حوار مع الأديبُة العمانية بَسْمة الخاطريَّة
تُعدُّ بَسْمة الخاطريَّة من أغزَر الكاتبات إنتاجًا في مجال أدب الطفل في السلطنة؛ فقد تجاوزتْ إصداراتُها 60 إصدارا ما بَيْن قصص مُفردة، وسلاسل قَصَصية برعتْ الكاتبة في تحقيق أهدافِ هذه السلاسل التربوية والتعليمية؛ فنَشَرت لها العديد من دُوْر النشر العربية المعروفة.
بَسْمة الخاطريَّة مُعلِّمة، وكاتبة أطفال، وعضوة في مشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسيًّا والإيدز، التابع للاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية (الأردن)، وعضو في مشروع الكتاب الملموس التابع لجمعية مزايا للمكفوفين (مصر). تولَّت أمانة تحرير مجلتيْ “أيوب” و”حكايات”، الصادرتيْن عن مركز العيسري، ثمَّ تم اختيارها لتكون مديرة تحرير مجلة “بيئتي” التي تَصدُر من دولة الكويت الشقيقة.
أجرى الحوار: أمامة اللواتيَّة
حدِّثينا عن الشَّغف الذي بدأ ليتكامل وينمُو كشجرة باسقة.. عن بداياتك الأولى في الكتابة للأطفال؟
- بدأتُ الكتابة منذ أن كُنت على مقاعد الدراسة، وحينَها كُنت أكتب وأنشُر بعضَ المقالات في الصُّحف والمجلات، ثم تخصَّصت في الكتابة للطفل، بعد أن صار تعامُلي مع الطفل بشكل مُباشر بحكم عملي كمعلمة.
نشرتُ مع دُوْر نشر عربية من الأردن وسوريا ولبنان والبحرين والكويت.
وماذا عن أولَى تجاربك الغنيَّة في النشر في أدب الطفل؟
- أوَّل تجربة لي بالنشر كانت في العام 2007، وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، حين قدَّمت لهم أوَّل سلسلة قصصية تتألف من 6 أجزاء، وكانت بعنوان “رحلة أحمد في أسبوع”؛ حيث شاركتْ بها في مُسَابقة القصص الدَّاعمة للمنهاج، وفازتْ بمركز متقدِّم، ثم طُبعت ووُزِّعت على مدارس السلطنة؛ فقد كان محتوَى السلسلة يخدم وحدة الضوء والألوان في منهاج العلوم للصف الثاني الأساسي. وبعد هذه التجربة، بدأت أفكِّر بالنشر في دور نشر عربية.
عن إصداراتك الأقرب إلى قلبك؟
- من الإصدارات الأخرى التي أعتزُّ بها كثيرًا: “سلسلة لبيب ولبيبة والأسرة السعيدة “، وهي سلسلة قصص تثقيفيَّة من 4 أجزاء، تصدر عن الاتحاد العالمي الإسلامي، وتُوزَّع مجانا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد تُرجِمت إلى عِدَّة لغات.
وهل هناك شخصيات مُحدَّدة أحببتِ أسلوبها وتأثرتِ بها في أسلوبك في الكتابة للأطفال؟
- لا تُوجَد شخصيَّات مُحدَّدة؛ فالساحة العربية تزخَر بالكُتَّاب المتميزين، ولكل واحد منهم بَصمته في مجال أدب الطفل. والحقيقة أنَّني لم أكن أقرأ في أدب الطفل أبدًا، بل كُنت أقرأ في مختلف العلوم الأخرى، في الطب والتربية والفضاء… وغيرها. وأحيانًا كُنت أطَّلع على القصص التي فازتْ بجوائز كنوع من الفضول. ويبقى أنَّ لكل كاتب أسلوبَه، وطريقته في الكتابة؛ فلا يُوجَد كاتِبان لهما نفس الأسلوب، تمامًا كالبصمة الوراثية!
ترأستِ تحرير ثلاث مجلات مميزة للأطفال؛ هي: “حكايات”، و”أيوب”، و”بيئتي”.. كيف يُمكِن لكاتب أدب الطفل أن يكون مديرَ تحريرٍ ناجحًا وقادرًا على مُوَاجهة التحديات التي تواجه إدارة المجلات؟
- بدأتْ تجربتي الأولى في تولِّي أمانة تحرير مجلتي “أيوب”، و”حكايات”، الصادرتين عن مراكز العيسري، وأنا أشكر كثيرا الثقة التي تمَّ منحي إياها من قِبَل الشيخ عبدالله العيسري المدير العام، ورئيس التحرير الأستاذ مهند العاقوص؛ فقد كانتْ تجربة ثرية جدًّا، رغم أنها محفُوفة بالتحديات والصعوبات. لكنَّني أُدرك أنَّ أي عمل ليكُون مُميَّزا يُوَاجه تحديات وصعوبات كثيرة؛ فلا يُوجد شيء سهل أبدا!
التَّحدِيات التي كُنَّا نواجهها تتمثَّل في الوقت، كُنَّا نتسابق مع الزمن؛ فمن الضَّروري في المجلات تسليم النصوص في وقتها؛ لتدقيقها، وإرسالها للرسم، ثم التصميم، وموضوع الرَّسم هذا تحدٍّ كبير جدًّا جدًّا؛ فالرَّسَام أيضًا يجب أن يكون قادرًا على تسليم النص مرسومًا في الوقت المحدَّد له؛ فنحن نتحدَّث عن مجلات شهرية. إضافة إلى رغبتنا في إكساب المجلتيْن الهُوية العمانية؛ لذلك كان علينا اختيار الرَّسامين بعناية. ثم جاء اختياري لأكُون مديرة تحرير مجلة “بيئتي” الصادرة من دولة الكويت الشقيقة، وهي مجلة تُعنَى بكلِّ ما له عَلاقة بالبيئة. وفي هذه المرحلة، باتتْ التجربة أسهلَ بالنسبة لي؛ فقد صِرت أعرفُ الطريق جيدا، وما يتطلبه العمل في المجلات.
لماذا برأيك تأخَّر ظُهور مجلة عمانية للطفل؟ ولماذا تُعَاني مشاريع مجلات الطفل من تعثُّر وتحديات عِدة؟
- أي فِكرة تحتاج إلى إيمان وشَغَف؛ فهُنَاك تحدِّيات وهُنَاك صُعُوبات لا شكَّ في ذلك، لكن هذا ضروري جدًّا لننجح. أمَّا المشاريع التي توقفت، فقد كان أصحابها يرجعون السببَ إلى الكلفة المالية، لكن هذا ليس سببًا مقنعًا برأيي الشخصي؛ لأنَّ هناك أمثلة لمجلات استمرَّت عبر السنين، وما زالت مُستمرة. ما ينقصنا هو الشخص الذي لديه الشغف للاستمرار، والأهم التسويق الصحيح للأعمال التي نقوم بها.
وما رأيك بحركة أدب الطفل بشكل عام في السلطنة؟ السلبيات والإيجابيات أيضا؟ وما نحتاج إليه مُستقبلا لتفعيل هذا الجانب أكثر؟
- هُنَاك نقلة كبيرة في أدب الطفل في عُمان، وكل يوم تَشْهد الساحة العُمانية ميلادَ كاتب جديدٍ في مجال أدب الطفل. هُنَاك تنافسٌ جميل، ورغبةٌ بالاتجاه لهذا المجال. ولم يُقصِّر المهتمون أيضًا بعمل الورش والقراءات للكبار والصغار. ما نَحتاج إليه مستقبلا: مركز متخصص للدراسات في مجال أدب الطفل، ودار نشر مُتخصِّصة. نحن بحاجة إلى أنْ ننتسِب لمجلس كُتب الطفل واليافعين ليَكُون لنا دَوْر عربي وعالمي.
لاحظتُ في قِصَصك الأسلوب التربوي المشوِّق الذي تحاولين من خلاله توصيل المعلومات العلمية، أو السلوكيات المناسبة للطفل القارئ.. كيف تَرَيْن تأثير تخصُّصك كمعلمة وتربوية على أسلوبك السردي للطفل؟
- هذا صحيح؛ كوني مُعلِّمة أثَّر على أسلوبي وتوجُّهي للتخصص في كتابة القصة العلمية التعليمية للطفل؛ فقد كُنت أبحثُ عن طَرِيقتي الخاصة في تعليم الأطفال، وكان عليَّ أن أكتشفَ الطريقة المُثلى بنفسي من خلال الأطفال أنفسهم؛ بشرط أن تَكُون هذه الطريقة مناسبة للجميع.
ومن أوَّل تجربة لي في استخدام القصة العلمية، اكتشفتُ طريقتي الخاصة! فلا يُمكننا أن نمُدَّ الطفل بالمعلومات بشكل تقليدي في ظلِّ ما نعيشه من ثورةٍ تكنولوجية مُتَسارِعة، مع رَغبتنا في أنْ يُصبِح هذا الطفل عبقريًّا. نطمح من الطفل أن يكتسبَ هذه المعلومات وهو راغب بها، مُتشوِّق لها، يطلُبها، ويسعى إليها بنفسه. وهذا يجعل التعليم مثل أي لعبة تُدخِل البهجة إلى قلب الطفل، ولا تُمثِّل أي ضغط عليه.
وهُنَا، أتذكَّر ما قاله جلين دوما مدير معهد تحقيق الإمكانيات البشرية: “التعلم هو أعظم مُغامرة في الحياة؛ فهو مُستَحَب ومُهم ولا يُمكننا تجنبه، ويجب أن يتعامل الطفل مع عملية التعلم بشكل مُمتِع، وأنْ نُشبِع رغبة الطفل النَّهمة في تعلُّم جميع الأشياء، والتي يَجِب أن يستوعبها بجميع أشكالها، وعلى وَجه الخُصُوص باستخدام اللغة”.
يُوْلَد الطفل بتريليون خليَّة مُعقدة وخيال غير مُتناهٍ، وقدرة تحليلية تُمكِّنه من التركيز بأدق التفاصيل، وامتلاكِه لذاكرة لا حُدُود لها؛ لذلك على المعلم أن ينتبه؛ لأنَّ كل ما يُقدِّمه للطفل يزيد من حجم الروابط الداخلية بين خلايا المخ؛ وبالتالي فإنَّ كم الزيادة في هذه الروابط يعتمدُ على كيفية تنشئة المخ، ووسائل وأساليب تعليمه.
لنكتب بشكل أفضل للأطفال، هذا العالم المُبحِر في الخيال.. ما هي وصفتنا الناجحة في التفكير؟
- قِصَّة عن قوس الألوان يُمكِن أن تجعل الطفل يتساءل: ما هو قوس الألوان؟ ما سَبب حدوث قوس الألوان؟ لماذا الماء مُبلَّل؟ أين تذهب الشمس؟ ما هو الضوء؟… وهكذا.
إذن؛ علينا أنْ نُفكر في طبيعة المرحلة التي نكتُب لها؛ فكلُّ مرحلة لها خَصَائصها: الحركيَّة، والعقليَّة، والبدنيَّة، والنفسية. فنحنُ نتعامَل مع جسد مُعقَّد، وعلينا أن نفكِّر جيدا: ماذا سنُقدِّم له لنحسِّن وظائف مخِّه؟ وحتى يَحظَى الطفل بمهارات فائقة، يجب أنْ نُقدِّم له القصة ذات الهدف والمغزَى والقيمة، والتي تنمِّي الفضول لديه، وتدفعه للتعطُّش للمعرفة. وأذكُر هنا مقولة العالم ليوناردوا دافنشي عن أنَّ الفضول ساعد في تنمية عبقريته.
4,747 total views, 2 views today
Hits: 236