الكاتبة والتربوية مريم حمد


شهدت الآونة الأخيرة اهتماما واسعا بثقافة المتاحف ومقتنياتها، وأصبحت المتاحف بأنواعها كافّة: الوطنية، والفنية، والتاريخية، ومتاحف العلوم الطبيعية مزارا للكثيرين، وأصبح الزائر الصغير مُرَحَّبًا به عند زيارة هذه المتاحف؛ للاطلاع على مقتنياتها من أجل المتعة والمعرفة والترفيه، فلم يعد هذا الجانب حكرا على الكبار.

 يقوم المتحف على خدمة المجتمع؛ وذلك بجمع وحفظ التراث الحضاري، والتاريخي، والطبيعي؛ ليتمكن الجميع من الاطلاع عليه وتحقيق المعرفة والمتعة.

ويجتهد العاملون في المتاحف على جمع وصيانة تراث الإنسانية، والمحافظة عليه، وعرضه بأساليب شيقة وممتعة؛ لتتمكن الأجيال من التعرف على الإرث الثقافي والحضاري للأمم السابقة، والاطلاع على أنماط الحياة التي عاشها القدماء.

 ويعتمد المتحف على أسس علمية لجمع وعرض المعروضات، وذلك من خلال صالات العرض التي أصبحت متطورة؛ لاستقطاب الزوار الكبار والصغار.

ومن الجدير بالذكر أن الأطفال يتعلمون من خلال وسائط وبيئات تعليمية مختلفة، قد تكون رسمية وغير رسمية، تساهم كلّها في تطوير وتثقيف الطفل.

 وبعد أن كانت زيارة المتاحف تقتصر على فئات عمرية معينة ،  علتْ أصواتٌ كثيرةْ تدعو إلى تفعيل دور المتاحف؛ لتكون بيئة تعليمية للأطفال، من خلال تبني زيارات منظمة للطفل؛  ليتحول المتحف من كونه مكانا لعرض المعروضات التي تستقطب الزوار الكبار، إلى مكان ثري وغني، وبيئة مناسبة لتعلم الأطفال واليافعين.

يتم التعلم في المتحف عن طريق استكشاف المعروضات بعملية تعليمية تُبنى على الاستفسار، واللمس، والمشاركة؛ لتتيح للطفل فرصة فريدة ومميَّزة للتعلم؛ وبهذا يخرج المتحف عن كونه مكانا لعرض المعروضات إلى مكان يتيح الفرصة للطفل  للمشاركة والتعلم المصحوب بالمتعة والتميز؛ مما يجعل العملية التعلمية غنية؛ وثرية ومميزة بشكل يفوق التعلم التقليديّ.

تختلف العملية التعليمية داخل المتحف عن التعلم داخل المدرسة؛ فتكون العملية التعليمية داخل المتحف مركبة وعميقة أكثر؛ لأنها تعتمد على مقتنيات المتحف، والتي  تستثير حواس الطفل بمعروضات لا تتوفر لديه في حياته اليومية.

 من المهم أيضا أن يتعرف الطفل على المتحف كمكان هام وغني بالمعروضات، والتي تشكل موادَّ جيّدة للمعرفة والاطّلاع والتعلم؛ فالمتحف لا يقل أهمية عن المكتبة والأندية التي تسهم بتطوير الطفل وتنشئته.

لاقت فكرة  التربية المتحفية اهتماما واسعا لدى جميع المهتمين بثقافة وتعلم الطفل؛ وذلك من أجل تقديم الخبرات من خلال التفاعل، والعمل لنشر الثقافة والمعرفة، غير أن هذا الاهتمام قد ركز على متاحف العلوم الطبيعية أكثر من متاحف التاريخ والفنون والآثار؛ ربما لأن متحف العلوم يتيح للطفل التفاعل بشكل أفضل.

 ويتمّ تفعيل ثقافة المتحف لدى الأطفال، من خلال تنظيم زيارات مدرسية  للمتاحف، وبناء خطَّة عمل تتناسب والمعروضات التي سيطلع عليها الأطفال في المتحف، ويشرف على القيام بأداء هذه المهمات التعليمية في المتحف أشخاص مؤهلون، للتعامل مع الأطفال، وفهم مراحل تطورهم العمرية، ومعرفتهم بمقتنيات المتحف، وطريقة عرضها على الأطفال.

يقوم العاملون في المتحف  بتنظيم زيارات للأطفال بالتنسيق مع المؤسسات التعليمية، وتقديم فعاليات مختلفة ومتنوعة، لتثري الطفل، وتغنيه، وتستثير حواسه؛ من خلال ما يُقدّم له من معروضات داخل المتحف.

ويمكن إثراء العملية التعليمية في المتحف  بمشاركة الطفل بورشات عمل لها علاقة بالمعروضات، التي يقوم بالاطلاع عليها برفقة العاملين في المتحف،  فتضيف هذه الورشات خبرات ترسخ في ذهنه؛ حيث إن ّالعملية التعليمية في مراحل الطفولة تتعزز من خلال المشاركة الحسية واستغلال جميع حواس الطفل في التعلم.

 من الممكن أيضا تخصيص ركن معين داخل المدرسة أو داخل الصفوف التعليمية؛ لعرض بعض المقتنيات، واللوحات، وبعض. الموادّ التي يقوم الأطفال بجمعها بأنفسهم، وعمل متحف صغير لهذه المقتنيات.

 ولا نَغْفَل أيضا عن دور المعلم كمشارك فعَّال في هذه العملية التعليمية، وكذلك الأهل لهم دورهم الفعّال والهامّ أيضا في إشراك، واصطحاب أطفالهم لزيارة المتحف؛ للاستمتاع والتعلم.

وقد تم دمج المسرح كوسيط تعليمي في المتاحف؛  فالمسرح فن قديم وعريق ومتجدد،  وهو أقرب الفنون إلى قلوب الناس، وعقولهم؛ لأنه يشعرهم بالبهجة والفرح، ويزودهم بالثقافة والمعرفة، وقد قيل: “أعطني مسرحا أُعطِك شعبا مثقفا”. ولا يتم هذا الدور إلا إذا اهتم الكبار بذلك، وأسهموا في إشراك أطفالهم في العروض المسرحية ليشاهدوها ويستفيدوا منها.

ومما لا شكَّ فيه أنّ هناك علاقة تفاعلية وانسجاما بين المسرح المتحفي، وطريقة عرض التاريخ والمعروضات، بحيث يعمل المسرح على الربط بين المعروضات والأفكار التي تعبر عنها.

 ومن المهم أن يتم تضمين المسرح كجزء هام وحيوي للمتحف خاصة؛ لجذب الصغار وتقريب الأفكار لهم، عن طريق العروض التي يقدمها من خلال اختيار العروض الأدائية، والكلمات، والديكور، والملابس التي تناسب العرض.

ويمكن تفعيل المسرح المتحفي داخل المتاحف، بهدف الترفيه والتسلية، والتعلم، ومن أجل استقطاب الزائر الصغير للمتحف، ويكون ذلك من خلال تقديم عروض مسرحية حول فكرة من معروضات المتحف، بحيث يعتمد العرض على نصّ أدبيّ مكتوب؛ ليستثير خيال الطفل ويثريه ويزيد معلوماته.

 ويسمح العرض المسرحي بتبادل المعلومات والحوار بين الاطفال والممثلين، خاصّة في العروض الارتجالية التي تقدم، وتكون مدة العرض قصيرة عادة؛ فهي جزء من الوقت الذي يقضيه الأطفال داخل المتحف.

 ويكون المسرح عادة في ركن تابع للمتحف مجهَّز بكل ما يحتاجه المسرح العادي: الإضاءة ،والازياء، والديكور، وتكون الشخصيات والأفكار مستوحاة من معروضات المتحف.

  ويمكن أن ينفذ المسرح المتحفي في كافة أنواع المتاحف، ويكون لكل متحف ما يلائمه من النصوص والملابس والديكور، ويكون العرض ارتجاليا أحيانا، شرط أن يكون الممثل مُلِمّا بثقافة المتاحف والمقتنيات التي تخص المتحف، ويتيح الفرصة للأطفال للأسئلة والحوار والتفاعل .

يكمن الفرق بين المسرح التقليدي، والمسرح المتحفي، في أنَّ الديكور عنصر أساسيٌّ لا يمكن الاستغناء عنه في المسرح العادي، أمّا الديكور في مسرح المتحف يكون من مقتنيات المتحف، أو شاشات عرض؛ لتساعد الطفل على التخيّل والفهم.

 ويمكن  أن تعتمد العروض أيضا على أداء راقص، وأداء موسيقي، ويمكن تفعيل دور الأطفال من خلال المشاركة في هذه الرقصات؛ لمنحهم فرصة للتعليم تستثير حواسهم.

وختاما فمن المهم جدّا تفعيل دور المتحف وكذلك المسرح المتحفي؛ من أجل خلق جيل واعٍ ومثقف؛ فالمتاحف تعبر عن ثقافة الشعوب، وعن إرثهم الحضاري والتاريخي، لذا من المهم كشف الطفل،وإطلاعه على هذه الثقافة منذ نعومة أظافره، وأن تكون الثقافة المتحفية جزءا  مهم في تنشئته في سنوات طفولته.


 Andre, Lucija, Tracy Durksen and Monique Volman. “Museums as avenues of learning for children: a decade.” Learning Environ Res (2017).

Parker-Starbuck, Jen. “Theatre and the Museum / Cultures of Display.” Theatre Journal 69 (2017).

Price, Aaron, Katherine Gean and Heather Barnes. “The effect of live interpretation with theatre on attitudes and learning of children in the mythbusters exhibit.” (n.d.).

Prottas, Nathaniel. “Where does the history of museum education begin.” Journal of museum education 44.4 (2019).

العناني, حنان عبدالحميد. الدراما والمسرح في تعليم الطفل. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع, 1997.

 5,424 total views,  8 views today

Hits: 461