عُمان .. بوصلةُ السَّلام
الشيخ جابر العُماني
عُمان.. بحروفها الأربعة تحملُ الكثيرَ من المعاني الكبيرة والسامية، التي نعجزُ عن وَصْفِها وبَيَانها، لكنها تَبْقَى التاريخَ والحضارةَ والإنسانَ، هي هُويتنا التي ننتمي إليها، ونفتخر بها على الدَّوام.. هي المكان الذي نلجأ إليه لنشعُر بالأمن والاستقرار، والراحة والاطمئنان.. هي الحضن الدافئ الذي يجمعنا ولا يفرقنا أبدا، مهما كَتَبنا من العبارات الجميلة والأشعار الجزيلة، نعجزُ عن وَصْف ذلك الحب الذي يسكننا تجاه عُمان وقائدها.
عُمان.. نعمةٌ عظيمة أنعم الله بها على الكَون؛ فمن الواجب على العُمانيين حمايتها، والدفاع عنها بأرواحهم وأنفسهم، وفكرهم وجهدهم، وبكل ما يملكونه من قوَّة؛ لتبقى شامخةً مُستقرة هانئة، في ظلِّ القيادة الرشيدة التي يَرْعَاها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي قدَّم لنا ولعُمان الكثيرَ من الإنجازات المهمة، التي جعلتْ من عُمان وشعبها بلدًا عظيمًا، عُرف بهيبته وصيته وطيب أخلاقه، فما أجمل أن يكون الشعب مُلتفا حول قيادته، داعما لها في سبيل الحفاظ على الوطن وسمعته وكيانه. ومن وصية مُوْسَى بن جعفر الصادق -عليه السلام- وهو حفيد النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سُلطانكم، فإن كان عادلًا فاسألوا الله بقاءه، وإن كان جائرا فاسألوا الله إصلاحه، فإنَّ صلاحكم في صلاح سُلطانكم، وإن السُّلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم”.
ونحن في هذه الأيام المباركة؛ إذ نحتفل بالعيد الوطني السابع والأربعين المجيد، علينا أن نجدِّد الحب والوفاء والإخلاص والعرفان لعُمان، وقائدها العادل، وأن نشكر الله على نعمة الأمن والازدهار الذي حافظ عليه العُمانيون، مسترشدين نهج القائد المفدى؛ إذ جعل من سلطنة عُمان تجربة فريدة رائدة، لا تُصدِّر للعالم إلا السلام والمحبة والوئام، وهذا ما عُرف عن عُمان وأهلها عبر التأريخ؛ ففي صحيح مسلم في باب “فضل أهل عُمان”، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلَ رسولًا إلى قومٍ فسبُّوه وضربوه! فلما عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال له: “لو أنَّ أهلَ عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك”.
ما أجملها من لوحةٍ أخلاقيةٍ جميلةٍ، تحدَّث عنها نبي الرحمة منذ أمدٍ بعيد، وحافظ عليها أهلُ عُمان، فعُرف عنهم التسامح والإنصاف.
واليوم.. هُناك من يسأل: ما هو سرُّ التسامح والإنصاف عند أهل عُمان؟ الجواب على ذلك هو أنَّ التسامح العُماني له جُذور تأريخية؛ تتمثل في دولة آل سعيد، التي تكونت على قيم ومبادئ؛ فمن المؤسِّسين للدولة العُمانية المباركة المؤسِّس الثاني للإمبراطورية العُمانية آنذاك، وهو سعيد بن سلطان، كما ورد في كتاب “جهينة الأخبار في تأريخ زنجبار”، تأليف الشيخ سعيد المغيري، وهو يعدُّ من كبار علماء زنجبار، يقول في أحد فصول كتابه: “أوامر من السيد سعيد إلى عُمَّاله بعدم التعرض للمذاهب الدينية: “من سعيد بن سلطان إلى جناب كافة ربعنا بحال القضاة، فكل من حكم وأخطأ فيه يرجع بالسؤال إلى من هو أعلم منه، وكل مذهب يتبع مذهبه، هذا ما جرت عليه العادة من القديم.. والسلام”.
وهنا.. يتَّضح لنا التسامُح العُماني الذي كان موجودًا بقوَّة قبل أكثر من مائة عام، في الوقت الذي كانت فيه الدول تتناحر فيما بينها، كانت عُمان تؤمِن بالعدالة والتعددية، واستقلال المذاهب الإسلامية، ونشر التسامح والاحترام بين الجميع.
ويقول المؤلف أيضا: “أول ما ورد زنجبار في أيام السيد سعيد بن سلطان بعد العرب “العُمانيين”، وبعدهم البانيان من أهل الهند والخوجة والميمن، وأهل السند والعرب الحضارم، وأهل المكلا وأهل البحرين وأهل بوكين، وأهل الجزائر القمر والأوروبيون، والأمريكان والإنجليز والفرنسيون”، ثم يقول المؤلف: “وهذه الطوائف كلها محترمة محشومة عنده، أي عند السلطان سعيد بن سلطان، كل على قدره، وقد بلغت زنجبار قمة الرخاء والسعادة في عهده؛ إذ كان لا يُفرِّق بين المذاهب الإسلامية وغيرها”، وكان سفيره إلى الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك أحمد بن النعُمان الكعبي: “وتوفِّي السيد سعيد بن سلطان وكل الناس عنه راضون”.
والشاهد هنا.. أنَّ الدول لا تقوم إلا بالعدل والإنصاف، وهذا ما نراه ونلمسه اليوم على أرض عُمان من عدل وإنصاف، أرسى دعائمه سلطان السلام جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- حيث جعل من الإنسان العُماني مصدرَ اعتزاز حيثما كان، بما حققته الدولة العُمانية من إنجازات مهمة؛ أبرزها: الأمن، والرخاء، والاستقرار الذي سطرته السياسة العُمانية الحكيمة..
وأخيرا أختم قائلا:
سموتِ عُمان بسلطاننا…
فنُلتِ المعالي به يا عُمان
3,321 total views, 2 views today
Hits: 155