بقلم: الطيب أديب (أديب مصري)
قاص وروائي وكاتب أدب أطفال وباحث في مجال التراث


أولت معظم دول العالم المتقدم أدب الطفل أهمية كبيرة، ورصدت له ميزانية تتناسب وأهمية أطفالها ، ثروتها المستقبلية ، وشجعت إنشاء دور النشر الخاصة ودعمتها ، واهتمت بكاتب أدب الطفل “المنتج الرئيس للأدب” .. وتوسعت في إصدار الكتب والمجلات ومسرح الطفل، والبرامج التي تعني بالطفل ، ولكن أدب الطفل في معظم بلادنا العربية يحتاج لمزيد من الاهتمام لمواكبة العصر ، لأن أطفال اليوم هم بناة الغد !

كاتب الطفل
وعلى كاتب أدب الطفل أن يكون ملما بشروط عدة حتى تجدي كتابته أهمها أن ينزل الكاتب من برجه العاجي ، وأن يتقمص شخصية الطفل عند الكتابة له ، وأن يكون مطلعاً على التقنيات التربوية الحديثة ، وأن يوظف المعلومات بطرح جديد بمعنى أن يكون قادراً على الابتكار ، ولا يعتمد في طرحه على مواد أجنبية مترجمة فأدبنا العربي تذخر أصوله بالملاحم والسير الشعبية ، والحكايات الرائعة. !

وهناك حكايات وقصص شهيرة في تراثنا العربي كحكايات وقصص ألف ليلية وليلة ، وحي بن يقظان وكليلة ودمنة وغيرها .. وهي إن  لم تكن موجهة للطفل العربي على وجه الخصوص ولكنه تم تبسيط كثير منها ليلائم الطفل العربي ، ففي ألف ليلة وليلة مثلاً تم تبسيط حكاية بساط الريح والجواد الخشبي ، وقصة عبد الله البري وعبد الله البحري ، إضافة للقصص الروائي الشفاهي للأطفال والذي لعب دوراً مهماً في مخاطبة حواس الطفل وحفز مشاعره وخياله ، وكثيراً ما كانت المربيات والوصيفات يقصصن على الأطفال قصصاً مبسطة كما كان للجدات في البيئات العربية دورهن في قص الحكايات كحكايات الشاطر حسن وحكايات الجن والشياطين وغيرها ..!

وأما السير الشعبية أو ما يطلق عليه الباحثون ( الأدب الشعبي ) فهي مجموعة أعمال روائية طويلة تتناول السيرة منها قصة حياة بطل من أبطال العرب ، ملك أو شاعر ، ومعظم هذه السير ارتبطت بشبه الجزيرة العربية لأن أحداثها دارت في هذه المنطقة الثرية أدبياً ، وارتبطت بقضايا عاشها سكان المنطقة قبل الإسلام  وبعده ، فسيرة عنترة بن شداد ارتبطت بقضية اللون وحرص بطلها على الحرية المنشودة ، ودارت سيرة حمزة البهلوان حول قضية العلاقة بين الفرس والعرب ، وسيرة الأميرة ذات الهمة تناولت قضية المرأة في البيئة العربية ، وفي سيرة أبو زيد الهلالي نجد أنها دارت حول قضية الهجرة من الصحراء وهكذا .. ومن بالغ الصعوبة أن تجد مؤلفا واحدا لأي من هذه السير الشعبية لاختفاء المؤلف الأصلي للنص وتعدد رواة النص باختلاف الزمان والمكان ولتداول السيرة شفاهيا ، فمؤلف النص الشعبي هو متلقيه كما يقول مؤرخو السيرة الشعبية . ونص السيرة الشعبية يصلح لروايته للأطفال بطرح جديد مهما بعد زمان ومكان السيرة بما يلائم متطلبات وذوق بيئة المتلقي الجديدة. وهذه السير الشعبية لا تسجل تاريخاً لفرد أو جماعة وإنما هي عمل إبداعي في المقام الأول يعتمد على الخيال والصياغة الروائية للأحداث ، وهي بذلك تخرج من فلك التاريخ بخلاف السيرة النبوية التي هي ترجمة مأثورة لحياة النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي غير قابلة للتحور أو التغير عبر الزمان والمكان .

أدب الطفل في التراث العربي
كان للحكايات على ألسنة الطير والحيوان والجان دور كبير في تنمية خيال الطفل العربي وحفز مشاعره  قديما ، وتراثنا الأدبي العربي ذاخر بحكايات وقصص حي بن يقظان وألف ليلة وليلة وحكايات كليلة ودمنة التي ترجمها ابن المقفع عن الفيلسوف الهندي “ديدبا” ، وابن المقفع حين ترجمها لم يلتزم بالنص الأصلي للحكايات وإنما حرف جمل الكتاب ومعانيه وترتيبه ليتفق وذوق المتلقي في البيئة العربية في عصره الذي كثرت فيه الفتن حيث عاش نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية بل إن بن المقفع أضاف فصولاً كاملة من تأليفه مثل باب البطة ومالك الحزين وباب الناسك والضيف وغيرهما. وقد لاقى كتابه إعجاب الأدباء والمفكرين على مر العصور ، حتى أن الأديب الفرنسي ( لافونتين ) تأثر بابن المقفع فكتب كتابه الشهير( العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ ) وهناك كثير من الآداب الأجنبية التي اقتبست من الحكايات القصصية وحكايات الحيوان وكتب ألف ليلة وليلة وحي بن يقظان وكليلة ودمنة والملاحم الشعبية وقد غير الأجانب المادة العربية الأصلية لتلائم ذوق المتلقي الجديد وبيئته ، ومهما اختلف الزمان والمكان فإن القص على ألسنة الطير والحيوان يقوم بأدوار مهمة في حياة الطفل ، فالحيوان أو الطائر الذكي الذي يتمتع بالحيلة ويجيد استخدام عقله ينتصر وإن صغر حجمه في حين أن الحيوان أو الطائر الغبي ينهزم وإن قوي جسمه ، كما أننا نستطيع من خلال هذا النوع من القص إثارة خيال الطفل وأن نحببه في الحياة وننمي مداركه ونهذبه تربوياً وجمالياً .

حاجة الطفل العربي للأدب
ما يقدم للطفل في العالم العربي من إصدارات كمجلات وكتب الطفل أو حتى على خشبة المسرح أو على شاشات الفضائيات لا يتناسب كما مع عدد الأطفال العرب الذين يمثلون شريحة عريضة من قاعدة الهرم السكاني في معظم البلاد العربية، وما تنتجه دور النشر الحكومية والخاصة من كتب ومجلات قليل جدا وغير كاف  إذا قورن بما يصدر في الغرب أوفي اليابان أوفي أمريكا الجنوبية التي تولي إصدارات الطفل أهمية كبرى وتدعم المتخصصين في إنتاج أدب الأطفال كتابا ومؤسسات ، وتشجع الأطفال أنفسهم على متابعة ما ينتج لهم وتدعم إصداراتهم ، وتقيم ما يقرأه الأطفال أو يشاهدونه في المسارح أو على الشاشات ، على غير ما يحدث في بلادنا العربية التي يعاني فيها الأطفال من الحصول على أبسط حقوقهم في الغذاء والعلاج والتعليم وغيرها ،وأما ثقافة الطفل فينظر إليها على أنها تحصيل حاصل ، ولو تأملنا في نهاية العام الدراسي في معظم البلاد العربية سنجد شريحة واسعة من الأطفال تقيم احتفالية كبرى بحرق الكتب الدراسية ، لكونها أرهقتهم ذهنيا ولم تجذبهم وجدانيا ، على عكس أطفال الأمس الذين كانوا يحتفظون بالكتب ويدركون قيمتها .

كيف نرتقي بأدب الطفل؟|
لابد لنا من وقفة جادة للخروج من النفق المظلم فالموضوع  شائك ويحتاج لبحوث ودراسات ومؤتمرات ، ونية صادقة من الهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة والتربويين والأدباء لوضع استراتيجية محددة للارتقاء بما ينتج للطفل العربي سواء كان مطبوعا أو مرئيا أو مسموعا ، وأرى ضرورة الاهتمام بالمنتج الأساسي وهو الكاتب وتشجيعه معنويا وماديا ، بجانب دعم إصدارات الطفل لتصل لغير القادرين على شرائها، ودعم المؤسسات الخاصة والتأني في اختيار المواد المنشورة ، وعودة الهيبة للمناهج المدرسية والمعلم ، ومشاركة أولياء الأمور والأطفال أنفسهم في عملية تقييم ما يقدم للأطفال الذين هم نصف الحاضر وكل المستقبل .                 

 4,091 total views,  2 views today

Hits: 162