زهراء حسن اللواتية


يعرف نيوتن قانون “القصور الذاتي”، وهو أحد قوانينه الخاصة بالحركة بأن “الجسم الساكن يبقى ساكناً، والجسم المتحرك في خط مستقيم بسرعة ثابتة يبقى كذلك، ما لم تؤثّر فيه قوة محصلة “، وهذا يعني أن الأجسام تميل بشكل عام للمحافظة على حالتها الحركية سواء كانت متحركة أو ساكنة، حيث أنها قاصرة عن تغيير حالتها مالم تتدخل عوامل خارجية في ذلك، فالجسم الساكن يبقى ساكنًا، والجسم المتحرك في خط مستقيم وبسرعة ثابتة يبقى متحركًا.

في مقالتي اليوم سوف أسلط الضوء على انعكاس هذه النظرية على التوحد ليس من حيث حركة الأفراد التوحديين كأجسام، ولكن من حيث تشابه هذا القانون مع سلوكياتهم. فالقصور الذاتي في التوحد هو اصطلاح تشبيهي يصور البطء أو توقف تعاطي الأفراد التوحديين مع المتغيرات التي تتطلب البدء بنشاط معين، أو الانتقال من نشاط إلى آخر، أو التوقف عن أداء النشاط، وذلك لأسباب مختلفة كالإرهاق والتعب، أو وجود خلل في تنظيم المدخلات الحسية للجسم. يمكن أن يؤثر القصور الذاتي على الأفراد التوحديين بشكل كبير حيث يمتد ليشمل الأنشطة التي تتطلب مهام كبيرة إلى تلك الأنشطة البسيطة جدًا كتقليب صفحة الكتاب بعد الانتهاء من قراءتها، حيث يبقى الشخص عالقًا في منتصف حركةٍ ما. مثال آخر لفتح صنبور الماء إلى حين امتلاء الكأس وانسكاب الماء خارجه دون المبادرة في إغلاقه كردة فعل قد نراها بديهية. كما يمكن أن يتمثل القصور الذاتي في التركيز المفرط في موضوع رئيسي مثير للاهتمام للشخص التوحدي، بحيث يتعمق في تفاصيله الدقيقة، ويعيدها مرارًا، بحيث يجعله ذلك يتشتت عن التركيز في الأمور الأخرى المحيطة به في بيئته.
 ويمكن أن يلاحظ أثر القصور الذاتي عن التوحديين في عدة صور، منها:
– عدم القدرة على تحريك أجزاء الجسد والانطلاق لبدء مهمةٍ ما حين يُطلب منه ذلك لفظيًا، أو حين يُتطلب منه ذلك من خلال السياق العام للموقف.
– التوقف أو التأخر عن القيام بتعديلات معينة في الحركة، للتناسب مع التغييرات المتطلبة في بيئته (مثال: في بيئة الألعاب الخارجية، قد يصعب على الأطفال التوحديين الانتقال بين أجزاء اللعبة التي تتطلب خطوات متتالية مثل صعود الدرج، ثم استخدام الزحلوقة، ثم الدحرجة لتخطي حاجز معين وهكذا).
– أداء المهام دون فهم كامل لما يجب القيام به، ولماذا، حيث يتبع الطفل التوحدي التوجيه الذي استقبله من المعلم أو مقدم الرعاية في الجزء الأول من النشاط، ويكمل باقي الخطوات بشكل مسلمٍ به دون التفكير في حال أن الأجزاء الأخرى قد تتطلب تغييرات في طريقة التعاطي معها.
– عدم القدرة على إيقاف الانتباه عن التركيز على موضوع معين، حيث أن الانتباه نفسه يكون “في حالة حركة متواصلة”، وبالتالي صعوبة نقل التركيز إلى موضوع جديد.
من ناحية أخرى، يمكن أن يكون للقصور الذاتي الموجه فوائد تعود بالنفع على التوحدي، من حيث التعمق الكبير في فهم موضوع معين، وتوجيهه في الاتجاه الصحيح من قبل المعلمين ومقدمي الرعاية، مع محاولة استيعاب الجوانب المعيقة للتعلم أو التغلب عليها إلى حدٍ ما ليبرع الطفل في إحدى المجالات التي تناسب اهتماماته منذ عمر مبكرة (القراءة، تعلم لغة مختلفة، حفظ القرآن الكريم، التخصص في إحدى جوانب العلوم المختلفة، وغيرها من الأمثلة).
ولذلك أدعو الوالدين والمعلمين والأخصائيين ومقدمي الرعاية على فهم مايمر به التوحديون من تحديات داخلية، حيث قد يبدو من الخارج أن الطفل يظهر هذي السلوكيات متحديًا أو مقاومًا للأوامر التي يتم توجيهها له، أو حتى كسولًا عن إكمال مهامه اليومية المنزلية أو الأكاديمية، ولكن بالنسبة للتوحدي قد يكون التنفيذ بخطوات متسلسلة أمرًا شاقًا للغاية. يجب أيضًا النظر إلى القصور الذاتي كإحدى جوانب الإعاقة التي يعاني منها الطفل، وبالتالي التعامل معها بنهج أكثر دعمًا ومراعاة لاختلافه العصبي.

 925 total views,  2 views today

Hits: 61