص للكتاب في بعض الأحيان، ولا يتم الطباعة في الغلاف في أحيانًا أخرى؛ كل ذلك لتقليل التكلفة.
العنوان :أبي مسألة
الـمؤلف :الشيخ أحمد بن محمد بن بكر
مكان الطباعة :زنجبار ــ الـمطبعة السلطانية
سنة الطباعة : 1318هـ / 1900م
الوصف الـمادي :تم التجليد باستعمال ورق الزخرفة الرخامية (ورق إيبرو) لدفتي الكتاب، أما منطقة الكعب والزوايا؛ فقد تم استعمال القماش لإضفاء حيوية على الكتاب بالإضافة إلى تقوية هذه الأماكن التي تتعرض للتلف الأكبر عادة.
العنوان :الجامع الصحيح
الـمؤلف :الشيخ عبدالله بن حميد السالمي
مكان الطباعة :مصر ــ مطبعة الأزهار البارونية
سنة الطباعة : 1326هـ/ 1908هـ
الوصف الـمادي :نسخة فاخرة من الكتاب، بجلده الأصلي، تم تجليده بقماش كتان مزخرف عن طريق ضغط الزخارف بطريقة شبيهة بزخرفة غلاف الـمخطوطات، كما تم عمل لسان للغلاف. تم خياطته بطريقة خياطة الـمطبوعات عن طريق النشر بالـمنشار ثم الخياطة اليدوية.
العنوان :تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان
الـمؤلف :الشيخ عبدالله بن حميد السالمي
مكان الطباعة: مصر ــ القاهرة ــ مطبعة الإمام
سنة الطباعة : 1330هـ/ 1912م
الوصف الـمادي: تم تجليد هذا الكتاب في الهند، وهو ليس التجليد الأصلي؛ تم تجليده في ورشة تجليد بالبلاستيك للمحافظة عليه ، كما تم تجليد الكعب والزوايا بالجلد مع التذهيب، وإضفاء لـمسة عمانية عليه وهي النخلة التي طبعت في الكعب.
العنوان: كتاب جامع أركان الإسلام
الـمؤلف :الشيخ ناصر بن سليمان الخروصي
مكان الطباعة :مطبعة الآداب
سنة الطباعة : 1331هـ/ 1913م
الوصف الـمادي :الغلاف كرتوني، سميك ملون، والكعب قماش ملون، الأوراق خشب حامضية كحال جميع أوراق الـمطبوعات في ذلك الوقت.
العنوان :تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان
الـمؤلف :الشيخ عبدالله بن حميد السالمي
مكان الطباعة: مصر ــ مطبعة القاهرة
سنة الطباعة : 1332هـ/ 1914م
الوصف الـمادي :تم طباعة هذا الكتاب عن طريق الطباعة الآلية، وهي عملية أسرع وأوفر وأحدث من طريقة صف الحروف. كما تم الجليد باستعمال جلد طبيعي في منطقة الكعب والكتان لتغطية الدفتين.
العنوان :الدرر الـمنتقا وسلم الارتقا
الـمؤلف: عامر بن سليمان الازكوي
مكان الطباعة :الأردن ــ نابلس ــ منطقة النصر التجارية
سنة الطباعة :القرن 13هـ/ 20م
الوصف الـمادي :تم طباعة هذا الكتاب عن طريق الطباعة الآلية وهي أسلوب أحدث من أسلوب صف الحروف. كما تم الجليد باستعمال القماش في منطقة الكعب لإعطاء الكتاب الـمرونة والـمتانة، كما تم طباعة الغلاف على كرتون مقوى بطريقة الطباعة الآلية.
العنوان: سلك الدرر الحاوي غرر الأثر
الـمؤلف: الشيخ خلفان بن جميل السيابي
مكان الطباعة: مصر ــ مطبعة دار الكتاب
سنة الطباعة: 1380هـ / 1961م
الوصف الـمادي: جلد سميك مصنوع من الكتان، وهو تجليده الأصلي حيث تم الطباعة عليه. كما تم خياطة الـورق بأسلوب النشر الخاص بخياطة الـملازم الورقية للكتب الـمطبوعة في ذلك الوقت.
العنوان :الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل
الـمؤلف :الإمام محمد بن عبدالله الخليلي
مكان الطباعة :سوريا ــ دمشق
سنة الطباعة : 1385هـ / 1965م
الوصف الـمادي :تم تجليده لاحقًــا للمحافظة عليه بجلد سميك تم تجليده بالكتان، كما تم تجليد الكعب بجلد الـماعز الطبيعي وإضافة الضلوع وكتابة عنوان الكتاب بملقط حروف حراري.
خطأ ورش التجليد الجسيم:
لا تقوم الـمطابع بعمل التجليد للكتب؛ وإنما تقوم به ورش تجليد صغيرة. ويهدف أصحاب الكتب بعمليات التجليد المحافظة على كتبهم من التلف وحمايتها من مسببات التلف من جهة، أو بقصد إهداءه إلى بعض الشخصيات الـمهمة من جهة أخرى. إن أسوأ شيء قامت به معظم ورش التجليد هو ثقب ملازم الورق بمثقاب ورق بطريقة سيئة للغاية لم تقم بها أي مطبعة من الـمطابع. ويعود السبب في ذلك إلى أن معظم الـمجلدين متخصصين في صناعة وتلبيس الغلاف ولم يكونوا متخصصين في خياطة الـملازم الورقية التي تأخذ وقتـــًا وجهدًا ومهارة عالية. لقد خرجت جميع الـمطبوعات من الـمطابع مُخاطة بطريقة صحيحة تسهل معها فتح الورق مهما كان الـكتاب سميكــًا. صحيح أنه تم ثقب الورق عن طريق النشر وهو ما لم يتم عمله في الـمخطوطات؛ وهدف ذلك إلى تسهيل وتسريع مهمة الخياطة، ولكن وعلى الرغم من ذلك لم تتأذى الـمطبوعات مثلما تأذت بطريقة ثقب الـملازم بمثقاب خشب؛ والنتيجة عدم المرونة في تقليب الورق وتكسر الورق في منطقة الخياطة بعد مدة. إن إصلاح الضرر الذي تسبب به هؤلاء الـمجلدين لا يتم إلا بترميم الـمطبوعات بطريقة عاجلة؛ وذلك عن طريق فك تجليدهم الخاطىء ثم ترميم الثقوب التي أحدثها الثقب، بعدها يتم خياطة الـملازم الورقية بالطريقة التي خرجت منها الـمطبوعات من الـمطابع. كما قام هؤلاء الـمجلدين بعمل نفس الطريقة عند التعامل مع الـمخطوطات فكانت النتيجة أشد إيلامــًا.
برز عدد من الـمجلدين العمانيين جلدوا الكتب بهذه الطريقة الخاطئة، ويُلتمس لهم العذر لأن هدفهم كان الـمحافظة على الكتب وعدم وجود الـمعرفة اللازمة لخياطة الملازم والتجليد الصحيح، وهو أقصى ما وصل له علمهم في هذا الـمجال. وبالتأكيد سيتناول زملائي الذي يغطون الجوانب الأخرى للندوة أسماء هؤلاء الـمجلدين.
الخاتمة:
يتضح بأن جميع طرق الطباعة والتجليد الخاص بالمطبوعات هي طرق أوروبية بحته نقلها العرب إلى بلدانهم. لقد واكب اختراع آلة الطباعة في طلبــًا كبيرًا على الورق؛ ولم تتمكن مصانع الورق القليلة جدًا التي كانت متواجدة في أوروبا من تلبية الطلب؛ فتم ابتكار طرق سريعة وتجارية وغير ذات جودة لصناعة الورق عن طريق (فرم) الأشجار وتصنيع الورق بعد أن كانت ورش صناعة الورق التي سبقت ابتكار آلة الطباعة تقوم بصناعة الورق من القنب والكتان والقطن، وهي نباتات نقية ذوات ألياف طويلة ولا تصاب بالحموضة بسهولة وتخلوا من الخشب) اللجنين).
لذلك فإنه يمكن القول بأن أهم الـمطبوعات ليست العمانية فحسب، وإنما في العالم أجمع قد تم طباعتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والقرن التاسع عشر هو القرن الذي ظهرت فيها أوائل الـمطبوعات العمانية، أصيبت بالأمراض لأنها بنيت من خلايا مصابة بعدة أمراض أبرزها الخشب (اللجنين) وقابلية إصابتها بالحموضة بسهولة كما ساهمت ورش التجليد التي انتشرت لتجليد الكتب في تخريب كم كبير من هذه الـمطبوعات عن طريق ثقب الـمجلدين لكعب الورق عن طريق استعمال مثقاب خشب يدوية، وخياطته بخيط سميك بعكس خياطة الـمطابع الأفضل حالاً. ونتج عن ذلك فقدان مرونة تقليب الكتب وتكسر ملازم الورق، علمـًا بأن الـمطبوعات القديمة لم تخيط بالآلة أبدًا بل كانت عملية الخياطة عملية يدوية بشكل كامل.
لقد كانت تجربة الـمطبعة السلطانية رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ ويعتقد الباحث بأن الصعوبات التي اكتنفت العمل كانت تتمحور حول ارتفاع تكلفة الـمطبوعات بسبب الجودة العالية الـمتعلقة بالتجليد والتقميص. حيث كانت التجليد يتم عن طرق استعمال ورق كرتوني سميك مغطى بجلد ماعز طبيعي مذهب ببعض الزخارف وبختم السلطان، كما كان التقميص يتم عن طريق استعمال ورق إيبرو أصلي )ورق الزخرفة الرخامية(؛ كل هذا ضاعف التكلفة. ويعتقد الباحث بأن تكلفة التجليد تكاد توازي تكلفة طباعة متن الكتاب، هذا من جانب، ومن جانب آخر يتضح من خلال الصورة الوحيدة التي وصلت إلينا للمطبعة بأن إخراج الكتاب كان يتم بطريقة يدوية خالصة بدون استعمال أية آلات علمـًا بأن الطباعة في ذلك الوقت كانت أكثر تطورًا، ويدعم ذلك كله رسالة السلطان برغش إلى الخديوي توفيق ملك مصر الذي تذمر من خلالها من بطىء عمل الـمطبعة السلطانية في طباعة كتاب قاموس الشريعة . ربما لم تخضع الـمطبعة السلطانية لتطوير جذري حيث كانت تقنيات الطباعة تتطور بشكل مطرد في ذلك الوقت؛ بل استمرت باستعمال نفس الأدوات والـمعدات والطرق التقليدية البدائية. ويمكن القول بأن الـمطبعة السلطانية كانت مطبعة فنية بامتياز أكثر من كونها مطبعة تركز على الكم وإنما كانت تركز على الكيف؛ فأخرجت بذلك كتبـًا عالية الجودة في التجليد، وفي الـمقابل كان الإنتاج قليلاً وبطيئــًا من جهة وذا تكلفته مرتفعة من جهة أخرى.
التوصيات:
في نهاية هذه الورقة وبعد دراسة عدد من الـمطبوعات العمانية التي طبعت في أماكن وأزمنة متنوعة؛ يرفع الباحث التوصيات الآتية:
1. وقف وتحريم التجليد التخريبي عن طريق ثقب الـملازم الورقية.
2. يتم صيانة جميع الـمطبوعات الـمهمة بشكل عاجل التي تم تجليدها من قبل بعض ورش التجليد بالطريقة التخريبية، وعدم استعمالها فتحًا وتقليبـًا حتى يتم صيانتها؛ لكي لا تتعرض أوراقها للكسر كأولوية قصوى. وفي حال لم تتيسر الإمكانات الـمادية يقترح الباحث وضع الـمطبوعات الـمُخربة في صناديق حفظ وتخزينها في مكان يتمتع بمناخ مناسب حتى تتوفر الإمكانات الـمادية لصيانتها.
3. كأولوية ثانية؛ يتم صيانة جميع الـمطبوعات التي تم إخراجه في القرن التاسع عشر الـميلادي ولو لم يتم تجليدها بالطريقة التخريبية؛ وذلك بسبب سوء جودة الورق الـمستعمل وإصابات الحموضة واللجنين العالية بها. وإن لم تتيسر الإمكانات الـمادية يتم حفظها بطريقة حفظ قياسية حتى يحين وقت صيانتها، ويمنع التعامل معها إلا عند الحاجة الماسة لذلك وبحرص شديد.
4. إجراء دراسات مستفيضة حول كل بند من بنود ورقة العمل هذه؛ بحيث يحلل كل جانب على حدة، مع الاستعانة بنماذج أكثر من الـمطبوعات العمانية. وتخصص دراسات مستقلة لتجربة الـمطبعة السلطانية في زنجبار كونها تجربة عمانية رائدة لطباعة الـمطبوعات العمانية. بعدها يتم دراسة الـمطابع العمانية الأخرى.
5. يتم دراسة كل الـمطبوعات العمانية التي صدرت من مطبعة معينة أو بلد معين دراسة مستقلة لـمعرفة البنى الـمادية لـمخرجات كل بلد أو إصدار على حدة.
——————————
المصادر:
الوثائق:
- أرشيف زنجبار، بدون رقم. وثيقة حصل على نسخة منها الشيخ الباحث سلطان الشيباني.
الـمقابلات:
- الشيباني، سلطان بن مبارك، 31 يوليو 2018، مسقط
- الشيباني، سلطان بن مبارك، 8 أغسطس 2018، مسقط.
الـمراجع:
- الشيباني، سلطان بن مبارك: تاريخ الـطباعة والـمطبوعات العمانية عبر قرن من الزمن. مسقط: ذاكرة عمان، 2015م.
4,098 total views, 2 views today
Hits: 375