كنوز معرفيَّة وماديَّة في معرض “نزوى.. تاريخ وحضارة”
محمد بن سليمان الحضرمي
◄ مخطوطات ومسكوكات نادرة تكشف جانبًا من التراث الثقافي العُماني
◄ أقدم نسخة من كتاب الأنساب تعود إلى العام 970هـ.. ومنظومة في التصوف وساعة مائية نادرة
◄ طوابع قديمة وعملات وصور ضوئية قديمة لمدينة نزوى تذكر بالفارق بين الأمس واليوم
—————————————————————————
كَشَفَ معرضُ “نزوى.. تاريخ وحضارة”، خلال الفترة من 8-13 يونيو الماضي، عن الكثير من الكنوز التاريخية والثقافية لمدينة نزوى؛ باعتبارها مدينة مُوغلة في القدم.. كنوز احتفظ بها الناس ضمن موروثاتهم ومقتنياتهم، تضمَّنت مخطوطات ووثائق، وتحفا ومسكوكات وصناعات تقليدية. وتتعدَّد هذه الموروثات بتعدد اهتمامات الناس.
أُقيم المعرضُ في جامعة نزوى لمدَّة أسبوع، بتنظيم من نادي نزوى، وافتتح تحت رعاية معالي الشيخ سعود بن سليمان بن حمير النبهاني مستشار الدولة، وحضور المكرَّم الدكتور أحمد بن خلفان الرَّواحي رئيس الجامعة، والمكرَّم عبدالله بن خصيب الحضرمي رئيس النادي، وعدد من مديري الدوائر الحكومية بمحافظة الداخلية، والهيئة الأكاديمية والطلاب بالجامعة، وشاركتْ فيه مؤسسات رسمية، ومجموعة من المهتمين بجمع الموروثات والتحف والمخطوطات والمسكوكات والصور القديمة.
11 ركناً للكنوز الثقافيَّة
وحَوْل هذا المعرض، أكَّد الدكتور موسى بن محمد السليماني رئيس اللجنة المنظمة، أنَّ المشاركين بذلوا جهدهم ووقتهم في جمعهم التحف والكنوز الثقافية؛ لتتواءم مع المشاركة الرسمية من قبل بعض المؤسسات الثقافية المهتمة بهذا الجانب، وهي في مجموعها أحد عشر ركنا؛ من بينها: مشاركة “هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية” التي عرضتْ 52 وثيقة، يعود بعضها إلى العام 1701م، وتتضمَّن: مراسلات لسلاطين عُمان وزنجبار، ومراسلات صحفية، ومراسلات عن شخصيات عُمانية لها دور سياسي واجتماعي واتفاقيات مع دول عربية وأجنبية، وصور مخطوطات فقهية واجتماعية، وقصائد قديمة للشاعر العُماني أبي مسلم البهلاني (ت-1920م)، وصور لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- في جولاته منذ توليه مقاليد الحكم، إلى جانب طوابع قديمة هندية وبريطانية، وعملات مستخدمة قديما في السلطنة.
وثمَّة رُكن خاص بجامعة السلطان قابوس، عَرَض: رسائل ماجستير ودكتوراه عن مدينة نزوى، صادرة عن مركز الدراسات العُمانية.. كما شاركت جامعة نزوى -ممثلة في مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي- ببعض الكتب والمطبوعات الحديثة، وعرض نماذج من المخطوطات التي تضمها الجامعة بنزوى.
ومن بَيْن أركان المعرض ثمَّة ركن خاص بالتركة الثقافية للشيخ الأديب منصور بن ناصر الفارسي (ت-1976م)، وهو مؤلف وأديب عاش حياته في نزوى؛ فقد عرض ابنه ناصر بن منصور 15 مخطوطة؛ تتضمَّن بعضًا من مؤلفات الأديب غير المطبوع، وأجزاء متفرقة من مؤلفات فقهية عُمانية.
وشارك الباحث خلفان بن سالم البوسعيدي بعرض مجموعة من الوثائق والرسائل الخاصة بالإمامين محمد بن عبدالله الخليلي (ت-1945م)، وسالم بن راشد الخروصي (ت-1920م)، ووثائق أخرى تعود إلى فترة دولة اليعاربة ومكاتبات وعهود ووصايا ومخطوطات تعود لأكثر من 400 سنة.
كما عرضتْ مكتبة الشيخ سالم بن خلفان السيباني (ت-1384هـ) مخطوطات قديمة تعود إلى أربعة عقود ماضية؛ من بينها: مخطوطة للمصحف الشريف، نُسخت في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي سنة 1111هـ، ونسخة نادرة من كتاب الأنساب لسلمة بن مسلم العوتبي الصحاري نُسخت في 970هـ، وهي أقدم نسخة من كتاب الأنساب، وسوف يأتي الحديث عنها تفصيلا.
صور قديمة ومسكوكات إسلاميَّة
وضمَّ المعرض ركنا خاصًّا بالصور الضوئية القديمة، عرضها هلال بن منصور الصباحي؛ حيث قدَّم صورا تاريخية كثيرة لولاية نزوى، التقطت في أواخر الخمسينات، ومجموعة من الصور عن بعض ولايات محافظة الداخلية، كما شارك “بيت القرش” لصاحبه جمال بن محمد الكندي في هذا المعرض، وقدَّم نماذج وفيرة من المسكوكات الإسلامية والنقود العُمانية القديمة، وتاريخ البريد بعُمان، والأسلحة التقليدية القديمة المستخدمة بعُمان والجزيرة العربية.
وشاركتْ مؤسسة أبو عماد الطيواني بمجموعة من التحف والفضيات، وتعرَّف زوار المعرض على ركن “بيت الترميم” لخالد بن سليمان الخروصي، والذي يسعى لحماية الإرث المتمثل في المخطوطات، وأساليب ترميمها والأدوات المستخدمة في ترميم وتجليد المخطوطات.
وحَوْل هذه التجربة، أكَّد محمد بن سليمان السيباني أنَّ مشاركة مكتبة جدة في هذا المعرض، عرَّفته ببعض المهتمين بعلم المخطوطات؛ فهناك من جاء يسأله عن اسم ناسخ المصحف الشريف الذي يحتفظ به، وعمره الآن 319 سنة، ثم جاءت مجموعة أخرى تبحث عن كتاب الأنساب، وهي أقدم مخطوطة إلى الآن، وهي أفضل من النسخة التي تحتفظ بها جامعة درم بإنجلترا؛ لأنها سليمة وخالية من العيوب.
وأكد السيباني -المشرف على مكتبة جدة- أنَّ لإدارة المكتبة النية لتكوين مكتبة إلكترونية، وبثها من خلال موقع إلكتروني.. وأشاد بدور وزارة التراث والثقافة، حيث قامت بتعقيم المخطوطات.
أمَّا جمال بن محمد الكندي صاحب “بيت قرش”، فقد تميَّز بعرض الكثير من المسكوكات الإسلامية؛ حيث تعتبر أقوى من الوثائق الجلدية والورقية والحجرية، ومن بين الكتب النادرة التي عرضها الكندي: مخطوطة “التائية النورانية”، للمؤلف العُماني راشد بن سيف بن سالم اللمكي الرستاقي (ت-1914م).
ويرى د.عمر لقمان من جامعة نزوى، أنَّ المعرض كان فرصة سانحة للتعرف على مخطوطات جديدة من قبل العارضين. وبهذه المناسبة، فهو يدعو إلى إطلاق المخطوطات من خزائنها، ولا تزال 400 مخطوطة مغلق عليها في الأرشيف الوطني بزنجبار.
وتحدَّث على بن ناصر البوسعيدي عضو المجلس البلدي بولاية نزوى، عن مشروع جمع رسائل الماجستير والدكتوراه والمؤلفات الخاصة بمدينة نزوى؛ حيث سيتم قريبا تدشين منتدى نزوى الأدبي؛ وذلك بهدف جمع المؤلفات الخاصة بنزوى، وعرضها في ركن خاص بها في نادي نزوى، ثم يتم نقلها بعد ذلك إلى مكتبة منتدى نزوى الأدبي.
وتحدَّث ناصر بن منصور الفارسي بأنَّ الكنوز الثقافية لمدينة نزوى لا تفنى.. مؤكدا ضرورة التواصل مع الأجيال الناشئة، وعرض مثل هذه الكنوز الثقافية عليهم، التي قد توحي لهم بأعمال بحثية جديدة.
أندر مخطوطة لكتاب الأنساب
ومن بَيْن ما قدَّمه معرض “نزوى.. تاريخ وحضارة”: مخطوطة ورقية نادرة للجزء الأول من كتاب “الأنساب”، لمؤلفه سلمة بن مسلم العُوتبي الصُّحاري العُماني (ق-5هـ)، تحتفظ بها مكتبة سالم بن خلفان السيباني، ضمن مجموعة كبيرة من المخطوطات العُمانية والعربية النادرة.. المخطوطة تحمل اسم “نسخة السيباني النزوي”، وقد خطت بقلم الناسخ محمد بن عبدالله بن سعيد بن أحمد، نسخها لأبي مالك غسان بن مالك، أكمل كتابتها يوم السبت بتاريخ 7 ذي الحجة سنة 970هـ، ويحتوي على 360 صفحة، بعرض 20 سم، وطول 27 سم، وعمر المخطوط 466 سنة هجرية.
وتعدُّ هذه النسخة أقدم من نسخة جونسون بـ119 سنة، التي تحتفظ بها جامعة درم بإنجلترا؛ حيث نُسخت تلك عام 1089هـ. ويتضمَّن المخطوط مادة محتواها شيء من ذكر مبتدأ الخلق والملائكة وسكان الأرض وعمرها قبل أن يخلق الله آدم -عليه السلام- وشيء من ذكر إبليس الجن وقصة آدم ونوح وذريتهم، وأقوام الأنبياء من بعدهم، ثم ذكر الشعوب والقبائل العدنانية والقحطانية؛ لذا يعرف الكتاب باسم بـ”تاريخ العوتبِي”. وركَّز حديثه على قبائل عُمان لانتمائه إليها، مُراعيا في كل ذلك الإيجاز والاختصـار دون الاستقصاء، يتخلله ذكر أخبار وأشعار وفوائد متعلقة باشتقاق أسماء القبائل ورجالهم.
وينتمي المؤلف إلى قرية “عوتب” بفتح العين وسكون الواو وفتح التاء؛ وهي من قرى مدينة صحار، وعوتب كانت تسمى في القديم “عوتب الخيام”، وكانت وفاته مع بداية القرن 6هـ، تقريبا، أي ما بين 511-512هـ.
وطُبع كتاب الأنساب عدَّة طبعات، صدرتْ عن وزارة التراث والثقافة؛ من بينها الطبعات الثلاث الأولى، صدرت بتحقيق محمد علي الصليبي سنة 1981م و1994م، ثم طبعت الوزارة الطبعة الرابعة في سنة 2006 بتحقيق الدكتور محمد إحسان النص عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، ويمتاز بفهارسه التفصيلية التي تُعِيْن الباحث على الوصول إلى مراده من الكتاب.
قصيدة التائية النورانية
ومن بَيْن المخطوطات النادرة التي عرضها “بيت قرش”: مخطوطة بعنوان “التائية النورانية”، لمؤلفها راشد بن سيف بن سالم اللمكي الرستاقي، والمعروف أنَّ هذا المؤلف ينحو منحى السلوك والتصوف، وله الكثير من القصائد والأعمال الشعرية في هذا الجانب. أما قصيدة التائية النورانية، فكانت مفقودة، ولا توجد منها سوى هذه النسخة التي حصل عليها جمال الكندي من أحد الجامعين للمخطوطات، وعرضها في معرض “نزوى.. تاريخ وحضارة”.
يقول في مطلعها:
((سلوكي بعلم الدين شرع المحبة…
ونيل الرضا يحظى بأقوم شرعة
فشرعة إسلامي عقود شهادتي…
بتوحيدي القدوس عن كل شرعة
عقود لتجديد العهود مواثق…
بحكم بلى بالعهدة الأولية
وإذعاننا إقرارنا بشهادة…
الرسالة للهادي بنور الشريعة)).
وتنتهي القصيدة الطويلة بهذه الأبيات:
((فيا ناهل الأحباب كاسات حبه…
لدى القرى أنهلني بكأس رويِّة
أدرها دهاقا شرب صرفِ وعلها…
عليَّ فذاك الراح روحي وبهجتي
ويا مالكي أمن سبيل مسالكي…
بتحقيق جذب في وصالي وقربتي
فهذا مقام الحق قم فيه واستقم…
وقل أنت ربي أنت حسبي وعدتي)).
ومن خلال هذا المعرض وجه المنظمون نداء إلى ضرورة الحفاظ على الكنوز المعرفية والمادية، بإخراجها في ثوبها العلمي القشيب، الذي يليق بها؛ لتكون بين أيدي الباحثين والمهتمين من الساعين والطامحين، ودعوا إلى إيجاد معرض دائم، أو متحف يلم كل هذا الشتات المتناثر من الإرث الحضاري لمدينة نزوى.
12,738 total views, 2 views today
Hits: 6544