حوار “شرق غرب” الثقافية مع الدكتور مسعود فكري أستاذ اللغة الفارسية للناطقين بغيرها في جامعة طهران
الدكتور مسعود فكري أستاذ اللغة الفارسية للناطقين بغيرها في جامعة طهران، وهو يحمل درجة الدكتوراه فی الفلسفة والأدب، وحاصل على ماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة طهران.. له العديد من الكتابات، والدراسات، والبحوث العلمية، والمؤلفات؛ أبرزها: کتاب “شذی الحیاة”، وهو أول مجموعة تعليمية ممنهجة للتعرُّف علی العامیة العربیة، وكتاب “ندی الحیاة” وهو المعجم المرافق لمجموعة “صدی الحیاة”، والمحتوِي علی عشرة آلاف مفردة ومصطلح باللغتین العربیة والفارسیة، وکتاب “رحلة مع العربیة” وهو كتاب تعليم ذاتي للحُجَّاج والمعتمرین. وكتاب “رحلة مع الفارسية” في جزأين، الذي عُرِض مسلسلا على قناة “الكوثر” الإيرانية الناطقة باللغة العربية، إضافة لجهوده المتجسِّدة في ترجمة عشرات الكتب العلمية والجامعية من العربية وإليها.
وقد زار فكري السلطنة، مؤخرا، لتقديم دورة في تعليم اللغة الفارسية بالنادي الثقافي بالقرم، لمدة ثلاثة أيام، وقد استثمرنا فرصة الزيارة لإجراء هذا الحوار معه.
—————————————————-
أجرى الحوار :فايـزة بنت محمد البلوشيـة
—————————————————-
ما هي انطباعاتك عن زيارتك الثانية للسلطنة؟
زيارتي هذه تعتبر الثانية إلى السلطنة؛ حيث كانت الزيارة الأولى قبل خمس سنوات، وأعتقد أن السلطنة تتمتع بثلاث مميزات رئيسية؛ هي: الهدوء، واستتاب الأمن، والانفتاح الاجتماعي؛ حيث لا ترى نعرات قبلية أو مذهبية أو قومية، والانفتاح الثقافي على الثقافات الأخرى مثل الفارسية وغيرها، يدل على الانسجام والوئام الاجتماعي الموجود في عُمان. إنَّ المستوى الثقافي لدى الشعب العُماني يجعله يتبادل الاحترام المتبادل مع بقية شعوب العالم -ومنها الشعب الإيراني- وهذا يدل على أن الشعب العُماني يمتلك ثقافة عريقة، وهو شعب منفتح في التعامل مع الآخرين، وهذه هي الميزات الثلاث التي يتميز بها الشعب العُماني، ولمستها من خلال زيارتي الأولى والثانية إلى هذا البلد.
وما رأيكم في ضرورة التقارب الثقافي بين العرب وإيران في ظل التاريخ الثقافي المشترك بينهما، خاصة في الجانب اللغوي؟
إن اللغة هي جزء من الثقافة، والثقافة أهم ركيزة ورصيد للتقدم والتنمية المستدامة، ونحن نعتقد أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا بتوفير الركيزة الثقافية، وتعتبر الثقافة جزءا كبيرا من هذه الركيزة؛ لأن اللغة قضية تفاعل بين أقسام الثقافة أو بين الحضارات، وبما أن اللغتين العربية والفارسية تقفان في خانة واحدة من مجموعة الحضارة والثقافة الإسلامية لما تمتلكاه من دور كبير في تكوين التراث الإسلامي الزاخر، فإن اللغة تلعب دورا في توطيد وتمتين وترسيخ هذه العلاقة المشتركة بين الجانبين، لذلك فإنَّ على أصحاب الرأي والفكر والمثقفين والمفكرين من الطرفين أن يستخدموا هذه الآلية في ترسيخ هذه العلاقة الثقافية. ومن نافلة القول، أنني ومن خلال علاقتي بحركة الترجمة إلى اللغة العربية في إيران، أستطيع أن أؤكد أن الاهتمام باللغة العربية في هذا البلد يحظى برعاية رسمية وغير رسمية: تراثيا وعصريا، وليس في مجال التراث فقط، بل نأخذ باللغة العربية كآلة للتقارب مع العالم العربي، وبنفس الاتجاه تستطيع اللغة الفارسية أن تلعب نفس هذا الدور في مجال العلاقة بين العالم العربي وإيران.
يُلاحَظ وجود ضعف في حركة الترجمة بين اللغتين الفارسية والعربية، فما هو السبب في رأيك؟
بدايةً، أنا لا أوافق على هذا الرأي، فأنا كمترجم قمت حتى الآن بترجمة أربعين كتابا -سواء من العربية إلى الفارسية، أو العكس- وهذا يدل على وجود حركة في الترجمة، ولكنها للأسف ليست بالمستوى المطلوب، وأعتقد أنه ينبغي أن تحظى باهتمام أكثر. فنحن في إيران -مثلا- لدينا اهتمام بمعرفة آراء المفكرين العرب من خلال ترجمة أعمالهم إلى اللغة الفارسية. وأعتقد أن من أسباب عدم بلوغ حركة الترجمة الشكل المرضي هو وجود الأفكار غير الصحيحة التي راجت في الفترة الأخيرة؛ سواء في العالم العربي أو إيران، وتتمثل في الاعتقاد بأن التقارب الثقافي بين الجانبين يكون نتيجته نوع من السيطرة الثقافية لطرف على الآخر، وهذا غير صحيح بالطبع، لذا فلا بد من التركيز على دور العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي في دعم حركة الترجمة بين الجانبين العربي والإيراني، ونحن لدينا في إيران اجتماع شهري مع بعض المفكرين والمثقفين العرب، وفي كل اجتماع ندرس رأي أحد المفكرين؛ سواء كان إسلاميا، أو علمانيا، أو غير ذلك؛ حتى يتعرَّف الطالب الإيراني على الشخصيات الفكرية العربية؛ مثل: محمد أركون، أو محمد عابد الجابري، أو حسن حنفي، أو نصر حامد أبو زيد…وغيرهم، وهذا ما نسميه بـ”التلاقح الفكري”. لذا، وحسب رأيي، فنحن في إيران قمنا بالتعريف بالفكر العربي بدرجة كبيرة.
وهل تعتقد أن وجود خلافات سياسية بين بعض الدول العربية وإيران له تأثير سلبي على التعاون الثقافي بين إيران والعرب؟
مع الأسف الشديد، فإن القضايا الثقافية والاجتماعية وحتى التجارية تتأثر كثيراً بالخلافات السياسية؛ لذا لا بد من الفصل بين هذه الجوانب. إنَّ الجانب الثقافي يتعلق بالمجتمع، أما القضايا السياسية فتتعلق بأصحاب القرار والمسؤولين السياسيين، فنحن مثلا نستطيع أن نجلس ونتباحث ونتناقش في القضايا الثقافية والفكرية المختلفة دون أن نتأثر بالآراء السياسية، وحتى لو كان لها تأثير فيجب علينا أن نقلل من هذا التأثير، وبذلك سنحصل على نتائج أفضل.
يلاحظ وجود تأثير واضح للأدب العرفاني في إيران، فحتى الشخصيات السياسية والاجتماعية نجدهم يستشهدون كثيرا بأبيات لجلال الدين الرومي، وحافظ الشيرازي، وسعدي، وسنائي غزنوي…وغيرهم، فما سر هذا التأثير؟
لا شك أن البيئة السائدة لها دور كبير في وجود هذا التأثير؛ فالمجتمع يتأثر بمؤشرات وملامح بسبب وجود نوع من التطور الاجتماعي، بمعنى أنه لو تحققت ثورة شاملة في مكان ما -مثلاً- فلا بد أن يكون لها تأثير اجتماعي كبير يظهر ملامحه حتى في اللغة، فقبل الثورة سنة 1979 -مثلا- كان الإيرانيون يستخدمون في التخاطب عبارة السيد والسيدة، ولكن بعد الثورة يستخدمون عبارة الأخ والأخت، ولا يخفى أنهما مصطلحان دينيان؛ لذا نرى تأثير الأدب العرفاني في إيران حتى لدى السياسيين.
4,294 total views, 2 views today
Hits: 402