المخطوطات العمانية في القرن 13 الهجري
خالد بن عبدالله الخروصي
توطئة
نُحاول في هَذَا المَسْح إيضاح أهميَّة المَخْطُوطات التي شملها المسح، والتي بلغتْ ما يقارب الـ804 مَخْطُوطات من المكتبات العامة والخاصة والحكومية؛ وذلك بالوقوف على هذا التراث من خلال الواقع الذي تَشْكِفه لنا الأرقام التي وقفنا عليها، وتيسَّر الاطلاعُ عليها.
مفهوم المَخْطُوطات العُمانية
عَرَّف قانون المَخْطُوطات العُمانية -الصادر بالمرسوم السلطاني 70/11، الصادر في 27 أكتوبر 1977- كل محرَّر أو بيان أو جزء منه أيًّا كان طريقة كتابته أو لغته، يتعلق بموضوع التراث العُماني، سواء بصفته المباشرة أو غير المباشرة، ويرجع تاريخه الى خمسين سنة مضت أو أكثر من وقت نشر هذا القانون، ويعد جزءا من المَخْطُوط ما يلحق به من غلاف أو غطاء أو وعاء لحفظه”.
منهجية المسح
تمَّ حصر المَخْطُوطات التي تيسَّر الحصول عليها من مجموعة من المكتبات، وكان الشرط أنْ يكون المَخْطُوط كاملَ الهُوية -ونعني بذلك ما تتوافر لديه المعلومات التالية:
1– عنوان الكتاب غير مجهول.
2– اسم الناسخ معلوم.
3– تاريخ النسخ معلوم.
وعلى ذلك، تمَّ استبعاد المَخْطُوطات التي تنقص منها هذه المعلومات، كما شملت العينة المَخْطُوطات التي كتبت ما بين التاريخ (1200 إلى 1299) من العام الهجري، أي من الفترة من (1786 إلى 1882) من التاريخ الميلادي.
أمَّا المكتبات والخزانات التي شملتها الدراسة؛ فهي:
– مكتبة دائرة المَخْطُوطات – وزارة التراث والثقافة (ث).
– مكتبة السيد محمد بن أحمد (س).
– مكتبة الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي (خ ك).
– مكتبة الشيخ أحمد بن عبدالله الحارثي (الحارثي).
– مكتبة بدية العامة (بدية).
– مكتبة سيف بن عبدالعزيز الرواحي (الرواحي).
– مكتبة الشيخ حمود بن حميد الصوافي (الصوافي).
– مكتبة الشيخ ناصر بن راشد الخروصي (ناصر).
وهذا رَسْم بياني يُوضِّح حركة النسخ في هذا القرن؛ بناءً على العيِّنة التي رصدناها:
المخطوطات العمانية في القرن 13 الهجري .. المؤشرات والاستنتاجا
من خلال العمل على تصفُّح المَخْطُوطات، والاطلاع عليها والاستفادة منها، نستطيع الحصول على مجموعة من الأفكار التي يُمكن تسميتها بالمؤشرات بناءً على نتائج المسح الذي شَمِل مَخْطُوطات القرن الثالث عشر الهجري في شتى المعارف التي تيسِّر لنا الوقوف عليها، وربما بعد التوسُّع نستطيع أنْ نقول إنَّ هُناك مُؤشرات علمية واقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية، والتي تُشكِّل مرتعًا خصبًا للباحثين في زيادة البَحْث والتَّحري، والاطلاع على تلك المكنونات التراثية، وسأسرد هُنا مجموعةً من تلك المؤشرات:
1- انتشرت المَخْطُوطات ونسخها في شتى مراكز العلم في عُمان: نزوى، وبهلا، والرستاق، والباطنة، وصحار…وغيرها من حواضر عُمان.
2- مِنْ أشهر خزائن المَخْطُوطات في القرن الـ13: خزانة الشيخ سعيد بن راشد البوسعيدي، وخزانة مكتبة السيفيين في نزوى، وخزانة مكتبة الشيخ جاعد بن خميس الخروصي في العوابي، والخزانات الأخرى مثل خزانة مكتبة قصرى في الرستاق.
3- تنوَّعت المعارف التي شملتْ المَخْطُوطات؛ ومن أهمها: المعارف العامَّة، والعلوم الدينية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم البحتة، والفنون والآداب، لكنَّ العلوم الدينية (الشرعية وعلوم اللغة العربية) كانت تُمثِّل النصيبَ الأوفر من تلك المَخْطُوطات.
4- تصدَّر النصف الأول من القرن الـ13 الهجري كتاب “بيان الشرع” للشيخ الكندي، كما تصدَّر النصف الثاني من القرن الـ13 الهجري كتاب “قاموس الشريعة” للشيخ السعدي.
5- حَصَل كتاب “قاموس الشريعة” للشيخ السعدي على أكبر عدد من النسخ المَخْطُوطة من باقي النسخ الأخرى؛ حيث احتلَّ ما نسبته 30% من مجموع المَخْطُوطات.
6- للاستقرار السياسي النسبي الذي شهدته السلطنة في النصف الثاني من القرن الـ13 الهجري، دَوْر في انعكاسة على المنتج الفكري والتراث الإسلامي المكتوب؛ لذلك نجد زيادة عدد النسخ والمخلفات التراثية في النصف الثاني.
7- تُوجد عَلاقة طردية بين وُجُود العلماء أصحاب المدارس والمؤلفات الموسوعية، وبين زيادة عدد المَخْطُوطات المنتجة من ذلك القطر والمدينة التي يَسْكُنها العالم أو المؤلف.
8- اشتهرتْ بعض الأسر أو القبائل أو المناطق بزيادة عدد المَخْطُوطات المكتوبة؛ وذلك واضحٌ من خلال ما حصلنا عليه، وله أسباب واضحة أحيانا.
9- هجرة الكثيرِ من العلماء والشعراء وطلاب العلم إلى زنجبار، والتي كانتْ مُزدهرة بأدوات الكتاب والتجليد، وتشجيع العلم، والحياة الاقتصادية أسهم في زيادة عدد المَخْطُوطات وحفظها في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري.
10- بَرَع مجموعة من النُّساخ بالخيوط الجميلة والرائعة، وتزيين الكُتب والواجهات للكُتب.
11- بَلَغ عدد النُّساخ في هذا القرن -في العينة التي تم مسحها- 345 ناسخًا من شتَّى البلدان من قبائل شتى؛ من القرى والبلدان العُمانية.
12- من النَّادر أنْ تَجد مَخْطُوطا تم نسخه بالاشتراك بين أكثر من شخص.
13- من النادر أيضا أن تجد أنَّ الناسخ ليس من القُطر العُماني.
14- لم تتوقَّف حركة نسخ كتاب “بيان الشرع” للشيخ الكندي طَوَال هذا القرن مع وجوده قبل ذلك، وكذلك النسخ المكتبة قبل هذا الوقت.
15- حَصَل الناسخ هميم على أكبر عدد من المَخْطُوطات المنسوخة في العيِّنة المسحية؛ حيث وصل عدد النسخ التي كتبها إلى 22 في الفترة ما بين (1269-1294) من العام الهجري، وأغلبها أجزاء من “قاموس الشريعة”.
16- حَصَل العقدُ الثامن من القرن الثالث عشر الهجري على العدد الأكبر من المَخْطُوطات التي نُسِخت في هذا القرن؛ حيث بَلَغ عدد المَخْطُوطات 185 من إجمالي العيِّنة ما نسبته 23%، والرسم البياني يُوضِّح حَرَكة النسخ في هذا العقد.
المخطوط كوجهة اقتصادية
افكار اسثمار التراث
الأفكارُ حَوْل كيفية تحويل هذا التراث الثقافي الكبير، والتي تتمتَّع بها سلطنة عُمان، كثيرة، مع الدعوة للمحافظة على التراث والمنتج الثقافي؛ بحيث لا يفقد التراث والمَخْطُوط وغيره من المنتجات الثقافية أصالتها وعُمقها. وهنا، سأعرض لبعض تلك الأفكار التي رُبَّما تتحقَّق على شكل مشاريع عملية، وربما البعض بدأ فيها، وأيضا لن أطيل هنا لأنَّ بعضَ الأفكار قد أُدرجت في محاور أخرى من هذا المؤتمر، ولا شكَّ أنَّهم سيضعون أفكارًا رائعة.
1- تأسيس مدارس في الخط العماني الشرقي والنقوش
من الأفكار التي من الممكن أنْ نستثمر فيها التراث الثقافي ضمن المجال الاقتصادي: تأسيس مدارس في الخطوط والنقوش تُدرِّس ما سَبَق في المَخْطُوط العُماني؛ كونه جزءًا من الهُوية الثقافية للتراث العُماني، وتدريس ما تميَّزت به هذه الخطوط من العالم العربي والإسلامي؛ حيث إنَّ بعضَ المَخْطُوطات تُعتبر تُحَفا فنية رائعة، خصوصا المصاحف العُمانية المكتوبة، وبعضها مكتوب بماء الذهب، ومن أشهر تلك المَخْطُوطات المصحف الذي كتبه الشيخ عبدالله بن بشير الحضرمي الصحاري.
2- الاستفادة من الحصون والقلاع
الحصون والقلاع المنتشرة في ربوع عُمان الحبيبة هي جزءٌ من التراث المادي، ومن المناسِب استغلال هذه الحصون في عرض التراث المكتوب كالمَخْطُوط العُماني، وفي حال تم استغلال هذا الجانب فسيكون لها مردودٌ اقتصاديٌّ كبير.
3- الورش والتدريب في صناعة المخطوط
اليوم، في المراكز التي تُعْنَى بالتراث المادي كالمَخْطُوط والوثائق على مُستوى العالم، أصبحت هناك خبرة؛ بحيث تُستخدم مواد عصرية لترميم وتجليد المَخْطُوط، وتوجد مراكز يُستعان بها في دورات وورش عمل -مثل مركز جمعة الماجد- فما المانع أن يكون لدينا بيت خبرة للتدريب على مكوِّنات المَخْطُوط وترميمه، وبعد ذلك يُستفاد من هذه المراكز بحيث يكون لها مردود اقتصادي.
الرسم البياني رقم (١)
الرسم البياني رقم (2)
7,665 total views, 2 views today
Hits: 570