كورونا والبيئة والمناخ
الدكتور/ حمد الغيلاني
خبير بيئي
منذ اكثر من مائة وخمسون عام، بدأ العالم يقيس التغيرات البيئية والمناخية بإنتظام، درجات الحرارة، ارتفاع منسوب مستوى البحار، ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي، وغيرها من العوامل البيئية الاخرى المرتبطة، مثل سرعة واتجاة التيارات البحرية والملوحة وسرعة واتجاة الرياح ونسبة ثاني اكسيد الكربون، وفي منتصف القرن الماضي، بدأت صور الاقمار الصناعية تشير بشكل اكثر وضوحا، على مدى تأثر هذه التغيرات البيئية واتجاهاتها، كما أن مقارنة تلك البيانات المنتظمة مع صور الاقمار الصناعية لفترات طويلة، أمكننا التعرف على مدى التغيرات التي حدثت في البيئة خلال المائة والخمسون عاما الماضية، وعلاقة تلك العوامل المختلفة ببعضها البعض، وعلاقتها بأنشطة الانسان، ومنها استخدام الوقود، والمصانع، والتلوث البحري من انشطة السفن، ومدى جودة المياه وغيرها، كما ان كل ذلك تم ربطة بالظواهر البيئية والمناخية التي زادت وتيرتها في السنوات الاخيرة، ومنها على سبيل المثال، ظاهرة نقص اكسجين البحار والمحيطات والمد الاحمر وكثرة العواصف والأعاصير وكثرة الحرائق، وكل ذلك يؤثر بشكل أو بأخر على منطقة الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي، وإن كان مركز ذلك التأثير بعيدا، فذوبان الثلوج في القطب الشمالي، ونتيجة للتيارات البحرية، يصل تأثيره الى الشواطئ العمانية.
وأهم المؤشرات لتحليل تلك البيانات، ارتفاع في درجات الحرارة لسطح البحر والهواء بنسب قد تصل الى 4 درجات مئوية، ذوبان نصف الثلوج في القطب الشمالي، زيادة الاعاصير والانواء المناخية، بواقع قد يصل الى اربعة اعاصير في العام، بينما كانت تمر عشرات السنين سابقا دون اعاصير، زيادة في ظاهرة المد الاحمر ونفوق الثروات البحرية، انخفاض نسبة الاكسجين في البحار، زيادة هائلة في استهلال البلاستيك، يصل الى 400 مليون طن سنويا حول العالم، نفوق اكثر من مليون كائن بحري سنويا في البحار بسبب البلاستيك، منها مائة الف كائن بحري من الثديات.
ومن ضمن الانشطة المؤثرة على منطقة الخليج العربي والبحار القريبة مثل بحر البعرب والمحيط الهندي، زيادة ظاهرة المد الاحمر، زيادة الاعاصير والانواء المناخية، انخفاض نسبة الاكسجين في بحر عمان والمحيط الهندي، انقراض انواع من الكائنات او انخفاض اعدادها بشكل كبير، ومن هذه التأثيرات ايضا التلوث البحري الكبير الناجم من دخول ما يقارب مئتين الف سفينة بحرية، تجارية او ناقلة نفط، وما تحويه هذه السفن من تلوث ومياه توازن تفرغ داخل الخليج او قبل الدخول اليه، علما أن مياه الخليج العربي هي مياه ضحله في العموم ومتوسط عمق البحار داخل الخليج العربي ثلاثون مترا تقريبا.
ومن خلال ربط مقاييس التغيرات البيئية مثل درجات الحرارة ومستوى منسوب البحار وذوبان الثلوج والظواهر البيئية والمناخية، وجد انها ذات علاقة مباشرة بأرتفاع ثاني اكسيد الكربون في الهواء، والنشاطات البشرية المتزايدة، من حركة للطائرات والسفن والسيارات، وانشطة المصانع، والتلوث في التربة والمياه والهواء.
وخلال الفترة السابقة، ونعني هنا ظهور فيروس كورونا، لاحظنا محدودية نشاط الانسان، وقلة حركته، فمعظم المصانع توقفت، وحركة الطائرات والسفن والسيارات، اصبحت محدودة جداً وبداً الانسان يتجه للعمل من المنزل، مما ساهم في تقليل التلوث بشتى انواعه، وقلل من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون، وبدأت الهواء والكائنات والانسان والأرض في التعافي التدريجي من الملوثات، مما يعطي مؤشر هام، وهو قدرة الانسان وامكانياته، في تطوير أسلوبه ونمط حياته، بما يتوافق مع البيئة ومكوناتها.
ورغم قسوة الفيروس وتأثيراته الصحية الكبيرة، الا انه من جانب اخر، كان له تأثير ايجابي على البيئة والانسان، فنحن في أمس الحاجة الان لاراحة البيئة والكائنات الاخرى، من سطوة الانسان ولا مبالاته، وتأثيراته المدمرة على الارض والحياه، ونحن نتمنى أن يكون ذلك درساً مؤثرا، وباعثاً للتفكير الملي، نحو تغيير السلوك البشري تجاه البيئة، للعمل على تقليل الانبعاثات الملوثة مثل ثاني أكسيد الكربون، وتطوير وسائل التعامل مع الملوثات، مثل مياه التوازن لسفن نقل النفط والغاز، بتوفير منصات معالجة هذه المياه، وحفظ ما تبقى من كائنات وغابات، وزيادة الوعي البيئي، ومن الممكن استغلال هذا الفيروس، في مراجعة السياسات البيئية ووسائل التعامل معها، واستخدام الطاقة الصديقة للبيئة، وزيادة الغطاء النباتي من خلال حملات التشجير وغيرها الكثير من الوسائل الممكن من خلالها إنقاذ الكوكب، وإعادة الحياه له، بصورة افضل، اكثر صفاء ونقاء وحياه.
3,474 total views, 5 views today
Hits: 234