الإعلام العُماني .. من التجربة إلى المسيرة ومن الوظيفة إلى الفكر
أحمد بن سالم الفلاحي
“تفضَّل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- فعقد مؤتمرا صحفيا لأجهزة الإعلام والصحافة العُمانية؛ وذلك بتاريخ 22/10/1985م؛ حيث من جملة ما طُرح على مقامه السامي الكريم السؤال التالي:
◄ مع التطور الذي تحقَّق على أرض السلطنة تحت قيادة جلالتكم، كان هناك نصيب للإعلام والصحافة العُمانية بدور يعكس حجم الإنجاز الذي تحقق.. فما تقييم جلالتكم لهذا الدور؟
(جلالة السلطان): بما أنكم أنتم رجال صحافة وإعلام، فمن الصعب أن يمدح المرء أحدا في وجهه، ولكن حقيقة أني أعتقد أن الهدف الذي وُضع للإعلام في هذا البلد بما فيه الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب. وأعتقد أنَّ هذا موجود والحمد لله؛ لأننا نرى في كثير من الإعلام تُقال أشياء خيالية أحيانا؛ فنحن هنا لسنا خياليين أصلا، المرء يجب أن يقول الواقع ويقول الصدق، وهذا أريد أن أؤكده وأنصح به، مع أني مُقتنع أن هذا هو الشيء الموجود حقيقة في إعلامنا بجميع جوانبه؛ لذلك من هذا المنطلق أعتقد أن المسيرة الإعلامية هي مسيرة تسير على الطريق الصحيح، ولكن ما في شك أنه مع التطور يجب أن يتطور الإعلام كذلك كفكر أو نوع.
والإعلام يجب أن تكون له مهمتان؛ الأولى: نقل الحقائق كما هي، وأن يكون صـادقا في نقل هذه الحقائق. والمهمة الأخرى: يجب أن ينقل الحقائق أكانت إيجابية أم سلبية، وبالصورة التي تكون ذات مردود مفيد على المستمع والرائي والقارئ، أكان هذا الإنسان داخل السلطنة أم خارج السلطنة. أنا أتمنى ذلك، إن شاء الله سوف يتطوَّر الإعلام في هذا البلد بكل فروعة دائما وأبدا؛ ليواكب التطور الموجود في البلاد. وهناك جانب آخر، هو جانب الفكر الإعلامي الذي يجب أن يكون موجَّها، وهذا الجانب من الإعلام مُهم جدًّا؛ لأنه عندما توجه الإنسان فقد توجهه إلى الصح أو إلى الخطأ. يجب أن يكون الهدف دائما هو التوجه الهادف، ولا شكَّ أن الهدف دائما هو الإصلاح، وإذا كان هناك نقدا اجتماعيا وما شابه ذلك، فيجب أن يكون هذا النقد مدروسا دراسة حقيقية علمية وعلى أسس، وليس فقط أنه لم يعرف ماذا يقول، يطلع بشيء اسمه نقد، في كل فروع الإعلام يجب أولا أن يُتوخى الإصلاح. ثانيا: يجب أن يكون مبنيا على أسس الصدق، كذلك دور الإعلام هو من الركائز المهمة في أي مجتمع، وإن شاء الله نتمنى له التنمية الفكرية والنوعية.. شكرا”.
—————————–
يرى الدكتور عادل سالم العبد الجادر -رئيس تحرير مجلة “العربي” الكويتية- في مقاله الافتتاحي لعدد شهر أكتوبر 2015م، حسب النص: “يأتي دور السياسة والإعلام، ليكونا سجل أحداث واقع الحاضر المبعثر. بعدها، يأتي دور التاريخ في توثيق تلك الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، فيسهل تصنيفها كحق أو باطل طبقا للقوانين الدولية والمثل الإنسانية” (انتهى قوله).
لذلك ينظر إلى الإعلام على أنه اللوحة الفسيفسائية التي تضم بين جنباتها الكثير من الجمال، والكثير من التقاطعات، والكثير من الأسئلة الحائرة، والكثير من تناقضات الألوان؛ لأنه في النهاية يؤول إلى الفكر كما يراه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه- كما جاء أعلاه، وفي خضم هذه اللوحة تكبر مساحة الاهتمام بهذا “المارد” إن جاز التعبير، فهو إحدى أهم المحطات لصنع القرار الوطني، والقرار السياسي، والقرار الاقتصادي، والقرار الاجتماعي، والقرار الثقافي. وبقدر هذا الاحتواء الشامل للوسيلة الإعلامية يظل يصعب الفكاك من ربقتها، ومن استحواذها، ومن هيمنتها، وكل ذلك يديره أنا وأنت وأنتم، مع اختلاف الأدوار والمسميات؛ فهو العاكس لنبض المجتمع، وهو الناقل لتفاعلات أفراده، وأدواته، ومعه تكبر المساحة، وبه تصغر إن أردت أنا، أو أنت، أو نحن، أو انتم، فكلنا معنيون بالمسألة الإعلامية مع اختلاف الأدوار والمسميات أيضا.
هناك أسئلة محورية طُرحت لمناقشة الواقع الإعلامي في السلطنة، وتطرح باستمرار، وهذه حالة إيجابية تجاه الإعلام العُماني؛ لأنها تعكس مستوى الاهتمام الذي يبديه الجمهور تجاه إعلامه المحلي، وهي أسئلة في ضمنيتها عتاب، كما يراه البعض، وحالة من عدم التوافق كما يراه البعض الآخر، وهذه الأسئلة وإن لم تطرح مباشرة، إلا أنها تدور في ذهنية الكثيرين؛ ضمنية لقياس تعاطي الإعلام العُماني مع مسارات التنمية في السلطنة، وهل طغت الإيجابية على السلبية، أو العكس، حتى وقع في فخ وصف “الإعلام التنموي” في فترة من الفترات، وهذا يحدث دائما في ظل البناءات، حيث تجند كل الوسائل الممكنة للوصول إلى نهاية البناء، وليس الخوف من هذه المرحلة، ولكن الخوف من أن تعبر مثل هذه المرحلة إلى زمن يطول؛ مما يسبب -في المقابل- نوعا من السأم لدى المتلقي؛ فالرسالة الإعلامية توصف دائما بـ”الديناميكية” وبـ”الجدية”، وبـ”التنوع”، بما يستلزم ذلك من تحديث بنائية الرسالة، ومن تحديث في واجد هذه الرسالة، وهم مجموعة العاملين في المؤسسات الإعلامية، وفي حارس هذه البوابة، ومنظم مساراتها المختلفة من القوانين والأنظمة التي تسير عليها المؤسسات، وبما يتوافق مع الواقع ولا يتأخر عنه كثيرا، أو يصطدم ويتقاطع مع العوامل المحيطة به في بيئته القريبة على أقل تقدير.
حرصتْ الكوادر الإعلامية من العاملين في مختلف المؤسسات على أن توجد حلحلة لمسيرة الإعلام في كل فترة زمنية، قياسا بمتطلبات كل مرحلة؛ وذلك انعكاسا لمراحل البناء التي تنجزها المسيرة التنموية من ناحية، ومن ضغط الجمهور من ناحية ثانية؛ فكلنا يعلم أن هذه المسيرة مرت حتى الآن بثلاث مراحل رئيسية؛ هي في المرحلة الثالثة اليوم.. بدأت المرحلة الأولى في الفترة من مطلع السبعينيات إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وهذه مرحلة خلصت للبناء التأسيسي للمسيرة؛ حيث الشمولية في تأسيس البنية الأساسية من الصفر، شملت بسط الحالة الأمنية التي كانت تتنازع قوى سياسية خارجية، وتحديات قبلية داخلية، إضافة إلى إنشاء المدارس والطرق والمستشفيات، والخدمات الاجتماعية والثقافية؛ فكانت هذه المرحلة لها استحقاقات خاصة في خانة الأعلام وكيفية التعامل معها. أمَّا مرحلة التسعينيات وحتى نهاية الألفية فكانت متطلبات المرحلة هي التوسع في مختلف هذه البنى الأساسية، وكان الإعلام مطالب أيضا بأن يتعامل مع هذه المرحلة بنوع من الموضوعية؛ فالمسألة بعد لم تصل إلى مرحلة النقد، وإنما عايش الإعلام في هذه المرحلة حالة “التصويب” لمسارات هذه البُنى الرئيسية في مرحلة توسعها، وأتصور -من وجهة نظر خاصة، قياسا بعمر التجربة الصحفية التي بدأتها في جريدة عُمان منذ أواخر عام 1987م- أنَّ العاملين في مختلف هذه المؤسسات بدأوا تحريك ما كان راكدا من خلال هذا التصويب، وإن كان هذا التحريك أو الحلحلة كانت تواجه بشيء من الرفض من قبل مسؤولي الخدمات؛ لذلك كان هاتف مكتب رئيس التحرير -في ذلك الوقت، حيث لا توجد هواتف نقالة- كثيرا ما يستقبل هذا النوع من اتصالات المعنيين في بعض المؤسسات؛ حيث يرون أنَّ الإشارة إلى خدمة ما بهذا التقييم غير منصفة؛ لأنَّ المسالة لا تزال في طور البناء. ومع ذلك، لم تكن ملاحظات رئيس التحرير مطلقة في مسالة التعاطي مع هذا التصويب في هذه المرحلة، على اعتبار أنَّ المسؤول الأعلى في أية مؤسسة خدمية يظل غير مُطَّلع على كثير من جوانب النقص المرافق في العمليات المختلفة لهذا التوسع في الخدمات، خاصة وأنه حتى في هذه الفترة الزمنية بعد أن قطعت النهضة المباركة مسيرة ثلاثين عاما تقريبا، كانت هناك قرى لم تصلها بعض الخدمات؛ فكان من الواجب على العين الإعلامية والصحفية -بوجه الخاص- أن تنقل معاناة أبناء هذه القرى البعيدة إلى المسؤول الأعلى بأنَّ هناك نقصًا في الأداء يجب أن يُكمل؛ فهؤلاء مواطنون لهم الحق الكامل في نعم التنمية ومناخاتها المختلفة، فوق أن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- يؤكد في كلماته السامية كلَّ عام على ضرورة تلمس حاجيات المواطن ومستحقاته من برامج التنمية؛ لذلك كان يحرص في جولاته السامية على تقصِّي هذه الخدمات ومدى اكتمالها في مختلف هذه القرى البعيدة عن حاضراتها في مراكز الولايات المختلفة، وكان يأمر بصورة مباشرة بإكمال خدمات التنمية إلى هذه القرى، ليقين جلالته الكريم بأنَّ خطط التنمية تواجه الكثير من التحديات التضاريسية التي تصطدم بها -غالبا- برامج التنمية، ومع ذلك ظل هناك جدل أو اتهامات مباشرة عن قصر الدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام ليس فقط في تصويب اتجاهات برامج التنمية، ولكن في نقد القصور الذي لم يستطع المعنيون في المؤسسات المختلفة ردم ثغرة القصور في طول المدة التي لم تصل فيها الخدمة إلى المستحقين من المواطنين، إضافة إلى ما يرافق ذلك من عيوب في صورة هذا التوسع؛ سواء كانت عيوبا فنية، أو عيوبا في عدم وجود خدمة متكاملة الأدوار في تقديم المطلوب إلى المتلقي.
في هاتين المرحلتين، أستطيع القول بأن الإعلام العُماني مارس نوعا من التواطؤ أو التوافق مع المسؤول، وهو موقف أملته ضرورة المرحلة ربما؛ حيث كان الجميع معنيًّا بالتضحية، والجميع معنيًّا بالتكاتف، والجميع يعيش مرحلة “تجربة” الممارسة على الأرض، أو كما يُطلق عليها أيضا “تجربة الخطأ والصواب”؛ فالثلاثون عاما من الممارسة على الرغم من أهميتها في تأسيس قناعات وخبرات إلى حدٍّ ما، إلا أن التجربة ذاتها كانت تعيش تشظيات بين فترة وأخرى؛ نظرا لانعكاس متطلبات الواقع؛ فكلما أنجزت شيئا ما من برامج التنمية وجدت أنك في بداية الطريق لشيء آخر، وكبرت نظرة العتاب من قبل الجمهور المتلقي تجاه إعلامه؛ لأنه يفترض كما يرى هذا الجمهور أن يُؤسِّس الإعلام لنفسه خطًّا واضحًا في التعامل مع مختلف التشظيات التي تعيشها التجربة، وأنْ لا يكون منساقا لمختلف المبررات التي كان يبديها المسؤول عن هذه البرامج. ومن هنا، ارتسمت صورة نمطية عن المؤسسة الإعلامية لدى الجمهور؛ حتى إنْ حاول الإعلام بعد ذلك أن يعيش حراكا أفضل، وإن كانت اجتهادات شخصية من عدد غير قليل من المنتمين إلى الأسرة الإعلامية في السلطنة، إلا أنَّ هذا الحراك لم يستطع لأن يلغي هذه الصورة النمطية المرسومة عنه من قبل الجمهور العريض، خاصة في ظل وجود محطات إعلامية حديثة حلت في المحيط الإقليمي تنتهج نهجا مغايرا لمختلف التجارب الإعلامية في المنطقة الخليجية على وجه التقدير، وهذا مما عزَّز قناعة الجمهور بأن إعلامه لن يتغيَّر نهجه إلا بالوصول إلى هذا المستوى من الطرح الذي تبديه هذه القنوات الفضائية الجديدة، والتي لا تنتمي إلى الأسرة الخليجية لا قالبا ولا مضمونا إلى حدٍّ بعيد.
مشكلة المنطقة الخليجية أنها منطقة صراعات وتموُّجات لم تهدأ منذ مطلع الثمانينيات حيث الحرب العراقية-الإيرانية الأولى، وصولا اليوم حيث تعيش في عُمق صراع يعيشه الجميع؛ وبالتالي فلهذه الظروف نفسها متطلباتها الخاصة، ومعروف عن السلطنة مسارها المعتدل في كل هذه الصراعات على مدى الثلاثين عاما الماضية؛ وبالتالي فهذا الاعتدال في التعاطي مع الأحداث خيَّم على النهج الإعلامي ذاته؛ سواء في التعامل مع محيطه الخارجي، أو مع واقعه الداخلي، فالمسألة -في كثير من الأحيان- يصعُب تقسيمها أو تجزئتها إلى أجزاء، وكل جزء له نهج خاص، خاصة في هذا الجانب؛ فبقدر الحذر الذي يجب أن يتعاطى فيه الإعلام مع الأحداث الخارجية، حرص هذا الإعلام على نفس الحذر في التعاطي مع ظروفه الداخلية، مع وجود إمكانياته البشرية القادرة على خلق مرحلة صدام مع كل ما يتناقض مع رضا الجمهور العريض، ولكن كانت الرُّؤية دائما تتجه إلى التهدئة، وإلى ضرورة إفساح المجال، وإلى ضرورة الصبر؛ فالأمور لن تأتي هكذا بين ضحية وعشاها، إنه نوع من المهادنة بلا شك، ولكن هذا لم يوقف بعض الأقلام التي كانت تسبح عكس هذا التيار، وكان لها وقع في التأثير على كثير من تصويب برامج التنمية؛ فالمسالة ليست تصيد أخطاء، بقدر ما كانت تصويب الأخطاء، والمسألة ليست موجَّهة إلى مسؤول بصفته الشخصية، ولكن من باب أنَّ المرء يُخطئ ويصيب، ومن لا يخطئ لا يعمل، هكذا كانت وجهة نظر الواعين للرسالة الإعلامية، وكانت هذه النظرة -أو هذا التقييم- للرسالة الإعلامية في السلطنة مرحب بها إلى حدٍّ كبير من قبل حراس البوابة الإعلامية في السلطنة في أفرعه الثلاثة: المكتوب، والمرئي، والمسموع.
تأتي المرحلة الثالثة مع مطلع الألفية الجديدة التي تقتطع اليوم من عمرها 15 عاما، وهي مرحلة شهدت -ولا تزال- نقلة نوعية في مجال الاتصالات غير مسبوقة، وولدت من رحم الغيب أدوات إعلامية “بديلة” كما يطلق عليها؛ والمتمثلة في: “تويتر، وفيسبوك، وإنستجرام، وواتس آب، وقبلها البريد الإلكتروني” وهذه ألغت -أو كادت أن تلغي- هيمنة المؤسسة الإعلامية التقليدية، وخلقت جيلا جديدا من الصحفيين في الفروع أو المجالات الثلاثة: المكتوب، والمرئي، والمسموع. وبقدر التحدي الذي فرضته أدوات الإعلام البديل، والحرج الذي سبَّبته للإعلام التقليدي، إلا أنَّ هناك من يراهن على أهمية الإعلام التقليدي كوجه آخر من وجوه التنمية في أي بلد، وينظر إليه بشيء من التقدير، وأنه لا يزال المعبِّر عن سياسة البلد الذي يكون فيه، وأن هذا الوليد “الإعلام البديل” سيظل يعيش مراهقة طويلة في العمر، ونضوجه مرهون بأشياء كثيرة ليس من اليسير تحققها في هذه المرحلة القريبة على أقل تقدير؛ نظرا لتبنيه من قبل جمهور لا أول له ولا آخر، جمهور يحتويه هذا الفضاء اللامتناهي، لا يحده زمن، ولا جغرافيا، ولا تنظمه دساتير أو قوانين، أو أخلاقيات مهنية أو تربوية؛ وبالتالي في ظل هذه “الغوغائية” سيظل الإعلام التقليدي هو من يُحتكم إليه في تقييم سياسات الدول، وفي حراكها الشعبي الصحيح.
والإعلام العُماني واحد ممن يتلقى مأزق الحرج من هذا الجديد، أو البديل، خاصة إذا نظر إلى نسبة الفتوة في المجتمع العُماني، وإلى تجاوزها نسبة الـ50% من عدد السكان، وهي الفئة التي ولد في حضنها الإعلام الجديد، وهي الفئة التي تقبض عليه بيد من حديد كما يُقال؛ حيث شكَّل لها مخرج استحكامات وشروط الإعلام التقليدي، فهل في ظل هذا الواقع يصبح من الصعب وضع مقاييس مهنية في مسألة مدى استطاعة الإعلام التقليدي الخروج من مأزق الاتهام، أو الصورة النمطية التي رسمها المتلقي حوله لأكثر من أربعة عقود؟!
وختاما لهذه المناقشة، يُمكن طرح السؤال التالي: هل استطاع الإعلام العُماني -بوسائله المختلفة- أن يُؤسِّس فكرا مجتمعيا لحقيقية الدور الذي يقوم به، كما تمنى له قائد هذه المسيرة في أول لقاء مع الوسائل الإعلامية العُمانية، وكما جاء في النص: “جانب الفكر الإعلامي الذي يجب أن يكون موجها، وهذا الجانب من الإعلام مهم جدًّا؛ لأنه عندما توجه الإنسان فقد توجهه إلى الصح أو إلى الخطأ. يجب أن يكون الهدف دائما هو التوجه الهادف، ولا شك أن الهدف دائما هو الإصلاح، وإذا كان هناك نقد اجتماعي وما شابه ذلك؛ فيجب أن يكون هذا النقد مدروسا دراسة حقيقية علمية وعلى أسس” (…) وما هي مؤشرات هذه الصورة، إن وجدت؟ لا شك أنَّ الإعلام العُماني استفاد استفادة كبيرة وجليلة من الخط الذي سارت إليه ثوابت التعامل في السياسة الخارجية للسلطنة بفضل التوجيهات السامية الكريمة لحضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- لذلك لم ينزع الإعلام العُماني نحو المزايدات والتراهات التي يُصفِّق لها الإعلام الآخر هنا أو هناك، وهذه المهادنة التي انتهجها الإعلام العُماني على الرغم من تقييمها من قبل المتلقي التقييم الصادم -نظرا لتأثيرات نهج الإعلام الآخر- إلا أنَّ هذا النهج أثبت جدواه وضروراته على امتداد مسيرة النهضة، ولكن إن كان لها مناخ آمن في بُعده الخارجي؛ فيحتاج إلى مراجعة سياسته في بُعده الداخلي الأهم، حتى لا يغرد خارج السرب، وحتى يخرج من صومعة الصورة النمطية التي رسمها له جمهوره الداخلي، خاصة اليوم في ظل الإعلام البديل المنافس بقوة، والذي يحظى بترحيب كبير من قبل فئة الشباب الذين يُمثلون قطاعا كبيرا في المجتمع يزيد على النصف كما جاء أعلاه. ومع ذلك أيضا، يسجل إضاءات رائعة في الاتجاه نحو الموضوعية، والحيادية، والاقتراب أكثر من المهنية، والتخلق بالقيم المجتمعية والمهنية. ويكفيه أن من يدير بُوصلة اتجاهاته هم ثلة رائعة من أبناء عُمان، وهذا كفيل بنصاعته.
7,421 total views, 2 views today
Hits: 371