هل الفن التشكيلي بحاجة لنقَّاد مُحترفين؟ طاهرة فدا تُجيب عن هذا التساؤل بالإيجاب
أعدته – يُسر معصتم
دور الأم وبداية المشوار:
الأم التي كانت تسعى جاهدة لأن أتعلم مختلف أنواع الفنون اليدوية؛ حيث إنها كانت مُعلِّمة فنون، والتربية الأسرية، كانت تَصطحبني معها في بعض الأحيان لمقرِّ عملها؛ حيث كانتْ تقوم بتعليم وتدريب النساء على الفنون اليدوية، وأتذكر في سن الـ10 سنوات تقريبا سافرتُ معها للهند في رحله علاج، وهناك لجلوسنا قُرابة شهرين في بومبي، ولكي لا أشعر بالملل وحدي، طلبت مني أن أنضمَّ إلى دورات في الرسم على القماش وصنع المفارش والخداديات؛ مما جَعَلني أتعلم أساسيات التلوين وكيفية مزج الألوان. وبعد تخرُّجي في كلية المعلمات، وبجانب عملي معلمة لمادة اللغة الإنجليزية -بتخصصي الدراسي- كُنت مسؤولة عن النشاط الثقافي والفني في المدرسة، وأتذكَّر أنني قُمت بتدريب الطلاب على مسرح العرائس، وتقديم فقرات فنية متنوعة، ومن هُنا بدأت الرحلة في آفاق الفن التشكيلي.
ما زلت أتذكَّر في العام 1997، قرَّرت أن أعمل مدرسة للتربية الفنية، وهنا جاء قرار دراستي للفنون الجميلة، وهكذا بدأ المشوار الاحترافي في الفن التشكيلي.
الصُّعوبات:
بالطبع، كانتْ هناك صُعوبات كثيرة، لكنَّني أجدها اليوم عوائق بسيطة مررتُ بها، فكلما سهلت الأمور على نفسك تجدها سهلة، وعندك القدرة على تجاوزها. من هذه الصعوبات مثلًا: عدم وجود أكاديمية مُتخصِّصة لتدريس الفنون آنذاك؛ لهذا درست دبلوم عالي في الفنون في الجامعة الأمريكية، وسافرتُ في الفترة الصيفية لبريطانيا والنمسا وإيران لدراسة الفنون، وأخيرا في العام 2012 حصلتُ على ماجستير في الفنون البصرية من جامعة لندن للفنون بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف. وحاليًا أفكِّر في تحضير برنامج الدكتوراه في النقد الفني؛ فنحن بحاجة لناقدين في مجال الفن التشكيلي، والساحة العربية تفتقر لمختصين في هذا المجال؛ لهذا قدَّمتُ مقترحَ برنامج الدكتوراه في نفس الجامعة التي تخرَّجت منها في بريطانيا.
النقد المحترف:
النَّقد البنَّاء مُهمٌّ جدًّا لمسيره الفنان، وبسبب غيابه نَجِد تخبُّطًا لدى كثيرٍ من الفنانين العُمانيين مَثلا، تجد أحد الفنانين يقوم بتقليد أقرانه وينسب التقنية له؛ لأنه حصل على جائزة معينة فأعطى لنفسه حقَّ سرقة أسلوب أو تقنية فنان آخر، والادعاء بأنَّ هذا التكنيك أو هذه الطريقة في إخراج العمل الفني هو بالأصل الذي انتهجه منذ البداية، وهكذا تَجِد تخبطًا في مسيرة عددٍ كثير من الفنانين، وللآسف نعتبرهم فنانيين محترفين، وهذه صعوبة أخرى.
معرض الروايات اللونية:
جاءتْ دَعْوَة من د. مُحمَّد طارق لإقامة معرض للروايات اللونية في القاعة الزجاجية في مَدخل الكلية العلمية للتصميم بمرتفعات المطار، والكلية حريصة على تثقيف طلابها، وإتاحة الفرصة لهم لمشاهدة أعمال فنية من مختلف المدراس والاتجاهات الفنية، وكذلك تشجيعهم على تبادُل الحوار البنَّاء والمُثمِر مع فنانين مُحترفين، واحتمال فتح أبواب فرص العمل لهم؛ من خلال تعارفهم مع أصحاب الجاليريات والمتاحف، وصالات العرض أثناء حُضُورهم للمعارض التشكيلية المقامة عندهم. لهذا؛ فالكلية نشيطة، وتحرص على إقامة المعارض بشكل دوري. كنتُ حريصة على تقديم تجربة نسوية مميزة ومختلفة نوعًا ما عمَّا سبق عرضُه في مسقط من فنون وأساليب فنية، واختياري للفنانات المشاركات جاء بناءً على هذا. من المشاركات في المعرض الفنانة التشكيلية: رية المسكرية؛ وهي من الجيل المقارِب لطلاب الكلية، ولقد تخرَّجت في الكلية ذاتها، وشقَّت طريقَ العمل بجانب تميُّزها في الفنون الجميلة مثل استخدامها للقهوة في رسم الوجوه والأشخاص، ولها طريقة خاصَّة لتنفيذ أعمالها الفنية؛ فهي تمزجُ بين فن الكاريكاتير والفن التخطيطي، وابتكرتْ هذا الأسلوب لذاتها، وتميَّزت به بالرغم من صِغَر سنها، وقِصَر تجربتها، وأحيِّيها على هذا التميز، وأجدها قدوةً جيدة لطلاب الكلية المقبلين على التخرُّج. مُشاركة أخرى هي الأستاذة والفنانة التشكيلية هناء صادق، وهي فنانة أصيلة بدأتْ بتجربة جميلة في إستيل لايف قبل عقدين من الزمن، ومن ثمَّ توقفت عن العرض لوجودها خارج السلطنة، وبعد رجُوعِها لديارها قرَّرت أن تنضم للدراسة الأكاديمية في الكلية ذاتها، وها هي حاليًا أستاذة بالكلية؛ فكم هي من قدوة مناسبة ورائعة لطلابها في الكلية، وهم شُهُود على رحلة كفاحها ونجاحها.
كذلك تميَّزت في عرض أعمالها الفنية الذي تستخدم فيه فن الكولاج وفن الفسيفساء، وهو فن راقٍ وعربي أصيل، من النادر أن نجد فنانات يستخدمون هذه التقنية.
مُشاركة أخرى في معرض روايات لونية؛ وهي: الفنانة التشكيلية مريم الوهيبية، وهي من الفنانات التي تميزت بتقديم وجوه المرأة بشكل مميز ومختلف. كل نسائها لهُنَّ بصمة خاصة، وشعور عاطفي مُختلف، ونظرة موناليزية عربية. هذا الخلطُ بين الانفعالات العاطفية ووجوه لونية هو مُميَّز عندها. كنتُ حريصةً على أن تكون معنا مشاركات من دول الخليج العربي لعرض تجاربهم على الطلاب العمانيين وجمهور الحضور، وسعدوا جدًّا بالدعوة؛ حيث تُتاح لهم فرصة أيضا للمشاركة في الاحتفال بيوم المرأة العمانية، ومشاركتنا بإنجازاتنا بجانب عرضهم لأعمالهم على طلاب الفنون، والذين اعتبرهم الجمهور الحقيقي لأي فنان تشكيلي فهم جيل المستقبل وفناني الغد.
كانت معنَا الفنانة التشكيلية فوزية حيات من دولة الكويت الشقيقة؛ فوزية من الفنانات اللاتي تمكنَّ في المدرسة الواقعية، والتي لا يعتبر من السهل اتباعها، وهي فنانة قديرة ومعروفة. أعمالها الفنية تنبضُ بالحياة والعادات اليومية البسيطة، وتوضِّح قدرتها على تجسيد لحظة عفوية أو وجوه معبِّرة بعواطف جياشة.
مُشاركة أخرى من دولة الكويت أيضا؛ هي: الفنانة التشكيلية نورا العبد الهادي؛ هي من الفنانات المجتهدات جدًّا، لديها القدرة على إضافة عُنصر الحداثة إلى كل عمل تُنتجه. ألوانها قوية ومُنتشرة على سطح اللوحة، وهي نموذج لكل مرأة تملك حرية في التعبير. من دولة قطر الشقيقة كانت المشاركة: الفنانة التشكيلية حصة كلا؛ وهي من الفنانات القديرات، ولقد حصلت على جائزة بينالي بنجلاديش الدولي. حصة لديها دراسة ونظرة فاحصة، وهي تعلم كيف تستخدم مختلف المواد على سطح اللوحة، وتجعل هذه المواد مُتداخلة ومُنسجمة مع بعضها البعض، وقد تستغرب من وجود مواد لم تتوقعها بالصورة التي تبدو عليها مثلا، ممكن أن تضع ورقَ جريدة لكنه يبدو في العمل الفني كأنه ورق بردي، أو خط عربي، أو مخطوطة قديمة؛ مما يجبر جُمهور المشاهد على تمعُّن اللوحة ومحاولة تحليلها، ونجد القليلَ من الفنانات التشكيليات العربيات لديهن هذه القدرة على خَلق الدَّهشة لدى المشاهد.
مُشاركة من فنانة تشكيلية من جزيرة موريش، والمقيمة في دبي؛ وهي: الفنانة زهيرة موثي؛ زهيرة تحب المواضيع الصوفية، ورقصة الدراويش؛ لهذا تجد لوحاتها وكأنها خُلقت لعالم روحاني أزرق، وتُبحر معك في رحلة من صفاء الذهن والعشق الإلهي. أتمنى أن يَكُون معرض روايات لونية حدثًا سنويًّا بمشاركة فنانات من مختلف دول العالم، بجانب الفنانات التشكيليات من السلطنة؛ فهذا التبادُل في الحوار يُثري البصر والبصيرة، ويشجِّع على التعرف والتعارف؛ فمن المهم أن الفنانة تكون معروفة عالميًّا، وبهذا نفتح الفرصَ والمجال أمام المرأة التي قد لا تجد من يشجعها على هذا ويتيح لها المجال.
فنانة تشكيلية وكاتبة من سلطنة عُمان، ماجستير الفنون المرئية والبصرية من جامعه لندن للفنون.. شاركت في دورات مختلفة في جامعة فيينا للفنون التطبيقية (النمسا)، وجامعة سانت مارتنز في بريطانيا.
درست الواقعية مع فنانين من عُمان وإيران، أول معرض شخصي لها كان في العام 2014م بمتحف بيت الزبير، والثاني في عام 2015م بصالة بيت مزنة، أما ثالث معرض فكان بالدنمارك عام 2015م، ومعرض الفن العماني المعاصر في كولالمبور بماليزيا.
شاركت في عدة ملتقيات محلية ودولية؛ منها: سمبوزيم شيليا في الجزائر، وسمبوزيم بتراء في اليونان، وسمبوزيم تبلسي في جورجيا. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية والثنائية داخل السلطنة وخارجها في كلٍّ من الدول التالية: لبنان، وجمهورية مصر العربية، ومملكة المغرب، والجزائر، والكويت، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والهند، واليونان، وسويسرا، والمملكة المتحدة، وجمهورية النمسا… وغيرها.
حصلت على العديد من الجوائز؛ منها: الجائزة الأولى في معرض الأعمال الصغيرة لعمل تركيبي في الفراغ 2005م، وجائزة المرأة للإجادة عام 2018م.
3,217 total views, 2 views today
Hits: 129