الضوء في حياتي
د. زهور بنت حسن حبيب
عيني والضوء
جلستْ “ريم” -ذات العشرة أعوام- مع أسرتها لمشاهدة التلفاز، وإذا بالتلفاز ينطفئ فجأة، وكذلك جميع الأجهزة الكهربائية والمصابيح.. ساد الغرفة ظلامٌ دامس، أخذ أخوها “سالم” -ذو العامين- بالبكاء، فهرعت إليه أمه تضمُّه وتهدئه، بينما ذَهب الأب مُسرعا لإحضار الشموع، وقام بإشعالها. أخذت “ريم” تساعد أباها بوضع الشموع على الطاولة، أخذ نورها يُضيء الغرفة رويدًا رويدًا. عندها سمع الجميع صَوت طرقٍ على الباب، فذهب الأب ليفتحه، فوجد أخاه “عامر” وأسرته، فَسُرَّ بهم، وأدخلهم الصالة، وأخبرهم عن انقطاع الكهرباء عنهم قبل قليل. اقترب “محمد” ابن عم “ريم” -الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام- من الشمعة، وأخذ ينظر إلى كِتَاب العلوم الموضوع على الطاولة بالقرب من الشمعة، وقال مخاطبا “ريم”: “انظري يا ريم، يخرج الضوء من عيني، ويسقط على كتاب العلوم، فأستطيع أن أراه”. فأجابته “ريم”: “لا يا محمد، بل يأتي الضوء من الكتاب إلى عينيك فتراه”.
”ولكن الكتاب لا يصدر الضوء يا ريم”.. تساءل محمد.
أجابه عمُّه: “فعلاً يا محمد، الكتاب لا يصدر الضوء، وإنما يعكس الضوء الساقط عليه من الشمعة”.
والدة “ريم”: “يعكس!! غريب، لكنه كتاب وليس مرآة!!”.
ريم: “فعلاً يا أمي الحبيبة، فالكتاب ليس بمرآة، لكنه يمتصُّ جزءًا من الضوء، ويعكس الجزء الآخر”.
والد ريم: “وبعض ما ينعكس منه يسقط على العين، والتي بقدرة الخالق -عز وجل- وتركيبها الفريد، ترسل معلومات عن الصورة عبر العصب البصري إلى المخ، فيترجم المعلومات إلى صورة كأنه حاسوب، فنرى الكتاب.
والدة ريم: “لاحظوا يا أولاد، كي نرى الكتاب تكمل العلوم بعضها البعض وتتكامل، فمن الفيزياء إلى علم الأحياء إلى التقانة”.
والد ريم: “هذا صحيح، ولا تنسوا علم الكيمياء، الذي يلعب دوراً أساسيًّا في عملية نقل المعلومات؛ أي الإشارات العصبية عن الصورة إلى المخ”.
والد محمد: “إذن، بدون ظاهرة الانعكاس لن نستطيع رؤية الأشياء من حولنا، ولن أراكم يا أحبائي”.
والد ريم: “نعم يا أخي، فعلم الفيزياء يفسِّر الظواهر الحياتية المحيطة بنا، ويساعدنا على فهم الطبيعة وتطور التقانة في حياتنا.. فمثلا: فهم ظاهرة الانعكاس ساعد على تطور تقانة المرايا، والتي تستخدم كثيرا في حياتنا اليومية. فهي مثلا تستخدم في المركبات (السيارات مثلا) لكي نرى المركبات الأخرى خلفنا، وكذلك تستخدم المرايا المقعَّرة والمحدَّبة لجعل الأشياء تبدو مُضحكة من أجل التسلية في المتاحف. وبواسطة المرايا نستطيع رؤية الأشياء مقلوبة”.
محمد: “صحيح يا أبي، فأنا دائمًا ألعب بالملعقة المعدنية لأرى نفسي مقلوبا”.
ضحك الجميع وهم سعداء لفهمهم كيفية رؤية الأجسام.
صورتي والنافذة
اتَّفق والد “ريم” مع والد “محمد” على القيام برحلة عائلية ترفيهية إلى وادي شاب في الشرقية. وعند الوادي، قال محمد مخاطبا عمه: إنني أرى وجهي على سطح الماء في الوادي يا عمي، لكنه ليس واضحا مثل المرآة؟ فهل تعكس المواد الشفافة الضوءَ مثلما تفعل المواد المعتمة؟
والد ريم: نعم يا “محمد”، عندما يسقط الضوء من الهواء إلى سطح الماء، فإن جزءاً من الضوء يدخل الماء بعد انكساره، والجزء الآخر ينعكس؛ لذا لا نرى صورنا بوضوح.
استمتع الجميع بالهواء المنعش، وبالطعام اللذيذ الذي أعدته والدتا “ريم” و”محمد”.
عاد الجميع من الرحلة مسرورين بعد قضاء وقت ممتع. إلا أن “محمد” ظل مشغولَ البال يفكر في كلام عمه.
بعد العشاء، توجهت “ريم” نحو النافذة لتشاهد القمر، وإذا بها تلاحظ وجود صورتها على زجاج النافذة فسرت بذلك. استيقظت في الصباح وكلها شوق لرؤية صورتها مجدداً بوضوح أكثر على النافذة، لكنها استغربتْ عندما لم تجدها هذه المرة، توجهت “ريم” إلى أبيها وسألته: لماذا يا أبي أرى وجهي على النافذة ليلا، لكني لا أراه في الصباح؟ أليس زجاج النافذة يعكس جزءاً من الضوء في كل الأوقات؟
والد ريم: بلى يا ابنتي، ولكن في النهار يكون ضوء الشمس في الخارج أشد من الضوء المنعكس من الزجاج إلى داخل الغرفة، فلا ترى العين الضوء المنعكس من الزجاج إلى الداخل، بينما ترى ضوء الشمس لشدته. أما في الليل، فيكون ضوء القمر في الخارج ضعيفا، مقارنة بالضوء داخل الغرفة، والمنعكس من النافذة، فنرى صورنا على زجاج النافذة.
والدة ريم: إذن؛ لذلك نحن نرى النجوم في الليل ولا نراها نهاراً.
قوس قزح
”محمد” وهو يفكر: “لقد قال عمي إن الضوء ينكسر عند انتقاله من وسط شفاف إلى آخر. وقد قال معلم العلوم إن قوس قزح الزاهي الألوان يتكون بسبب انكسار الضوء”.. استغرق أكثر في التفكير، وأردف قائلا: “لماذا نشاهد قوس قزح عندما تمطر السماء، ولا نشاهده في الأيام غير الممطرة؟”.
قرر “محمد” التوجه إلى غرفة مصادر التعلم في المدرسة، ليجد إجابة شافية عن سؤاله، وأخذ يبحث عن كتاب خاص بالضوء، وقعت عينه على الكتاب المطلوب، تصفح فهرسه باحثا عن قوس قزح؛ فوجد ضالته، وانطلق مسرعا لاستعارته، وذهب ليقرأه في المنزل. وبعدها، أخذ يُخبر “ريم” في زيارتهم التالية لبيت عمه، وقال لها: هل تعرفين يا “ريم” كيف يتكون قوس قزح؟
قالت ريم: لا يا “محمد”، كيف يتكون؟
محمد: عندما يكون الجو ماطرا، وتكون الشمس خلفك، تسقط أشعة الشمس على قطرة المطر، فتعمل قطرة المطر على كسر الضوء وتفريقه إلى مكوناته السبع بعدد ألوان الطيف؛ حيث يكون كل لون ضوئي مختلفا عن الآخر بطوله الموجي، وعندما تخرج هذه الألوان الضوئية من القطرة تظهر على شكل قوس قزح الجميل.
ريم: ما أبدع الضوء وما أبدع خالقه. ولكن كيف عرفت ذلك يا “محمد”؟
محمد: استعرتُ كتابا عن الضوء من غرفة مصادر التعلم في المدرسة.
ريم: قلتَ يا “محمد” إنَّ للضوء طولاً موجياً، فهل هذا صحيح؟
محمد: نعم، صحيح.
ريم: جاء دوري الآن للبحث، وسوف أستخدم شبكة المعلومات العالمية للبحث عن المقصود بالطول الموجي للضوء. وسوف أخبرك عنه في الزيارة القادمة يا “محمد”.
محمد: وأنا في منتهى الشوق لسماع المزيد عن الضوء.
3,499 total views, 2 views today
Hits: 134