الحرية الفكرية
د. صَالِح بن هاشل المسكري
الحَدِيثُ عن الحرية الفكرية حديثٌ ذو شُجون، إذ هي عبارة سحرية تُدغدغ العواطف، وتحرك المشاعر، وتلامس نبض القلوب، لها مكانة رفيعة عند الناس -أفراداً، وجماعات، وحتى الدول- تشقُّ طريقها في مساريْن؛ الأول: الحرية السالبة؛ وتتمثَّل في قدرة الإنسان على اتخاذ قرار ما كحقٍّ إنسانيٍّ طبيعيٍّ. والثاني: الحرية الموجبة؛ والتي تعني استخدام الوسائل والأدوات المتاحة لممارسة هذه الحقوق الطبيعية؛ وأهمها بالتأكيد: الحقوق المدنية والسياسية، والتي تحفظ للإنسان كرامته، وتُشعره بوجوده في مجتمعه، وأنه جُزء من حركة النظام العام في بلده، إضافة لمدى ارتباط هذه الحريات بالحقوق والواجبات العامة، أو تعارضها مع المعتقدات والأديان، وصولاً للحرية المطلقة، أو ما يُسمِّيه البعض بـ”الحرية الوجودية”، التي لا تلتزم بهُوية ثابتة، ولا تحدها قيود أو ضوابط، ويرى أصحابها أن الإنسان يتمتع بحرية الإرادة والاختيار، ولا يحتاج إلى مُوجِّه يسيطر عليه، حتى وإن كان هذا الموجِّه هو الإله نفسه الذي خلق الوجود؛ فهي حريةٌ قائمة على الاختيار، وهي فوق القانون، وقد مارس أبو البشرية آدم -عليه السلام- هذا النوع من الحرية -كما يدَّعي البعض- وأعني حرية التفكير والاختيار، عندما نهاهُ الله -عزَّ وجلَّ- عن أن يأكل من الشجرة الملعونة، لكنه لم ينتهِ وأكل منها، وكان اختياره سببًا في نزوله من جنات الخلد إلى دار الشقاء، ويقول الفيلسوف الألماني الكبير إيماويل كانت “لا أحد يستطيع أن يُلزمني بطريقته لأصبِح سعيداً؛ فكلٌّ منا يستطيع أن يبحث عن سعادته وفرحه بالطريقة التي يريد، شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته”. وهذا هو ما أقرَّه الإعلانُ الأمميُّ لحقوق الإنسان -الصادر عام 1789- حين ذكر أنَّ “للفرد حق أن يفعل أي شيء بما لا يضر بالآخرين”.
وَفِي الإسلام، لَمْ تأتِ كلمة الحرية كمُفردة مُستقلة في القرآن الكريم، إلا أنَّ الإشارة إليها كانت موجودة في مسألة الحر والعبد: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (البقرة:178). وعكس الحرية هو العبودية، والإسلام في جوهره وأصوله جاء ليحرِّر الإنسان من العبودية والتبعية: “وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ” (الأعراف:157)؛ فالإسلام دين الحرية ولولا المساحة الواسعة التي أتاحها الإسلام للحرية الفكرية، وحثه لأتباعه بالتفكير والتعبير والتدبر السليم بما ينفع الناس ويجمعهم، ويسهل معيشتهم، لما كانت هناك تفاسير للقرآن الكريم والفقهُ بقسميه الواسعيْن: فقه العبادات وفقه المعاملات، وما كان هناك اجتهاد عند علماء المسلمين أو تنوُّع في المذاهب الإسلامية.
وَمِنْ هُنَا نقول: إنَّ الإسلام لا يُقيِّد الحريات الفكرية بشتى أنواعها، بل يُؤسِّس لها، ويوجِّهها لخير الإنسانية، ويضع لها الضوابط والأطر التي تناسب فطرة الإنسان وتطوره وحاجاته وطبائعه. لكن في المقابل، الإسلام لا يُطلق الحريات الفكرية على عواهنها دون مُوجِّهات ولا مُحدِّدات تحفظ للإسلام مكانته، وللإنسان كرامته، ولا يُسمح بالحرية الوجودية بلا قيود ولا مُوجِّه؛ فتخرج الحرية من معناها العقلاني السليم إلى الفكر التحرُّري الجامح، الذي يتمرَّد على العادات والتقاليد والمبادئ والقيم، وكل ما يظنه المتحرِّر أنه أفكار قديمة لا تناسب العصر المتطوِّر المنفتح على ثقافات العالم -حسب رأيه- ويصل به الأمر إلى إنكار مبادئ وقيم أصيلة في دينه ومجتمعه؛ فتلتبسُ المفاهيم عند هذا المتحرر فكريًّا بين مفهوم الحرية freedom، ومفهوم التحرر liberalism، ويعيش في حيرة من أمره وعدم اتزان؛ فهو يُطالب بالحرية الفكرية ويمارس التحرُّر الفكري المنفلت من كلِّ قيد، فيخرج من موطنه إلى غُربة لا يعلم بها إلا هو.
والحُريَّة عِنْد مَنْ يجهل قيمتها ومعناها، ويستخدمها لغير وجهتها الصحيحة ومقاصدها، كالمال عند السفهاء ينفقه صاحبه على شهواته وملذَّاته مع إنكاره الحلال والحرام في تصرفاته، وعدم مراعاة حريات الآخرين، ولا الواجبات والحقوق العامة “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا” (النساء:5)، وتحتاج الحرية إلى أوعية تستوعبها، تكون بقدرها، وإلا فاضت وشوهت المكان من حولها.
وتهتمُّ الشُّعوب بالحرية الفكرية والمشاركة السياسية، وتبذل أقصى جهدها للحصول عليها وممارستها، وتسعى لأن تنص دساتيرها الوطنية على هذه الحقوق، وفي ظروف معينة تضطر الشعوب لأن تدخل في صراع وصدام مع السلطات والأنظمة السياسية للحصول على ما تراه حقًّا طبيعيًّا لها في ممارسة حرية الرأي والتعبير، خاصة إذا ما واجهت الشعوب أنظمة سياسية شمولية مُتسلطة، ترى الحقيقة بأعينها فقط، وتُمسك بزمام القرار وحدها؛ فهي تأمر وتنهى، وتمنحُ وتمنع، ولا مُعقِّب لحكمها.. هذه الأنظمة لا شك تتسبَّب في حالة من الاحتقان الذي يؤدي لتفجُّر الكثير من الأزمات والثورات التي تُنهك الدول، وتعطِّل التنمية، وتفتح فضاءات واسعة للفساد والكراهية.
وفِي السَّلطَنة، هناك قواعد ومواد قانونية في النظام الأساسي للدولة (الباب الثالث: الحقوق والواجبات العامة) رسخت الحرية الفكرية، ودعمت ممارستها في المواد 28 إلى 32؛ وذلك في حدود القانون. وقد أكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- على أهمية ممارسة الفكر والتعبير عن الرأي بحرية، وقال عبارته الشهيرة عند لقائه بطلاب وأساتذة جامعة السلطان قابوس في 2 مايو عام 2000م: “إنَّ مصادرة الفكر والاجتهاد والتدبر من أكبر الكبائر، ولا نسمح لأحد بأن يُصادر الفكر أبداً”. والحقيقة أنَّ الحرية الفكرية في عُمان مساحتها جيدة، وهي في حدود الممكن في المرحلة الحالية، وكما قلت آنفاً: “الحرية الفكرية تحتاج أوعية تستوعبها، تكون بقدرها، فإذا زادت عن المطلوب فاضت وشوَّهت المكان”.
وَمَع هَذَا، نقول: إنَّ الأجهزة الرقابية لممارسة الحرية الفكرية في البلاد تقوم بواجبها، لكنها أحياناً تجتهد أكثر من اللازم، وتضيف من عندها قيوداً وضوابط وإجراءات ما أنزل الله بها من سلطان، وتظن أنها بذلك تقوم بالواجب كما ينبغي لجلال وجه المسؤول؛ فترفض كتباً، وتمنع مقالات، ولديها حساسية مُفرطة من بعض كُتَّاب الرأي والمدوِّنين والمغرِّدين؛ لأنهم مدوا أرجلهم أطول من مسطرة الرقيب. ومن هنا، يُمكن أن تضيق الحريات، وتضيق معها القلوب، وتتأزم الأنفس، ويزيد الضغط والاحتقان عند الممارسين للحرية الفكرية في البلاد، ويأتي الصِّدام وهو من سُنن الحياة، قال تعالى: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ الله ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” (البقرة:251).
د. صالح الفهدي
الحُريَّة -بِلَا شك- تُحقِّق مفهومَ الإنسانيةِ الأصيل؛ إذ لا يٌمكنُ للإنسانيةِ أن تحقِّق ذاتها -بما في ذلك من كرامة وعزة، وتعبير عن الرأي، والتفكير، والنقد، والإبداع، والسعي للطموحات والأهداف- إلَّا بقدرِ مساحات الحرية. إنما لا يوجد ُما يسمى بحريةٍ دون حُدود، لا يُوجد ذلك إطلاقاً، فإذا كانت الحرية هي انعتاقٌ من أغلال العبودية، فإن عدمَ وجود حدودٍ لها سينتهي إلى العبوديةِ ذاتها! يقال: “طلب الحرية بغير طلب الله، يؤول حتماً إلى نسيان الحرية، بل إلى طلب نقيضها”. النقيضُ هو عبودية الشهوات التي لا تحدها حدود، وهذا ما وقعَت فيه الكثير من الشعوب الغربية، فقد كان أثر الحرية بلا حدود في الأخلاق والسياسة والدين مدمراً..! لهذا؛ ظهر مصطلح الحرية في السنوات الأخيرة مقروناً بالمسؤولية؛ لأن عدم المسؤولية أدى إلى الانفلات، وهذا من طبيعة البهيمة لا الإنسان!! حدث هذا الانفلات في: الغرائز، والأخلاقيات، والتعبيرِ عن الرأي، رغم أنَّ المفهوم الحقيقي للحرية محدودٌ بالمسؤولية نحو الآخرين، يُعرِّف الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل الحرية بكونها: “قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة أن لا تكون مفضية إلى إضرار بالآخرين”، والمصلحة قد تكون مادية أو معنوية.
هَذَا لَيْس مفهوماً بشريًّا، وإنما هو إطارٌ حدَّده الخالق -عزَّ وجلَّ- الذي حث الإنسان على طلب الحرية، وعدم الرضوخ للظلم والاستعباد والإذلال: “إِن الذِينَ تَوَفاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” (النساء:97). ومع ذلك، فإنَّ شريعته -سبحانه- الكافلة لحرية الإنسان قد هذَّبت هذه الحرية بأُطر تكفلُ له الكرامة والعزة دون إضرارٍ بنفسه أو بالآخرين “لا يُكَلفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ” (البقرة:276).
الإنْسَانُ حرٌّ في مَسْعَاه، وتقرير مَصِيره، واتخاذ قَرَاره، ولكنَّه مسؤولٌ عن نتائج قرارته، التي لا يمكنه أن يتنصل منها بعد أن ادعى بحريته في اتخاذها. لا يمكنُ لمجتمعاتٍ بشرية أن ترتقي بمفهوم المواطنة دون أن يكون أفرادها مؤمنين بالقوانين والتشريعات التي تنظِّم حياة المجتمع، وتحدد أهدافها، وتصون مُكتسباتها، وتقيم العدل بينهم، وتكفل لهم حرية الرأي وفق ضوابط متعارف عليها، وتحميهم من الوقوع في الفوضى والاستبداد، والإذلال وأتون النزاعات المختلفة.
لَا يُمكُن للحريَّة الحقيقية أنْ تتحقَّق إلا في إطارٍ يحميها من الانفلات والعودةِ إلى العبودية؛ فالمستبدُّ الظالم قد اغتال الحرية منذ أن أسقط عنها حدودها، وضرب بمبادئها عرض الحائط، وهكذا يكون الإنسان بهيميًّا، منفلتًا في نزعاته وشهواته ورغباته، إن هو تعاطى مع الحرية على أنها فضاءٌ لا تحده مفاهيم تكفلُ للإنسانية عزتها وكرامتها. على أن لحدود الحرية أيضاً شروطا؛ على رأسها: الإنصافُ، والعدل، والمساواة؛ بحيث لا تُفرضُ على البشرِ فرضاً من قبل الطغاةِ المستبدين، وإنما تأتي طبيعية مما شَرَع الخالقُ لعبادهِ فيما يُنظِّم حيواتهم، ومما يَرَاهُ مُمثلو الشعوب في البرلمانات التشريعية من قوانين ونُظم تصبُّ في مصلحة أوطانهم.
وَفِي الأخِيْر.. أكرِّر المقولة المتعلِّقة بالحرية المسؤولة: “أنت حرٌّ ما لم تضر”؛ ففي ذلك سَلَامة للجميع، وأمن وسلام للوطن وللإنسانية جمعاء.
عبدالله العجمي
كَانَتْ المعاركُ الشَّرسة والعَنِيْفة التي كَان الأساسُ من اشتعالها هو الحريَّة -سواءً بهدف استرجاعها أو طمسها- مِنْ أكثر المعارك التي تحملُ جانبيْن متضاديْن في آن؛ فنراها مليئة بأعنف المحرمات التي استخدمت للضغط على طرف ما. وفي المقابل، هي زاخرة بالتضحيات والضحايا الأبرياء ومن لا ذنب لهم.. كائنا ما كان نوع الحرية التي اندلعت تلك الحروب لأجلها؛ كحرية الإرادة، أو الفِكر، أو تحديد المصير. وكانت هذه “الحرية” من المواضيع الملحّة على الدوام، والتي ألقت بظلالها على حركة الإنسان ثقافيًّا وسياسيًّا وعلميًّا، ولا يكاد يخلو عصر من العصور التي عاشها الإنسان من مثل هذه المعارك؛ فهو صراعٌ شبه دائم بين من يقيِّد فِكر وإرادة بني البشر، وبين من يحاول فتح آفاق لهذه الحرية؛ الحرية التي بها تنمو قوَّته ويتمادى فِكره، ويتفتَّق منها وعيه وإدراكه، ليشقَّ طريقه نحو تحديد مصيره على خط من خطوط السلامة التي يبتغيها، بينما في المقابل ستضعف قوته ويتجمَّد فكره، وسينحسر وعيه، ليتعرَّج مسار مصيره في منعطفات القهر والعبودية.
وَلعلَّ الكثيرَ منا يغفل، أو ربما يجهل، أن حرية الفِكر هي الأصل؛ فقد خلق الله البشر أحراراً، ولم يحد عقولهم بحاجز، فيمكن لأي منا أن يغوص في أعماق لُجج الفِكر، أو أن يعتلي أعالي قممه دونما مانع؛ إذ ليس هناك مُقدَّسات بالمعنى الحرفي أمام هذا الفكر سوى واحدة.. إنها المسؤولية؛ إذ لا بد أن تغلف هذه الحرية الفكرية بغلاف المسؤولية التي تمنع الإنسان من الانطلاق في عالم الفكر بطريقة “مزاجية”، بل إن حريته الفكرية ستكون مُصانة ما دامت مسؤولة؛ فيفترض عليه أن يستخدم لهذه الحرية الفكرية الأدوات والأسباب والعناصر الخاصة به، والتي يُمكنها أن تؤصل لحريته هذه: مسؤوليةً تضمن أن ما يُحركه في هذه الرحلة الفكرية هو البحث عن الإيمان بفكرة ما؛ لأنَّ الإيمان بدوره سيؤدي إلى الانتماء، وانتماؤه هذا هو من سيقود حركته في هذه الحياة؛ لهذا فإن تُركت الحرية بلا مسؤولية فسنرى تفريخ الكثير من خلايا التطرف والعنف بالعالم استناداً لحرية تفكيرهم، واستنادهم لمنهجيتهم في بلورة بعض الأفكار التي قادتهم إلى هذا العنف وتقييد حرية الغير.
وَلَعلَّ المشكلةَ الأساس التي يعيشها بعض المفكرين في عالمنا الإسلامي أنَّهم يعيشون في ازدواجية ببعض المعايير؛ فأخذوا شيئاً من الإسلام وخلطوه بأشياء من الغرب.. إننا نعتقد بأصالة الانتماء، والحرية هي القاعدة التي نتحرك فيها؛ فلا ينبغي الخلط بين حرية حرَكية (سلوكية) تنطلق من قاعدة معينة، بحرية سلوكية منطلقة من قاعدة فلسفية أخرى؛ فعلى سبيل المثال: في دول الغرب، ينطلقون من قاعدة فلسفية تقول “إن المرء حر في جسده؛ فلا إشكال في أن يتعرى، أو ينغمس في وحل الحرية الجنسية”… وقس على ذلك، بينما القاعدة الفلسفية الإسلامية لا تخوِّل للمرء أن يدمر نفسه، أو أن يضرها؛ فلا يحق له التصرف بجسده إلا لما يُصلح حاله، وتستقيم به حياته ماديًّا وروحيًّا على حدٍّ سواء.
إنَّه وبُمجرَّد التفكير في أني أكتب لكم وأنتم تقرؤون لي، فهذا بحد ذاته أحد أهم مظاهر تطور الفِكر وحريته؛ لأننا -بطبيعة الحال- إذا ما عايشنا أشخاصاً مفكرين يخوضون النقد ويستفزون العقل بشيء من الأفكار ليفلتروها بعقولهم، فلا ريب أننا سنستلهم منهم الكثير، وربما تتغيَّر بعض قناعاتنا لتتماشى مع بعض نظرياتهم التي توصلوا إليها، ويحصل أحياناً أن نصمت أمام الآخر وهو يشرع في تشذيب بعض الأفكار، أو ترسيخها، أو حتى تغييرها في عقولنا.. كما صادفته وأنا أستمع لشخصٍ يحملُ كاريزما تُجْبِرك على التسمُّر أمامه كالمفكر صادق جواد سليمان.
29,355 total views, 2 views today
Hits: 7205