المتحف الوطني .. عبق الماضي وألق الحاضر
حوار مع الفاضل جمال بن حسن الموسوي مدير عام المتحف الوطني – سلطنة عمان
شرق غرب
——————————
مَا إن تَلف بكَ المنعطَفات في الحيِّ القديم لمدينة مسقط، حتى تجد نفسَك في مواجهة مبنى ذي واجهة جذَّابة.. إنَّه المتحفُ الوطنيُّ، الصرح الذي يُبرز التراث العُماني الثقافي منذ الأزمنة الغابرة؛ ليضع بين العُمانيين عُمق حضارتهم وتجذُّرها في التاريخ.
المتْحَف -الذي أُنشِئ بمُوجَب المرسوم السلطاني رقم (2013/62)- يهدفُ إلى إبراز الأبعاد الحضارية للسلطنة؛ مُوَاكِبا أعلى المعايير المتبعة في علم إدارة المتاحف، وهو بحد ذاته تحفة فريدة بتصميمه وبما يزخر به من آثار ومشغولات… وغيرها.
كَانَ لَنا حُوار مع المُدير العام للمتحف جمال بن حسن الموسوي، يقُودنا من خلاله إلى كواليس المتحف، وما يبرزه المتحف عن التراث الثقافي والمعرفي للسلطنة.
فيَقُول الموسوي:
المتحفُ الوطني تعود جذور فكرته إلى مطلع السبعينيَّات من القرن المنصرم، عندما تجلَّت الرؤية السامية لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله- في إنشاء صرحٍ متحفيٍّ وطنيٍّ يختزلُ مُفردات من التراث الثقافي لعُمان. هذا المشروع أخذَ أكثر من أربعة عُقود من الزمن حتى يُترجَم إلى واقعٍ ملموس. تأسَّس المتحف رسميًّا في العام 2013م بموجب مرسوم سُلطاني سامٍ، وهو يحظى بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، كأوَّل متحف في السلطنة يَحظى بهذا الوضع المؤسَّسي الخاص. المتحف الوطني تتجلَّى رُؤيته في تقديم القيادة للصناعة المتحفيَّة في السلطنة، وبما يُحقِّق النقلةَ النوعية لهذا القطاع، تماشيًا مع أفضل المعايير والممارسات الدولية المتبعة في المتاحف، وفي الأُطر المنهجية الموضوعة من قِبَل المجلس الدولي للمتاحف “أيكوم” التابع لمنظمة اليونسكو.
وَمِن أهدافِ المتحفِ الوطني: ترسيخ القيم العُمانية النبيلة، وتعريف المواطن ومن ثم المقيم والزائر بتجليات التراث الثقافي لعُمان، ومن أهدافه أيضاً: أهداف ذات أبعاد تربوية؛ يتجلَّى ذلك من خلال وجود مركز للتعلم يقدِّم برامج ومناشط وفق منهجية معينة. ومن الأهداف كذلك: أهداف علمية؛ ويتجلى ذلك في شقين:
- الشِّق الأول: مرتبط بالحفظ والصَّون أو الترميم.
- الشِّق الثاني: يرتبط بدعم الأبحاث والدراسات العلمية والتاريخية ذات العلاقة بالتراث الثقافي لعُمان.
إضَافَة لمؤسسة خدمية تقدم خدماتها لمختلف الفئات؛ من خلال إتاحة الفرصة لتقديم تجربة ثقافية وفكرية ذات منفعة، وتكون مُمتِعة في ذات الآن لعموم الزوار -على اختلاف أعمارهم ومشاربهم- هذا اختصارا فيما يتعلق بالرؤية والأهداف.
وَحَوْل “مركز التعلم” الموجود في المتحف، قال الموسوي: المتحف الوطني هو أول متحف في السلطنة يحتضن مركزا متكاملا للتعلم، هذا المركز يقوم بدور تنويري وتثقيفِي مُهم؛ من خلال تطوير جملة من البرامج والمناشط والفعاليات؛ من منطلق قصة السرد المتحفي، ومن منطلق اللُّقى المتحفية؛ سواء تلك المعروضة، أو التي في عُهدتنا؛ حِفاظاً عليها للأجيال القادمة، نحن نعمل بشكل وثيق جداً مع وزارة التربية والتعليم؛ باعتبار أن معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم هي نائبة لرئيس مجلس أمناء المتحف الوطني، ووجود معاليها بهذا المستوى وكنائبة للرئيس له دلالات؛ أبرزها: تأكيد الدور التنويري والتربوي للمتحف الوطني؛ من خلال مناشط برامج مركز التعلم.
هُناك برامج تستهدفُ الأسر، وهُناك برامج تستهدفُ طلابَ المراحل التعليمية المدرسية، وهناك برامجُ تستهدفُ طلاب الكليات والجامعات، وهُناك برامج تستهدف الفئات الخاصة كالمكفوفين وذوي الإعاقة الذهنية البسيطة، وذوي الإعاقات الجسدية… ونحو ذلك.
وهُناك أيضًا برامج تستهدفُ الجاليات المقيمة في السلطنة، وأساس هذه البرامج هو ترسيخ القيم العُمانية النبيلة في جيل النشء، وتعريفهم بركائِز هُويتهم. هذه الركائز قد تَكُون من خلال: شخصيات تاريخية، أو معاصرة ملهمة، أو من خلال أحداث وحُقب تاريخية أو معاصرة؛ سطَّرت وجودَها في التراث الثقافي أو تاريخ عُمان.
وفِي العَام 2018م، استقبلَ مركز التعلم 17000 مُستفيد، وكان عدد المستفيدين في العام 2017م، يتجاوز 12000 بقليل؛ فهناك زيادة مُفترضة في عدد المستفيدين.
ويُضِيف الموسوي: مركز التعلم أيضًا يُقدِّم برامج الانتشار في المحافظات والولايات والمناطق النائية من السلطنة؛ بهدف إيصال رسالة المتحف لتلك البقاع من السلطنة، وهذا يتم بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، ومع شركة بي.بي-عُمان التي قدَّمت منحةً ماليةً سخيَّة، أو جدَّدت تقديمها بالأحرى، نهاية العام الماضي لثلاث سنوات مقبلة، هذا إضافة لمنحتها السابقة لأول ثلاث سنوات من تشغيل المتحف.
وهُناك أيضًا برامج نوعية للمحاضرات، يستضيفها مركز التعلم؛ من أبرز تلك المحاضرات على مستوى منطقة الشرق الأوسط: استضافتنا لزُملائنا من المديريَّة العامة للآثار والمتاحف في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، وهذا حدثٌ تمَّت إقامته لأوَّل مرة في 8 سنوات منذ الأزمة في سُوريا. هذه المُحَاضرة تناولتْ الآثار والأضرار التي لحقتْ بالتراث الثقافي السوري، الذي هو تراثٌ إنسانيٌّ للإنسانية جَمعَاء، وتناولتْ أيضًا سُبل مكافحة تهريب الآثار وتخريب التراث الثقافي في سوريا. وفي العام 2017: كانت هُناك مُحاضرة نوعيَّة من قبل البروفسور الدكتور ميخائيل جاترفسكي مدير عام الأرميتاج، وأحد أكبر وأهم المستعرِبين المعاصرين على مستوى العالم.
وعِنْدَما سألناه عن جائزة المؤثرات الضوئية التي حازها المتحف، قال الموسوي:
في الحقيقة، حازَ المتحفُ عِدَّة جوائز؛ منها ما هو مرتبط بأفضل مشروع حكومي للمؤثرات الضوئية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا وأنَّ المؤثرات الضوئية في سياق البُنى المعمارية للمتاحف لها خصوصيتها؛ سواء كانت مؤثرات ضوئية خارجية، أو مؤثرات ضوئية داخل قاعات وأروقة المتحف الوطني؛ فالإضاءة المتحفيَّة التي تم تصميمها وتطبيقها في المتحف الوطني منظومة متكاملة صُمِّمت وفق أحدث المعايير والممارسات المرتبطة في منظومات الإضاءة المتحفية؛ بما يتماشى والطبيعة الذاتية للمقتنيات، وما يتطلب ذلك من حرص وعناية وتوظيف معايير بيئية دقيقة من بين تلك المعايير.
الإضَاءَة من حيث شِدتها أو خفُوتها، من حيث التنوُّع ما بين الفضاءات، ذات تأثير.. الإضاءة الدافئة، أو المؤثرات الضوئية الباردة… ونحو ذلك، تمَّ خلق شيء من الانسجام في التكوين المعماري الداخلي والخارجي بالاستعانة بهذه المؤثرات وهذه كانت إحدى الجوائز.
ومِن الجَوَائز الأخرى: جائزة الرؤية الاقتصادية، وجائزة أخرى على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فيما يتعلق بثالث أفضل هُوية تجارية حُكومية، وأيضاً ثاني أفضل توظيف لأنماط الخطوط.. هذه بعض الجوائز التي حازها المتحف.
وحَوْل النمطِ المُتَّبع في معمار المتحف، قال الموسوي:
النمط المعماري الخارجي في المتحف الوطني مُستمدٌّ من نمط العمارة العُمانية المعاصِرة، ذات الأبعاد التي تحملُ شيئاً من الأصالة والتأثيرات الأُخرى من مدارس معمارية عريقة ظهرت في العالم الإسلامي؛ سواء في إيران، أو في سلطنة مغول الهند، أو ما ظهر في الشام، ومصر، وآسيا الوسطى، وهو مزيجٌ من عِدة مدارس وتجارب معمارية، إضافة لتجارب معمارية عُمانية المنشأ، أو تلك التي ظهرتْ في فترات تاريخية سابقة في عُمان، هذا الطابع المعماري ينسجمُ والمحيط الخارجي لمسقط التاريخية.
وأيضًا يجدُ ما يشابهه في جامع السُّلطان قابوس الأكبر في ولاية بوشر، ومجمع المحاكم في محافظة مسقط، ودار الأوبرا السُّلطانية، ومجلس عُمان، هذا طابعٌ معماريٌّ تطوَّر على مدى أربعة عقود من عمر النهضة المباركة على يد مُختصِّين وخبراء من المنشآت السُّلطانية، إلى أن ظهر بهذا الشكل وهذه الكيفية.
وفِيْمَا يتعلَّق بمكونات التصميم الداخلي، ففيها شيء من البساطة المستوحَاة من العمارة التقليدية في مسقط التاريخية؛ حيث إنَّ قاعة ”الأرض والإنسان” التي تتوسَّط المتحف استُوحت في تصميمها من البهو أو الفناء الداخلي الذي لطالما نجده كعنصر معماري في الكثير من البيوت التاريخية التي ظهرتْ في مسقط في القرن التاسع عشر الميلادي، وتتفرَّع عن هذا المكوِّن المركزي بقية القاعات وبقية الأروقة. هناك أيضاً تركيزٌ على بعض الأنماط الزخرفية؛ سواء على الأسطح الخشبية أو المعدنية هذه الأنماط استُوحتْ من الحارات القديمة في إبراء، وأيضاً بعض مناطق الداخلية.. إنَّ ما يُميز المتحف أيضا الآثار والتحف القديمة فيه.
وهَذِه كَيْف يتم الحصول عليها والتحقق من تاريخها؟ أجاب الموسوي قائلا:
المتحف الوطني هو متحف موسوعي في طبيعته؛ كونه مختصًّا بتناول أبرز تجليات التراث الثقافي العُماني؛ فهو ليس متحفًا بحتًا للآثار، إلا أن المكتشفات الأثرية تُشكل العمود الفقري لتجربة الزائر وللتصنيف النوعي لمقتنيات المتحف. وإضافة للمكتشفات الأثرية، لدينا قِطع تتعلق بالتراث البحري، ومنها ما يتعلق بالسلاح وبالتراث المعماري بمنظومة الأفلاج العُمانية وبالنقد وبالفنون الحديثة والمعاصرة، وبالفنون التطبيقية والمخطوطات والوثائق والمراسلات والمطبوعات القديمة، ونحو ذلك من تصانيف اللغة، إلا أنَّ الآثار تكمُن أهميتها في أنها توثق لنشأة الأثر البشري في عُمان وإلى جذور هذا الكيان وتكونه وتطوره على مدى ملايين السنين.
المتحفُ الوطنيُّ يعرضُ أقدَم المكتشفات الأثرية على مستوى المنطقة، والأقدم إلى الآن على مستوى شبه الجزيرة العربية، هذه اللغة عُمرها الافتراضي حوالي مليوني عام من هضبة نجد في محافظة ظفار، ومن محافظة الوسطى، دلالاتُ الآثار أيضاً أنَّها تجسِّد لظهور أول حضارة إنسانية بمفهومنا للحضارة.
هَذِه الحَضَارة ظهرتْ في عُمان في العصر البرونزي قبل حوالي خمسة آلاف عام، وسُميت لدى السومريين بحضارة مجان، وهناك شواهد أثرية دالة على تلكم الحضارة، إضافة للحضارات التي توالت من بعدها.. ومن بين ذلك ما يُصطلح عليه بحضارات أرض اللبان التي ظهرت في محافظة ظفار والفترات الإسلامية الأولى، وما يتصل بدولة النباهنة ودولة اليعاربة ودولة البوسعيد… وغيرها من الكيانات التي ظهرت على أرض عُمان.
وحَوْل مَنْظُومة برايل الموجودة بالمتحف باللغة العربية، وأهمية وجودها، ودورها، قال الموسوي:
أهمية وجودها تكمن في أنَّ هذه المنظومة تعكس حجم ومدى التزام المتحف الوطني بأن يُقدم تجربته الثقافية التنويرية لكافة فئات المجتمع، دون إقصاء أي فئة؛ لضمان أن كافة فئات المجتمع العُماني المتراص تستفيدُ وتستنيرُ وتقتبسُ وتستلهم من تراثها الثقافي؛ فهناك منظومة متكاملة لرموز برايل باللغة العربية، وهذه تطبَّق لأول مرة على مستوى الشرق الأوسط، هناك منظومة متكاملة للحركة والمسارات للمكفوفين، كما تساعد كوادرنا العُمانية الشابة في خدمات الزوار وغيرها من الفئات الخاصة.
وأيضاً عِندَما تمَّ التخطيط لهذه المنظومة، عملنا يداً بيد مع وزارة الصحة العُمانية، وجمعية النور للمكفوفين، ومعهد عمر بن الخطاب... وغيرها من الجهات، ليس فقط لبلورة هذه المنظومة، وإنما لتمثيلها، وتمَّ استجلاب هذه الجهات على أسس استشارية؛ فكانت هناك منفعة لهم باعتبار أنهم هم من طوَّروا هذه المنظومة، وهم من أسَّسوا لها، وهم من قاموا بترجمة هذه النصوص، وهم الذين قاموا بطباعتها، في إطار اتفاقيات استشارية.. فكانت هناك فائدة لهم.
وَعَن المَخَازن المفتوحة، تحدث الموسوي موضِّحا:
منظومة المخازن المفتوحة هو تطبيق حديث نسبيًّا في علوم المتاحف أول ظهور له يعود للعالم الغربي في أواسط السبعينيات من القرن المنصرم، وهي أول منظومة تُتيح لعموم الزوار الوقوف على بعض من مراحل الحفظ والصون التي تمر بها اللغة المتحفية من باب تثقيفهم وتعريفهم بهذه المراحل.. وهي منظومة تُتيح للزائر الوقوف على كيفية حفظ القطع قبل ترميمها وبعد ترميمها، وأيضًا تتيح للزوار أن يُشاركوا أيضاً بطلب مُسبَق بأنَّ يشاركوا في عملية الترميم الوقائي، تحت إشراف خبراء من المتحف الوطني، وأيضًا يُرحب بالزوار الذين يأتون بقطع تخصُّهم أو تخصُّ عوائلهم للتقييم أو للحفظ والصون الوقائي أو نحو ذلك.. تُوجَد هذه البرامج وتقدَّم كقيمة وكتجربة مضافة، على اعتبار أنَّ التجربة المتحفية حديثة نسبيًّا في السلطنة قياساً بأوروبا أو الشرق الأقصى أو أمريكا الشمالية؛ فما يُشاهده الزائر في 14 قاعة من قاعات العرض المتحفي الثابت هي قطع رُمِّمت وأُهلت بعناية فائقة على مدى السنين الماضية، وتعرض في أجواء وفي إطار معايير متحفية دقيقة جدًّا لعلَّ الزائر لا يقدر الجهد الذي يذهب في تأهيل هذه القطع.
مَنْظُومة المخازن المفتوحة تُتيح له المجال لتقدير هذا الجهد الذي عادة ما يكون خلف الكواليس في المتاحف.. ومن أحد المبادئ التي نستند إليها في العمل الإداري: مبدأ الشفافية في التعامل. هذا المبدأ يقتضي عند التعامل مع المقتنيات إتاحة المجال للزوار، وغيرهم من الجهات الرقابية وغير الرقابية، للوقوف على ما نقوم به ليس خلف الكواليس وإنما ما هو مُتاح للعيان، وهذا أيضاً مهم من حيث ترسيخ ثقافة عمل جديدة لموظفينا الذين يعملون في مجال الحفظ والصون، على اعتبار أنَّ عملهم وما يقومون به هو متاح للعيان؛ فهذا يقتضي ثقافة تعامل مختلفة تماماً إذا ما قِسناها بثقافة العمل التقليدية التي تكون سَائِدة في المتاحف، وعادة ما تكون خلف الكواليس.
وعَنْ مَصادر لُقى المتحف من أين تأتي؟ وهل للمتحف نشاط للبحث عنها أو جمعها، أو له نشاط في التنقيب عن الآثار القديمة؟ قال الموسوي:
فيما يتعلق بالتنقيب الميداني، فهو من اختصاصات عدة جهات في السلطنة؛ على رأسها: وزارة التراث والثقافة، ومكتب معالي مستشار صاحب الجلالة للشؤون الثقافية، وهناك أيضاً جهود من جامعة السلطان قابوس كذلك في مجال التنقيب الميداني نحن لا نقوم به، جُل المقتنيات المعروضة حالياً في المتحف الوطني كانت سابقاً في عُهدة وزارة التراث والثقافة. إذا ما تحدثنا عن شق الآثار فهي مُحصِّلة أربع عقود من التنقيب المنهجي والمدروس في السلطنة. أما لُقى المتحف؛ فهناك لُقى تم تجميعها وتحصيلها من خلال الاقتناع، الاقتناع يأخذ عدة أوجه؛ من بين ذلك: الشراء؛ سواء من أفراد أو مؤسسات من داخل وخارج السلطنة. الإهداء: سواء من أفراد أو مؤسسات من داخل وخارج السلطنة أو من خلال الإعارة، والإعارة عادة أيضاً تكون على مستوى الأفراد والمؤسسات من داخل وخارج السلطنة، كذلك هناك برنامج مكثف، أو هناك سعي مكثف، لتتبع اللغة العُمانية أو العُمانية المنشأ أو ذات الصلة بعُمان خارج السلطنة، وكذلك هناك من المهام ما يقوم به المتحف، والعام الماضي -على سبيل المثال- وُفِّقنا -بفضل الله- في اقتناء عمليْن مُهمَّين جدًّا بالنسبة لنا في عُمان: في مزاد الصوف العريق في المملكة المتحدة، إحدى هذه القطع كانت عبارة عن ألبوم صور فوتوغرافية أصلية للقنصل الأمريكي في سلطنة عُمان، هذا الألبوم يؤرخ للفترة 1870 إلى 1885، ويضم 64 صورة أصلية لم تنشر في أي مكان.
هَذِه الصُّور أهداها القنصل للعامل الأمريكي للكولينرمارنس المقيم السياسي البريطاني المشهور في الخليج، كانت إقامته في البحرين، وهذه الصورة وثقها في الحقيقة ثلاثة مصورين روَّاد، مقابل كل صورة هناك توصيف بخط اليد للأمكنة والناس والمشاهد. هذه الصورة أهميتها تكمن في أنها تأتي ثاني أقدم صُورة معروفة على مستوى العالم لمسقط التاريخية، ونستدل من خلالها على التخطيط العمراني لمدينة مسقط وأبرز مبانيها للمكونات الداخلية لبعض من هذه البنى المعمارية وما كانت عليه، والحياة في القنصلية الأمريكية للجاليات التي كانتْ تُقيم في مسقط آنذاك، وبعض العادات والتقاليد التي تميزت بها مسقط، وكذلك يحملُ الألبوم أقدم الصور الفوتوغرافية المعروفة في العالم لمدينة مطرح وضواحيها، وحِصن جبرين، ومدافن بات في موقع عين جبل المشط كخلفية.
القِطْعَة الثانية ذات الأهمية والدلالة الخاصة؛ هي: لوحة لعلي بيك سايس خيل السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي سلطان عُمان وزنجبار، لوحة رُسِمت بالألوان الزيتية على الخشب من قبل الإكساندر هاملتون، وهو من أشهر أو من رواد فن الاستشراف في المملكة المتحدة، وهي توثِّق سايس خيل السلطان الذي بعثه السلطان مع اثنين من الخيول العربية الأصيلة، كإهداء إلى الملك وليام الرابع ملك المملكة المتحدة.
هَذِه اللَّوحَة تجسِّد عُمق العلاقات الإستراتيجية بين البلدين في حينه، وهي ثاني عمل فني من القرن التاسع عشر يمتلكه المتحف الوطني؛ للنُّدرة الشديدة لمثل هذه الأعمال.. وهناك دَعم مُتواصل أيضاً من مختلف فئات المجتمع؛ سواء مواطنين أو مقيمين، ومن أبرز ما تمَّ إهداؤه للمتحف الوطني مجموعة من أبواب ونوافذ حارة العقر العريقة في نزوى، هذه تمَّ استلامها في العام الماضي من الشركة المطوِّرة للحارة، ويجري حالياً إعادة ترميم هذه الأبواب لتعود إلى شاكلتها الأصلية؛ حِفاظاً عليها للأجيال القادمة من قبل فريق مُختص من الجمهورية الإيطالية، وبإذن الله ستُعرض هذه الأبواب إن لم يكن نهاية 2019، ففي العام 2020 ستكون متاحة للعرض.
وعَن المَوْعِد المتوقع لظهور هذه الصور النادرة، قال:
هي الآن ستخضع لحفظ وصون دقيق من قبل مختصين من جمهورية البرتغال، بحُكم الحالة المادية الخاصة بهذه الصور لهذا الألبوم، فستكون الأعمال مُهيَّأة نظريًّا اعتبارًا من نهاية هذا العام، ولكن على الأرجح ستُعرض في مطلع العام 2020.
ومِن أَجل ترسيخ تاريخ البلد والتنسيق مع الجامعات لأجل إقامة بحوث متخصصة؛ سواء على المستوى الإيكولوجي، أو على مستوى المخطوطات، أو تاريخية المقتنيات الموجودة، يقول الموسوي:
فيما يتعلق ببرامج الأبحاث والدراسات العلمية التاريخية فقد بدأت فعلياً في العام 2010، وكمحصلة للمرحلة الأولى من العمل والتي استغرقت قرابة 6 سنوات، تم وضع الإطار العام لقصة السرد المتحفي التي يستطيع الزائر التفاعل معها، هذه القصة هي محصلة عشرات الأبحاث العلمية والتاريخية الكثير منها أبحاث تم الولوج إليها لأول مرة، وهي أبحاث رائدة من نوعها.
وعَلَى سَبِيل المثال: ما يتعلق بدراسة المقتنيات الفخارية في المتحف الوطني، ما يتصل بدراسة القاشاني من قلهات، ما يتصل بدراسة مفردات الصناعة الحرفية، نحن نتحدث هنا عن دراسات في أطر علمية وأطر منهجية تحليلية نقدية، فهذه بدأناها من العام 2010، وهذا العمل سيستمر طوال عُمر المشروع، هذه الدراسات تأخذ عدة أوجه كمحصلة نهائية قد تُترجم على شكل إصدارات، قد تُترجم على شكل محاضرات أو ندوات، قد تُترجم على شكل تجربة زائر في إطار قصة السرد المتحفي، قد تترجم على هيئة معارض مؤقتة فتأخذ أكثر من شكل كمحصلة نهائية.
يُوجَد تَعَاون مع جامعة السلطان قابوس والجامعة الألمانية “جيوتك”، وعدد من المؤسسات المتحفية الدولية البارزة، كذلك الجامعات، بما في ذلك كافة رؤساء البعثات الأثرية العاملة في السلطنة، والتي تأتي من خلال وزارة التراث والثقافة نتعامل معهم بشكل مباشر.
وعَن مُستَقبل المتحف خلال السنوات العشر المقبلة، يقول:
كنظرة مستقبلية، فمن أولوياتنا تحقيق منهج الاستدامة في الإدارة؛ بحيث يتم تقليص اعتمادنا على التمويل الحكومي من النسبة الحالية التي هي في حدود 83% إلى حوالي 60% سنويًّا، تماشياً مع تجارب مماثلة في عدد من المتاحف الغربية الرائدة وكذلك في الشرق الأقصى وأمريكا الشمالية والجنوبية وقارة أستراليا، هذا واحد من أهدافنا.. ومن أهدافنا كذلك استمرار تَوسِعة تجربة الزائر للمتحف الوطني؛ من خلال الاستمرار في طرح مواضيع جديدة؛ وأحد هذه المواضيع ما يتعلق باستحداث قسم يُوثِّق اللغات واللهجات المستعملة في عُمان، في إطار قاعة التراث غير المادي؛ على سبيل المثال: ما يرتبط بالتجليات الخاصة بالفنون المعاصرة والحديثة العُمانية، وما يرتبط بتحقيق برنامج متكامل للنشر والمطبوعات وتحديداً أدب الأطفال، هذا البرنامج نعمل الآن عليه، وستظهر نتائجه في العام 2020، وأيضاً الاستمرار في تمكين الكوادر العُمانية الشابة؛ بحيث يتم إدارة هذه المؤسسات على المدى المتوسط والبعيد من قبلها.. حالياً نِسبة التعمين فيما يتعلق بالوظائف الثابتة لدينا هي 100%؛ نتيجة إنشاء المتحف الوطني، وقد تم استحداث حوالي 16 مسمًّى وظيفيًّا رسميًّا، وهناك مجالات من العمل التخصصي خاصة في الحفظ والصون. ونأمل مع السنين أن يكون هناك تمكين للكوادر العُمانية.
الآَن، لَدَيْنا كادرٌ وطنيٌّ في مجال الحفظ والصون، هو الأول من نوعه على مستوى السلطنة، كادر متميز فريد.. أذكر على سبيل المثال: خولة بنت سيف بن ناصر الوهيبي باعتبارها أول عُمانية تترأس قسم الحفظ والصون في المتحف، وكذلك زهراء بنت حسن بن عبدالخالق اللواتية المكلفة بأعمال مديرة دائرة التربية المتحفية والتواصل المجتمعي. هذا الكادر من الضروري أن يتوسَّع إذا تحدثنا عن عشر سنوات مقبلة. كذلك نحن نسعى لتنشيط وتفعيل دور القطاع الخاص؛ من خلال خصخصة بعض جوانب العمل المتحفي، خاصة الجوانب الخدمية؛ بحيث يتم إدارتها من القطاع الخاص، وتحديداً المؤسسات الوطنية الصغيرة والمتوسطة؛ بما يحقق الشراكة الفاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص، وأيضاً لتحقيق الجودة المرجوة في عدد من الخدمات التي يُقدمها هذا العرض.
وَمِن الأهدافِ التي نَعمَل على تحقيقها، أننا فعليًّا بدأنا التعامل مع بعض الجهات، وأيضاً نسعى لأن تكون هناك تكاملية بين المناهج الدراسية التي تقدمها وما يتم تطويره من مناهج بشكل مستمر من وزارة التربية والتعليم، خاصة فيما يتَّعلق بتاريخ عُمان، ونحو ذلك من مناهج أدبية؛ بحيث تكون هذه المناهج مستوحاة من الواقع العُماني، ومستندة إلى أسس علمية دقيقة من واقع اللغة والشواهد المادية التي نحن بصددها.. هذه بعض أولوياتنا في المراحل المقبلة بمشيئة الله.
——————————
4,959 total views, 2 views today
Hits: 252