التعلُّم بالمشروع .. بَيْن الواقع والمأمول
سُميَّة الذهليَّة
تَسْعَى العديدُ من الأنظمة التعليمية الحديثة لتحقيق أهدافها؛ المتمثلة في: الرقي بمهارات الطلاب -كاتخاذ القرار، والتفكير الإبداعي- لذلك ركَّزت على إستراتيجيات التعلُّم النشط، التي تجعل المتعلِّم هو محور العملية التعليمية؛ حيث تمنحه مَهارات حياتية تمكِّنه من اكتساب المزيد من المعرفه في مسيرة حياته؛ وذلك لمواكبة التطوُّر الحاصل في مختلف مجالات الحياة. ومن بَيْن هذه الإستراتيجيات: إستراتيجية التعلم المبني على المشروع؛ حيث تُعدُّ المشاريع العلمية جزءًا من عملية التقويم في مادة العلوم، التي تسعى من خلالها وزارة التربية والتعليم بسلطنة عُمان إلى تحقيق أهدافٍ مُحددة تأمل أن تتحقق على أرض الواقع.
فإستراتيجية التعلم المبني على المشروع تعدُّ من الإستراتيجيات الحديثة التي غيَّرت شكل الصف التقليدي (بوس وكروس، 2013)؛ حيث يتم فيها ربط الجانب النظري بالجانب التطبيقي، ويمارس فيها الطلاب مهارات حل المشكلات، واتخاذ القرار، والاستقصاء، والكتابة، والعروض الشفهية، والحوار، والتأمل عن طريق الاشتراك في مشاريع على أرض الواقع. كما تعزِّز الإيجابية والمشاركة الفعَّالة مع الزملاء في مجموعات العمل، وتنمِّي الإبداع وحل المشكلات بطرق تتميز بالأصالة (روبرت وتالبوت، 2010؛ العلي، 2016). فالمعلم الذي يُمارس هذه الطريقة التدريسية، يلمس -وبشكل ملحوظ- مدى رُسوخ المعرفة لدى تلاميذه، وتطور نضجهم ونموهم الشخصي. وهذا ما دفع العديد من الباحثين للقيام بدراسات مختلفة عن التعلم المبني على المشروع.
فقد أشارت الدراسات إلى أنَّ التعلم المبني على المشروع يُسهم في تنمية التحصيل الأكاديمي واكتساب المفاهيم العلمية، وتنمية مهارات التفكير؛ كالتفكير الإبداعي، والتفكير العلمي. ويشير عبدالمجيد (2016) إلى أنه يُمكن استخدام التعلم المبني على المشروع في تنمية التفكير المنظومي.
ومن جانب آخر، أثبتت بعض الدراسات فاعليَّة التعلم المبني على المشروع في تنمية مهارة حل المشكلات، والمهارات الحياتية، ومهارات القيادة، ومهارات العمل؛ حيث تعزز الاتجاه نحو العمل الجماعي، كما تزيد من دافعية الطلاب، وتكوِّن لديهم اتجاهات إيجابية نحو العلوم، ونحو مشاريعهم، ونحو البيئة. إلى جانب ذلك، أظهرت نتائج دراسة تيسنج وآخرين (Tseng, Chang, Lou, & Chen, 2013) أنَّ التعلم المبني على المشروع أثَّر تأثيرًا إيجابيًّا على مواقف الطلاب في السعي الوظيفي مُستقبلًا.
وفي المقابل، أشارت العديد من الدراسات إلى وجود بعض الصعوبات التي قد تواجه التعلم المبني على المشروع؛ حيث أشارت دراسة زيود (2016) إلى أنَّ واقع استخدام التعلم المبني على المشروع في المدارس الحكومية -من وجهة نظر مُعلِّمي العلوم بمحافظة جنين بدولة فلسطين- كان منخفضًا؛ وذلك بسبب وجود العديد من المعوِّقات التي تحول دون تطبيقهم له وتحقيق الفائدة المرجوة منه. فإعداد المشاريع يتطلب وقتًا طويلًا نسبيًّا؛ لذلك يجب على المعلِّم أن ينبِّه الطلاب لعامل الوقت حتى لا يسبب لهم التأخير ألمًا نفسيًّا (روبرت وتالبوت، 2010). وأيضًا تنفيذ المشاريع يحتاج لمواد قد تكون غير متوفرة في المدرسة أو مكلفة؛ مما يستدعي الحاجة لبيئة تعليمية غنية بالمواد، ويتطلب التعلم المبني على المشروع -من الجهات المختصة- تدريب المعلمين حتى يتمكنوا من استخدام هذه الطريقة في التدريس؛ حيث يُواجه المعلمون صعوبة في تقويم أداء الطلاب والإعداد للمشاريع (العامري، 2010؛ Holubova, 2008)، وأشارت دراسة تركية -حول تقييم أعمال المشروع في العلوم من وجهة نظر المعلمين- إلى أن أكثر الصعوبات لدى المعلمين تكمُن في اختيار مواضيع المشاريع. أما بالنسبة للطلاب، فهي ضعف إدارة الوقت في تنفيذها (Akinoglu, 2008).
وللتقليل من هذه الصعوبات، قدَّمت عدة دراسات مجموعة من المقترحات؛ منها: الاهتمام بإعداد برامج تعليمية مبنية في ضوء إستراتيجية التعلم المبني على المشروع (إبراهيم، 2015؛ الحصان، 2012)، وتدريب المعلمين على هذه الإستراتيجية -سواء أثناء دراستهم في الكلية، أو أثناء الخدمة (العامري، 2010؛ زيود، 2016؛ Turgut, 2008- كذلك دعم المعلمين بالأدوات والتقنيات اللازمة لتنفيذ المشاريع العلمية (زيود، 2016). ولمواجهة صعوبة تقويم المشروع؛ اقترحت دراسة العامري (2010) وضع معايير للتقويم تكون في مستوى قدرات الطلاب. وأكد روبرت وتالبوت (2010) ضرورة توضيح هذه المعايير للاقتراب أكثر من الموضوعية في التقويم، كما أن وثيقة تقويم تعلم الطلاب لمادة العلوم للصفوف (5-10) بسلطنة عُمان (وزارة التربية والتعليم، 2012) أدرجت استمارة شارحة مقترحة لمعايير تقويم المشروع، يُمكن للمعلمين الاستعانة بها.
مما سبق، يُلاحظ أنَّ في إستراتيجية التعلم المبني على المشروع يتم تحويل الدرس النظري إلى مشروع يعتمد على التجريب والبحث، وغالبًا ما يتم تقويم هذه المشاريع أو استخدامها كأداة من أدوات التقويم، حيث يعد التقويم -بأنواعه: التشخيصي، والتكويني، والنهائي- مرحلة من مراحل التعلم المبني على المشروع.
فالمشروع -كما ورد في وثيقة تقويم تعلم الطلاب لمادة العلوم للصفوف (5-10) بسلطنة عُمان (وزارة التربية والتعليم، 2012:33)- هو: “أداة تقويم، تعتمد على العمل الإجرائي المهاري والاستقصائي؛ للوصول إلى نتائج وتفسيرات علمية خلال مدة من الزمن تتناسب مع مستوى الطالب وقدراته، ويتم تقويم هذه الأداة مرة واحدة خلال الفصل الدراسي الواحد”. وتهدف الوزارة من خلاله إلى تنمية قدرات التفكير العلمي ومهاراته، إضافة لتنمية العمل الجماعي والتعاوني؛ حيث يعدُّ التقويم بالمشروع من طرق التقويم الفعَّالة التي يتم فيها تفعيل دور الطالب بشكل كبير؛ فالطلاب يشاركون في تقويم أدائهم، وتقدمهم إلى جانب تخطيطهم للمشروع وتنفيذه (زيود، 2016؛ Catapano & Gray, 2015)، وأشارت الدراسات إلى أن التقويم بالمشروع زاد من التحصيل المباشر والمؤجل للطلاب (العبسي وعشا، 2013). وذكر روبرت وتالبوت (2010) أن درجات تقويم الطلاب عادة تزيد تدريجيًّا للأفضل عند استخدام المشروع.
من هنا، نجد أن تطبيق المشروع في مادة العلوم تطبيقًا صحيحًا قد يُسهم مساهمةً إيجابيةً في تحقيق الأهداف المرجوة منه، مع ضرورة مُتابعة أداء المعلمين والطلاب عند تنفيذه في الميدان التربوي باستمرار؛ الأمر الذي من شأنه أن يتيح مجالًا لتصويب ممارساتهم في تنفيذ هذه المشاريع وتقويمها، وتسهيل الصعوبات التي قد تواجههم.
—————————————————-
المراجع:
- إبراهيم، إبراهيم رفعت (2015)، “فاعلية نموذج مقترح للتعلم المستند إلى المشروع فى تنمية استيعاب المفاهيم الهندسية ومهارات القيادة لدى طلاب المرحلة الإعدادية”، مجلة كلية التربية بأسيوط، 31 (2)، 488-450.
- بوس، سوزي وكروس، جين (2013)، “إعادة ابتكار التعلم القائم على المشاريع: دليلك الميداني لمشاريع الحياة الواقعية في العصر الرقمي”، ترجمة مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- الحصان، أماني بنت مُحمد (2012)، “فاعلية برنامج مقترح في العلوم قائم على مدخل التعلم بالمشروع ونظرية الذكاءات المتعددة في تنمية بعض قدرات الذكاء العلمي والمهارات الحياتية لأطفال الروضة بمدينة الرياض”، المجلة التربوية، 26(104)، 28-338.
- روبرت وتالبوت (2010)، “التعليم بالمشروع”. ترجمة د. يوسف تيبس. مجلة رؤى تربوية في الفكر التربوي، 33، 110-121.
- زيود، أسامة مُحمد (2016)، “واقع استخدام التعلم القائم على المشاريع في المدارس الحكومية من وجهة نظر معلمي العلوم في محافظة جنين”، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين.
- العامري، شمسة (2010)، “أثر التعلم المبني على المشروع في المعرفة البيئية والاتجاه نحو العلوم لدى طالبات الصف الحادي عشر”، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة السلطان قابوس، كلية التربية، سلطنة عُمان.
- عبدالمجيد، أسماء بنت مُحمد (2016)، “فاعلية تدريس العلوم باستخدام نموذج التعلم القائم على (المشكلة، المشروع، الخطوات، الفريق، المنتج (P5Bl)) في تنمية التحصيل والاتجاه نحو العمل الجماعي لدى طلاب المرحلة الإعدادية”، مجلة التربية العلمية، 19(2)، 1-38.
- العبسي، مُحمد مصطفى وعشا، انتصار خليل (2013)، “أثر التقويم بطريقة المشروع في التحصيل الهندسي المباشر والمؤجل لدى طلاب كلية العلوم التربوية والآداب (الأونروا)”، مجلة جامعة الخليل للبحوث، 8(1)، 135-151.
- العلي، إلهام يوسف (2015)، “أثر إستراتيجية التعلم القائم على المشروع (PBL) في تنمية مهارات التفكير الإبداعي والتحصيل الدراسي والاتجاهات نحو مادة العلوم لطالبات الصف الثالث متوسط بمنطقة تبوك، رسالة دكتوراه غير منشورة، الجامعة الأردنية، الأردن.
- وزارة التربية والتعليم (2012)، “وثيقة تقويم تعلم الطلاب لمادة العلوم للصفوف (5-10)”، سلطنة عُمان.
Akinoglu, O. (2008). Assessment of the inquiry-based project application in science education upon Turkish science teachers’ perspectives. Education, 129(2), 202-215.
Catapano, S., Gray, J., (2015). Saturday School: implementing project-based learning in an Urban School. Perspectives on Urban Education, 12(1), 88-100.
Holubova, R., (2008). Effective teaching methods- project-based learning in physics. US-China Education Review, 5(12), 27-36.
Tseng, K., Chang, C., Lou, S., & Chen, W. (2013). Attitudes towards science, technology, engineering and mathematics (STEM) in a project-based learning (PjBL) environment. International Journal of Technology and Design Education, 23(1), 87-102.
Turgut, H. (2008). Prospective science teaching conceptualization about project based learning. International Journal of Instruction, 1(1), 609-694.
4,429 total views, 2 views today
Hits: 358