د. سمر علي زليخة
كاتبة‭ ‬وباحثة


ما‭ ‬الذي‭ ‬حاجَ‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬العرفان‭ ‬بهذا‭ ‬الكمّ‭ ‬والكيف؟‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬دلَّ‭ ‬على‭ ‬وجوده؟‭ ‬بكلِّ‭ ‬تأكيد‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬اعتباطاً‭ ‬فكرياً،‭ ‬إذاً‭ ‬ثمة‭ ‬ناتجٌ‭ ‬فكريٌّ‭ ‬فنيٌّ‭ ‬عنه،‭ ‬دلَّ‭ ‬عليه،‭ ‬وقاد‭ ‬إلى‭ ‬دراسته‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة‭.‬

تحاول‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬رصد‭ ‬التجليات‭ ‬الفنية‭ ‬للعرفانية،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬الصوفي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الناتج‭ ‬الادبي‭ ‬الإسلامي‭ ‬الأخير‭ ‬للمعرفة،‭ ‬وعودةً‭ ‬إلى‭ ‬البدايات‭ ‬الفنية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬بصورةٍ‭ ‬فنية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬محاولة‭ ‬استنباط‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬الناجزة‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬الفني؛‭ ‬الشعري‭ ‬وسواه‭.‬

في‭ ‬دراسةٍ‭ ‬سابقة‭ ‬بعنوان‭ (‬العرفان‭)‬،‭ ‬عرضت‭ ‬الدراسة‭ ‬مفهوم‭ ‬العرفان‭ ‬المتصل‭ ‬اتصالاً‭ ‬مباشراً‭ ‬بالعقائد،‭ ‬وآلية‭ ‬ظهوره‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬جملة‭ ‬المقولات‭ ‬السابقة‭ ‬تلك‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬المصطلح‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬وصفاً‭ ‬نهائياً‭ ‬له،‭ ‬ولا‭ ‬تضع‭ ‬تعريفاً‭ ‬جامعاً‭ ‬مانعاً‭ ‬للعرفان‭ ‬والعرفانية،‭ ‬وسوى‭ ‬أنَّ‭ ‬العرفان‭ ‬طريقةٌ‭ ‬خاصَّة‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬الإله،‭ ‬كانتِ‭ ‬السُّبل‭ ‬الفنيَّة‭ ‬للتَّعبير‭ ‬عن‭ ‬النَّوع‭ ‬الخاصِّ‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬الإلهيِّة‭ ‬متنوِّعة‭. ‬ففي‭ ‬الصُّوفية‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬كان‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الصوفيّة‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الشَّرع‭ ‬والعلوم‭ ‬الشَّرعيَّة،‭ ‬وفريق‭ ‬يقول‭ ‬إنَّه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولا‭ ‬يتقيّد‭ ‬بالشَّريعة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عنها،‭ ‬ولا‭ ‬يتَّخذ‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬مطيَّةً‭ ‬للوصول‭ ‬إليها‭. ‬والاتّجاه‭ ‬إلى‭ ‬الصُّوفيَّة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتقيَّد‭ ‬بالشَّريعة‭ ‬أو‭ ‬بالعلم،‭ ‬أملاه‭ ‬عجز‭ ‬العقل‭ ‬و‭(‬الشّريعة‭ ‬الدّينيّة‭) ‬عن‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬العميقة‭ ‬عند‭ ‬الإنسان‭ ‬أملاه‭ ‬كذلك‭ ‬عجز‭ ‬العلم،‭ ‬فالإنسان‭ ‬يشعر‭ ‬أنّ‭ ‬ثمَّة‭ ‬مشكلاتٍ‭ ‬تؤرِّقه،‭ ‬حتّى‭ ‬عندما‭ ‬تحلُّ‭ ‬جميع‭ ‬المشكلات‭ ‬العقليَّة،‭ ‬والشَّرعيّة‭ ‬الدِّينيّة،‭ ‬والعلميّة،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تحلّ‭ ‬جميع‭ ‬المشكلات‭ ‬بواسطة‭ ‬العقل‭ ‬والشّرع‭ ‬والعلم،‭ ‬هذا‭ ‬الّذي‭ ‬لم‭ ‬يحلّ‭ (‬لا‭ ‬يحلّ‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬الّذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ (‬لا‭ ‬يعرف‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬الّذي‭ ‬لم‭ ‬يُقلْ‭ (‬لا‭ ‬يقال‭)‬،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يولّد‭ ‬الاتّجاه‭ ‬نحو‭ ‬الصّوفيّة،‭ ‬إذاً؛‭ ‬فإنّ‭ ‬حاجة‭ ‬الإنسان‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الوجوديّة‭ ‬الكبرى،‭ ‬حاجَتْ‭ ‬إلى‭ ‬الصّوفيّة‭ ‬الّتي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أصلها،‭ ‬ترتبط‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬خفيّ‭ ‬وغيبيّ1‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬نشأ‭ ‬مفهوم‭ ‬التّوحد‭ ‬ويشمل‭ ‬الشّعر‭ ‬الصّوفيّ‭ ‬الفلسفيّ،‭ ‬الّذي‭ ‬حمل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬بذور‭ ‬الرّفض،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يتخطَّى‭ ‬المطلقات‭ ‬السّائدة‭ ‬بدمج‭ ‬الإلهيِّ‭ ‬في‭ ‬الإنسانيِّ،‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬أنسنة‭ ‬الأوّل‭ ‬وتأليه‭ ‬الثّاني،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬من‭ ‬أقرّ‭ ‬بالانفصال‭ ‬الكلّي‭ ‬للإلهيّ‭ ‬عن‭ ‬الإنسانيّ2‭ ‬،‭ ‬فالشِّعر‭ ‬العرفانيِّ‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الفنّ‭ ‬والفلسفة‭ ‬والدّين،‭ ‬لذلك‭ ‬‮«‬‭ ‬لجأت‭ ‬الصّوفيّة‭ ‬بوصفها‭ ‬تجربةً‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المطلق‭ ‬إلى‭ ‬الشِّعر،‭ ‬في‭ ‬رفضٍ‭ ‬للتَّعبير‭ ‬الدِّينيِّ‭ ‬الشَّرعي‭ ‬الَّذي‭ ‬يرفض‭ ‬الشِّعر،‭ ‬ويضع‭ ‬حدَّاً‭ ‬فاصلاً‭ ‬نقيضاً‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الدِّين،‭ ‬وعبَّرت‭ ‬بالشِّعر‭ ‬عن‭ ‬أعمق‭ ‬ما‭ ‬لديها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الشّعر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬يستعمل‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬المطلق،‭ ‬ولقد‭ ‬رأت‭ ‬الصّوفيّة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الشّعريّة‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأولى‭ ‬للإفصاح‭ ‬عن‭ ‬أسرارها،‭ ‬ورأت‭ ‬في‭ ‬اللّغة‭ ‬الشّعريّة‭ ‬وسيلةً‭ ‬أولى‭ ‬للمعرفة،‭ ‬فالصّوفيّة‭ ‬ليست‭ ‬مجرّد‭ ‬حركة‭ ‬دينيّة‮»‬3‭ ‬؛‭ ‬إنّها‭ ‬حركة‭ ‬فنيّة‭ ‬أدبيّة‭ ‬لها‭ ‬نتاجها‭ ‬الأدبيّ،‭ ‬وخاصّةً‭ ‬الشّعري،‭ ‬‮«‬‭ ‬هكذا‭ ‬علينا‭ ‬أوّلاً،‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬الصّوفية،‭ ‬أن‭ ‬نهمل‭ ‬القول‭ ‬السّائد‭ ‬عنها،‭ ‬وأن‭ ‬نهمل‭ ‬بخاصّة‭ ‬التّأويلات‭ ‬المذهبيّة‭ ‬حولها‭ ‬وعنها‭ ‬‮»‬4‭ ‬؛‭ ‬فالتصوُّف‭ ‬هنا،‭ ‬مزيجٌ‭ ‬من‭ ‬المذهبِ‭ ‬والفنِّ،‭ ‬وبمعنى‭ ‬آخر؛‭ ‬هو‭ ‬التّجربة‭ ‬العرفانيّة‭ ‬في‭ ‬الرّؤية‭ ‬الفنيّة‭ ‬بالنّسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدّين،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الفنَّ‭ ‬هنا‭ ‬الأدب‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬ونثرٍ،‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬قيل‭ ‬إنّه‭ ‬ليس‭ ‬للتّصوّف‭ ‬مفهوم‭ ‬واضحٌ‭ ‬وتعريفٌ‭ ‬ثابتٌ،‭ ‬فإذا‭ ‬عُرِّف‭ ‬التّصوّف‭ ‬بالعرفان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المقصود‭ ‬منه‭ ‬ذلك‭ ‬التّصوّف‭ ‬الّذي‭ ‬أكثره‭ ‬زهد،‭ ‬بل‭ ‬التّصوّف‭ ‬الّذي‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفنّ‭. ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أنواع‭ ‬الفنّ‭ ‬مثل‭ ‬الشّعر‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬عناصر‭ ‬الجمال،‭ ‬فهناك‭ ‬في‭ ‬الشّعر‭ ‬جمال‭ ‬الكلمة،‭ ‬وجمال‭ ‬اللّحن،‭ ‬وجمال‭ ‬الموسيقى،‭ ‬وجمال‭ ‬الصّورة،‭ ‬والشّاعر‭ ‬صائغ‭ ‬يصوغ‭ ‬الجمال‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬والكلمات،‭ ‬وممّن‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ارتباط‭ ‬الدّين‭ ‬بالفنّ‭ ‬هيغل‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬إنّ‭ ‬الدّين‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يعبّر‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬أصدق‭ ‬تعبير‭ ‬في‭ ‬الشّامل،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬الشعر5‭ .‬

        ‬وارتباط‭ ‬الدِّين‭ ‬بالفنِّ،‭ ‬ليس‭ ‬مقصوراً‭ ‬على‭ ‬التَّجربة‭ ‬العرفانيّة‭ ‬الإسلاميّة،‭ ‬بعدِّ‭ ‬الشّعر‭ ‬المعبّر‭ ‬الأصدق‭ ‬عن‭ ‬الانفعالات‭ ‬والمواجيد‭ ‬والحالات‭ ‬الرّوحية،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تلمُّس‭ ‬البدايات‭ ‬الفنيَّة‭ ‬المرافقة‭ ‬للدِّين‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬الإنسان،‭ ‬فبعد‭ ‬انفصاله‭ ‬عن‭ ‬الطَّبيعة،‭ ‬إذ‭ ‬أشبع‭ ‬حاجاته‭ ‬الأوليَّة‭ ‬راح‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬إشباعٍ‭ ‬لحاجات‭ ‬روحيّة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬بوصفها‭ ‬ضرورةً‭ ‬مرحليّةً؛‭ ‬فالإنسان‭ ‬البدائيّ‭ ‬حين‭ ‬يحمّل‭ ‬الحجر‭ ‬أو‭ ‬الشَّجر‭ ‬قوى‭ ‬غيبيّة‭ ‬تفوق‭ ‬قدراته،‭ ‬يعني‭ ‬إقراراً‭ ‬بوجودِ‭ ‬مقابلٍ‭ ‬قويٍّ‭ ‬هو‭ ‬صانع‭ ‬الأشياء‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وبما‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الصّانع،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬صنع‭. ‬هذا‭ ‬التّجسيد‭ ‬العينيّ‭ ‬للأفكار‭ ‬الغيبيّة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعدَّ‭ ‬الطّور‭ ‬الأوّل‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬المعرفة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬حسّيٍّ‭ ‬فنيّ،‭ ‬ليس‭ ‬بمفهومه‭ ‬الفنّي‭ ‬الخالص،‭ ‬وإنّما‭ ‬بِعَدِّ‭ ‬التجسيد‭ ‬فكرة‭ ‬فنيّة،‭ ‬طوراً‭ ‬بدائيّاً‭ ‬في‭ ‬الفنّ،‭ ‬تم‭ ‬تهذيبه‭ ‬وإكمال‭ ‬نسجه‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬اللّاحقة‭ ‬للحياة‭ ‬الدّينيّة‭ ‬المترافقة‭ ‬بالفنّ‭ ‬في‭ ‬حضورها‭.‬

    ‬‮«‬‭ ‬إنّ‭ ‬فنّ‭ ‬الإنسان‭ ‬القديم‭ ‬يكشف‭ ‬التَّعجُّب‭ ‬الكبير‭ ‬إزاء‭ ‬معجزة‭ ‬الوجود‭ ‬العظيم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬إنسان‭ ‬العصر‭ ‬الحجريّ‭ ‬أن‭ ‬يحوّله‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬‮»‬6‭ ‬؛‭ ‬فالصّنم‭ ‬بوصفه‭ ‬حضوراً‭ ‬دينيّاً،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬صوغه‭ ‬الفنِّيّ‭ ‬كمنحوتة‭ ‬تعبِّر‭ ‬عن‭ ‬معتقدات‭ ‬عابديه؛‭ ‬فقد‭ ‬‮«‬كان‭ ‬الفنّ‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭  ‬البدائيّة‭ ‬القديمة‭ ‬يؤدّي‭ ‬وظيفة‭ ‬دينيّة‭ ‬مقدّسة،‭ ‬وقد‭ ‬ظلّ‭ ‬الفنّ‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الطّقوس‭ ‬زمناً‭ ‬طويلاً،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يوجد‭ ‬فنٌّ‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬فنَّاً‭ ‬دينيّاً؛‭ ‬فالفنّ‭ ‬إذاً‭ ‬ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬الدّين‭ ‬‮»‬7‭ ‬،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬الأساطير‭ ‬التاريخية‭ ‬القديمة‭ ‬حين‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الآلهة‭ ‬أنصاف‭ ‬إنسٍ‭ ‬وأنصاف‭ ‬حيوان،‭ ‬من‭ ‬المزج‭ ‬بين‭ ‬قوىً‭ ‬إنسانيّة‭ ‬وغيرها،‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعدَّ‭ ‬طوراً‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬التّشكيل‭ ‬الفنيّ‭ ‬الدّينيّ‭.‬

      ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬البدايات‭ ‬المدوَّنة‭ ‬تاريخيّاً،‭ ‬مع‭ ‬الحضارة‭ ‬السّومريَّة‭ ‬‮«‬‭ ‬نكون‭ ‬جدّ‭ ‬قريبين‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬التّاريخ‮»‬8‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬بقيت‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬السّومريّة‭ ‬‮«‬‭ ‬تحتوي‭ ‬بعض‭ ‬الألواح‭ ‬المحطّمة‭ ‬مراثي‭ ‬ذات‭ ‬قوّة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬أدبيّ‭ ‬خليقٍ‭ ‬بالتّقدير،‭ ‬وهذه‭ ‬الألواح‭ ‬تبدأ‭ ‬خاصّة‭ ‬بالتّكرار‭ ‬اللّفظيّ‭ ‬الّذي‭ ‬تمتاز‭ ‬به‭ ‬أغاني‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى،‭ ‬فترى‭ ‬ألفاظاً‭ ‬بعينها‭ ‬تكرّر‭ ‬المعنى‭ ‬الّذي‭ ‬ذُكر‭ ‬في‭ ‬جملِ‭ ‬سابقة‭ ‬أو‭ ‬توضّحه،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬نجت‭ ‬من‭ ‬عوادي‭ ‬الأيّام‭ ‬نرى‭ ‬النّشأة‭ ‬الدّينيّة‭ ‬للأدب‭ ‬في‭ ‬الأغاني‭ ‬والمراثي‭ ‬التي‭ ‬يردّدها‭ ‬الكهنة،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬القصائد‭ ‬الأولى‭ ‬إذن‭ ‬أراجيز‭ ‬ولا‭ ‬أناشيد‭ ‬غزليّة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬صلواتٍ‭ ‬وأدعية‭ ‬دينيّة‮»‬9‭ ‬،‭  ‬بذلك‭ ‬تكون‭ ‬المؤلّفات‭ ‬التي‭ ‬تؤرّخ‭ ‬للحضارات‭ ‬تظهر‭ ‬ارتباط‭ ‬نشوء‭ ‬الحضارات‭ ‬بالعقائد،‭ ‬واتّصال‭ ‬هذه‭ ‬العقائد‭ ‬بالفنون‭ ‬اتّصالاً‭ ‬مباشراً،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬آليّة‭ ‬التّعبير‭ ‬عنها،‭ ‬فنحن‭ ‬نجد‭ ‬‮«‬‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬عند‭ ‬الشعوب‭ ‬بين‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬والدين،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الدين‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬ينظم‭ ‬حياة‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬وحضارتها،‭ ‬واتخاذ‭ ‬الفن‭ ‬وسيلة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الدينية‭ ‬يعد‭ ‬اعترافاً‭ ‬بما‭ ‬للفن‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬كبرى‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬‮»‬10‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬نحوٍ‭ ‬مستمرٍّ،‭ ‬تأخذ‭ ‬طرق‭ ‬التّعبير‭ ‬عن‭ ‬الأديان‭ ‬بالتّمظهر‭ ‬في‭ ‬شكلٍ‭ ‬فنيٍّ،‭ ‬ففي‭ ‬الحضارة‭ ‬المصريّة‭ ‬القديمة‭ ‬‮«‬‭ ‬أقدم‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬المصريّ‭ ‬القديم‭ ‬هو‭ ‬نصوص‭ ‬الأهرام،‭ ‬وهي‭ ‬موضوعات‭ ‬دينيّة‭ ‬ورعة‭ ‬منقوشة‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬خمسةٍ‭ ‬من‭ ‬أهرام‭ ‬الأسرتين‭ ‬الخامسة‭ ‬والسّادسة‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬ق‭. ‬م‮»‬11،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬الأدب‭ ‬المصريّ‭ ‬القديم،‭ ‬نشأ‭ ‬بوصفه‭ ‬موضوعاً‭ ‬دينيّاً‭ ‬في‭ ‬حليةٍ‭ ‬أدبيّة،‭ ‬وخُلِّد‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬فنيّةٍ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نقشه‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الأهرام،‭ ‬ولم‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭ ‬أن‭ ‬غير‭ ‬المعتقد‭ ‬قد‭ ‬تمّت‭ ‬صياغته‭ ‬بطريقة‭ ‬أدبيّة،‭ ‬حتّى‭ ‬العصر‭ ‬التّالي‭ ‬الّذي‭ ‬تغيّرت‭ ‬فيه‭ ‬التّعابير‭ ‬الأدبيّة،‭ ‬فوصفت‭ ‬بالدَّنسة،‭ ‬فقد‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬معظم‭ ‬الآداب‭ ‬المصريّة‭ ‬الأولى‭ ‬آداباً‭ ‬دينيّة،‭ ‬وأقدم‭ ‬القصائد‭ ‬المصريّة‭ ‬ترانيم‭ ‬نصوص‭ ‬الأهرام،‭ ‬وصيغتها‭ ‬أيضاً‭ ‬هي‭ ‬أقدم‭ ‬الصّيغ‭ ‬المعروفة‭ ‬لنا،‭ ‬وهي‭ ‬تكرار‭ ‬المعنى‭ ‬الواحد‭ ‬بعبارات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وقد‭ ‬أخذها‭ ‬الشّعراء‭ ‬العبرانيّون‭ ‬عن‭ ‬المصريّين‭ ‬والبابليّين‭ ‬وخلّدوها‭ ‬في‭ ‬المزامير،‭ ‬وفي‭ ‬عصر‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الدّولة‭ ‬القديمة‭ ‬إلى‭ ‬الدّولة‭ ‬الوسطى‭ ‬تصطبغ‭ ‬الآداب‭ ‬تدريجيّاً‭ ‬بالصّبغة‭ ‬الدنيويّة‭ ‬الدّنسة‮»‬12‭ . ‬والحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬الأدب‭ ‬القديم‭ ‬بمحتواه‭ ‬الدّينيّ‭ ‬وصف‭ ‬بالورع‭ ‬والروعة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬إن‭ ‬الفنّ‭ ‬ذا‭ ‬المحتوى‭ ‬غير‭ ‬الدينيّ،‭ ‬لم‭ ‬يتّخذ‭ ‬أوصافاً‭ ‬جماليّة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬فيه‭ ‬ذكر،‭ ‬ففي‭ ‬بابل‭ ‬إن‭ ‬الآداب‭ ‬الباقية‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬البابليين‭ ‬لتكثر‭ ‬فيها‭ ‬التّرانيم‭ ‬الّتي‭ ‬تفيض‭ ‬بالتّذلّل‭ ‬الحارّ‭ ‬الّذي‭ ‬يحاول‭ ‬السّامي‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬كبريائه‭ ‬ويخفيه‭ ‬عن‭ ‬الأنظار،‭ ‬وأكثر‭ ‬هذه‭ ‬التّرانيم‭ ‬في‭ ‬صورة‭ (‬أناشيد‭ ‬توبة‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬تهيّئنا‭ ‬لتلك‭ ‬المشاعر‭ ‬العاطفية‭ ‬والصّور‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬مزامير‭ ‬داود،‭ ‬ولكنَّنا‭ ‬لا‭ ‬نجدُ‭ ‬في‭ ‬الشّعر‭ ‬غير‭ ‬الدّينيّ‭ ‬الذي‭ ‬يصف‭ ‬شؤون‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬العاديّة‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستحقّ‭ ‬الذكر،‭ ‬ونرى‭ ‬في‭ ‬المراسم‭ ‬الدّينيّة‭ ‬ما‭ ‬يبشّر‭ ‬بنشأة‭ ‬المسرحيّات،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مسرحيّات‭ ‬بالفعل13‭ . ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬اليوناني‭ ‬القديم‭ ‬نجد‭ ‬النشوء‭ ‬الملحميِّ‭ ‬المرتكز‭ ‬على‭ ‬الميثولوجيا،‭ ‬فكان‭ ‬أداءً‭ ‬فنياً‭ ‬لطقسِ‭ ‬دينيّ‭ ‬ارتبط‭ ‬بالإله‭ ‬ديونيسوس،‭ ‬وسمّي‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭ (‬ديثرامب‭)‬14‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬جوهر‭ ‬الظاهرة‭ ‬المسرحيّة،‭ ‬إذ‭ ‬‮«‬يميل‭ ‬المؤرّخون‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬أصلٍ‭ ‬دينيّ،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬ابتدأ‭ ‬من‭ ‬أصلِ‭ ‬دينيّ‭ ‬‮»‬15‭ ‬

    ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يغدو‭ ‬القول‭ ‬بارتباط‭ ‬أنواع‭ ‬الفنون‭ ‬جميعها‭ ‬بالعقائد‭ ‬أمراً‭ ‬مثبتاً‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الدّيانات‭ ‬الوثنيّة‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الدّيانات‭ ‬السّماويّة؛‭ ‬فأهل‭ ‬الكتاب‭ ‬لم‭ ‬يجيزوا‭ ‬من‭ ‬الفنون،‭ ‬على‭ ‬يدِ‭ ‬كهنتهم،‭ ‬سوى‭ ‬فنّي‭ ‬العمارة‭ ‬والموسيقى،‭ ‬وكانت‭ ‬الأغاني‭ ‬والمراسيم‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬في‭ ‬الهيكل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬أكدار‭ ‬حياة‭ ‬الشّعب‭ ‬وشقائه،‭ ‬فكانت‭ ‬فرقة‭ ‬موسيقيّة‭ ‬معها‭ ‬مختلف‭ ‬الآلات‭ ‬تنضمّ‭ ‬إلى‭ ‬جوقة‭ ‬المغنين‭ ‬كي‭ ‬ترتِّل‭ ‬المزامير‭ ‬فتبدو‭ ‬صوتاً‭ ‬واحداً‭ ‬لتسبيح‭ ‬الرّبّ‭ ‬وحمده‭ ‬وتمجيد‭ ‬الهيكل16‭ .‬

      ‬والنّاظر‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس‭ ‬يجد‭ ‬ملامح‭ ‬الكتابة‭ ‬الأدبيّة،‭ ‬فالقصص‭ ‬الغرامية‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬التّوراة‭ ‬وسط‭ ‬من‭ ‬التّاريخ‭ ‬والشعر،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬المنثور‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أدنى‭ ‬إلى‭ ‬الكمال‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬راعوث17‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬تحوي‭ ‬هذه‭ ‬القصّة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس‭ ‬عناصر‭ ‬الفن‭ ‬القصصيّ‭ ‬من‭ ‬الشخصيّة‭ ‬والراوي‭ ‬والسرد‭ ‬والحوار‭ ‬والحبكة،‭ ‬إذ‭ ‬يقدّم‭ ‬الإصحاح‭ ‬الأوّل‭ ‬قصّة‭ ‬رجلٍ‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬ليتغرّبَ‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬موآب‭ ‬هو‭ ‬وامرأته‭ ‬وابناه‭ ‬وزوجتاهما،‭ ‬الرجل‭ ‬اسمه‭ ‬أليمالك،‭ ‬وتدعى‭ ‬امرأته‭ ‬نعمي‭. ‬وحصل‭ ‬أن‭ ‬توفّي‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬موآب‭ ‬ثمّ‭ ‬توفّي‭ ‬الولدان،‭ ‬وبقيت‭ ‬الأمّ‭ ‬وزوجتا‭ ‬الولدين،‭ ‬الأولى‭ ‬تدعى‭ ‬عرفة‭ ‬والأخرى‭ ‬راعوث،‭ ‬وتحكي‭ ‬باقي‭ ‬الإصحاحات‭ ‬قصّة‭ ‬عودة‭ ‬الأمّ‭ ‬مع‭ ‬راعوث‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬الذي‭ ‬خرجوا‭ ‬منه،‭ ‬والمشقّات‭ ‬الّتي‭ ‬لقيتاها‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬لحم،‭ ‬ثمّ‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬الأمّ‭ (‬نعمي‭) ‬أن‭ ‬تزوّج‭ ‬راعوث‭ ‬لولّيٍ‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬يدعى‭ ‬بوعز،‭ ‬وأنجبت‭ ‬منه‭ ‬طفلاً‭ ‬أسمته‭ ‬عوبيد‭..‬18‭ ‬،‭ ‬ويبدأ‭ ‬الأدب‭ ‬الشّعري‭ ‬بنشيد‭ ‬موسى‭ (‬سفر‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الجنّة‭) ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬عشر،‭ ‬ونشيد‭ ‬دبّورة‭ (‬القضاة‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭)‬،‭ ‬ويبلغ‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬المزامير‭ ‬التي‭ ‬تحتلّ‭ ‬المكان‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬العالم‭ ‬الغنائي،‭ ‬وإن‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬أنها‭ ‬تصف‭ ‬لحظات‭ ‬من‭ ‬نشوة‭ ‬التقى‭ ‬والهيام‭ ‬الرّوحيّ،‭ ‬والإيمان‭ ‬القويّ‭ ‬المحرّك‭ ‬للعواطف19‭ ‬،‭ ‬ونجد‭ ‬التّوصيف‭ ‬الأدبيّ‭ ‬للغة‭ ‬الكتب‭ ‬المقدّسة،‭ ‬وطريقة‭ ‬بنائها،‭ ‬تنسحب‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬العقائد،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الكتب‭ ‬الأبستاق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُعرف‭ ‬أصله‭ ‬اللّغوي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدّقة،‭ ‬والرّاجح‭ ‬أنّه‭ ‬مشتقٌ‭ ‬من‭ (‬فيدا‭) ‬وهو‭ ‬الأصل‭ ‬الآريّ‭ ‬الّذي‭ ‬اشتقّ‭ ‬منه‭ ‬أفيدا،‭ ‬ومعناه‭ ‬المعرفة؛‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أقسامه‭ ‬الباقية‭ ‬ما‭ ‬يسمّى‭ (‬اليشت‭): ‬أي‭ ‬التسبيحات‭ ‬الغنائيّة،‭ ‬وهي‭ ‬واحدٌ‭ ‬وعشرون‭ ‬نشيداً‭ ‬في‭ ‬الثناء‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬تتخلّلها‭ ‬أقاصيص‭ ‬تاريخيّة‭ ‬ونبوءةٌ‭ ‬عن‭ ‬آخر‭ ‬العالم20‭ .‬

    ‬ويبقى‭ ‬الفارق‭ ‬الفنِّي‭ ‬بين‭ ‬أداء‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬تعبيرها‭ ‬عن‭ ‬الدِّين،‭ ‬وبين‭ ‬الكتب‭ ‬المقدَّسة‭ ‬الموصوفة‭ ‬بالصَّبغة‭ ‬الأدبيَّة‭ ‬أو‭ ‬الفنيَّة،‭ ‬هو‭ ‬أنَّ‭ ‬تلك‭ ‬التَّعبيرات‭ ‬الفنيَّة‭ ‬هي‭ ‬توصيفٌ‭ ‬للفنون،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬إنَّ‭ ‬التَّعبير‭ ‬الفنِّي‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬المقدَّسة‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬أنواع‭ ‬الفنون؛‭ ‬لأن‭ ‬جوهر‭ ‬الطَّبيعتين‭ ‬مختلف،‭ ‬فالكتب‭ ‬المقدَّسة‭ ‬تحاط‭ ‬بهالةٍ‭ ‬من‭ ‬القداسة‭ ‬أولاً،‭ ‬من‭ ‬ثمَّ‭ ‬تضاف‭ ‬إليها‭ ‬القيمة‭ ‬الفنيَّة،‭ ‬أمَّا‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬الدِّينية،‭ ‬فتوصف‭ ‬بالفنيَّة‭ ‬أوَّلاً،‭ ‬وتأتي‭ ‬التَّعبيرات‭ ‬العقديَّة‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثَّانية‭.‬

      ‬وقد‭ ‬عبّر‭ ‬المعتقدون‭ ‬بالدّيانات‭ ‬السّماويّة،‭ ‬عن‭ ‬الامتثال‭ ‬للرّسالات‭ ‬الإلهيّة‭ ‬بشكل‭ ‬فنيّ،‭ ‬فقد‭ ‬استخدمت‭ ‬المسيحيّة‭ ‬الصيغة‭ ‬الفنيّة‭ ‬في‭ ‬تعاليم‭ ‬الكهنة‭ ‬ورجال‭ ‬الدين،‭ ‬فيما‭ ‬يقدّمونه‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬إلهيّة،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬ربطها‭ ‬بالتراتيل‭ ‬بالإنشاد،‭ ‬وذاك‭ ‬طقسٌ‭ ‬مازال‭ ‬حاضراً‭ ‬بقوّة،‭ ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬الكهنة‭ ‬‮«‬السّجع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الطّور‭ ‬الأوّل‭ ‬من‭ ‬أطوار‭ ‬الشّعر‭ ‬العربيّ،‭ ‬توخاه‭ ‬الكهان‭ ‬مناجاةً‭ ‬للآلهة،‭ ‬تقييداً‭ ‬للحكمة‭ ‬وتعميةً‭ ‬للجواب،‭ ‬وفتنةً‭ ‬للسّامع‭. ‬وكهان‭ ‬العرب‭ ‬ككهّان‭ ‬الإغريق‭ ‬هم‭ ‬الشّعراء‭ ‬الأوّلون،‭ ‬زعموا‭ ‬أنهم‭ ‬مهبط‭ ‬الإلهام،‭ ‬وأنجياء‭ ‬الآلهة،‭ ‬فكانوا‭ ‬يسترحمونها‭ ‬بالأناشيد،‭ ‬ويستلهمونها‭ ‬بالأدعية،‭ ‬ويخبرون‭ ‬الناس‭ ‬بأسرار‭ ‬الغيب‭ ‬في‭ ‬جمل‭ ‬مقفَّاةٍ‭ ‬موقَّعة‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬السَّجع،‭ ‬تشبيهاً‭ ‬لها‭ ‬بسجع‭ ‬الحمامة‭ ‬لما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النّغمة‭ ‬الواحدة‭ ‬البسيطة،‭ ‬فلما‭ ‬ارتقى‭ ‬فيهم‭ ‬ذوق‭ ‬الغناء،‭ ‬وانتقل‭ ‬الشِّعر‭ ‬من‭ ‬المعابد‭ ‬إلى‭ ‬الصّحراء،‭ ‬ومن‭ ‬الدّعاء‭ ‬إلى‭ ‬الحداء‭ ‬اجتمع‭ ‬الوزن‭ ‬والقافية،‭ ‬فكان‭ ‬الرّجز‭… ‬ومنه‭ ‬إلى‭ ‬الشّعر‮»‬21‭ .‬

      ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬إذاً‭ ‬فيما‭ ‬سبق‭ ‬عرضه‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬تعبيرها‭ ‬عن‭ ‬الدين،‭ ‬أنَّ‭ ‬الأشكال‭ ‬الفنية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬التَّعبير‭ ‬عن‭ ‬المطلق‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ذات‭ ‬قيمةٍ‭ ‬جماليَّة‭ ‬تحتسب‭ ‬للفنِّ،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬طور‭ ‬فني‭ ‬جديد‭ ‬يأخذ‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المطلق‭ ‬صيغةً‭ ‬أكثر‭ ‬مواءمةً‭ ‬لموضوعه؛‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬جمالاً،‭ ‬لأنّ‭ ‬انفصال‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬الطّبيعة‭ ‬كان‭ ‬بهدف‭ ‬زيادة‭ ‬وعيه‭ ‬المعرفيّ،‭ ‬لذلك‭ ‬جاءت‭ ‬الأشكال‭ ‬الفنيّة‭ ‬اللّاحقة‭ ‬لمرحلة‭ ‬الانفصال‭ ‬هذه‭ ‬أكثر‭ ‬فنيّة،‭ ‬وأكثر‭ ‬جمالاً،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يحدد‭ ‬ظهور‭ ‬المفاهيم‭ ‬ومنها‭ ‬الجماليّة،‭ ‬هو‭ ‬انفصال‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬الطّبيعة‭ ‬والمجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علاقته‭ ‬العميقة‭ ‬بهما‭ ‬بهدف‭ ‬تملّكهما‭ ‬وتغييرهما،‭ ‬لأن‭ ‬أشياء‭ ‬العالم‭ ‬الماديّة‭ ‬وحسيّتها،‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬الخصائص‭ ‬الجماليّة،‭ ‬أمّا‭ ‬الخصائص‭ ‬الجماليّة‭ ‬نفسها‭ ‬فهي‭ ‬قيم‭ ‬موضوعيّة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬شاملة‭ ‬للأحياء‭ ‬والظواهر‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تملّك‭ ‬الإنسان‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬للواقع22‭ ‬،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يتمَّ‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬المعتقد‭ ‬المصوغ‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬فنيَّةٍ‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬القيمة‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬يبرزها‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عنه،‭ ‬وبين‭ ‬الفنّ‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬والخصائص‭ ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬تستنبط‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬مضافاً‭ ‬إليه‭ ‬الواقع‭ ‬والممارسة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فالفنُّ‭ ‬في‭ ‬بدايته‭ ‬نشأ‭ ‬دينياً،‭ ‬ثم‭ ‬انزاح‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الصيغة‭ ‬الدينية،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬طورٍ‭ ‬تاريخيٍّ‭ ‬يتَّخذ‭ ‬حلَّة‭ ‬جديدة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الضَّروري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عقديَّاً‭ ‬دوماً،‭ ‬فقد‭ ‬‮«‬كان‭ ‬كلف‭ ‬الإنسان‭ ‬بالجمال‭ ‬قديماً‭ ‬قدم‭ ‬الإنسانيَّة،‭ ‬وإنَّ‭ ‬التذاذه‭ ‬بنواحي‭ ‬الجمال‭ ‬فيما‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الطَّبيعة،‭ ‬وفيما‭ ‬ينتجه‭ ‬من‭ ‬آثارٍ‭ ‬أمرٌ‭ ‬يشهد‭ ‬به‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانيَّة،‭ ‬وتسجِّله‭ ‬آثارها‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الحجريِّ‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة‭ ‬المعروفة‮»‬23‭ ‬،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬والحديثة‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭. ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬التَّعبير‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الذَّائقة‭ ‬الجماليَّة‭ ‬اتَّخذ‭ ‬مستوياتٍ‭ ‬متدرجة،‭ ‬بدأت‭ ‬غائمةً‭ ‬وانتهت‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭.‬

    ‬إنَّ‭ ‬إعطاء‭ ‬شكلٍ‭ ‬غير‭ ‬فنيٍّ،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬جميلٍ‭ ‬للفكرة،‭ ‬يعزى‭ ‬إلى‭ ‬المضمون؛‭ ‬الَّذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬غير‭ ‬واضح،‭ ‬وإذ‭ ‬تكمن‭ ‬مهمَّة‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬التَّوفيق‭ ‬بين‭ ‬الفكرة‭ ‬وتمثيلها‭ ‬الحسِّي؛‭ ‬فإنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬يتمُّ‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬المضمون‭ ‬المطلوب‭ ‬تمثيله‭ ‬صالحاً‭ ‬للتَّمثيل‭ ‬فنيّاً،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الرَّبط‭ ‬يبدو‭ ‬ركيكاً‭ ‬واهياً،‭ ‬فتارةً‭ ‬يراد‭ ‬إعطاء‭ ‬شكلٍ‭ ‬بعينه‭ ‬لمضمونٍ‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬للتَّمثيل‭ ‬العينيِّ‭ ‬والخارجيِّ،‭ ‬وطوراً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬تمثيله‭ ‬المطابق‭ ‬إلَّا‭ ‬في‭ ‬شكلٍ‭ ‬يتعارض‭ ‬والشَّكل‭ ‬الَّذي‭ ‬يُراد‭ ‬إعطاؤه‭ ‬إيَّاه،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نلحظ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تجسيداتٍ‭ ‬للفكرة‭ ‬المجرَّدة،‭ ‬بهذا‭ ‬الفهم‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬مردةٍ‭ ‬وجبابرةٍ‭ ‬وتماثيل‭ ‬لها‭ ‬مئة‭ ‬ذراعٍ‭ ‬ومئة‭ ‬ثديٍ24‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأنَّ‭ ‬هذه‭ ‬التَّعيينات‭ ‬ليست‭ ‬جميلة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬قبيحة،‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬التعبير‭ ‬الفنيَّ‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬للذَّائقة‭ ‬أن‭ ‬تتناوله‭ ‬وتقيِّمه‭ ‬جماليَّاً‭.‬

          ‬وفي‭ ‬الفنون‭ ‬اللاحقة‭ ‬ينهض‭ ‬التقويم‭ ‬الجمالي‭ ‬على‭ ‬مادّة‭ ‬تلك‭ ‬الفنون،‭ ‬فالفنُّ‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬قدَّم‭ ‬تطابقاً‭ ‬بين‭ ‬بين‭ ‬الفكرة‭ ‬والتَّعبير،‭ ‬إنَّه‭ ‬مضمونٌ‭ ‬تلقَّى‭ ‬الشَّكل‭ ‬الموائم‭ ‬له،‭ ‬ويتمثَّل‭ ‬هذا‭ ‬الشَّكل‭ ‬بالوجه‭ ‬الإنسانيِّ؛‭ ‬الَّذي‭ ‬يعدُّ‭ ‬تطوُّراً‭ ‬للمفهوم،‭ ‬بحسب‭ ‬هيغل،‭ ‬فالرُّوح‭ ‬المطلق‭ ‬قد‭ ‬تجسَّد‭ ‬في‭ ‬شكلِ‭ ‬ثالوثٍ،‭ ‬وهذا‭ ‬الثَّالوث‭ ‬يعبِّر‭ ‬عن‭ ‬التَّظاهر‭ ‬الحسِّيِّ‭ ‬للفكرة‭ ‬المجرّدة25‭ . ‬إذاً‭ ‬فإنَّ‭ ‬التَّقييم‭ ‬الجماليِّ‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬به‭ ‬هيغل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساسٍ‭ ‬من‭ ‬أنسنة‭ ‬المفهوم،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الأنسنة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ارتقاءً‭ ‬للمفهوم‭ ‬المتجسِّد،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الفنيَّة‭ ‬والجماليَّة‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم،‭ ‬لأنَّه‭ ‬يقصر‭ ‬الفكر‭ ‬الفنيّ‭ ‬والجماليّ‭ ‬على‭ ‬التَّجسيد‭ ‬المعرفيِّ‭ ‬للمفهوم،‭ ‬وبهذه‭ ‬النَّزعة‭ ‬المثاليَّة‭ ‬في‭ ‬التَّعبير‭ ‬عن‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬يختزل‭ ‬الفنيَّ‭ ‬والجماليَّ‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬مثاليٌّ،‭ ‬لأنَّ‭ ‬الفنَّ،‭ ‬كما‭ ‬يراه،‭ ‬يتطوَّر‭ ‬بوصفه‭ ‬عالماً،‭ ‬ويكون‭ ‬المضمون‭ ‬الموضوع‭ ‬بالذَّات،‭ ‬متمثِّلاً‭ ‬بالجمال،‭ ‬وما‭ ‬المضمون‭ ‬الحقيقيُّ‭ ‬للجمال‭ ‬إلَّا‭ ‬الرُّوح،‭ ‬والرُّوح‭ ‬في‭ ‬حقيقته؛‭ ‬أي‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬كذلك،‭ ‬هو‭ ‬الَّذي‭ ‬يشكِّل‭ ‬المركز26‭ .‬

    ‬وبالطريقة‭ ‬ذاتها‭ ‬يمكن‭ ‬مناقشة‭ ‬ما‭ ‬يذهب‭ ‬إليه‭ ‬هيغل‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬تاريخ‭ ‬الفنون‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬التَّمثيلات‭ ‬الحسِّية‭ ‬للفكرة‭ ‬المطلقة27‭ ‬،‭ ‬فذلك‭ ‬يقصر‭ ‬الفنَّ‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬المثاليِّ،‭ ‬ويختزل‭ ‬الفنيَّ‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬دينيٌّ‭ ‬فقط‭. ‬بمعنى‭ ‬أنَّ‭ ‬الأديان‭ ‬تصوغ‭ ‬فكرةً‭ ‬واقعيَّةً‭ ‬عن‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬لكي‭ ‬تجعلها‭ ‬عينيَّة،‭ ‬ومهمَّة‭ ‬الفنِّ‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬هذه‭ ‬المادَّة‭ ‬العينية‭ ‬صياغةً‭ ‬فنيَّة،‭ ‬وخارج‭ ‬هذه‭ ‬الصياغة‭ ‬العينية‭ ‬والفنية‭ ‬للرُّوح‭ ‬المطلق‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للجمال‭. ‬وهذه‭ ‬النَّزعة‭ ‬المثاليَّة‭ ‬للفنِّ‭ ‬تقارب‭ ‬الرُّؤية‭ “‬الأفلاطونية‭” ‬للفنِّ‭ ‬والجمال،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬هيغل‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اعترف‭ ‬بالقيمة‭ ‬الجماليَّة‭ ‬للفنِّ‭ ‬إذا‭ ‬أجاد‭ ‬الأخير‭ ‬التَّعبير‭ ‬عنِ‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬أمَّا‭ ‬أفلاطون‭ ‬فيتسِّم‭ ‬جوهر‭ ‬نظريَّاته‭ ‬الجماليَّة‭ ‬بالصَّبغة‭ ‬المثاليَّة،‭ ‬ويعدُّ‭ ‬الأشياء‭ ‬المحسوسة‭ ‬متغيِّرة‭ ‬متحوِّلة‭. ‬بالتَّالي‭ ‬فإنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬ثم‭ ‬تضمحلُّ‭ ‬وتموت،‭ ‬وتبعاً‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تمثِّل‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجود،‭ ‬إذ‭ ‬إنَّ‭ ‬الوجود‭ ‬الحقيقي‭ ‬متمثِّل‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬الرُّوحي،‭ ‬وبالتَّحديد‭ ‬في‭ ‬المثل‭ ‬العليا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المثل‭ ‬الأزليَّة‭ ‬عالم‭ ‬الأفكار‭. ‬والجمال‭ ‬ذاته‭ ‬لا‭ ‬يتغيَّر‭ ‬بل‭ ‬يظلُّ‭ ‬في‭ ‬مستوىً‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬الَّتي‭ ‬يتجلَّى‭ ‬بها،‭ ‬وفي‭ ‬رأي‭ ‬أفلاطون‭ ‬هناك‭ ‬عالمٌ‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الطَّبيعي،‭ ‬عالم‭ ‬الجواهر‭ ‬الأزليَّة‭ ‬الأبديَّة،‭ ‬وهذه‭ ‬الكيانات‭ ‬اللامتغيرة‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أفلاطون‭ ‬تعبير‭ ‬الصُّورة‭ ‬أو‭ ‬المثل،‭ ‬وهي‭ ‬الموضوعات‭ ‬الَّتي‭ ‬يعنى‭ ‬بها‭ ‬العقل‭ ‬عندما‭ ‬يستعمل‭ ‬الأفكار‭ ‬العامة‭ ‬والتَّعريفات‭ ‬والمبادئ،‭ ‬وإنَّ‭ ‬أشياء‭ ‬هذه‭ ‬الدُّنيا‭ ‬ليست‭ ‬إلَّا‭ ‬صوراً‭ ‬تقريبيَّةً‭ ‬ناقصةً‭ ‬عن‭ ‬الجواهر‭ ‬الَّتي‭ ‬منها‭ ‬تحصل‭ ‬الأشياء‭ ‬على‭ ‬صفاتها‭ ‬المميَّزة،‭ ‬والشَّيء‭ ‬الجميل‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬أفلاطون‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الأرضيّ،‭ ‬بل‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأفكار،‭ ‬عالم‭ ‬المثل،‭ ‬العالم‭ ‬الأبديُّ‭ ‬اللامتغير‭. ‬وقد‭ ‬طبَّق‭ ‬نظريَّته‭ ‬المثاليَّة‭ ‬على‭ ‬الفنّ،‭ ‬فيقول‭ ‬إنَّ‭ ‬الفنَّان‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلَّا‭ ‬ناسخٌ‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقيَّ‭ ‬للوجود،‭ ‬لكنَّه‭ ‬يخلق‭ ‬إنتاجاً‭ ‬فنيَّاً،‭ ‬وبعبارةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬فهو‭ ‬يحاكي‭ ‬العالم‭ ‬المحسوس،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬الأخير‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلَّا‭ ‬نسخة‭ ‬انعكاسٍ‭ ‬لانعكاسٍ،‭ ‬وظلٌّ‭ ‬لظلٍّ،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يظهر‭ ‬أنَّ‭ ‬الفنَّان‭ ‬يبتعد‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬المطلقة،‭ ‬ويستنتج‭ ‬أفلاطون‭ ‬أنَّ‭ ‬الفنَّ‭ ‬المقلِّد‭ ‬يقف‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬فيصبح‭ ‬الفنُّ‭ ‬تقليداً‭ ‬للتَّقليد،‭ ‬أو‭ ‬محاكاةً‭ ‬لشيءٍ‭ ‬خلق‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المحاكاة‭ ‬فإنَّه‭ ‬يفقد‭ ‬قيمته‭ ‬الحقيقيَّة28‭ . ‬

    ‬صحيح‭ ‬أنَّ‭ ‬الفكرة‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬كذلك،‭ ‬أو‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬بوصفه‭ ‬مثالاً‭ ‬أعلى،‭ ‬لا‭ ‬يأخذ‭ ‬اعترافه‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬بل‭ ‬يفرضه،‭ ‬فيصوغ‭ ‬الواقع‭ ‬هذا‭ ‬المثال‭ ‬وفق‭ ‬أنموذجاتٍ‭ ‬فنيَّةٍ‭ ‬متدرِّجةٍ،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬قصر‭ ‬الفنيَّة‭ ‬على‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬يلغي‭ ‬إمكانيَّة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬مثالاً‭ ‬أعلى‭ ‬أو‭ ‬أنموذجاً‭ ‬جماليّاً‭ ‬بصرف‭ ‬النَّظر‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬المطلق؛‭ ‬الَّذي‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يتعرَّف‭ ‬في‭ ‬صيغةٍ‭ ‬عينيةٍ‭ ‬أو‭ ‬شكلٍ‭ ‬فنيٍّ،‭ ‬حتى‭ ‬ينزاح‭ ‬عن‭ ‬فنيَّته،‭ ‬وينهض‭ ‬بوصفه‭ ‬مفهوماتٍ‭ ‬وقيماً‭ ‬للحياة‭ ‬والتعامل،‭ ‬على‭ ‬أسسٍ‭ ‬اجتماعيَّةٍ‭ ‬وأخلاقيَّةٍ‭ ‬وإنسانيَّةٍ‭. ‬وتأخذ‭ ‬الفنون‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬المحصول‭ ‬الَّذي‭ ‬ينتجه‭ ‬الدِّين،‭ ‬ووفق‭ ‬الممارسة‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬أيضاً،‭ ‬برسم‭ ‬أمثلتها‭ ‬العليا‭ ‬الفنيَّة‭ ‬والجماليَّة‭ ‬والأخلاقيَّة‭ ‬والإنسانيَّة‭ ‬بعامَّة‭.‬

    ‬فالأديان‭ ‬الَّتي‭ ‬ترافقت‭ ‬بالفنون‭ ‬في‭ ‬تمظهرها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬تعبِّر‭ ‬عن‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬وإَّنما‭ ‬أعطتِ‭ ‬الحياة‭ ‬نظاماً‭ ‬ممنهجاً‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬التعاليم،‭ ‬وهذا‭ ‬النِّظام‭ ‬مهمته‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬إعلاء‭ ‬قيمة‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬الجماليِّ؛‭ ‬الَّذي‭ ‬هو‭ ‬أخلاقيٌّ‭ ‬وإنسانيٌّ‭ ‬بعامَّة‭.‬

    ‬إنَّ‭ ‬الأديان،‭ ‬في‭ ‬أطوارها‭ ‬الأولى،‭ ‬بتعيناتها‭ ‬وتمظهرها‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نحوٍ‭ ‬من‭ ‬الأنحاء،‭ ‬هي‭ ‬بالضرورة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬المطلق‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تجسيده‭ ‬فنياً،‭ ‬فتلك‭ ‬مهمة‭ ‬الفنان‭ ‬بوجه‭ ‬خاص،‭ ‬غير‭ ‬أنَّها‭ ‬جميعاً‭ ‬احتوت‭ ‬صيغةً‭ ‬فنيَّة‭ ‬أو‭ ‬أدبيَّة،‭ ‬وسعت‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬الواقع‭.‬

  ‬صحيحٌ‭ ‬أنَّ‭ ‬الفنَّان‭ ‬ينتج‭ ‬أعمالاً‭ ‬فنيَّة‭ ‬غايتها‭ ‬إبراز‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬الجمالي،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬تجلياتٍ‭ ‬فنيَّة‭ ‬لا‭ ‬تحتويه‭ ‬بالضَّرورة،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬أعمال‭ ‬الفنِّ‭ ‬مهما‭ ‬تنوَّعت‭ ‬تسمياتها‭ ‬تبرز‭ ‬بشكلٍ‭ ‬متواصلٍ‭ ‬المحتوى‭ ‬المثاليَّ،‭ ‬تكون،‭ ‬بدرجة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬تكرر‭ ‬نفسها‭ ‬أو‭ ‬تستنسخ‭ ‬الأنموذج‭ ‬من‭ ‬سابقه،‭ ‬تضيف‭ ‬إليه‭ ‬أو‭ ‬تعدِّل،‭ ‬وعندها‭ ‬تكون‭ ‬قيمة‭ ‬الفنِّ،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬فنٌّ،‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬من‭ ‬دون‭  ‬أهميَّةٍ،‭ ‬ويكون‭ ‬الواقع‭ ‬والممارسة‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬الانعكاس‭ ‬الفنيِّ‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الفنَّان،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬إلغاء‭ ‬المادية‭ ‬من‭ ‬الموضوع‭ ‬الجمالي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بحسب‭ ‬شارل‭ ‬لالو‭ ‬التناسق‭ ‬الممتلك‭ ‬أو‭ ‬الملتمس‭ ‬أو‭ ‬المفقود،‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬الجمالي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬العقل‭ ‬والفعالية‭ ‬والحساسية29‭ ‬،‭ ‬فالموضوع‭ ‬الجمالي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التعريف،‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬سمات‭ ‬مادية‭ ‬أيضاً‭ ‬يمكن‭ ‬إدراكها‭ ‬أو‭ ‬التماسها‭ ‬بالعقل،‭ ‬فالموضوعات‭ ‬الفنية‭ ‬أيضاً‭ ‬لها‭ ‬خصائص‭ ‬أو‭ ‬مواد‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬وتتأسَّس‭ ‬منها،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬بالضَّرورة‭ ‬عقديَّة،‭ ‬أو‭ ‬تسعى‭ ‬لمقاربة‭ ‬تصوُّر‭ ‬عن‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬فالموسيقى‭ ‬بوصفها‭ ‬فنَّاً،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الصَّوت،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فيها‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المثل‭ ‬الجماليِّ‭ ‬الأعلى،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬المجرَّد‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الحسِّي‭ ‬أيضاً،‭ ‬لأنَّها‭ ‬أكثر‭ ‬الفنون‭ ‬رمزيَّةً،‭ ‬‮«‬‭ ‬ويؤلف‭ ‬الصَّوت،‭ ‬بوصفه‭ ‬مادَّة‭ ‬داخليَّة‭ ‬مجرَّدة،‭ ‬الوسط‭ ‬الَّذي‭ ‬ينتشر‭ ‬فيه‭ ‬الإحساس‭ ‬اللامتعين،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬بعد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تعيينٍ‭ ‬بذاته،‭ ‬والموسيقى‭ ‬وحدها‭ ‬تعبِّر‭ ‬عن‭ ‬تنبُّه‭ ‬الشُّعور‭ ‬أو‭ ‬انطفائه،‭ ‬وتؤلِّف‭ ‬مركز‭ ‬الفنِّ‭ ‬الذاتي،‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬الحساسيَّة‭ ‬المجرَّدة‭ ‬إلى‭ ‬الرُّوحية‭ ‬المجرَّدة‮»‬30‭ ‬،‭ ‬بذلك‭ ‬فإن‭ ‬الروح‭ ‬المطلق‭ ‬ليس‭ ‬المادة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ينطوي‭ ‬عليها‭ ‬الفن،‭ ‬إنه‭ ‬أكثر‭ ‬المواد‭ ‬أهمية‭ ‬أو‭ ‬مثالية‭ ‬أو‭ ‬تجريداً،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للجمال‭ ‬وجودٌ‭ ‬ماديٌّ‭ ‬صرف‭.‬

    ‬أمَّا‭ ‬في‭ ‬الشِّعر‭ ‬الذي‭ ‬يعدُّ‭ ‬أكثر‭ ‬الفنون‭ ‬روحيَّة31‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مواد‭ ‬متنوِّعة،‭ ‬منها‭ ‬الكلمة‭ ‬واللَّحن‭ ‬والإحساس‭ ‬والانفعال،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬الكلمة‭ ‬بالذَّات،‭ ‬تعدُّ‭ ‬المادَّة‭ ‬الأولى‭ ‬الَّتي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الفنَّان‭ ‬في‭ ‬التَّعبير‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬المجرَّدة‭ ‬والمعتقدات،‭ ‬وصياغة‭ ‬المثل،‭ ‬ونقل‭ ‬الانفعالات‭ ‬الرُّوحية‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬فنيَّة‭.‬

  ‬إنَّ‭ ‬اللُّغة‭ ‬هي‭ ‬المادَّة‭ ‬الأكثر‭ ‬غنىً‭ ‬وتنوُّعاً‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الموادِّ‭ ‬الفنيَّة‭ ‬الأخرى،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬التَّعبير‭ ‬اللُّغوي‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬السَّماويَّة،‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرةً‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬الأنموذج‭ ‬الجماليِّ،‭ ‬المطلق‭ ‬منه،‭ ‬والواقعيِّ‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكاله‭.‬

      ‬وفي‭ ‬الفنون‭ ‬كانتِ‭ ‬اللُّغة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرةً‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬الأنموذج‭ ‬الجمالي،‭ ‬فمثلاً‭ ‬نستطيعُ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللُّغة‭ ‬أن‭ ‬نتعرَّف‭ ‬مضمون‭ ‬شكلٍ‭ ‬فنيٍّ‭ ‬معماريٍّ‭ ‬ناجزٍ،‭ ‬والإحاطة‭ ‬به‭ ‬وتوصيفه،‭ ‬غير‭ ‬أنَّه‭ ‬من‭ ‬المتعذِّر‭ ‬صياغة‭ ‬قالبٍ‭ ‬لغويٍّ‭ ‬شعريٍّ‭ ‬أو‭ ‬نثريٍّ‭ ‬في‭ ‬شكلٍ‭ ‬فنيٍ‭ ‬آخر،‭ ‬لأنَّه‭ ‬ليس‭ ‬بالضَّرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مطابقاً‭ ‬أو‭ ‬قريباً،‭ ‬وإن‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬المطابقة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنَّه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬ألَّا‭ ‬يكون‭ ‬جميلاً‭.‬

      ‬لا‭ ‬شكَّ‭ ‬في‭ ‬أنَّ‭ ‬اللُّغة‭ ‬تمتلك‭ ‬سحر‭ ‬الممارسة،‭ ‬عند‭ ‬الفنان‭ ‬وعند‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬السَّواء،‭ ‬غير‭ ‬أنَّها‭ ‬عند‭ ‬الفنَّان‭ ‬تمتلك‭ ‬أبعاداً‭ ‬أخرى‭ ‬إذ‭ ‬يوظِّفها‭ ‬لغاياتٍ‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬أهميَّةٍ‭ ‬في‭ ‬المتلقِّي،‭ ‬الَّذي‭ ‬لا‭ ‬ينشدُ‭ ‬إبداعاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬اللُّغة،‭ ‬فالفنَّان‭ ‬يستطيع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللُّغة،‭ ‬النَّفاذ‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬الموضوعات‭ ‬والأشياء،‭ ‬وصياغتها‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬جميلة،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الموضوعات‭ ‬غير‭ ‬جميلةٍ‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬خاصية‭ ‬الشِّعر،‭ ‬المجاز؛‭ ‬فالشَّاعر‭ ‬لا‭ ‬يعي‭ ‬العالم‭ ‬وعياً‭ ‬واقعيَّاً‭ ‬خالصاً،‭ ‬وإلَّا‭ ‬كان‭ ‬عمله‭ ‬محض‭ ‬استنساخٍ‭ ‬لصور‭ ‬الواقع،‭ ‬إنَّه‭ ‬يعي‭ ‬الواقع‭ ‬وعياً‭ ‬مجازيَّاً‭ ‬خاصَّاً‭ ‬تفرضه‭ ‬ضرورة‭ ‬الفنِّ،‭ ‬فيقوم‭ ‬بتصوير‭ ‬هذه‭ ‬المجازيَّة‭ ‬بطريقةٍ‭ ‬فنية،‭ ‬من‭ ‬خلالِ‭ ‬الصُّورة‭ ‬الفنيَّة،‭ ‬الَّتي‭ ‬تعدُّ‭ ‬أداته،‭ ‬واللُّغة‭ ‬الثَّانية‭ ‬الَّتي‭ ‬يتحدَّث‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬اللُّغة‭ ‬الطَّبيعيَّة؛‭ ‬‮«‬فالشِّعر‭ ‬خلقٌ‮»‬32‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬الخلق‭ ‬الفنيُّ‭ ‬بواسطة‭ ‬اللُّغة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يميِّز‭ ‬الشَّاعر‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬وليس‭ ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬التقييم‭ ‬الجمالي‭ ‬للشِّعر‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬اللُّغة‭ ‬وحدها،‭ ‬إنَّما‭ ‬هناك‭ ‬مفهومات‭ ‬جماليَّة‭ ‬متنوعة،‭ ‬يُعبَّر‭ ‬عنها‭ ‬باللُّغة‭ ‬الجميلة،‭ ‬لكنَّها‭ ‬ليست‭ ‬لغويةً‭ ‬فقط‭.‬

    ‬في‭ ‬الشِّعر‭ ‬العربيِّ‭ ‬تنوَّعت‭ ‬المثل‭ ‬الجماليَّة‭ ‬الَّتي‭ ‬جسَّدها‭ ‬هذا‭ ‬الشِّعر،‭ ‬وجميعها‭ ‬تنهض‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬الَّتي‭ ‬كان‭ ‬الشَّاعر‭ ‬يحياها‭ ‬في‭ ‬الجاهليَّة‭. ‬صحيحٌ‭ ‬أنَّ‭ ‬عرب‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬كانت‭ ‬تدين‭ ‬بالمسيحية‭ ‬أو‭ ‬اليهودية33‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬أنَّ‭ ‬استنباط‭ ‬المثال‭ ‬الأعلى‭ ‬الدينيِّ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الشِّعر‭ ‬ليس‭ ‬متبلوراً،‭ ‬وإنَّما‭ ‬كانت‭ ‬المثل‭ ‬الجمالية‭ ‬تتحدَّد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الممارسة‭ ‬الاجتماعيَّة،‭ ‬فتعدُّ‭ ‬البطولة‭ ‬مثالاً‭ ‬أعلى‭ ‬لأنَّ‭ ‬الفروسيَّة‭ ‬قيمةٌ‭ ‬نبيلةٌ؛‭ ‬أي‭ ‬جميلة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الممارسة‭ ‬الاجتماعيَّة،‭ ‬والكرم‭ ‬أيضاً‭ ‬يعد‭ ‬مثلاً‭ ‬أعلى‭ ‬وإغاثة‭ ‬الملهوف،‭ ‬وصون‭ ‬العرض،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الشرف،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الشِّعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬بوجهٍ‭ ‬عام،‭ ‬وفي‭ ‬أنواعٍ‭ ‬محدَّدة‭ ‬منه‭ ‬كالغزل‭ ‬مثلاً‭ ‬يتقدَّم‭ ‬أنموذجان‭ ‬للمثل‭ ‬الأعلى‭ ‬الجماليِّ‭ ‬هما‭ ‬الرَّجل‭ ‬ذو‭ ‬العلاقات‭ ‬النِّسائيَّة‭ ‬المتعددة،‭ ‬والمرأة‭ ‬بوصفها‭ ‬جسداً‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬سمات‭ ‬محدَّدة،‭ ‬أمَّا‭ ‬الغزل‭ ‬العذريُّ‭ ‬فقدَّم‭ ‬المرأة،‭ ‬بوصفها‭ ‬معشوقاً،‭ ‬يكابد‭ ‬العاشق‭ ‬في‭ ‬وصله‭ ‬المشقَّات،‭ ‬ويجسِّد‭ ‬العاشق‭ ‬مفهوم‭ ‬المعذَّب‭ ‬الَّذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬غايته‭. ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬فحدَّ‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المظاهر،‭ ‬وفنون‭ ‬القول‭ ‬وممارساته،‭ ‬وأبقى‭ ‬على‭ ‬بعضها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأنموذجات‭ ‬الجماليَّة‭ ‬فنيَّاً‭ ‬تصاغُ‭ ‬وفق‭ ‬المحتوى‭ ‬العقديِّ‭ ‬الاجتماعيِّ‭ ‬الَّذي‭ ‬فرضه‭ ‬الدِّين‭ ‬الجديد‭.‬

    ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬اللُّغة‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬اللُّغة‭ ‬سيف‭ ‬العربيِّ‭ ‬الَّذي‭ ‬يباهي‭ ‬الآخرين‭ ‬بحسنِ‭ ‬استخدامه،‭ ‬ويفاخِر‭ ‬بقدرته‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬اللُّغة،‭ ‬وبراعة‭ ‬الصَّوغ‭ ‬الشعري‭ ‬في‭ ‬الموضوعاتِ‭ ‬جميعها،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نزل‭ ‬القرآن،‭ ‬فالقرآن‭ ‬هو‭ ‬الإبداع‭ ‬الفنيُّ‭ ‬الأوَّلُ‭ ‬والأخير،‭ ‬الَّذي‭ ‬يختزل‭ ‬البلاغة‭ ‬والفصاحة‭ ‬والوضوح‭ ‬والغموض،‭ ‬وجميع‭ ‬المقولات‭ ‬الفنيَّة‭ ‬والنقديَّة‭ ‬الَّتي‭ ‬تحتسب‭ ‬للشِّعر‭ ‬والنَّثر‭ ‬والخطابةِ‭ ‬والرَّسائل‭ ‬وسواها‭.‬

    ‬فالله‭ ‬هو‭ ‬المبدع‭ ‬الأوَّل،‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق،‭ ‬الفكرة‭ ‬المجرَّدة،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬كذلك،‭ ‬أبدع‭ ‬هذا‭ ‬الأنموذج‭ ‬الفنيَّ‭ ‬اللُّغويَّ‭ ‬الخارق‭ ‬للعادة،‭ ‬وقدّم‭ ‬فيه‭ ‬وصفاً‭ ‬لذاته،‭ ‬وأخبر‭ ‬عن‭ ‬أقاصيص‭ ‬الأوَّلين‭ ‬جميعاً،‭ ‬ونظَّم‭ ‬الحياة‭ ‬والشَّرائع‭ ‬والطُّقوس‭ ‬والعبادات،‭ ‬وقدَّم‭ ‬مُثُلاً‭ ‬عليا‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬جميعها،‭ ‬والَّتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬عليها‭ ‬الحياة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإنَّ‭ ‬القرآن؛‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬الفنيُّ‭ ‬الكامل،‭ ‬الَّذي‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬ولم‭ ‬يحاكِ‭ ‬مثالاً،‭ ‬هو‭ ‬قول‭ ‬الخالق‭ ‬المبدع،‭ ‬وإذا‭ ‬وضعنا‭ ‬قول‭ ‬هيغل‭ ‬بأنَّ‭ ‬العمل‭ ‬الفنيَّ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مطابقاً‭ ‬للفكرة‭ ‬المجرَّدة‭ ‬أو‭ ‬الرُّوح‭ ‬المطلق‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬جميلاً،‭ ‬يكون‭ ‬القرآن‭ ‬بوصفه‭ ‬فنَّاً‭ ‬لغويَّاً،‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬الوحيد‭ ‬الَّذي‭ ‬قدَّم‭ ‬المطابقة‭ ‬بصورتها‭ ‬النِّهائية‭ ‬والمثلى،‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬الأنواع‭ ‬الفنيَّة‭ ‬الأخرى‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الفنَّانين،‭ ‬لذلك‭ ‬تظلُّ‭ ‬ناقصةً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬إنَّ‭ ‬النَّصَّ‭ ‬القرآنيَّ،‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الَّذي‭ ‬بقي‭ ‬كاملاً‭ ‬ومعجزاً‭ ‬في‭ ‬مطابقته،‭ ‬ومعجزاً‭ ‬على‭ ‬مرِّ‭ ‬السِّنين،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المثال‭. ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الفنِّ‭ ‬فقد‭ ‬صاغ‭ ‬النَّصُّ‭ ‬القرآني‭ ‬الأمثلة‭ ‬الفنيَّة‭ ‬الجماليَّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللُّغة‭ ‬والصُّورة‭ ‬الفنيَّة،‭ ‬وبراعةِ‭ ‬الأداء‭ ‬وحسن‭ ‬السَّبك‭ ‬والصِّياغة‭ ‬وسواها،‭ ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظرٍ‭ ‬واقعيَّة‭ ‬أو‭ ‬ماديَّة‭ ‬فقد‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬مثلٍ‭ ‬اجتماعيَّة‭ ‬ٍكانت‭ ‬سائدةً،‭ ‬وأضاف‭ ‬إليها‭ ‬مثلاً‭ ‬أخرى‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬جوهر‭ ‬الدِّين‭ ‬الإسلاميِّ،‭ ‬كالصلاة‭ ‬والصِّيام،‭ ‬والزكاة،‭ ‬والحجِّ،‭ ‬وكفالة‭ ‬اليتيم،‭ ‬وكفِّ‭ ‬الأذى،‭ ‬ويضاف‭ ‬إليها‭ ‬عناصر‭ ‬المحرَّمات‭ ‬الدِّينيَّة‭ ‬الأخلاقيَّة،‭ ‬وأصبحتِ‭ ‬القيم‭ ‬الجماليَّة‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬تقوَّم‭ ‬بوصفها‭ ‬جميلةً‭ ‬أو‭ ‬منبوذةً،‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬القيمة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬للأفعال‭.‬


المصادر‭ ‬الرئيسية

1‭.‬ ينظر،‭ ‬أدونيس‭ ‬الصوفية‭ ‬والسوريالية،‭ ‬دار‭ ‬الساقي،‭ ‬بيروت،‭ ‬ط1،‭ ‬1992،‭ ‬ص10‭.‬

2‭.‬ ينظر،‭ ‬د‭. ‬وفيق‭ ‬سليطين‭: ‬الشعر‭ ‬الصوفي‭ ‬بين‭ ‬مفهومي‭ ‬الانفصال‭ ‬والتوحد،‭ ‬دار‭ ‬الرأي‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬دمشق،‭ ‬ط1،‭ ‬2007،‭ ‬ص66‭.‬

3‭.‬ أدونيس‭: ‬الصوفية‭ ‬والسوريالية،‭ ‬ص35‭.‬

4‭.‬ المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص10‭.‬

5‭.‬ ينظر،‭ ‬هيغل‭: ‬مدخل‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬الجمال‭ (‬فكرة‭ ‬الجمال‭)‬،‭ ‬ترجمة‭: ‬جورج‭ ‬طرابيشي،‭ ‬دار‭ ‬الطليعة،‭ ‬بيروت،‭ ‬ط3،‭ ‬1980،‭ ‬ص93‭.‬

6‭.‬ مجاهد‭ ‬عبد‭ ‬المنعم‭ ‬مجاهد،‭ ‬تاريخ‭ ‬علم‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬دار‭ ‬ابن‭ ‬زيدون،‭ ‬بيروت،‭ ‬ط1،‭ ‬1989،‭ ‬ص13‭.‬

7‭.‬ جان‭ ‬بارتليمي‭: ‬بحث‭ ‬في‭ ‬الجمال،‭ ‬تر‭: ‬د‭. ‬أنور‭ ‬عبد‭ ‬العزيز،‭ ‬دار‭ ‬نهضة‭ ‬مصر،‭ ‬القاهرة،‭ ‬1970،‭ ‬ص573‭.‬

8‭.‬ وِل‭ ‬وايريل‭ ‬ديورانت‭: ‬قصة‭ ‬الحضارة‭(‬الشرق‭ ‬الأدنى‭)‬،‭ ‬ترجمة‭: ‬محمد‭ ‬بدران،‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المجلّد‭ ‬الأوّل،‭ ‬دار‭ ‬الجيل،‭ ‬بيروت،‭ ‬د‭.‬ت،‭ ‬ص42‭.‬

9‭.‬ المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص36‭.‬

10‭.‬ د‭. ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬أبو‭ ‬ريان،‭ ‬فلسفة‭ ‬الفن‭ ‬ونشأة‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬ص8‭.‬

11‭.‬ ول‭ ‬وايريل‭ ‬ديورانت‭: ‬قصة‭ ‬الحضارة،‭ ‬ص110‭.‬

12‭.‬ المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص113‭.‬

13‭.‬ ينظر،‭ ‬ول‭ ‬وايريل‭ ‬ديورانت‭: ‬قصة‭ ‬الحضارة،‭ ‬ص224‭-‬238‭.‬

14‭.‬ ينظر،‭ ‬أرسطو‭: ‬فن‭ ‬الشعر،‭ ‬ص23‭.‬

15‭.‬ الموقف‭ ‬الأدبي،‭ ‬مجلّة‭ ‬أدبية‭ ‬شهرية‭ ‬يصدرها‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬العرب،‭ ‬دمشق،‭ ‬العدد68،‭ ‬حزيران،‭ ‬1978،‭ ‬مبحث‭ ‬بعنوان‭: ‬جوهر‭ ‬الظاهرة‭ ‬المسرحية،‭ ‬رشيد‭ ‬مسعود،‭ ‬62‭.‬

16‭.‬ ينظر،‭ ‬ول‭ ‬وايريل‭ ‬ديورانت‭: ‬قصة‭ ‬الحضارة،‭ ‬ص272‭-‬273‭.‬

17‭.‬ ينظر‭: ‬المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص372‭.‬

18‭.‬ ينظر‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدّس،‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬والعهد‭ ‬الجديد،‭ ‬سفر‭ ‬راعوث،‭ ‬الإصحاحات‭ ‬الأربعة،‭ ‬ص383‭-‬387‭.‬

19‭.‬ ينظر‭: ‬وِل‭ ‬وايريل‭ ‬ديورانت،‭ ‬قصة‭ ‬الحضارة،‭ ‬ص372‭.‬

20‭.‬ ينظر،‭ ‬وِل‭ ‬وايريل‭ ‬ديورانت،‭ ‬قصة‭ ‬الحضارة،‭ ‬ص427‭.‬

21‭.‬ أحمد‭ ‬حسن‭ ‬الزيات‭: ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬منشورات‭ ‬دار‭ ‬الحكمة،‭ ‬بيروت،‭ ‬د‭.‬ت،‭ ‬ص12‭.‬

22‭.‬ ينظر،‭ ‬د‭. ‬فؤاد‭ ‬المرعي‭: ‬الوعي‭ ‬الجمالي‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام،‭ ‬دار‭ ‬الأبجدية،‭ ‬دمشق،‭ ‬ط1،‭ ‬1989،‭ ‬ص12‭-‬14‭.‬

23‭.‬ ينظر،‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬أبو‭ ‬ريان‭: ‬فلسفة‭ ‬الجمال‭ ‬ونشأة‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة،‭ ‬دار‭ ‬المعرفة‭ ‬الجامعية،‭ ‬مصر،‭ ‬ط8،‭ ‬1993،‭ ‬ص7‭.‬

24‭.‬ ينظر،‭ ‬هيغل‭: ‬مدخل‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬الجمال،‭ ‬ص125‭-‬126‭.‬

25‭.‬ ينظر،‭ ‬المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص138‭-‬140‭.‬

26‭.‬ ينظر،‭ ‬هيغل‭: ‬مدخل‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬الجمال،‭ ‬ص145‭.‬

27‭.‬ ينظر‭: ‬المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص131‭-‬136‭.‬

28‭.‬ ينظر،‭ ‬م‭. ‬أوفسيانيكوف،‭ ‬ز‭. ‬سمير‭ ‬نوفا‭: ‬موجز‭ ‬تاريخ‭ ‬النظريات‭ ‬الجمالية،‭ ‬تعريب‭: ‬باسم‭ ‬السقا،‭ ‬دار‭ ‬الفارابي،‭ ‬بيروت،‭ ‬1979،‭ ‬ط2،‭ ‬ص20‭-‬22‭.‬

29‭.‬ ينظر،‭ ‬شارل‭ ‬لالو‭: ‬مبادئ‭ ‬علم‭ ‬الجمال،‭ ‬ترجمة‭: ‬خليل‭ ‬شطا،‭ ‬دار‭ ‬دمشق،‭ ‬ص66‭.‬

30‭.‬ هيغل‭: ‬مدخل‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬الجمال،‭ ‬ص154‭.‬

31‭.‬ ينظر‭: ‬المرجع‭ ‬السابق،‭ ‬ص‭ ‬22‭.‬

32‭.‬ أدونيس‭: ‬زمن‭ ‬الشعر،‭ ‬دار‭ ‬العودة،‭ ‬بيروت،‭ ‬ط3،‭ ‬1980،‭ ‬ص11‭.‬

33‭.‬ ينظر،‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭: ‬الله،‭ ‬دار‭ ‬نهضة‭ ‬مصر،‭ ‬القاهرة،‭ ‬ط1،‭ ‬1994،‭ ‬ص16‭.‬

 5,221 total views,  2 views today

Hits: 501