شيه يانغ
مواطنة صينية


لم يسبق أن مرّ وباء أو فيروس في تاريخ البشرية مثل “كوفيد – 19” الذي عانى ويعاني من حملات التسييس وتوجيه الهجومات ضد الصين، في ظل امتلاك الغرب لمنافذ الإعلام وأبواقه الكثيرة المنتشرة في كل مكان. والغريب أن الغرب يواجه وينتقد الإجراءات التي اتخذتها الصين لمواجهة الوباء، ثم نراه يتجه إلى اتخاذ نفس التدابير بعد خسارة الكثير من الأرواح. أليس من الغريب أن يتناسى الإعلام الغربي التركيز والبحث في مخاطر الوباء وكيفية السيطرة عليه، في الوقت الذي يفرد فيه مساحة كبيرة لإحداث ضجة ضد الصين والهجوم عليها، وكانه يحاول أن يجد شماعة يعلق عليها تقصيره، وعدم قدرته على السيطرة على الوباء.

إن البحث من أجل التوصل إلى مصدر الفيروس أو الحالة “رقم صفر” في غاية الأهمية من الناحية العلمية، لأنه يساعد الإنسان على اكتشاف كيفية انتقال الفيروس إلى الإنسان، وبالتالي تسريع عملية السيطرة عليه، وهو في الأصل موضوع لأبحاث الطب وعلم الأحياء. لكن بعض السياسيين لا يستطيعون الانتظار لتسييس الموضوع، ودون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث، كوسيلة للتهرب من مسؤوليتهم، وقذف الصين بالاتهامات.

 لقد تجاوزت الشائعات الموجهة والمدروسة وحتى الاعتباطي منها كل حدود العقلانية والموضوعية. ومن المعروف أنه في عصر العولمة يزداد تدفق الأفراد عبر الحدود بشكل كبير، مما يسهل ويسرع انتقال وانتشار الفيروسات وبشكل أكثر تخفيًا، وقد يصعب الوصول إلى مصدرها في حال لم تقم الأطراف المعنية بالأبحاث العلمية. فحتى الآن لم تعلن منظمة الصحة العالمية عن نتيجة الأبحاث. ولكن منذ البداية عمل البعض على نشر شائعات كثيرة، مثل ما يسمى “أكل الصينيون الخفافيش”، و”عدوى الفيروس بين العرق الأصفر فقط”، والإدعاء “بفشل الإجراءات الصينية”، وانتقاد صرامتها، لأن كل ما كان يهم الغرب هو إثبات فشل الصين في أي أمر، لأن كل أمر بالنسبة للساسة متعلق بالاقتصاد والنفوذ. وقد تعاملوا مع فكرة انتشار الفيروس تعامل الواثق من عدم انتشاره، رغم امتلاكهم المعلومات الكاملة منذ بداية الانتشار، لكن العنجهية والغرور جعلتهم يرفضون الإقرار بذلك والبحث عن وسائل للمواجهة بشكل مبكر.

وأصرت وسائل الإعلام الغربية على أن تربط كل التدابير الصينية التي اتخذت لمواجهة الوباء والسيطرة عليه بما يسمى “حقوق الإنسان”أو “الديمقراطية”. فشهد العالم في المؤتمرات الصحفية الخاصة بالوباء ومقابلات الخبراء الأطباء والتقارير الإخبارية ظهور أسئلة متكررة عن “حقوق الإنسان” وعن عدم الالتزام “بالمعايير الديمقراطية”، و”النظام القانوني والفساد والتهديدات والشؤون الوطنية”، وغيرها مما لا علاقة له بالصحة العامة. وحتى عندما أصدرت منظمة الصحة العالمية نداءا عالميا، تثمن فيه إجراءات الجانب الصيني المتشددة والقادرة على حماية الأرواح، ما زالت بعض وسائل الإعلام تُظْهِر الشكوك والشماتة، وتتجاهل أن وباءا كهذا لا يمكن مواجهته بالطرق التقليدية. ولا باستبيانات الرأي. حماية الأرواح تحتاج حزما وحسما واضحين، ولكن ما زالت الكثير من الأطراف الدولية تتعمد تشويه مجهودات الصين عندما تشارك هي المجتمعات الدولية تجاربها عن الوباء، إلى الحد الذي يغالي البعض فيه ويحول الأمر إلى “حملة دعائية عن الإيديولوجية الاشتراكية”، ولكنهم غير قادرين على استيعاب أن هذا الوباء لا يعرف معتقدا ولا ايديولجيا اشتراكية أو رأسمالية، ولا يعرف أبيض أو أسود أو أصفر، أو فقير أو غني. فهل يعقل أن نستغل موت الناس في حروب تافهة من أجل بعض الدولارات؟

إن حقوق الإنسان بالنسبة للإنسان الصيني هي ما يحافظ على حقه في البقاء والعيش والتطور والحياة الفضلى، وهي في نفس الوقت ما يحفظ للفرد حقه من خلال حرصه على المجموع، فلا مجتمع بدون فرد، ولا فرد بدون مجتمع. وتتحمل الدولة كل تكاليف مواجهة الوباء، لأن المر لا يجب أن يترك لمقدرات الناس، فالبنية التحتية الطبية هي حق للمجتمع العامل والفاعل للحفاظ على ديمومته.

فعلا قد حدث ارتباك واضطراب في ووهان في بداية انتشار الوباء، وذلك بسبب عدم معرفة الفيروس الجديد وكيفية التعامل معه تمامًا، وما هي الإجراءات الضرورية لمواجهته. فالقرار ليس سهلا بالتأكيد. ولكن سرعان ما تم تجاوز حالة المفاجئة واتخاذ قرار مصيريا، وبالفعل فقد تم إغلاق ووهان في نهاية يناير، وعزل المليار والأربعمائة مليون صيني في بيوتهم. ومباشرة قدمت الصين تفاصيل تجربتها ومعلوماتها عن الفيروس إلى العالم من خلال منظمة الصحة العالمية، ولكن الأمر لم يعجب وسائل الإعلام الغربية، التي تنظر للموضوع على أنه صراع اقتصادي وسياسي في المرتبة الأولى، وبالتالي تروح تروج إشاعاتها عن أن الصين قد فرضت سيطرةً على الوباء “على حساب سبل عيش الناس وحريتهم الشخصية”.

إن الحقيقة مرة، نعم فليس من السهل أن تغلق المدن وتحد من حرية الناس. لكن وعندما تكون أمام خيار موت الناس أو إنقاذ حياتهم فأنك كطرف مسؤول لن تتردد في اتخاذ التدابير اللازمة مهما كانت قاسية. وها هي الدول ومع انتشار الوباء في كل العالم، تتخذ نفس الإجراءات فتغلق المدن وتبني المستشفيات المؤقتة التي اتهمتها وسائل الإعلام الغربية على أنها “انتهاكات لحقوق الإنسان” و”معسكرات اعتقال”. كيف تفسر الآن ما تمارسه دولها، أم أنها ستبقى كما تعودت تكيل بمعايير مزدوجة؟

وقد ادعت بعض الدول وما زالت “أن الصين قد قامت بـ”إخفاء الوباء” وعدم مشاركة المعلومات حوله، فكيف إذا سحبت معظم الدول رعاياها من ووهان أواخر يناير؟ أليس هذا بسبب إعلان الصين خطورة الوضع، وأنها أمام فيروس لا تعرف كيف يمكن السيطرة عليه، وأن خطورة الوضع تستلزم سحب الرعايا واتخاذ إجراءات مشددة، من أجل حصر الوباء ومعرفة طبيعته؟ إذا لو لم تكن هذه الدول ومن خلال الصين على علم بخطورة الموقف ولو حجبت الصين أخبار الوباء، لما سحبت هذه الدول رعاياها مبكرة، أليس كذلك؟ ولكن هذه الدول تحتاج كما قلنا إلى شماعة تعلق عليها قصورها وعدم وضوحها مع شعوبها، مما أدى إلى كل هذه الخسارات في الأرواح.

إن حالات الفيروسات الخبيثة أو الأمراض المعدية في أي بلد لا يمكن إخفاؤها ولا التستر عليها، وخصوصا في بلد كالصين، بكل هذه الكثافة السكانية. وقد رفعت الصين إبلاغا إلى منظمة الصحة العالمية عن تفشي المرض في الوهلة الأولى، وكانت هي أول من حدد هذا الفيروس الجديد، وأول من توصّل إلى تسلسل الجينات ونشرها لكل العالم. وبدون هذا التقاسم الموضوعي والشفاف للبيانات، لم يكن من الممكن بدء أعمال البلدان الأخرى في إيجاد الكواشف واللقاحات البحثية والتطويرية.

هناك دليل آخر: قد افتتحت الشركات والمتاجر والمدارس في بعض المناطق الصينية في مارس، ذلك ترجمة ثقة الصين في وضعها الجيد وانتصارها على الوباء.

ولم تكن الاضطرابات الأولى في ووهان وحيدة من نوعها، مقارنة بالأخطاء الأكثر خطورة التي ارتكبتها بعض الدول التي فشلت في منع تفشي الفيروس، لكن ووهان تداركت الأمر سريعا وبادرت إلى اتخاذ التدابير اللازمة دون تأخير. بينما اشتدت الأزمة في الغرب، وما زال البعض يكابر ويتخبط. ولم تعد هناك حاجة لاختبار أو تأكيد خطر الفيروس، فالشيء الوحيد الذي يهمّ الغرب هو معرفة مدى الخسارة الاقتصادية التي يسببها الوباء وليس العمل على رفع مستوى مكافحة الوباء. فكيف يمكن هذه الدول غير المسؤولة تجاه شعوبها، إلقاء اللوم على الصين الأولى لاتخاذ هذا الخيار الصعب؟

لقد صرخ البعض مطالبا ب”اعتذار الصين” وحرّض عناصر أخرى من أتباعه على رفع دعوى قضائية ضد الصين والانخراط في المهزلة. الفيروس ليس بلدًا أو عرقا لنعاديه، نحن نقاومه من أجل البشرية. لكن سأسمح لنفسي بأن أتساءل وسط كل هذه الاتهامات: من ينبغي أن يعتذر عن H1N1؟ ومن هو المسؤول عن الأيدز والإيبولا وإنفلونزا الطيور وحمى الضنك؟ وإنفلونزا 2009 وأزمة الرهن العقاري عالي المخاطر وأزمة الديون الأوروبية وغيرها من الكوارث البشرية التي أضرت بالعالم أيضًا، كيف يتم التعويض؟ سنرى في حال أعلنت الصين كما يطالب بعض العناصر بشدة توفيرها للقاحات للعالم مجانًا، فإن شركات الأدوية البيولوجية الغربية التي تعمل على تطوير اللقاحات على مدار الساعة، لن تتردد في إيقاف هذا العمل المهم ما دام هناك لا أمل في الربح. أو إنها ستخوض حروبًا لتقويض عمل الصين وليخسر العالم المزيد من الأرواح!

حرضت وسائل الإعلام الغربية على العنصرية ضد الصينيين والآسيويين، ثم شكت أن الأفارقة في الصين يعانون من التمييز العنصري، وتحفيز جميع أنواع المشاعر المعادية للصين والاعتماد على القومية المتطرفة لإنقاذ الحملة. الغرض الحقيقي هو محاولة طمس تركيز الرأي العام، وتشكيل موجة معادية للصين والصينيين وعزلهم على نطاق عالمي. وقد نشرت بعض وسائل الإعلام يوتيوبات كوميدية عنصرية تهين الصين، وتعرّف الفيروس أنه “فيروس صيني” كما أعلنت أمريكا عن حظر شامل لدخول الصينيين لإثارة الذعر ونشره في يناير الماضي.

الصين قدمت وتقدم بقدر إمكانها مساعدات إنسانية واقتصادية وطبية للدول بقدر إمكانها. ولكن للأسف بعد وصول الإمدادات الطبية الصينية، ظهرت حملات إعلامية تحاول تشويه “صنع في الصين”. واستغل البعض جهلهم في أنواع الكمامات، وعدم التفريق بين الكمامة الطبية التي تستخدم للأطباء والكمامة العادية التي تستخدم للجمهور لساعات محددة ثم يتم إتلافها. كما شككوا الكاشف الصيني عن المرض، نتيجة سوء استخدامهم، وحاولوا أن يشككوا في أجهزة التنفس الصينية، متناسين أن معظم الصناعات الأمريكية العالمية تصنع في الصين.

لقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريس مناشدات في وقت مبكر وفي مناسبات عديدة. “إن المطلوب الآن هو الحكمة بدلاً من الذعر، والعلم بدلاً من تراشق الاتهامات، والحقيقة بدلاً من الخوف”. كما أصدر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تان ديساي تحذيرا أن أكبر عدو للمجتمع الدولي ليس الفيروس نفسه، ولكن وصمة العار التي تتسبب في تبادل الكراهية والمعارضة بين البشر.

إن كل ما نتمناه كمواطنين صينيين، أن تلتزم وسائل الإعلام الغربية بالموضوعية والصدق والأخلاق الأساسية للصحافة، لأن الغطرسة والتحيز لا يمكن أن ينتجا إلا خسائر أكبر، بالرغم من أننا ندرك صعوبة التزامها، لأن الالتزام يحتاج إلى الإحساس بالمسؤولية تجاه الإنسانية.

 2,597 total views,  2 views today

Hits: 318