أنيسة الهوتي


الساعة الثالثة فجراً، و العائلة غير موجودة بالبيت! كعادتهم الدائمة في كل إجازة إسبوع  يذهبون لزيارة أهاليهم في “البلد”، وأغلب الجيران يعلمون بذلك! فهو وضع متكرر مُذ سكنوا بيتهم الكبير هذا قبل 3 سنوات وبضعة اشهر.
ولكن سيف لم يُشارك عائلته في الزيارة الأسبوعية الحالية! وشاهدته إبنة الجيران زينب -التي يصيبها أرقٌ مرَضي في فترة إمتحانات الجامعة لكلية العلوم السياسية- وهو يُدخِل سيارته المرسيدس إلى الحوش ثم يدخل إلى البيت بدون أن يشغل الأضواء وكان يلبس “اليونيفورم”!
و تذكرت زينب بأن أخوها من الأم طالب قبل يومين كان يتحدث إلى والده حيدر بقسوة ويلومه على أن إبن جيران أمه وصديقه في الرحلات قد حصل على وظيفة في المطار وهو لا يمتلك سوى شهادة الثانوية العامة، بينما هو خريج بكالوريوس وتقدم لنفس الوظيفة إلا أنه لم ينجح فيها رغم تواجد أبيه في شجرة عائلة موظفي المطار المتميزين!
فقالت زينب في نفسها: على ما يبدوا أن سيف آتٍ من دوام الليل، ومن تعبه لم يشعل الأضواء وذهب لينام.
أما سيف فقد دخل إلى مجلس الرجال وتمدد على الكرسي مقررا بأنه سيرتاح لدقائق فقط، ثم سيذهب إلى غرفته ويأخذ “دش” سريع إستعداداً للنوم!
وبينما هو متمدد على الكرسي مابين النوم والصحيان، فجأة سمع صوت ضجيج خافت في صالة المنزل، ففتح عينيه وكأن الشمس أشرقت عليه، وقام ببطء ومشى على أطراف أصابع قدميه إلى الباب، وضع أذنه على فتحة المفتاح في مقبض الباب محاولاً سماع شيءٍ من الضجيج حتى يفهم الحاصل وراء الباب؟
لم يستطع سيف سماع المتحدثين بوضوح فإن الحديث بينهم كان وكأنه “وشوشة” ، ولكنه إستطاع أن يستنتج بأن عددهم أكثر من إثنان؟ ففتح الباب ببطء شديد وإسترقَ النظر إلى الصالة فوجد بأن هناك خمسة أشخاصٍ ملثمين يحركون الأثاث والتحف الثمينة والإلكترونيات مجمعين إياها أمام باب المدخل!
سيف وهو يتحدث إلى نفسه: ( يا إلهي، لُصوصٌ في بيتنا، وينوون سرقة أغراضنا الثمينة! ماذا أفعل الآن؟ فإنهم خمسة وأنا واحد؟ كيف لي أن أصدهم وأهزمهم؟ سيقتلونني حتماً إن وقعت في يدهم فإنهم مجرمون بلا أدنى شك؟!)
وبينما هو يكلم نفسه، إسترق النظر إليهم مرة أخرى فوجد إثنان منهم يستخدمان ضوء الهاتف النقال لتوضيح الرؤية لزملائهم في تحركاتهم! فأتت بباله فكرة سريعة فُجائية.
وقال في نفسه: (لماذا لا أستخدم الهاتف النقال!؟)
فأخرج هاتفه النقال وبدأ يكتب رسالة إلى زوج أخته الذي يعمل ضابطاً في الشرطة، ولكن إنطفأ الهاتف بينما هو يكتب! فوقف سيف متسمراً مكانه لا يعلم ماذا يفعل! وفجأة شعر بهبة نسيم باردة خفيفة على ظهره فاقشعر بدنه من الخوف، والتفت بسرعة إلى الوراء فرأى إحدى النوافذ العريضة مفتوحة لربما لم يغلقوها جيداً، فأتت بباله فكرة أخرى.
توجه سيف إلى النافذة وقص الشبك بمقص وجده في إحدى أدراج الحمام بعد بحثٍ دام دقائق فقط، وبعد أن أكمل مهمة قص الشبك خرج من النافذة إلى حديقة المنزل ولكنه وجد أحد الأشخاص الخمسة يفتح باب الحوش و شاحنة نقل أثاث بيضاء تدخل ببطء، فتحرك سيف بسرعة إلى جانب البيت حتى لا يراه احد، ووقف يشهق انفاسه ويكاد عقله يتوقف عن التفكير “ماذا سيفعل؟”
وبينما هو يقف في تلك الحالة سقطت عليه حبة عنب حمراء، فزع من الأمر ونظر يمينه ثم يساره بسرعة ولكنه لم يرى أحداً وفجأة سقطت عليه حبة أخرى! فرفع نظره إلى فوق رأى شخصاً من بيت الجيران يؤشر له أن يتحرك إلى المنتصف، فتحرك بسرعة ووجد سلماً صغيراً خشبياً عند باب المخزن، فإستخدمه للصعود إلى سطح المخزن، ثم إلى سطح بيت الجيران الذي كان طابقاً ونصف عكس بيتهم الذي هو ثلاثة طوابق.
وعندما وصل إلى سطح بيت الجيران أخبر زينبَ بأنه يريد المساعدة من والدها مصطفى وإخوتها ففي بيتهم خمسة أشخاصٍ يسرقون أغراضهم!
زينب شعرت بالخوف من إخوتها وأبيها ورفضت ذلك معللة بأنهم سيقرأون الواقعة من منظور آخر، خاصة بأنه الآن متواجد على سطح بيتهم معها!
فأخبرته بأنها ستساعده أن يخرج من البيت من باب المطبخ ثم يدخل إلى الحوش ويدق الباب ويصحيهم!
فوافق سيف، ونزلا بخفة من الدرج إلى المطبخ وخرج من باب المطبخ وذهب مباشرة إلى باب المدخل وبدأ يدق الباب وايضا زينب من طرفها ذهبت إلى غرفة والدتها وطرقت الباب عليه وأخبرته بأن هناك شخصاً في الحوش يدق الباب، فقام زوج أمها وذهب ليفتح الباب
وفي الساعة الواحدة ظهراً في مركز الشرطة بعد أخذ الاقوال وإنهاء الإجراءات القانونية الأولية، أبو زينب مصطفى  وهو يشعر بالأسى على صديقه وجاره المقرب الشايب جمعة الذي كان أحد أبنائه واحداً من الخمسة الذين تم إلقاء القبض عليهم متلبسين في جريمة السرقة إياها.
الشايب جمعة ودموعه تتساقط على لحيته: ( إبني منير صبيٌ ذكي منذ طفولته، و هو أحب أبنائي إلى قلبي والأكثر بِراً بي وبأمه، هذا المتشبه به في ذلك القفص ليس إبني!؟ فهذه ليست تربيتي التي ربيته عليها! أريد إبني يا أخي مصطفى، أريد إبني عضيدي وسندي، أريد منير الذي أعرفه فأين سأجده؟)
وفي صباح اليوم التالي، أقيم عزاءٌ في البيت القديم الصغير الذي يقع على زاوية مدخل الحارة الشمالية لوفاة الشايب جمعة إثر جلطة وهو نائم.
• نهاية الجزء الأول

 5,083 total views,  2 views today

Hits: 123