محلات بيع التبغ، والأبواب الخلفية
بدرية البدري
(التدخين سبب رئيسي للسرطان وأمراض القلب والرئة والشرايين)
بهذا التحذير تستقبلنا علب السجائر في المحلات الكبيرة، وبه يكبر السؤال في أدمغتنا المتساءلة عن مدى صحته في حين يروّج لتلك السجائر رجل مفتول العضلات، يفيض بالرجولة، تكاد ثقته بنفسه تنفلت إلى مشاهديه، وهو ينفث دخان سجائره على ظهر خيله تارة، أو يروّض ثوراً هائجاً تارة أخرى؛ فمن نصدق؟
في الحقيقة نحن لم نكن بحاجة لأن نصدق التحذير ولا الإعلان؛ فالسجائر كانت بعيدة عن متناول أيدينا.
نعم بعيدة. لا تستغربوا؛ فأنا أتحدث عن زمن بعيد، ليس تماماً، ولكنه بعيد بما يكفي لأن يموت ديفيد ميلر، وهو أحد ممثلي إعلانات مارلبورو الأوائل على التلفزيون، بانتفاخ الرئة عام ١٩٨٧م. ليتبعه واين ماكلارين في بداية التسعينات، ويموت بسرطان الرئة، وكذلك ديفيد ماكلارين، وريتشارد هامر، كما عانى إيريك لاوسون طويلا من إنسداد الرئة قبل أن يموت.
لا شيء أصدق من الواقع، والتحذير على علب السجائر لم يكن كذبة، ولم يفقد هيبته، ولكن أرواح أبنائنا وصحتهم فقدت أهميتها لدى مانحي التراخيص لمحلات بيع التبغ وأدوات التدخين التي بدأت تنتشر في الحواري أكثر مما تنتشر محلات بيع المواد الغذائية، وبحجم أكبر وأشد إغواءً، بحجة أنها أراضٍ تجارية، وإن استمر الباعة يسرّبون الموت لأبنائنا من الأبواب الخلفية، لوجود قانون (خجول) يمنعهم من المجاهرة بالبيع لمن هم دون الثامنة عشرة.
التحذير لم يكن كاذباُ، والموت خطف مروجو السجائر، خطفهم بقسوة كما خطفوا هم أرواح الكثير من البشر دون رحمة من أجل حفنةٍ من المال، لكن محلات بيع أدوات ومواد التدخين تزداد، وأمراض الرئة والسرطان تنتشر بمباركة التراخيص التي لا تُفرّق بين محلٍ في مركزٍ تجاري، وأرضٍ تجارية في حي سكني ملئ بالأسر والأطفال والمراهقين، والذين غالبا يكونون هم الفئة المستهدفة لهذه المحلات، لأن الكبار سيحصلون على مبتغاهم من أي مكان مهما كان بعيدا.
إن تكاثر هذه المحلات يدعو للريبة، والتساؤل حول سر وجودها وتزايدها بهذا الشكل المُلفت، رغم معرفة الكل لآثارها على صحة شباب الوطن، وهم بُناته وحُماته اليوم وغداً، وأكاد أرى في الأمر يدا خفية تهدف إلى القضاء على الشباب، وبالتالي القضاء على الفئة المُنتجة والعاملة في الوطن، وكأن حربا خفية تُشن عليه، ولا يكاد ينتبه لها أحد.
الكل صامت، ولكن الحواري تصرخ بعد أن اختنقت بدخان السجائر المنبعث من أفواه المراهقين، في السكك الضيقة بين البيوت؛ فهل سيأتي اليوم الذي تُمنع فيه مثل هذه التراخيص، ونعود لا نرى الدخان وأدواته إلا في المحلات الكبيرة، أم أن هذه المحلات ستكبر وتتطور لتصبح باراتٍ ومراقص، والحجة ذاتها (الأرض التجارية)، والأيادي ذاتها التي تمتدُّ لأبنائنا اليوم بالدخان والموت، ستمتد غداً بقناني الخمر من الأبواب الخلفية ذاتها؟!
3,570 total views, 5 views today
Hits: 427