التخطيط للمستقبل
بقلم د. محمد الدرويش
كاتب من سورية
عمي “نجيب” ألطف شخص في عائلتنا الكبيرة وأفرح كثيراً بزيارته مع عائلته.. وذات مرة أخبرني ابنه “فارس” الذي يدرس في الصف الثامن عن مبادرة تقوم بها معلمة في مدرسته.. إنها تعقد جلسات مع التلاميذ من أجل مناقشة ميولهم وإحصاء المواد التي يتفوقون فيها، والهدف من كل ذلك هو إرشادهم وتقديم النصح لهم في اختيار مهنة المستقبل.
سألت فارس:”هل جلست مع هذه المعلمة؟
- نعم .. في البداية أخبرتها أني أحلم أن أكون معلماً ففرحت كثيراً وقالت إنها أنبل مهنة ..
- هل سألتك عن هواياتك والمواد التي تحب دراستها والمواد التي تواجه صعوبة فيها؟.
- نعم .. لقد سجلت كل هذه المعلومات في سجل خاص، ثم طلبت مني أن أضع خطة للوصول إلى هذا الهدف .. أعني أن أصبح معلماً..
- هل يحتاج الأمر إلى خطة؟
– نعم .. استخدمت المعلمة تشبيهاً رائعاً .. أنا وأنت وجميع التلاميذ لا نعرف ماذا ينتظرنا في المستقبل، لذلك نحن بحاجة إلى المساعدة والإرشاد إلى الطريق الآمن تماماً كالإنسان التائه في الصحراء .. إنه بحاجة إلى بوصلة تحدد الاتجاه الصحيح ..
- حسناً .. هل فكرت في هذه الخطة؟
- نعم .. نصحتني المعلمة أن أقسّمها إلى مراحل زمنية ..
- ماذا تتضمن هذه المراحل؟
- تتضمن أعمالاً أو نشاطات تسهم في الاقتراب من شخصية المعلم وعلمه.
- اذكر لي أمثلة عنها من فضلك..
- على سبيل المثال .. طريقة التدريس .. التعامل مع التلاميذ .. كيفية معالجة مشاكل التلاميذ .. مهارات الحاسوب ..
هنا تدخّل عمي “نجيب” وسألني:”لنفرض أنك اجتمعت مع المعلمة .. ماذا تريد أن تقول لها؟”..
- أنا أهوى الفك والتركيب .. وأحب الدروس العملية في كل المواد ولا أحب الدروس النظرية التي تعتمد على الحفظ .. لقد ساهمت بمشروع عملي في الفصل الماضي ..
- حقاً!.. مشروع عملي؟!.. هل يمكنك أن تعرفني عليه؟..
- نعم .. إنه تنفيذ عملي لفكرة البكرات واستخدامها في الروافع .. لقد درسته في مادة الفيزياء ..
هنا عرضت بواسطة هاتفي النقال مقطع الفيديو الذي يبيّن مشروعي، وفرحت كثيراً عندما احتضنني عمي اللطيف وقال ممازحاً:”انظروا! .. لدينا مخترع صغير!”..
قال أبي مبتهجاً:”سيكون مهندساً بارعاً في المستقبل .. ما رأيك يا “فارس”؟”..
- نعم .. لكني أنصحه بالاجتماع مع معلمة الإرشاد التعليمي .. أعتقد أنه سيستفيد كثيراً.
وهذا ما حدث فعلاً .. بعد أيام أخذت مشروع البكرات والتقيت مع المعلمة التي نصحتني بوضع خطة مشابهة لخطة “فارس” أصل في نهايتها إلى هدفي النهائي .. مهنة المستقبل .. وأضافت:”هناك تخصصات عديدة تعتمد على الجانب العملي في الدراسة كهندسة الميكانيك مثلاً”..
هنا قررت البوح بما في داخلي:”أنا أشعر أني سأفشل في الدراسة الجامعية! .. أريد أن أصبح مهنيّاً ..أعمل بيدي”.. فابتسمت المعلمة وقالت:”لا تعتمد على شعورك .. اعتمد على جهدك .. سنضع سوية خطة لرفع مستواك الدراسي وستنطلق إلى الأمام .. أظن أن التلميذ الذي صمم ونفذ هذا المشروع لن يتوقف عنده، بل سيسعى إلى مشاريع أكبر” ..
شجعني كلام المعلمة، وبعد عدة جلسات نقاش معها ومع عائلتي تَغيّر موقفي من موضوع الدراسة الجامعية وزال شعور الخوف من الفشل .. وباشرت في إعداد مسودة الخطة المطلوبة ثم عرضتها على المعلمة فأرشدتني إلى بعض التعديلات وقالت:”أنا أضمن لك النجاح في خطتك إذا عملت على تطوير قدراتك ونظّمت وقتك وقُمتَ بزيارة الورشات الميكانيكية في الجامعة بصحبة والدك”..
رجعت إلى المنزل وأخبرت عائلتي بكل شيء .. وهنا نهضت أمي من مكانها وناولتني جريدة وقالت:”إذا تعاملت بجدية مع الخطة فيمكنك أن تقود العالم!..اسمع هذه المعلومة يا بني ..تبلغ نسبة الأشخاص الذين يخططون لحياتهم حوالي 3% من البشر، وهم يقودون المجتمعات في مجالات الحياة المختلفة”..
قال أبي:”يا له من تحفيز رائع يا بني .. عندما تباشر بتنفيذ خطة مستقبلك ستشعر أن للحياة معنى .. فما قيمة الحياة إن لم نحدد هدفاً نسعى إليه”..
في نهاية الفصل الدراسي عقدت المعلمة ندوة عن مهمتها وذكرت تفاصيل رائعة عن تعاونها مع التلاميذ في تلمّس طريق المستقبل وختمت حديثها قائلةً:”لا يمكن إنجاز الأعمال بشكل عشوائي لذا يجب أن نخطط للمستقبل الدراسي وعندما نكبر قليلاً نخطط لمستقبلنا الحياتي”..
وهنا رفعت يدي وقلت:”اسمحي لي أيتها المعلمة أن أقرأ العبارة التي كتبتها في مقدمة خطتي”..
وافقت المعلمة بسرور فاتجهت إلى المنبر وقلت:”قد تسعى إلى هدف لا يتناسب مع إمكاناتك أو مهاراتك، فإذا لم تطورها فلن تصل إليه .. يمكنك أن تصبح لاعباً مشهوراً، لكن عليك أن تتقن مهارات اللعبة جيداً وتصبر وتكون مؤمناً بأنّك ستضع الكرة في مرمى المستقبل”..
رابطة ثقافة الطفل العربي
– د. مصطفى عبدالفتاح رئيسا – سوريا
– الناقدة صفاء البيلي – مصر
– المدربة والكاتبة أمينة الرويمي – الجزائر
– الكاتبة والمترجمة أسماء عمارة – مصر
– التربوية الباحثة فاطمة الزعابي – سلطنة عمان
3,542 total views, 5 views today
Hits: 187