كلمة اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم احتفالاً باليوم العالمي للفلسفة
يونس بن جميل النعماني
رئيس قسم الثقافة باللجنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة والأخوات الكِرام.. سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ وبركات…،
يُسعدني أن أرحِّب بكم أجملَ ترحيب، ويسرني أن أنقل لكم تحيات معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية الموقرة وزيرة التربية والتعليم رئيسة اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، وتحيات الأستاذ مُحمد بن سليّم اليعقوبي أمين اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم؛ بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة نوفمبر/2017، كما نتوجه بالشكر الجزيل إلى المنظمين لهذا الملتقى العلمي الرائع، ومثله إلى المحاضرين مقدمي الأوراق العلمية، وإليكم أعزاءنا الحضور.. وبعد،،،
يُقال إن “الدهشة” هي جذور الفلسفة، والواقع أن الفلسفة تنبع من ميل البشر الطبيعي إلى أن يذهلوا أنفسهم والعالم الذي يعيشون فيه. هذا المجال، الذي يرى نفسه شكلًا من أشكال “الحكمة”، يُعلمنا التفكير في التفكير نفسه، يعلمنا السؤال باستمرار عن الحقائق الراسخة، عن التحقق من الفرضيات وإيجاد الاستنتاجات، وأن الفلسفة هي حالة من الوعي، أو كما قال سقراط: “كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئاً”.
وعلى مدى قرون، وفي كل ثقافة، ولَّدت الفلسفة المفاهيم والأفكار والتحليلات، ومن خلالها وُضِع الأساس للفكر النقدي الإبداعي والمستقل، وقد تساءل البرفسور جاد حاتم، وهو أستاذ الفلسفة بجامعة القديس يوسف ببيروت، عمَّا إذا كان المسار الفلسفي يهدف للكونية وإلى الطابع الكوني؛ حيث لا يوجد نص نقدي يمكن فعلاً أن يُقدَّم، بما في ذلك كل ما صدر عن الإثنيات الكبرى والثقافات والحضارات.
وقد بعثت السيدة أودري أزولاي المديرة العامة الجديدة لليونسكو برسالة بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة 2017، ومن أهم ما قالته: “.. وما زالت الفلسفة تمثل إلى اليوم حصناً ضد ضيق الآراء، ووسيلةً لتنمية الحس النقدي إزاء الإغراق بالمعلومات التي نشهدها، وإزاء الخطابات المضيِّقة، التي تسعى لإثارة البغضاء بين الثقافات. وثمة حاجة ماسة للفلسفة؛ فهي لا تقدم أجوبةً، بل تتيح طرح الأسئلة المناسبة، وهي تدعونا إلى “تجاوز حدود حساسيتنا ورؤيتنا الفكرية لبلوغ حرية أوسع أفقاً”، على حد قول الشاعر رابندراناث طاغور” .
وتُعرّف اليونسكو الفلسفة بأنها: “دراسة طبيعة الواقع والوجود، ومعرفة السلوك السوي من السلوك الخاطئ، ومفردة فلسفة مصدرها في الإغريقية من كلمة “فيلو سوفيا”، وتعني “حب الحكمة”؛ وهي بالتالي واحدة من أهم مجالات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة”.
لماذا اليوم العالمي للفلسفة؟
لقد اختارتْ منظمة الأمم المتحدة للتربيةِ والعلمِ والثقافةِ (اليونسكو)، يوم الثالث من شهر نوفمبر من كل عام، ذكرى للاحتفال باليوم العالمي للفلسفة؛ وذلك لتسليط الضوء على أهمية التفكير الفلسفي، وتشجيع الناس في جميع أنحاء العالم على تبادل تراثهم الفلسفي مع بعضهم البعض، كما يقول المفكر الفرنسي باسكال: “ليس الإنسان سوى قصبة، لكنه قصبة تفكر…. وبذلك فإن كرامتنا، نحن البشر، تكمن كلها في التفكير”.
وتُعد مبادرة اليونسكو دليلاً على أهمية الفلسفة وتجددها، كما تدل على أن تساؤلات الإنسان حول القضايا والإشكالات لا تنتهي، وهذا تأكيدٌ على أن الفلسفة حياة مستمرة ما دام الإنسان حيًّا بفكره الذي يخترق شتى المجالات. كما أن الفلسفة توفِّر الأسس المفاهيمية للمبادئ والقيم التي يعتمد عليها السلام العالمي: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعدالة، والمساواة. وتساعد على تعزيز هذه الأسس الأصِيلَة للتعايش السلمي. وتقود اليونسكو اليوم العالمي للفلسفة، لكنها لا تملكها. إنها تنتمي إلى الجميع، في كل مكان، تنتمي للذي يهتم بها. ومن خلال هذا اليوم، تؤكد اليونسكو على القيم الثابتة للفلسفة لتطوير الفكر الإنساني.
كما تسعى من الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة إلى تحقيق جملة من الأهداف والغايات؛ من بينها:
- تجديد الالتزام الوطني ودون الإقليمي والإقليمي والعالمي بدعم الفلسفة.
- تشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة والتحديات المطروحة اليوم على البشرية.
- توعية الرأي العام بأهمية الفلسفة، وأهمية استخدام النقد لدى معالجة الخيارات التي تطرحها آثار العولمة أو دخول عصر الحداثة على العديد من المجتمعات.
- الوقوف على حالة تعليم الفلسفة في العالم، مع التركيز بوجه خاص على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بهذا التعليم.
- التأكيد على أهمية تعميم تعليم الفلسفة في صفوف الأجيال المقبلة.
وهناك العديد من الاجتماعات التي أقيمت على مستوى عالٍ في مختلف أنحاء العالم من أجل الترويج لتعليم الفلسفة على كافة المستويات، كما شُكّلت لجنة صياغة من أجل جمع كل ذلك، ووضع كل التفسيرات النقدية اللازمة، وأخيراً تم التوصل لطبع كتاب “دليل الفلسفة”، ونشره باللغات الثلاث: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، وترجمة هذا العمل إلى لغات أخرى. ويحتوي الكتاب على ستة مواضيع؛ هي:
1- الإنسان والكون.
2- المنهجية العلمية والسعي للمعرفة.
3- كيفية التعايش وأشكال التعايش.
4- العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة، ومسألة المساواة بينهما.
5- البيئة والطبيعة.
6- الفن والإبداع.
وأخيرا.. فإن اليونسكو تدعو جميع شركائها من الحكومات الوطنية ومؤسساتها العامة، بما في ذلك اللجان الوطنية لليونسكو والمنظمات غير الحكومية والجمعيات والجامعات ذات الصلة، والمعاهد، والمدارس، والقائمين على كراسي اليونسكو، والمدارس والنوادي المرتبطة بها، لتنظيم أنواع مختلفة من الأنشطة؛ مثل: الحوارات الفلسفية، والمناقشات، والمؤتمرات، وورش العمل، والمناسبات الثقافية، والعروض حول الموضوع العام لليوم، ومشاركة الفلاسفة والعلماء من جميع فروع العلوم الطبيعية والاجتماعية، والمعلمين، والطلاب، والصحفيين…وغيرهم من ممثلي وسائط الإعلام الجماهيري، وعامَّة الجمهور؛ للمشاركة في هذا اليوم للمناقشات وفقا للقناعات؛ لأن هدفنا مشترك وهو إعادة التأكيد على القيمة الحقيقية للفلسفة، أي إقامة حوار يجب ألا يتوقف أبدا عندما يتعلق الأمر بالمسائل الأساسية، والفكر الذي يعيد لنا جزءًا كبيرًا من كرامة الإنسان مهما كانت حالتنا” (جميع المعلومات مأخوذة من موقع اليونسكو).
وفي الختام، تجدِّد اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم لكم الشكر والتقدير على الاحتفال بهذا اليوم، متمنين لهذه الندوة التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…،
2,826 total views, 5 views today
Hits: 52