الدراسة في حضرة كورونا
بدرية البدري
شهران، ربما تزيد قليلاً، هي كل ما تبقّى من زمن الإجازة الصيفية، التي ستأتي بعدها الدراسة في حضرة كورونا، هذا الكائن الذي نجح في السيطرة على العالم كله، وتحويل الوجهات إلى حيث يشاء، خصوصاً مع إعادة غلق بعض المدارس التي تم فتحها في الصين، نظراً لعودة ظهور كورونا.
كورونا الذي تمكّن من إيقاف الحروب، والدراسة، ورحلات الطيران، والأعمال، والاجتماعات، ودمّر اقتصاد الدول والشركات، حتى خلُصَ الجميع إلى ضرورة التعايش معه، ليأخذ من لا تقوى مناعته على احتماله، ويبقى من يتمكن من الصمود في مواجهته.
ولكن، ماذا عن الدراسة تزامناً معه، خصوصاً أن مدارسنا غير مهيأة أبداً للتعليم عن بعد، ولا بها من الاحتياطات الوقائية ما يُمكِّن طلابنا من الدراسة دون أن نخشى من تفشّي المرض، وتحوله إلى وباء.
قد يتفق معي البعض فيما أقول، وقد يختلف معي آخرون، ولكن دعوني أولاً أُلقي نظرة عن قرب على مدارسنا، والتي في أغلبها لا يوجد بها إنترنت يخدم الفصول، ولا سبورات ذكية عدا واحدة أو اثنتين في كل مدرسة، ولا يوجد بها أجهزة بروكسيما إلا تلك المُتنقّلة من صفٍ إلى آخر، وإن وجدت، لم توجد بها الحواسيب.
مدارسنا التي ما زالت تعتمد على الأنشطة الورقية، ويُرفض أي مشروع إلكتروني يُقدمه الطالب، كما يُصر الكثير من المشرفين على أن يقدم الطالب تقريراً مكتوباً بخط اليد، كمشروع، وكأنهم بذلك ضمنوا عدم نقله لمحتواه من الإنترنت، مع إن مادة كالموسيقى مثلاً، كان الأولى بالطالب أن يكون مشروعه عبارة عن معزوفة موسيقية يتعلمها الطالب بنفسه، باستخدام الإنترنت.
ناهيك عن الإصرار على ضرورة أن يكون التحضير ورقياً، ومكتوباً بخط اليد في كثيرٍ من المواد، للتأكد من أن المعلم لم ينسخ تحضيره القديم، وأنه على الأقل (نقله) كما هو من دفتر تحضيره القديم، ولكن هذا الأمر الذي ينم عن الثقة المفقودة بين المسؤول والمعلم من جهة، وبين المسؤول والمعلم والطالب من جهة أخرى، ليس هو مربط الفرس في موضوعنا، بل الدراسة في ظل كل هذه المعطيات، مع تزايد أعداد الإصابات بمرض كورونا، والتي من المتوقع أن تزداد في ظل عودة الحياة إلى طبيعته.
جميعنا نعلم أن التعليم عن بعد في عُمان هو أمر يصعب تحقيقه على الأقل في السنوات القريبة القادمة، وقد لمسنا بعض التحديات التي واجهته في بعض مؤسسات التعليم العالي، مما أعاقها عن تنفيذه.
وإن عدنا للمدارس، فإن الدراسة عن بعد تتطلب وجود بيئة مهيأة في المنازل، وهو ما يصعب توفيره، في ظل الأسر كبيرة العدد، وعدم وجود غرف مناسبة للدراسة، كما أن الكثير من الطلاب لا تتوافر لديهم أجهزة ذكية، والكثير من المنازل ليس بها إنترنت، وبعض المناطق الإنترنت بها يقع في المنطقة الحمراء.
الدراسة عن بعد ستتطلّب تهيئة الطاقم التدريسي قبل كل شيء، ومن ثم الطلاب، وأولياء الأمور، وتوفير إنترنت مجاني للطلاب، أو على الأقل بنصف التكلفة الحالية، ووضع خطة واضحة من البداية، تتضمن المحتوى الإلكتروني، والمعلم والطالب، ويتم تقييمها في مدة لا تتجاوز الشهر.
أما المنصة التعليمية التي اعتمدت على تقديم مقاطع الفيديو الشارحة، والمواقع التي تنافست مشكورة في بث الدروس المصورة، فإن كل ما قدّمته يمكن تصنيفه كأنشطة إثرائية، ولكنها أبداً لن تكون مُغنية عن الشرح، والتواصل المباشر بين المعلم والطالب.
ما الحل إذن؟
الحل أقترحه في الآتي، وأؤكد أن المقترحات هنا قابلة للتطوير والتعديل، وفق ما يتناسب، ومصلحة الطالب، والمادة العلمية الواجب اكتسابها.
1)تقسيم الطلاب في كل مدرسة إلى قسمين، وبالتالي تقسيم الطلاب في الصف الواحد إلى نصفين أيضاً.
2)تقسيم اليوم الدراسي إلى نصفين، كل نصف عبارة عن أربع حصص، مدة كل حصة 40 دقيقة، وبينهما 50 دقيقة، يتم فيها ذهاب طلاب المجموعة الأولى، ومن ثم استقبال طلاب المجموعة الثانية، مع ملاحظة أن الحافلة التي تنقل الطلاب إلى منازلهم هي ذاتها التي تعود بآخرين إلى المدرسة، مع ملاحظة أن يتم مراعاة عقود استئجار الحافلات، للتوافق مع زيادة عدد النقلات.
3)تخفيف المناهج الدراسية (الدسمة جداً)، وتحديد الدروس الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في دراسة الطلاب، خاصة في مواد مثل الرياضيات، واللغة العربية، وإن قال قائل إن هذا الأمر صعب، وأن كل درس في المنهج مهم، أرد عليه بأن أهمية هذه الدروس حددها بشر وضعوا المنهاج، وهم ذاتهم حذفوا بعضه في المدارس ذات الفترتين، بحيث حذفت من المناهج بعض الدروس، وتم تقليل وقت الحصة إلى 35 دقيقة بدلاً من 40 دقيقة، كما يدرس طلاب هذه المدارس 7 حصص بدلاً من 8، ولو كان الأمر مؤثراً لما طبقته الوزارة، مضحية بمستقبل نسبة كبيرة من أبناء الوطن من الدارسين في تلك المدارس.
4)تقليل عدد حصص المواد إلى النصف، فمثلا إذا كان الطالب في الصف السابع يدرس 6 حصص علوم في الأسبوع، يدرس فقط 3 حصص، لأن المنهج سيكون أقل بعد تخفيضه، ولكن معلم المادة سيدرس الحصص الست ذاتها، ولن يقل نصابه، لأنه سيكون مسؤولاً عن تدريس مجموعتين، وبالتالي سيُدرِّس الحصص نفسها لأن 3+3=6.
5)إلغاء نظام المجموعات، وترتيب المقاعد بحيث يكون هناك ما لا يقل عن متر ونصف بين الطالب وزميله.
6)حذف جميع الأنشطة غير الدراسية، من طابور، وفسحة.
7)إيلاء معلمات الأنشطة مهام الإشراف على دخول الطلاب إلى المدرسة والصفوف، وخروجهم منها، وفحص درجة حرارة الطلاب …إلخ.
8)إيقاف تدريس مواد الأنشطة، عدا تقنية المعلومات، والتي وجب للوزارة الانتباه وتحويلها إلى مادة أساسية، لما لها من أهمية، خاصة أن رؤية عمان 2040 حثّت على الاهتمام بتقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي، وأن يتم تخصيص جزء من منهاج تقنية المعلومات لتدريب الطلاب على استخدام البرامج المستخدمة في التواصل والتعلم عن بعد.
أخيراً؛ إن من المفارقة العجيبة في الأمر كله، أن تبحث وزارة التربية والتعليم عن حلٍّ للأزمة التي يواجهها التعليم في “التقنية” – كما يفعل العالم كله – في حين أنها تعامل تقنية المعلومات كمادة غير أساسية ضمن مناهجها، مُصرّة حتى اللحظة على أن تكون كذلك، لدرجة أن تلغيها تماماً في الصف الثاني عشر، ولا تضعها حتى ضمن المواد الاختيارية.
3,131 total views, 5 views today
Hits: 349