كيف ضلّت الرواية العمانية سبيلها للعالمية ؟
اعداد:
دُعاء الوردي وسالم الرحبي
لا يخفى لأحدٍ أننا شهدنا كثافةً في الانتاج الروائي العماني في السنوات الأخيرة الفائتة بالرجوع لعدد الروايات التي خُطَّت مؤخرًا بأيدي روائيين عمانيين، إلا أنّ أيًّا من هذه الروايات –حتّى الآن- لم يُشهَد لها حضورًا على المستوى العالمي، وهذا كافٍ لجعلنا أكثر إلحاحًا عن ذي قبل لنتساءل ونبحث عن الأسباب.
————————————-
أحمد المعيني: لا يوجد اهتمام من قبل حركة الترجمة العالمية بالرواية العمانية، وهي بالكاد تعرف على المستوى الخليجي.
أيمن العويسي: روايات عمانية عديدة سيكون لها رواجٌ كبير في الثقافات الأخرى إذا ما تُرجمت .
منى السليمية: على الترجمة إلى اللغات الأخرى أن تنشط، فمن يدري أية مصادفة قد تجمع قارئا من أقاصي الأرض بنص عماني تغير خارطته التاريخية.
ثابت خميس: الرواية العمانية لا تفتقر لمعايير الرواية الجيدة، كل ما في الأمر أنها تفتقر لمن يتبناها سينمائياً.
أحمد الصباري: الرواية لا تأخذ نصيبًا في الانتاج التلفزيوني العماني وهذا شيء واضح ، ومستوى الانتاج التلفزيوني لم يصل لمستوى اخراج الرواية بعد.
حمد سالم: يمكن للرواية العمانية أن تتحول إلى فيلم بطريقتين؛ فإما أن يعجب بها مخرج أو منتج ويقرر إنتاجها، وإما أن يجتهد الكاتب بنفسه لإيصال روايته للمنتجين.
————————————-
تذكر الكاتبة والناقدة منى بنت حبراس السليمية في سياق حديثها لنا أن العالمية هي أن تكون مقروءا في معظم جغرافيات العالم، وإن لم تكن مقروءا فمعروفا لدى مجموعة من القراء في كل بلد، وحيثما حللت تجد شخصا أو اثنين قرأوا لك أو عرفوا باسمك. وتضيف: “ماركيز عالمي لأن الجهل باسمه جهل فاقع لا يُقبل من قارئ هذه هي العالمية كما أظنها، عندما يكون الجهل بك عيبا لا يُغتفر.”
وتقول السليمية أنه للولهة الأولى ظنّت أن الكشف عن الأسباب التي حالت دون وصول الرواية العمانية للعالمية أمر في غاية السهولة، ولكن الحقيقة التي تكشفت تاليًا على العكس من ذلك تماما. وتشير إلى أن سؤال العالمية سؤال زمني؛ بمعنى أن الزمن كفيل به، فقد تتحقق عالمية رواية ما في وقت ليس هذا أوانه ولا بعد عقد من الزمان، وفي تاريخ الأدب أمثلة كثيرة، وتردف أنه سؤال الكتابة بحد ذاتها، والانشغال بها، والاعتناء بتطويرها من الداخل.
وحتّى ننظر للأسباب من زاويتها الأكثر شموليةً استدعينا على طاولة الاستجواب أبرز الوسائل والسبل التي تختارها الرواية لتشقّ طريقها للعالمية، وهي الترجمة ودور النشر والسينما والدراما، وبحثنا في مدى جاهزيتها لدينا بالسلطنة لتحمل الرواية على مستوى عالمي من الانتشار.
الترجمة:
عبر مدار سنوات طويلة كان للرواية العالميّة المترجمة الفضل في إطلاع القارئ العماني على تفاصيل حياة شعوب كثيرة تعيش في بقاع متفرقة من العالم، إذ يقول المترجم أيمن العويسي في هذا الشأن لطالما رُبطت الترجمة بتعزيز التواصل بين مختلف الشعوب والثقافات؛ فبدونها لم نكن لنتعرف على الإنتاج الثقافي والأدبي لتلك الشعوب بمختلف لغاتها؛ وسيعُمُّ الصمت عالمنا ولم يكن للقارئ الذي يعيش في جبال عُمان أن يقرأ رواية “الجريمة والعقاب” لدوستويفسكي التي كُتبت باللغة الروسية، ولم يكن ليقرأ رواية “الرمز المفقود” لدان براون التي كتبها باللغة الإنجليزية؛ ولم يكن لكتابات جلال الدين الرومي الرومي لتعرج في سماوات مختلف اللغات.
ولذا فإنه لا يمكننا استبعاد الترجمة كأداة مهمة تعمد إليها الرواية في سبيل توسِعة شريحة قُرّائها، ويعدّ الكثيرون ترجمة رواية ما إلى لغة أخرى بمثابة دليل قاطع على وصولها للعالمية، فهل هذا صحيح؟
يردّ المترجم والباحث أحمد المعيني: لا، أبدًا؛ فالأمر لا يتعلق بصدور الترجمة بقدر ما يتعلق بقوة العمل نفسه التي تدفع إلى الترجمة، ويضيف أنّ الكاتب قد يسعى إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية، ثم لا يجد من يقرأها أصلًا، لأنّ الترجمة تصدر في دور نشر أو مراكز عربية لا يعرفها القارئ الأجنبي ولا تصل إصداراتها إليه، وهي غير معنية به أساسًا، ويوضِّح المعيني أن الوضع المثالي هو أن يُثبت العمل الروائي نفسه محليا وإقليميا فيُجبر الآخرين على الالتفات إليه ومن ثم ترجمته إلى لغاتهم. وتشاركه المترجمة عهود المخيني الرأي ذاته، إذ لا ترى أن ترجمة عمل أدبي ما، رواية أو قصة أو قصيدة، شارةً على عالميته أو كونيته بقدر ما أن الفعل نفسه تمهيدًا لعالمية العمل؛ فإن يقرأ العمل بأكثر من لغة لهو مسوِّغٌ لانتشاره إذا ما كنّا نتحدّث من زاوية ارتباط القرائية بإلحاق صفة العالمية على نحوٍ مطّرد.
وعن تقييم مستوى اهتمام حركة الترجمة العالمية بالرواية العمانية، وهل تثير هموم الرواية العمانية انتباه وجهة النظر العالمية لدرجة تخويلها لتكون مرشحًا مناسبًا للترجمة يقول المعيني: على حدّ علمي لا يوجد أي اهتمام على الإطلاق وهذا أمر غير مستغرب، ويُعلِّل ذلك بأن الرواية العمانية لم تصل بعد إلى المستوى العربي، وهي بالكاد تُعرف على المستوى الخليجي. وربما أصدمكِ بالقول أن الرواية العمانية ما تزال غير حاضرة بقوة في المستوى العماني أساسًا، إلا ما ندر، لذلك ينبغي علينا الحديث عن هذه المستويات أولًا قبل القفز إلى المستوى العالمي. ويضيف: ما زلنا في انتظار أعمال روائية ذات مستوى فني يُحدث نقلة في الرواية العمانية، وهناك بوادر مبشّرة، حين تبدأ الرواية العمانية في اثبات نفسها محليا وخليجيا وعربيا، سيبدأ الآخرون في الالتفات إليها. وعن مناسبة الرواية العمانية يؤكِّد أن الأدب عمومًا نفحة إنسانية تهمّ الجميع ما دام هذا الأدب قادرًا على هزّ وجدانهم، ولا يهمّ ما إذا كان كاتبه عُمانيًا أم أميركيًا أم سنغاليًا؛ فكثيرون كتبوا عن بلادهم وهمومها ثم وصلت رواياتهم إلى العالمية، ذلك أنّ صَنعة الكتابة هي التي تدفع بالعمل ليقرأه الناس في كل مكان، أمّا المخينية فتقول أنها ليست على اطِّلاع جيّد بالأعمال الروائية العمانية، ولكن على نحو عام، أكثر ما في الأدب يتشارك الهموم والرؤى، وترجمة الأعمال أمر اختياري تحكمه أسباب متفرقة مخوِّلة!
وتلفت السليمية النظر لمحور مهم في هذه القضية إذ تقول أن الترجمة إلى اللغات الأخرى تقودها إلى القول أن النصّ أحيانًا ينتقل من المحلية إلى العالمية بفعل المصادفة، مصادفة قارئ من ثقافة أخرى وسياق آخر، يضع نصا ما في مقامه الذي لم يضعه فيه سياقه الوطني، لذلك فإن الحديث عن عدم جدوى الترجمة الذي يثار أحيانا؛ تحت حجة عدم نضوج التجربة، ليس في محله تماما، وتوصي السليمية: على الترجمة إلى اللغات الأخرى أن تنشط، فمن يدري أية مصادفة قد تجمع قارئا من أقاصي الأرض بنص عماني تغير خارطته التاريخية، وتضيف أن الملحوظة أعلاه تقود إلى أخرى لا تقل أهمية، وقد باتت تغزو أسماعنا من بعض القراء بأنهم لا يقرأون الأدب العماني، وخاصة الرواية العمانية، بل قد يثير موضوع ترجمة الرواية العمانية إلى اللغات الأجنبية سخريتهم، لكونها لا ترقى لجهد الترجمة، بل قد يقهقهون من طموح أن تكون عالمية أو حتى مجرد التفكير فيه، بيد أن كونديرا (أيضا) يطمئننا بأن هذه قاعدة في كل أدب وطني/ قومي، وليس على الآراء المحبّطة أن تكون عائقا أمام خطط الترجمة إلى اللغات الأخرى.
وتستأنف حديثها: من الملحوظتين أعلاه، لا ينبغي أن يُفهم أنّ الرواية العمانية رواية عالمية ضمنيا ولا ينقصها غير الظروف التي لم تخدمها، لا، ليس هذا ما ينبغي أن يفهم، فليست القضية قضية ترجمة وتنتهي المشكلة، أو مجرد مصادفة لم تتحقق بقارئ نوعي من ثقافة أخرى يفهم ما لم نفهمه في أدبنا المحلي، مع أنها قد تكون كذلك فعلا! ولكن الزمن الذي قطعته الرواية العمانية منذ نشأتها وحتى الآن لا يسمح بعد لأن يجعلنا مطمئنين إلى أنها شكلت هوية محددة وطابعا خاصا، وعندما نسأل عن الهوية التي ينبغي أن تكون عليها رواية في بلد ما، فأقول هو طابع التجربة ذاتها، وهذا مفقود عندنا، لأن الانقطاع سمة بارزة في التجارب الروائية العمانية، فليس هناك خط واضح تستطيع به قراءة تطور تجربة كاتب ما، باستثناء ثلاثة أسماء أو أربعة تستطيع أن ترصد خط التصاعد في تجاربها، بينما هناك تجارب شكلت بداياتها علامات فارقة في مسيرة تطور الرواية العمانية، ولكنها لا تتيح للمتتبع أفقا لمعاينة وعي الاستمرار ، وهذا أيضا مرهون بالزمن. بدرية الشحي – على سبيل المثال – استغرقت عقدا كاملا من الزمان ما بين روايتها الأولى وروايتها الثانية، رغم أن هذه ليست مشكلة بحد ذاتها، ولكن لا يمكن عد الثانية حلقة في سلسلة متصلة من تجربتها. لا يعني ذلك بالضرورة أن على الكاتب أن ينجز عددا كبيرا من الروايات حتى يتضح خط الوعي، فسالنجر لم يكتب إلا “الحارس في الحقل الشوفان” ولكنه وصل بها إلى العالمية؛ ليس على كل كاتب أن يكتب بنفسه تاريخا للرواية في عمان، ولكن الأمر متصل بطبيعة الحال بتاريخ الرواية القصير عموما في بلدنا، الذي تشكل كل تجربة فيه صفحة في منجزه.
ويشير العويسي إلى أنه هنالك العديد من الروايات العمانية التي سيكون لها رواجٌ كبير في الثقافات الأخرى إذا ما تُرجمت ونُقلت لهم مثل رواية الدكتورة بدرية الشحية “الطواف حيث الجمر” ورواية “الباغ” لبشرى خلفان، ويُشجِّع المتخصصين في الترجمة الأدبية أن يشرعوا في ترجمة مثل هذه الروايات إلى اللغات المختلفة وأهمها الإنجليزية؛ كما يتمنى من المؤسسات المعنية بالثقافة أن تتحرك لتبني مشاريع وطنية لترجمة الأدب العماني والتعاون مع دور نشر عالمية لنشرها في مختلف أرجاء العالم؛ فمهما كانت الجهود الفردية فإنها لن تحل محلَّ الجهود المؤسسية التي تتسم بالديمومة والثبات، ومن الضرورة بمكان أن تضم هذه المشاريع مراجعين لغويين من أبناء تلك اللغات لضمان سلامة اللغة وملاءمتها للسياق الثقافي.
دور النشر:
المُتمعِّن في هذا الشأن لا يعلِّق كل أمر الوصول بالرواية العمانية إلى العالمية على الترجمة فحسب، بل ينسحب الأمر كذلك على عوامل أخرى كدور النشر، وهي كما يعرف الجميع عددها قليل جدًا في عمان، بالإضافة إلى وجود عوز ملحوظ في أدوارها التسويقية، وهذا يدفعنا للتساؤل حول ما إذا كان هذا سيؤثر على وصول الرواية العمانية للعالمية..
يجيبنا علي داوود أحد مؤسسي متجر أراجيح الإلكتروني للكتب ويقول أن قلة دور النشر العمانية قد تكون أحد مسببات عدم وصول الرواية العمانية للعالمية، ولكنه لا يبدو سببًا رئيسيًا، بل على العكس هذا الأمر بحد ذاته يدفع للبحث عن أسباب أخرى لعدم رواج الرواية العمانية عالميا، يعني الروائي العُماني، وفي ظل ندرة دور نشر محلية، ينشر روايته عبر دور نشر عربية كبيرة ومعروفة بخبرة طويلة وانتشار واسع، ويقول عن دور النشر العربية أنها ما زالت بدائية في أساليب ترويجها، ومن دون حسابات نشطة وتفاعلية في وسائل التواصل الاجتماعي ، وبالتالي جزء من المسؤولية يقع على دور النشر، ولكن في هذا العصر التقني على الكاتب أن يتحمل قدرا منها أيضا. والكاتب العماني على ما يبدو مقصر من هذه الناحية، فهو غريب على كثير من فئات المجتمع وخاصة طلاب الجامعات والكليات، ويعيش في محيط مغلق وسط نفس الأفراد، وفي عالم تحكمه وسائل التواصل والترويج التقليدية.
”أن الأمر لا علاقة له بدور النشر؛ فالروائيون الخليجيون البارزون أغلبهم ينشرون رواياتهم في دور نشر خارج بلادهم، وهذا ما فعله الروائيون العمانيون أيضًا، إذْ نشروا رواياتهم في الدور الخارجية نفسها في لبنان ومصر والأردن وغيرها، لكنها لم تجد النصيب نفسه من النجاح، وثمة عوامل أخرى ينبغي النظر فيها، ويضيف: في الأصل تقع مسؤولية التسويق على دار النشر؛ إذْ يُفترض أنّ الدار التي تتبنّى طباعة كتابٍ ما تكون مقتنعة به وتسعى إلى ترويجه، غير أنّ كثيرًا من دور النشر لا تكون بالضرورة مقتنعة بالعمل وإنما تطبعه إذا دفع المؤلف كلفة الطباعة، ولذلك لا ترى دار النشر في نفسها دافعًا لترويج الكتاب” هذا ما أجابنا به المعيني بصفته أحد مؤسسي مكتبة روازن، وأضاف: من ناحية أخرى، ومع بروز ظاهرة التواصل الاجتماعي، بدأ نمط جديد يتشكّل لا سيما عند المؤلفين الشباب؛ فهم الذين يعملون الآن على تسويق أنفسهم وبالتالي كتبهم، ولذلك نجد مؤلفين شباب لهم متابعون كثيرون جدًا، فما إن يصدروا كتابًا حتى يتهافت القراء عليه.
السينما والدراما:
في ظل ثورة الصورة التي يشهدها العالم المعاصر؛ تمثل السينما والدراما أداة رئيسية في الوصول بالأعمال الروائية إلى فضاء العالمية، ومن الأسئلة الملحة التي تشغل المتابع للحركة الروائية في عُمان أسباب غياب الرواية العمانية عن الأعمال الدرامية وعن دور السينما، تلك الأسباب التي يعزيها حمد سالم سيناريست وصانع أفلام إلى ثلاثة عوامل رئيسية، وهي أولاً، لغة الرواية و أسلوب القص، حيث يرى أن الرواية العمانية -غالبا- ما تكون شاعرية ومليئة بالأحاسيس، نغوص فيها في حوارات داخلية و صراعات نفسية جميلة و مؤثرة، ولكن ترجمتها للغة بصرية يشكل تحدياً، مشيراً إلى أن الكتَّاب العمانيين يعشقون المجازات والغموض في كتاباتهم، و ليس سهلا أن تجعل مشاهد الفيلم يشعر بنفس إحساس قارئ النص، أما العامل الثاني حسب رأيه فهو التسويق للرواية، فالرواية العمانية لا يمكن أن تتحول إلى فيلم إلا في حالتين، فالأولى هي أن يعجب منتج أو مخرج بالرواية و يقرر إنتاجها، والثانية أن يجتهد الكاتب بنفسه لإيصال روايته للمنتجين.
ويضيف: مؤخرًا أعلنت “إيمج نيشن” عن مشروع إنتاج فيلم “حوجن”، من اخراج ماجد الانصاري وسيتم الاعلان عن التفاصيل لاحقا. وعلى الرغم من نجاح رواية حوجن لإبراهيم عباس إلا أنها لم تحصل على اهتمام المنتجين إلا بجهوده الشخصية – وفق اطلاعي الشخصي – ، فقد قام إبراهيم بكتابة سيناريو الفيلم بنفسه و بحث عن المنتجين و قام بالتفاوض معهم و استغرق ذلك عدة سنوات إلى أن أعلن الخبر، أما العامل الثالث فيردّ إلى عدم وجود منتجين في عمان سوى في الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون، وأغلب المنتجين هم خارج حدود الوطن، لذلك يتحتم على الكاتب والمخرج العماني أن يجد طريقه إليهم.
وترى الكاتبة أمل السعيدي أن أسباب غياب الرواية العمانية عن الأعمال الدرامية وعن دور السينما عائدة إلى طبيعة صناعة الإنتاج الدرامي في عمان، فمازالت الشركات التي تعمل في هذا القطاع محدودة الإمكانيات ولا يمكنها تحمل نفقات إنتاج أعمال أدبية، عوضا عن عقلية المنتج الذي لا يبدو أنه مطلع على الأعمال الروائية. وكما تشير السعيدية إلى الأهمية التي قد يمثلها الفن لدى شريحة كبيرة من المجتمع، قائلةً: هنالك عموماً مسافة كبيرة في العقل الجمعي لدينا حول ما قد يعنيه الفن، فهو بالنسبة لكثيرين لا يتجاوز الترفيه، ولا علاقة مباشرة بينه وبين الأدب الرواية والشعر، ولا يمكن بالطبع أن نلوم الرواية وعمرها قصير في بلادنا، لكن الوصول إلى تحقيق صناعة درامية معتمدة على الأدب تتطلب تغييرا شاملاً في منظومة التفكير لدينا وفي من يعملون على صناعة الفن ومؤهلاتهم المعرفية التي ستقودهم إلى تحقيق ذلك. تؤكِّد السعيدية أن الإمكانيات المادية قد تكون سبباً في ذلك، وربما قد يكون من المبكر أن نسأل سؤالاً كهذا!
في حين يرى ثابت خميس وهو أحد المهتمين بالسينما أن السبب الأساسي يعود لعدم وجود حراك فنيّ يتجاوب مع توجهات الأفراد المهتمين بالسينما، فالمجتمع بحاجة لقطاع يرصد الحراك السينمائي تاريخياً، يستقطب الأفلام وصنَّاعها، ويدعم مشاريع الانتاج السينمائي و بالتالي يصدرها عالمياً عن طريق المهرجانات السينمائية والانتشار و التوزيع بالتعاون مع شركات الانتاج. كما يؤكد على غياب التخصصات الأكاديمية المعنية بالسينما كسبب محوري لهذه الفجوة، حيث يقول: لا يوجد تخصص أكاديمي واضح لدراسة السينما، أقرب ما نملك هو تخصصات متعلقة بالإذاعة و التلفزيون، كما أن السينما كما يعرفها الفرد العادي هي شكل من أشكال الترفيه لا الفن، و قد يكون هذا صحيحاً ولكنه يجعل منها سلعة كلما توفرت فيها خصائص فنية أقل وخصائص استهلاكية أكثر أصبحت مرغوبة لأنها لا تعيش طويلاً في ذاكرة المشاهد فهي تمهد للمنتج التالي فالاستهلاك التجاري عكس الخلود الفني و لأن دور السينما غارقة بأفلام التشويق والحركة والكوميديا البيضاء التي لا تترك مساحة للتأمل والتفكير؛ نجد أن قطاع السينما تم اختزاله في مفاهيم ضيقة حد من انطلاقه نحو سماوات رحبة من الابداع و الانتشار.
لا بد أن هناك مواصفات معينة تجعل الرواية قابلة لتكون عملاً سينمائيًا، فهل يمكن القول أن الرواية العمانية تفتقر نسبيًا إلى هذه المواصفات؟
تجيب أمل السعيدي: هنالك وجهات نظر مختلفة حول تحويل العمل الأدبي إلى فيلم أو عمل درامي، تاركوفسكي يقول مثلا أن ثمة صفات معينة في العمل الأدبي تدفعه لكي يكون فيلماً جيداً يفتح أفقاً جديداً لمعنى العمل لا أن يقوم بتكريسه حرفياً، لكنني أعتقد أن هذا يعتمد على “السيناريست” الذي يحول مفردات الرواية إلى أفعال يمكن أن تصبح مادة تمثيلية. وأعتقد ان الرواية العمانية حسب اطلاعي عليها تعتمد فعلياً على الأحداث والتغييرات المتصاعدة داخل العمل لذلك هي أسهل بالنسبة لي لتحويلها لعمل درامي، فيما الكتابة التي تعتمد على الوصف والتحليل تحتاج لكاتب سيناريو أكثر مهارة قادر على عملية التحويل هذه.
ويجيب ثابت خميس على هذا التساؤل، مؤكداً على التباين بين الرواية والسينما، وأن الرواية تمتلك أدواتها التعبيرية الخاصة، إذ يقول لا يمكن القول أن عملاً روائياً كتب ليتم تحويله لفيلم سينمائي، فالرواية فن منفصل تماماً عن السينما، ثمة أشياء وحدها الرواية تستطيع قولها وما يثبت هذا الفشل الذريع لكثير من الأعمال المقتبسة من روايات رائعة، و هذا لا يعني فشلها كلها، على العكس تماماً، ثمة الكثير من التجارب المذهلة و لكنها بالتأكيد مرت بمرحلة تحويل النص الروائي إلى نص سينمائي له خصوصية جديدة.
عندما نودي بظهور سينما المؤلف لم تكن دعوة للقطيعة مع النص الروائي بل لإعادة خلقة و هي عملية يشارك فيها مخرج العمل بشكل أساسي. ويضيف: ” لا أظن أن الرواية العمانية تفتقر لمعايير الرواية الجيدة، كل ما في الأمر أنها تفتقر لمن يتبناها سينمائياً.”
يمكننا من خلال هذه الإجابات أن نستشف الركود الذي تشهده الساحة العمانية ثقافياً و”تراجع التجارب الشخصية عموماً ووجودنا في فضاء عام خامل، وحالة ثقافية معطوبة، وسقف حرية لا يستطيع فيه الشخص أن ينظر في فردانيته ويصنعها وفقاً لاختياراته” على حد تعبير السعيدية، حيث ينعكس كل ذلك على ركيزتين مهمتين في الحقل الثقافي وهما الرواية والسينما، وذلك لأن ضعف الإنتاج الأدبي أو الفني أو المستوى الرديء في هذا الجانب مرتبطان بالضرورة بالفضاء العام الذي ينشأ فيه الفنان وفقاً لوصفها. بينما يرى ثابت خميس أنه لا يكفي أن تنتظر الأفلام العمانية طفرة إبداعية من الروايات المحلية حتى تنطلق، بل يجب على المهتمين بصناعة السينما في عمان تجريد صنعتهم و خوض تجارب جديدة و البحث عن الالهام لا انتظاره وحين يأتي العمل الروائي المناسب سيعملان بانسجام.
وللاقتراب أكثر من المشهد علينا أن نسلط الضوء على ما يواجهه قسم الدراما في التلفزيون العماني حيث يرى صانع المحتوى البصري أحمد الصباري أن القسم يعاني من ضعف محتوى المنتج، وبشكل عام ليست المشكلة مشكلة نصوص أو رواية. إذاً أين تكمن المشكلة؟ يجيب الصباري أنه يوجد ضعف في السيناريو لعدم اختيار النصوص المناسبة، فيما تقف النصوص المختارة أمام مشكلة عدم تماسك البناء والمحتوى، هذا إلى جانب غياب الاحترافية في التمثيل لعدم توفّر الكوادر المؤهّلة والمدربة لذلك، وهذا على خلاف بعض الدول العربية كمصر والكويت التي تمتلك معاهد للفنون وهي المسؤولة عن تخرييج الكوادر المحترفة في التمثيل. ويشير الصباري إلى أن الخروج بمحتوىً قوي يتطلّب وجود خبرات بفكر حديث وبميزانيات تؤهِّل لإخراج أعمال قوية، كما ذكر في سياق حديثه أن الرواية لا تأخذ نصيبًا في الانتاج التلفزيوني العماني وهذا شيء واضح وذلك للأسباب التي سبق وذُكرت، هذا بالإضافة إلى أن مستوى الانتاج التلفزيوني لم يصل لمستوى اخراج الرواية بعد، وأما عن وجود الرواية في صالات السينما العالمية فإننا متأخرون بشكل عام عربيا وليس فقط هنا في سلطنة عمان.
6,636 total views, 2 views today
Hits: 889