إستراتيجية فهم المقروء باستخدام “SQ3R”.. سورة الكوثر أنموذجًا
د. مريم بنت حميد الغافرية – كاتبة وباحثة
يُعدُّ الفهمُ القرائيُّ من أهم المفاهيم التي ارتبطتْ بالنظر إلى طبيعة القراءة ومفهومها؛ لذا يعدُّ مطلبًا لغويًّا وتعليميًّا وتربويًّا.
إنَّ الهدفَ من القراءة هو الفهم؛ فقراءة بلا فهم لا تعدُّ قراءة بمفهومها الصحيح، كما يعدُّ الفهم القرائي هدفًا من الأهداف الأساسية التي يسعى المربُّون وعلماءُ اللغة والنفس إلى تحقيقِها دومًا لدى المتعلمين في كلِّ المراحل التعليمية. وتكمُن أهميَّته فيما يلي:
الفَهم القرائي ضَمَان للارتقاء بلغة المتعلِّم، وتزويده بأفكار ثرية، وإلمامه بمعلومات مُفيدة، وإكسابه مَهارات النقد بموضوعية، وتعويده إبداء الرأي، وإصدار الأحكام على المقروء بما يُؤيدها، ومساعدته على مُلاحظة الجديد؛ لمواجهة ما يُصادفه من مشكلات، وتزويده بما يعينه على الإبداع.
وهُناك عَلاقة وثيقة بين القراءة الجيدة والفهم القرائي، وحتى يتمَّ الفهم لابُد من اختيار إستراتيجية مُناسبة لفهم ما نَقرأ، والتي تكفل لنا الفهم الصحيح والعميق. هُناك العديد من الإستراتيجيات لفهم المقروء، إلا أنَّني سأخُّص في مقالي هذا، ونحن على مشارف معرض مسقط الدولي للكتاب، “إستراتيجية SQ3R”، وهي من الإستراتيجيات القائمة على القراءة الفعَّالة والتي تتميَّز بالتركيز الدقيق، والتفكير العميق في المادة المقروءة، وتسعى لتحقيق أهداف مُحدَّدة، وتنظم المعلومات اللغوية والاحتفاظ بها داخل العقل، وتيسير تذكُّرها عند الحاجة إليها.
وهي إحدى الإستراتيجيات التدريسية التي تنشِّط العمليات العقلية المتنوعة؛ سواء العُليا منها، أو الدُّنيا؛ مثل: التذكُّر، والفهم، والتحليل، والتركيب، والتقويم، كما تعملُ على توليد الأفكار وإنتاج عَلَاقات بين الأفكار والأشياء والظواهر، والربط بينها في صُوْرَة جديدة. تختصرُ خطوات إستراتيجية في حروف دلالية (SQ3R) وهذه الحروف تُمثِّل خمس خطوات متتالية؛ هي:
الخطوة الأولى تمثل الحرف S – Survey ويعني: تصفُّح أو استعرض، وتعني: استطلاع أو مسح أو تصفُّح المادة التي تنوي قراءتها؛ وذلك بالنظر إلى جميع العناوين الواردة في الكتاب، وقراءة الخلاصة الواردة في نهايته (إن وُجِدت)، وقراءة الفقرة الأولى والنظر إلى الكلمات البارزة، وهذه العملية التي لا تستغرق وقتًا طويلاً؛ بل تُهيِّئ القارئ نفسيًّا وعقليًّا للمادة، وتحوِّل قراءته إلى قراءة هادفة، وتجعله يتعرَّف مُسبقًا على الأفكار والموضوعات، ويكوِّن فكرة عامة عن طبيعة المادة التي سيقرؤها، وتجعل قراءته تسير من العام إلى الخاص، تماشيًا مع مبادئ التعلم النفسية. وحاولنا في هذه الخطوة أنْ يتعرَّف القارئ على النص الذي يقرؤه؛ من خلال: عنوانه، والأفكار الرئيسة لفقراته؛ بحيث يُجيب عن السؤالين:
1- عن أي شيء يتحدَّث النَّصُّ؟
2- عن أي شيء تتحدَّث الفقرة الأولى؟….. الثانية؟
الخطوة الثانية: الحرف Q – Question؛ ويعني: اسأل.
بعد تكوين فكرة عامَّة عن المادة المقروءة، ولكي تتحوَّل إلى هادفة، يضع القارئ أسئلة حول المادة؛ فيضع سؤالاً حول العنوان، وأسئلة حول العناوين الجانبية إن وُجِدت ، أو حول الأفكار التي دوَّنها؛ هذه الأسئلة تولِّد لدى القارئ حَافزًا للقراءة، وتُساعد فيما بعد على تذكر المقروء، وإبراز النِّقاط والأفكار المهمة في النص.
الخطوة الثالثة: (3R) وتعني:
1- R – READ: اِقرأ.
2- R – RESITE: سمِّع.
3- R – REVIEW: راجِع.
* وهذه المرحلة أثناء القراءة -مرحلة القراءة العميقة- تكون من خلال عمليات ثلاث؛ هي:
1- اقرأ (Read): بعد عملية التصفُّح ووضع الأسئلة، يبدأ القارئ بقراءة المادة بشكل مركَّز وعميق؛ بهدف الإجابة عن جميع الأسئلة التي أثارها ويرغب في الإجابة عنها، ويجب أن يتذكَّر القارئ الأسئلة حسب ترتيبها، وأن يقرأ المادة بالتدريج، ويتأكد أنَّ لديه الإجابة عن كل سؤال أثناء القراءة.
2- تسميع (Recite): بعد الفراغ من قراءة المادة المقرَّر قراءتها، يضع القارئ الكتاب جانبًا، ويحاول أن يستذكر ما قرأ، وأن يجيب عن كل سؤال طرحه على نفسه في الخطوة الثانية، ويُمكن استعمال كلمات القارئ الخاصة للإجابة بدلًا من الرجوع إلى كلمات الكتاب.
إنَّ عمليةَ الاستذكار هنا مُهمَّة جدًّا، وأهم من قراءة المادة مرَّة ثانية، بل تكاد تكون شرطًا مُسبقًا لقراءة المادة مرَّة ثانية؛ لأنَّ ذلك نشاط عقلي يُساعد على التذكر مدَّة أطول، ويُشكِّل أساسًا جيدًا لفهم الفقرات اللاحقة ويزوِّد بتغذية راجعة.
3- راجع (Review): النسيان أمرٌ طبيعيٌّ لدى القارئ، ويُمكن أن يحدث أحيانًا بعد ثوانٍ قليلة من القراءة؛ لذا وجب:
أولاً: العودة للإجابة في الكتاب لكل سؤال لم ينجح القارئ في استذكاره في الخطوة الأخيرة.
ثانيًا: مُرَاجعة المادة كليًّا وعلى الفور، وكذلك إجراء مراجعة لاحقة دورية للمقروء.
أهمية إستراتيجية SQ3R:
– النظام القرائي SQ3R يُحقِّق فاعلية في تنمية مهارات الفهم القرائي لدى القارئ والدارس.
– تنمِّي القدرة على التوقُّع، وإنتاج الأفكار، والتفكير المتشعِّب، خاصَّة في خطوات النظرة العامة للنص.
– تعتمد على التعلم من خلال التكرار المستمر للمعلومات في كلِّ خطوة من خطواتها؛ للتأكيد وترشيح المعلومات.
حاولتُ تطبيقَ هذه الإستراتيجية وفقًا لما يتناسب مع القارئ والدارس، واخترتُ سورة الكوثر أنموذجًا، ويستطيع القارئ تطبيقَ هذه الإستراتيجية على نُصُوصه القرائية، وعلى الكتب التي ينوي اختيارها، ونحن على مشارف معرض مسقط الدولي للكتاب.
قراءة سورة الكوثر باستخدام إستراتيجية SQ3R
أولاً: مرحلة ما قبل القراءة: الاستعراض والمسح
سورة الكوثر: “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر”.
S (المسح):
1- ثلاث آيات.
2- فاصلة الراء.
3- 10 كلمات.
Q (الأسئلة الأولية):
1- ما الكوثر؟
2- ما مُناسبة السورة؟
3- مَن الأبتر؟
4- مَاذا تعني كلمة “الشانئ”؟
ثانيًا: مرحلة القراءة (3R):
(R1): القراءة العميقة للسورة ومحاولة الإجابة عن الأسئلة بعُمق
– سورة الكوثر، سورة مكيَّة، تتكوَّن من ثلاث آيات، ومجموع كلماتها عشر كلمات، فاصلتها حرف الراء.
الكوثر: الخير الكثير، ومنه نهر بالجنة.
– مُناسبة سورة الكوثر (الحديث عن المناسبة).
– توضيح معاني وأفكار السورة الرئيسة والفرعية، ومقاصدها.
– أهم العبادات والربط بينها.
جاء التعبير بلفظ الربوبية دون غيره من الألفاظ، فما السر في ذلك؟
ما السر في تخصيص هاتين العبادتين في الذكر دون غيرهما من العبادات: الصلاة والنحر؟
* ما الفارق بين النحر والذبح؟
* ما العلاقة بين الشانئ والأبتر؟
* لماذا قال الله تعالى أعطيناك، ولم يقل آتيناك؟
(R2): التسميع والاسترجاعبعد الإجابة عن الأسئلة، عليك أن تحاول استذكار المادة المقروءة والمحلَّلة بطريقة صحيحة، والمكتوبة بطريقة مُرتَّبة ومنظَّمة.
(R3): ما بعد مرحلة القراءة
التسميع، وتساعدك على تثبيت معلوماتك؛ فحاول ربط كل معلومة برمز أو فكرة.
* الأفضل أن تضع في مرحلة ما بعد القراءة مجموعة من الاستنتاجات وحقائق تقصيتها، وأخبارًا وفوائد عرفتها.. مثلاً: يُمكنك كتابة مجموعة نقاط تعلمتها من السورة:
– البشارة حافز نفسي كبير: فعلى المسلم دوماً أن يتذكَّر البشائر والوعود القرآنية حتى يستطيع أن يواصل ويستمر.
– أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالشكر لله تعالى، وفي ذلك تعليم للأمَّة في خطاب شخصه صلى الله عليه وسلم؛ فنحن أولى بهذا الأمر والحضِّ عليه.
– السُّورة تعطي المؤمن قوَّة وهِمَّة لمواصلة طريق الكفاح.
– هذه السورة تُعلِّمنا أنَّ مقياس الذكر بعد المَمات ليس بكثرة الأولاد، وإنما بما للإنسان من أعمال صالحات وآثار طيبة، يرفعه الله تعالى بها.
- العطاء الجميل يُقابله عطاء أجمل ووفاء أزين.
تقصي حقيقة: ما علاقة سورة الكوثر بالسورة التي قبلها؟ (سورة الماعون)؟
5,530 total views, 2 views today
Hits: 570