د. مريم بنت حميد الغافرية
باحثة وكاتبة في مجال الدراسات الأدبية والنقدية


ملحمة الإرادة عند الشعوب ومثلث كورونا الذي رأسه أولوية العافية ” البقاء” وأما ضلعاه فالكفاح لأجل الحياة والتعايش والتأقلم.

إن ملحمة إرادة الشعوب في مواصلة الكفاح من أجل الحياة هي الخط الأول في التعايش مع أزمة كورونا ولا أجد ملحمة طرقتْ عمقَ روح الشعوب كملحمة أبي القاسم الشابي التي أحيت رميمَ الإرادة ومَوَات الهِمم، هذه الملحمة التي تعَدُّ فوقَ الكلام وأما ما بعدها فكلامٌ على الكلام.

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ   الْحَيَـاةَ
فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ
تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ   تَشُقْـهُ   الْحَيَاةُ
مِنْ   صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر

إن جمال الحياة يكمن في مواجهة التحديات، وتخطي الصعاب التي ينبغي أن تخلق نسبة من الوعي لدى الشعوب، أفرادًا كانوا أم جماعات. وقد أضاءت ملحمة الإرادة لأبي القاسم الشابِّي نقاط التماس لأهمية قوة الطاقة الروحية لدى الشعوب لحب الحياة والكفاح من أجل البقاء، ومن تتلاشى طاقته الروحية وإرادته القوية يتبخر كما يتبخر الماء؛ فالحياة للأقوى إرادة والأكثر وعيًا وصلابة والأنقى سريرةً وسعيًا…

إن الكلام على الرهان هنا وحين نتكلم عن الرهان فلا مجال أن نطرق قاموس الهزيمة؛ فالهزيمة تقضي على رهان البقاء والكفاح في الحياة. الشعوب المكافحة تعظم إرادتها أمام الفيروس الشرس فالكلمة الأخيرة لقوة الوعي والإرادة؛ لتسجل انتصارها على الفيروس الذي غزا الكرة الأرضية من الوريد إلى الوريد.

إن رهان الإرادات المكافحة لا ريب منتصرٌ، وقد مرَّت الأرضُ برهانات كثيرة كانت الحياةُ فيها هي المحكِّ. وخرجت الأرض منصورة بإذن الله ثم رهانات الإرادة القوية على البقاء، وصاغت تلك الرهانات ملحمة تاريخية في سجلها الزمني، أما الآن فهي أمام رهان كبير وعدوٍّ عنيد يتحور ويتحول، يعيش وراء حُجُب النظر، لباسه الخفاء، لا يحب المُكَاشفة، لكن نراهن أن إرادات الشعوب القوية ستنتصر عليه (بإذن الله) وسيطهر الله الأرض ومن عليها من الوباء الشرس.

نراهن أن كوكبنا المُعنَّى
يصوغ الآن ملحمة الخلودِ
ثقي يا أمّنا أنَّ احتلالاً
غزاكِ من الوريدِ إلى الوريدِ
ستجلوهُ الحضارةُ ذات فجرٍ
ونحتضنُ (الجلاء) بألف (عيدِ)

بداية الرهان تنطلق من استجابة الشعوب للتدابير الاحترازية، القائمة على احترم التباعد الجسدي والأخذ بالأسباب المتعلقة بالوقاية؛ مما يساعد الدولة على تقليص منافذ العدوى والحد من انتشار المرض.

لقد تغير مفهوم التكافل الاجتماعي في ظل التعايش مع فيروس كورونا، أصبح من الضرورة أن تكفل لنفسك وأسرتك أسباب الوقاية وأن تأخذ بالاحتياطات والاحترازات الوقائية لتجنب الإصابة بالفيروس.

تصدر الرهان الأمني الأسري سلم أولويات التعايش المجتمعي مع الفيروس؛ فقد أصبحت الأسرة مسؤولة عن حماية نفسها، وكل فرد فيها على محك رهان المراقبة الذاتية.

إعادة فتح بعد الإغلاق: رهانٌ كبيرٌ يتطلب من الأفراد عدم الاستهتار بالإجراءات الاحترازية، وأن نضرب بعرض الحائط جميع التعليمات التي تلقيناها خلال الأشهر الماضية؛ بل ينبغي علينا أن نتخذ جميع التدابير الوقائية لمنع الفيروس من الوصول إلى بيوتنا.

رهان الوعي بالمسؤولية الفردية والمعول عليه كبير، علينا أن نعيَ تصرفاتنا وقراراتنا في ظل الأزمة والنتائج المترتبة عليها.

رهانُ العمل في بيئة آمنة، يتطلب من علم وعمل المزيد من الإجراءات الاحترازية لكيفية ممارسة العمل في بيئة آمنة لحمايتنا من الإصابة بالفيروس؛ فالتعايش مع الأمر بات واقعًا محتومًا، وأصبح ضرورة ملحة لاستعادة ما فقدناه من توقف الاقتصاد والأعمال، وأصبح من الضرورة بمكان أن نعيش حياتنا بطريقة مسؤولة ونحافظ على أسرنا، وهنا وجبت الإشارة إلى أن على كل أسرة أن تعلِّم أبناءها كيفية التعايش مع الواقع بمسؤولية بعيدًاً عن الاستهتار واتباع كل الوسائل الاحترازية.

هناك مقولة ترددها بعض الشعوب “غلطة الشاطر بألف” وغلطتك في نشر فيروس كورونا تتعدى أميال الألف لتصل إلى عشرات الآلاف؛ لذا ينبغي أن نتصرف بوعي.

إن تكرار ارتكاب الخطأ نفسه – كما يقول باولو كويلو- يصبحُ  قرارًا واختيارًا بعد ذلك.

التعايش مع الفايروس يحتم على المستهترين التفكير في تصرفاتهم وما يترتب عليها من إلحاق أذىً بأنفسهم والآخرين.

رهان الفرضية زمن كورونا يحتم علينا التعايش زمن كورونا ألا نفترض السلامة فيمن هم أمامنا، مهما كانت درجة قربهم منا ومكانتهم ومحبتهم في قلوبنا؛ فالجميع مصاب حتى يثبت العكس، ونحن مصابون حتى نُثبت العكس.

رهان السند للوطن نحن سند الوطن والدولة، كل واحدٍ منا مسؤول أن يبَّر بنفسه ووطنه والبر يقتضي الحماية والرعاية والتقيد بالتعليمات التي تصدر عن اللجنة العليا في التعامل مع تطورات الفيروس.

إن من الواجب التكاتف في ظل الظروف الاستثنائية وأن نجنب نفسنا ووطننا الغالي شر الوباء قدر المستطاع ولا سبيل إلى ذلك سوى الالتزام والوعي بالمرض وكيفية الاحتراز من الإصابة ولطف الله يحيط بنا، وعينُ الله ترعى عمان وسلطانها الحكيم وشعبها الوفي الكريم.

عمَّا قريبٍ نرى الأفراح غامرةً
ويرحلُ الحزنُ عنَّا وهو مخذولُ
وتنجلي الغمّةُ السوداء صاغرة
لا ريبَ فاليسرُ بعدَ العسرِ مأمولُ

ستمر الأزمة-بإذن الله- وستكون ذكرى رسمتها ريشة فنان، ونسجتها قصيدة شاعر، وطرق ملامحَها فكرُ أديب، وسيخلدها التاريخ في صفحاته كما خلد ذكر غيرها… سيترجل فيروس كورونا يوما عن صهوة جواده الشرس، وتنتصر إرادات الشعوب ويتعزز رأس المثلث –أ- الكفاح من أجل العافية والبقاء.

 2,929 total views,  5 views today

Hits: 211