مصادر التشريع ورسم السياسات في السياسة الخارجية العمانية
مُحمد بن سعيد الفطيسي
عندما نتحدث عن مصادر توجيه السياسة الخارجية لبلد ما فنحن حينها نقصد تلك المنابع والمراجع الاساسية والأصيلة التي يتم من خلالها وبناء عليها رسم وتشكيل وتوجيه سياسات الدول في الشأن السياسي الخارجي والعلاقات الدولية والدبلوماسية من جهة والاحتكام إليها من الناحية الدستورية والقانونية والوطنية السياسية والامنية في أي نزاع او خلاف او قرار او توجه يتعلق بنفس الموضوع من جهة اخرى.
عليه يمكن القول بان مصادر صناعة وتوجيه ورسم السياسة الخارجية العمانية هي: تلك المصادر التي تحمل وتحتوي على المبادئ والقيم والتقاليد والموجهات السياسية والدبلوماسية وكذلك المتعلقة بالأمن القومي والتي تعمل وتسير بناء عليها السياسة الخارجية لسلطنة عمان منذ العام 1970م وحتى يومنا هذا. تلك المصادر هي: -
– النظام الأساسي للدولة ١٩٩٦/١٠١م
– الفكر السياسي لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد- حفظه الله-
– قانون تنظيم وزارة الخارجية رقم ٢٠٠٨/٣٢م
أولا: النظام الأساسي للدولة م ١٩٩٦/١٠١ :-
يعد النظام الأساسي لسلطنة عمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٩٦/١٠١م أعلى أشكال التشريعات العمانية باعتباره دستور البلد وكما هو حال اغلب الدساتير في مختلف دول العالم التي) تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتنظم السلطات العامة من حيث تكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها بعضها ببعض وبالإفراد او المواطنين، ويقرر حقوق الإنسان وحرياته ويضع الضمانات الأساسية لحماية هذه الحقوق وتلك الحريات وكفالة استعمالها وعدم التعدي عليها (١) ( فإن النظام الأساسي لسلطنة عمان تضمن في بابه الأول التعريف بشكل الدولة وطبيعتها السياسية ونظام الحكم فيها.
كما تضمن الفصل الثاني منه المبادئ الموجهة لسياسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية. وفي بابه الثالث تضمن الحقوق والواجبات العامة. وفي الباب الرابع تطرق إلى رئيس الدولة ومجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء والمجالس المتخصصة في الدولة، أما في الباب الخامس منه فقد تطرق إلى مجلس عمان بشقيه الدولة والشورى. أما الباب السادس فقد تضمن شؤون القضاء في الدولة وأخيرا الباب السابع الذي دار حول بعض الأحكام العامة.
وبالرجوع إلى موضوع السياسة الخارجية والعلاقات الدولية لسلطنة عمان فقد تطرق إليها النظام الأساسي للدولة رقم ٩٦/١٠١م في: -
١- الباب الثاني، المبادئ الموجهة لسياسة الدولة، المادة ١٠ - المبادئ السياسية، والتي نصت على توثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة بما يؤدي إلى إشاعة السلام والأمن بين الدول والشعوب.
٢- الباب الرابع، رئيس الدولة، المادة ٤٢ - مهام السلطان، والتي نصت على المحافظة على استقلال البلاد ووحدة أراضيها وحماية أمنها الداخلي والخارجي وتمثيل الدولة في الداخل وتجاه الدول الأخرى في جميع العلاقات الدولية وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتعيين الممثلين السياسيين لدى الدول الأخرى والمنظمات الدولية وإعفاءهم من مناصبهم وفقا للحدود والأوضاع التي يقررها القانون، وقبول اعتماد ممثلي الدول والمنظمات الدولية لديه.
على ضوء ذلك يمكن التأكيد على ان النظام الأساسي لسلطنة عمان حصر الجوانب الدستورية التي تطرق إليها حول ما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية في النقاط والجوانب التالية: –
أ: المبادئ الموجهة لسياسات الدولة في الشؤون الخارجية. وهي: –
١- توثيق عرى التعاون وتأكيد أواصر الصداقة مع جميع الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة
٢- عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
٣- مراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة بما يؤدي إلى إشاعة السلام والأمن بين الدول والشعوب.
ب: مهام السلطان فيما يتعلق بالسياسة والعلاقات الدولية والشؤون الخارجية للدولة هي: –
١- المحافظة على استقلال البلاد ووحدة أراضيها وحماية أمنها الداخلي والخارجي.
٢- تمثيل الدولة في الداخل وتجاه الدول الأخرى في جميع العلاقات الدولية.
٣- توقيع المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
٤- تعيين الممثلين السياسيين لدى الدول الأخرى والمنظمات الدولية وإعفاءهم من مناصبهم وفقا للحدود والأوضاع التي يقررها القانون.
٥- قبول اعتماد ممثلي الدول والمنظمات الدولية لديه.
على ضوء ذلك يمكن التأكيد على ان النظام الأساسي للدولة تضمن العديد من المبادئ والقيم والتقاليد السياسية والدبلوماسية وكذلك المتعلقة بالأمن القومي. ما يلزم جميع الجهات والافراد في الدولة ضرورة الالتزام التام بتلك الموجهات والتقاليد السياسية والدبلوماسية وعدم مخالفة ما جاء فيه من مبادئ متعلقة بالسياسة الخارجية العمانية وان تضع تلك الجهات والافراد ذوي الشأن في اصدار وتوجيه القرار السياسي الخارجي ما جاء بالنظام الاساسي للدولة في جانب تلك النصوص الدستورية نصب اعينهم قبل اصدار تلك القرارات، او القيام بتفسيرها من تلقاء انفسهم ومراعاة الدقة في ذلك حتى لا تقع تلك الجهات او الافراد في مخالفة دستورية صريحة، يمكن ان تؤخذ عليهم في الداخل الوطني والخارج الدولي.
ثانيا: الفكر السياسي لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد- حفظه الله- :-
يعتبر الفكر السياسي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم المصدر الأول والأساسي والمرجع الرئيسي للأسس والقواعد والمبادئ الموجهة للسياسة الخارجية لسلطنة عمان. باعتباره القائد المؤسس للدولة العمانية الحديثة التي قامت قواعدها في 23 يوليو من العام 1970م. ويقصد بالفكر السياسي للسلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- مجموعة الأيديولوجيات والفلسفات الذاتية والمكونات الفكرية الشخصية سواء المكتوبة منها او تلك التي تصدر بتوجيهات مباشرة منه بشكل مستمر ودائم (فتوجيه السياسة الخارجية العمانية نابع وبشكل دقيق من رؤية السلطان للعالم ولأحداثه، فهو الذي يقرر هذا الاتجاه، نظرا لامتلاكه كل العناصر من معلومات وثقافة…. والتي تسمح له باتخاذ القرارات اللازمة في السياسة الخارجية) (٢).
ويجمع الباحثون على ان رئيس الدولة في بلدان العالم الثالث يحتل مركز الصدارة في صناعة القرار(٣) من خلال امتلاكه لمصادر القوة، الشيء الذي يضفي على شخصيته الطابع الكاريزمي ويجعل عملية صنع السياسة الخارجية متوقفة بشكل مطلق على العقائد الذاتية والمكونات الشخصية لصانع القرار (٤) .
و(على غرار مؤسسة رئاسة الدولة في باقي دول العالم الثالث، فإن المؤسسة السلطانية في سلطنة عمان هي المحور والمركز الذي تدور حوله جميع أجهزة السلطة في الدولة، وتتصدر الأحداث والقضايا الكبرى باعتبارها المسؤولة الوحيدة عن كل الحياة العامة بسلطنة عمان ما انعكس على الدبلوماسية العمانية التي تظهر دائما عمل الدبلوماسي الأول لسلطنة عمان بحيث سجل السلطان قابوس بعد توليه مقاليد الحكم حضورا متميزا وقويا في مجال السياسة الخارجية وأصبحت الدبلوماسية العمانية تتحكم فيها المحددات النظرية للسياسة الخارجية عند السلطان) (٥).
وتعد الأقوال والتوجيهات والمرئيات السلطانية التي تضمنتها خطب وكلمات ولقاءات وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها، سواء المحلية منها او الإقليمية والدولية مع حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم– حفظه الله ورعاه– منذ البيان التاريخي الأول إلى الشعب العماني يوم تسلمه زمام الحكم بتاريخ ٢٣ يوليو١٩٧٠ من جهة أخرى. أبرز واهم المرجعيات الفكرية التي تقوم عليها المبادئ الموجهة لسياسات الدولة العمانية بوجه عام. والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية لسلطنة عمان على وجه التحديد.
وعندما نقول الدولة العمانية الحديثة فنحن بذلك نشير إلى ان سلطنة عمان، وبالتالي السياسة الخارجية العمانية هي امتداد لتاريخ إمبراطوري عريق تنطلق أصوله وتتجذر في عمق التاريخ السياسي والدبلوماسي العالمي. لترتبط بذلك بأهم الأحداث والعلاقات السياسية والدبلوماسية مع الامبراطوريات والدول التي كان لها الدور الأبرز والاهم في كتابة وصناعة التاريخ السياسي والدبلوماسي منذ القرن السادس عشر للميلاد كفرنسا والولايات المتحدة الاميركية والهند على سبيل المثال لا الحصر.
فمع الهند تم إبرام معاهدة استمرار الصداقة في العام ١٧٦٦م ، ومع بريطانيا بوجود أول ممثل سياسي بريطاني في عاصمة عُمان في عام ١٨٠٠م (٦) وفرنسا بالتوقيع على المعاهدة الدبلوماسية والتجارية بين عمان وفرنسا في ١٧نوفمبر ١٨٤٤م (٧) ومع الولايات المتحدة الاميركية منذ العام ١٨٣٣م (٨) .
على ضوء ذلك يمكن القول ان الفلسفة والفكر السياسي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله- يعد المكون الرئيس والمرجعية الأصيلة التي ارتكزت عليها ولا زالت محددات وفلسفات ومعتقدات وتوجهات السياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970م وحتى يومنا هذا.
وباعتقادي ان هذا الأمر ساعد كثيرا على صناعة عوامل الاستقرار السياسي في السياسة الخارجية العمانية. كما كان له دور بارز وفعال في احتواء الكثير من التأثيرات السلبية النابعة من المتغيرات والتحولات العابرة للحدود الوطنية، وذلك من خلال قطبية او مركزية القرار والتوجيه السياسي.
ثالثا: قانون تنظيم وزارة الخارجية رقم ٢٠٠٨/٣٢
أبرز التشريعات والقوانين ذات الاختصاص والصلة المباشرة بتوجيه وتسيير السياسة الخارجية العمانية وتحديد مهامها واختصاصاتها، وكذلك يمكن التأكيد على انه تضمن العديد من النصوص الحاكمة والموجهة لسياسات وقرارات الوزارة المعنية بالشؤون الخارجية والدبلوماسية والعلاقات الدولية هو قانون تنظيم وزارة الخارجية رقم٢٠٠٨/٣٢. حيث بينت (المادة رقم 3 منه مهام وزارة الخارجية المتمثلة في مسؤولية ادارة ورعاية العلاقات والشؤون الخارجية، وتعتبر القناة الحكومية الرسمية للاتصالات الخارجية والمرجع الاساسي للحكومة في المسائل ذات الصلة بالعلاقات الدولية، بينما بينت المادة 4 من التشريع اختصاصات الوزارة ومن بينها رعاية المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية وبناء وتعزيز الصداقة والتعاون بين السلطنة ودول وشعوب العالم ((٩).
وتعد المادة 2 من ذات القانون المرجع والاساس لجميع التوجهات والمرئيات والسياسات والقرارات والتصرفات والسلوكيات التي تعمل وتسير بناء عليها وزارة الخارجية العمانية اذ وجهت للاحتكام إلى قانونية وصحة كل ما سبق التطرق اليه إلى مرجعين رئيسيين هما النظام الاساسي للدولة والفكر السلطاني. وبمعنى اخر، ان كل ما ورد في هذا القانون او كل ما سيتم من تصرفات وسلوكيات وقرارات وتوجهات سياسية لابد ان يتم الاحتكام إلى صحته وسلامته الدستورية والقانونية والسياسية إلى النظام الاساسي للدولة باعتباره دستور البلد، وإلى الفكر السياسي لصاحب الجلالة باعتباره القائد المؤسس.
وبالتالي لا يجوز بحال من الاحوال ان يتم اتخاذ قرار او توجه او القيام بسلوك سياسي او دبلوماسي او حتى تصريح اعلامي من قبل أي موظف في وزارة الخارجية او الجهات السياسية والدبلوماسية في البلد او تلك التابعة للوزارة في أي مكان في العالم الا وفق النظام الاساسي والفكر السلطاني، وان كل ما يخالفهما او يناقضهما او يمكن ان يدخل في دائرة الشك والريبة حوله بناء عليهما يعتبر باطل من الناحيتين الدستورية والقانونية والسياسية حيث جاء في القانون ان الوزارة تلتزم (في اداء اختصاصاتها بالمبادئ المنصوص عليها في النظام الاساسي للدولة وخاصة المبادئ السياسية…. وتهتدي بوجه عام في تطوير علاقات السلطنة الخارجية وتوطيدها بالفكر السياسي لجلالة السلطان المعظم(١٠) ( .
موقع الفكر السياسي للسلطان في ظل النظام الأساسي للدولة:-
يدور سؤال مهم للغاية حول ما يمثله – الفكر السلطاني – “دستوريا. وتحديدا الخطب والخطابات والكلمات واللقاءات الإعلامية والصحفية” لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس – حفظه الله – في ظل وجود النظام الأساسي للدولة والقوانين والتشريعات الأخرى؟ وما النتائج التي يمكن ان تحدث جراء الأخطاء التي يمكن ان ترتكب في جانب المخالفة المباشرة او التفسير الخاطئ او التطبيق الغير صحيح لما ورد في تلك المرجعية الفكرية “مجموعة الأقوال السلطانية المكتوبة او المسموعة او المرئية” على السياسة الخارجية العمانية بمختلف توجهاتها ومرئياتها؟ ولماذا يجب الاهتمام دستوريا وتشريعا بتلك المرجعية الفكرية؟
وللإجابة عن الأسئلة السابقة لابد أولا من التطرق للنقاط الهامة التالية، وهي:
١- قامت الدولة العمانية الحديثة في 23/7/1970م على يد السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله- وسارت على نهجه وفكره ومرئياته. بينما تم إصدار النظام الأساسي للدولة “الدستور العماني” بتاريخ 6/11/1996م بالمرسوم السلطاني رقم 101/96م وبالتالي فإن فكر السلطان قابوس وتوجيهاته سابقة لوجود الدستور او النظام الأساسي للدولة.
٢- نص النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ١٩٩٦/١٠١م ، في الباب الرابع الخاص برئيس الدولة المادة 41، على ان) السلطان رئيس الدولة…… وأمره مطاع) كما نصت المادة ٤٢ على (يقوم السلطان بالمهام التالية: توجيه السياسات العامة للدولة، إصدار القوانين والتصديق عليها).
٣- نصت المادة 2 من قانون تنظيم وزارة الخارجية رقم٢٠٠٨/٣م على ان الفكر السامي لصاحب الجلالة هو الموجه والمرتكز والمرجع الذي تهدي به الوزارة في تطوير علاقات السلطنة الخارجية وتوطيدها بالفكر السياسي لجلالة السلطان المعظم.
على ضوء ذلك يمكن التأكيد على ان كل ما صدر عن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- من أقوال في نطاق الفكر المرجعي سالف الذكر منذ العام ١٩٧٠، هو امتداد للأوامر السلطانية او توجيه السياسات العامة للدولة، سواء ورد ذلك التوجيه او تلك الأوامر في مراسيم او توجيهات سلطانية، او في خطابات وخطب وكلمات ولقاءات إعلامية او صحفية او غير ذلك. وبالتالي فإن الفكر السياسي لصاحب الجلالة يعد مرجعية دستورية لا تقل اهمية عن النظام الاساسي للدولة لاعتبارات عديدة ومختلفة أبرزها:
١- ان الفكر السياسي لصاحب الجلالة سابق لوجود النظام الأساسي للدولة او الدستور. باعتباره القائد المؤسس والواضع الاصيل للمبادئ والقيم والموجهات السياسية للسياسة الخارجية والدبلوماسية والعلاقات الدولية لسلطنة عمان وان هذا الاخير هو اصلا قائم في اساس بنائه الدستوري في المجال السياسي والدبلوماسي والعلاقات الدولية خصوصا على الفكر السياسي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وهذا الامر بكل تأكيد لا يجعل من الفكر السياسي لصاحب الجلالة من الناحية الدستورية اقوى من النظام الاساسي للدولة.
ولكن وان كان هذا المصدر يقع في الدرجة الثانية دستوريا ولكنه يقع في المرتبة الأولى من ناحية المرجعية السياسية، خصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدبلوماسية والعلاقات الدولية العمانية.
٢ - لم يرد في النظام الاساسي لسلطنة عمان ١٩٩٦/١٠١م في المبادئ السياسية الحاكمة والموجهة لسياسات الدولة المادة رقم ١٠ منه الا الخطوط العريضة والمبادئ الاساسية كعادة الدساتير. يضاف إلى ذلك بان هذه المادة قد احتوت على خليط من المبادئ السياسية والامن القومي والادارة السياسية الغير مخصصة او الموجهة لسياسات الدولة الخارجية فقط، بل مبادئ عامة للسياسة الداخلية والخارجية. وبالتالي لابد من الرجوع إلى الفكر السياسي لصاحب الجلالة لتفصيل وتحديد المقصود والمراد بمفردات هذا النص الدستوري باعتبار ان الفكر السياسي لصاحب الجلالة هو الشارح والمفسر والمفصل لتلك المبادئ الدستورية العامة الواردة في النظام الأساسي للدولة.
بناء على ذلك نجد وكما سبق وأشرنا بان توجيه السياسة الخارجية العمانية نابع وبشكل دقيق واصيل من رؤية السلطان للعالم ونظرته إلى احداثه ومتغيراته وتحولاته العابرة للحدود الوطنية، فهو الذي يقرر هذا الاتجاه ويحدد المبادئ السياسية الحاكمة له، نظرا لامتلاكه كل العناصر من معلومات وثقافة تسمح له باتخاذ القرارات اللازمة في السياسة الخارجية. وبما ان اغلب الباحثين يجمعون على ان (رئيس الدولة في بلدان العالم الثالث يحتل مركز الصدارة في صناعة القرار( (١١) من خلال امتلاكه لمصادر القوة، الشيء الذي يضفي على شخصيته الطابع الكاريزمي ويجعل عملية صنع السياسة الخارجية متوقفة بشكل مطلق وكامل على العقائد الذاتية والمكونات الشخصية له.
وبالعودة إلى النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ١٩٩٦/١٠١م ، في الباب الرابع الخاص برئيس الدولة المادة ٤١، والتي تنص على ان) السلطان رئيس الدولة…… وأمره مطاع) وكذلك نص المادة ٤٢على (يقوم السلطان بالمهام التالية: توجيه السياسات العامة للدولة، إصدار القوانين والتصديق عليها) نجد ان كل ما صدر عن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- من أقوال في نطاق الفكر المرجعي سالف الذكر منذ العام ١٩٧٠، سواء كان ذلك عبر الصحافة او الإعلام المرئي او المسموع هو امتداد للأوامر السلطانية او توجيه السياسات العامة للدولة، سواء ورد ذلك التوجيه او تلك الأوامر في مراسيم او توجيهات سلطانية، او في خطابات وخطب وكلمات ولقاءات إعلامية او صحفية.
وبالتالي لا محالة او بد من الرجوع إليها في كل الأحوال والظروف ومختلف القضايا المتعلقة بالدولة سواء في الشأن الوطني الداخلي او الخارجي مع النظام الأساسي للدولة وبقية القوانين والتشريعات ذات الصلة والاختصاص، باعتبارها من المرجعيات الأصيلة نظرا لكون حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – هو القائد والباني المؤسس للدولة العمانية الحديثة وواضع القواعد الرئيسية الموجهة لسياسات الدولة وتوجهاتها.
عليه فإن تلك المرجعية الفكرية سابقة لوجود الكثير من القوانين والتشريعات المكتوبة في الدولة، بل وسابقة لوجود الدستور “النظام الاساسي للدولة” نفسه، والذي يعد بلا شك أبو القوانين في سلطنة عمان ومرجعيتها جميعا. ومن وجهة نظري الشخصية: تعد تلك المرجعية الفكرية، أي الفكر السياسي لصاحب الجلالة السلطان قابوس – حفظه الله – المرجع السياسي الأصيل والسند التفصيلي الشارح والمفسر للقواعد السياسية والأمنية العامة المتعلقة بالسياسة الخارجية العمانية والأمن الوطني العماني في بعده الدولي والواردة في النظام الأساسي للدولة وغيرها من القوانين الوطنية ذات العلاقة كما سبق واشرنا.
على ضوء ذلك وكما اوضحت هذا الامر بشكل تفصيلي في مقال صحفي نشر لي تحت عنوان الأقوال السلطانية كمرجعية للسياسات العامة للدولة فإنه (يمكن التأكيد على ضرورة واهمية عدم تعارض وتناقض التوجهات والسياسات والتصريحات وحتى القوانين نفسها مع تلك المرجعية الفكرية، فليس من الحكمة او المنطق ان تتعارض السلوكيات الوطنية والتصرفات سواء القانونية او المادية للسلطات في الدولة، وخصوصا السلطة التنفيذية “طبعا عن غير قصد هنا ” كنتاج للعديد من الاسباب والعوامل، مع اقوال حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم التي تطرق اليها في خطبه وكلماته واللقاءات الاعلامية والصحفية معه على سبيل المثال لا الحصر إلا ما تم التوجيه والصريح المباشر بتغييرها سواء بمرسوم او بتغيير في القوانين والتشريعات ليلائم المتغيرات الطارئة او المصالح السياسية سواء على مستوى السياسة الداخلية او الخارجية للدولة.
وبداهة من المفترض كذلك ان لا يتم إبداء أي رأي او تصريح إعلامي يمكن ان يمس السياسة الداخلية او الخارجية للدولة بمختلف توجهاتها ومرئياتها سواء السياسية او الأمنية او العسكرية او الاقتصادية، وغير ذلك، من قبل المحسوبين على كل من السلطة التنفيذية او التشريعية في الدولة، ويكون فيه تناقض او تعارض مع النظام الأساسي للدولة من جهة، او مع الفكر السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- والوارد في كل تلك الخطب والكلمات واللقاءات الاعلامية والصحفية من جهة اخرى وخصوصا فيما يتعلق بسياسات الدولة الخارجية سواء الإقليمية منها او الدولية. فاذا ما حدث ذلك على سبيل المثال ولو كان عن غير قصد، فبكل بساطة سيؤثر ذلك سلبا من الناحية السياسية على الطرف الاخر الذي تابع واستمع لتلك الخطابات والخطب وقام بالاطلاع على اللقاءات الإعلامية، خصوصا ان لدى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حضور كبير واهتمام دولي شديد بخطاباته وخطبه وكلماته، وبالتالي : فلنتصور ان يتم التصريح بأمر ما حيال قضية ما، ويصادف ان تتناقض تلك التصريحات مع ما جاء في خطابات عاهل البلاد المفدى – حفظه الله، كنتاج لعدم رجوع بعض المسؤولين في الدولة اليها، مكتفين بما يتوفر لديهم من قوانين وتوجيهات او بالنظام الاساسي للدولة( (٢١).
الأمر الذي يقتضي معه الأهمية البالغة لضرورة عودة ورجوع كل من السلطة التشريعية والتنفيذية في الدولة إلى تلك الخطب والكلمات واللقاءات السامية والتي أجد انه – ولله الحمد – قد اصبحت متوفرة في عدد من المواقع الإعلامية والكتب المتفرقة في الأسواق سواء الرسمية منها او مؤلفات فردية ككتاب خطب وكلمات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ١٩٧٠ – ٢٠١٥ الصادر عن وزارة الإعلام في العام ٢٠١٥.
لذا يجب ان يكون هذا الكتاب مرجعية وطنية شارحة ومفصلة لمختلف التوجيهات والسياسات والمرئيات والمبادئ الموجهة للسياسات العامة في الدولة، كون ما تضمنه يعد أوامر سلطانية لكل السلطات في الدولة ولكل مسؤول فيها بلا استثناء حول أهم جوانب بناء الدولة العمانية والمبادئ الموجهة لسياساتها سواء في المبادئ السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او الامنية او العسكرية وغير ذلك، او سواء كان ذلك في علاقة الدولة العمانية مع الخارج، او مؤسسات الدولة مع الداخل الوطني.
وإذا كان من كلام يجب ان يؤكد عليه في هذا السياق، فهو ضرورة الحرص الشديد على الاطلاع والرجوع إلى ما تضمنه هذا الفكر منذ العام ١٩٧٠م قبل إصدار أي مرسوم سلطاني او معاهدة دولية او قوانين متعلقة بالسياسات العامة للدولة او بالعلاقات الدولية والدبلوماسية وغير ذلك من الروابط والتصرفات القانونية الداخلية والخارجية.
ملاحظة: مصدر هذه الدراسة هو كتاب: التوجهات الكبرى في بنية النظام العالمي وتأثيرها على المبادئ الامنية الموجهة للسياسة الخارجية العمانية. الفصل الثاني. الناشر: مكتبة الضامري: اصدار العام 2018م. عليه فان المصادر والمراجع والهوامش تتوفر في الكتاب.
—————————————————-
المراجع:
- د. حسن مصطفى البحري، القانون الدستوري – النظرية العامة – ملف pdf، سوريا / الجامعة الافتراضية – وزارة التعليم العالي، السورية ط1/2009م
- قاسم محمد الصالحي، الدبلوماسية العمانية وتحديات العولمة. مرجع سابق
- السويم العربي، المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث: دراسة تحليلية نقدية. المركز الثقافي العربي، ط1/1987م
- عبد الرحيم عنيس، السياسة الشرق أوسطية، 1956-1990، رسالة دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد بن عبد الله، فاس / المغرب، للعام 1991م
- قاسم بن محمد بن سالم الصالحي، الدبلوماسية العمانية وتحديات العولمة، مرجع سابق، ص 16
- موقع وزارة الخارجية العمانية – متوفر على الرابط https://www.mofa.gov.om/?p=353
- جريدة الوطن العمانية– متوفر على الرابط http://alwatan.com/details/55784. بتاريخ 8/4/2015م
- المعاهدة التاريخية بين الإمبراطورية العمانية والولايات المتحدة الاميركية، موقع أثير العماني، بتاريخ 28/5/2014م – متوفر على الرابط http://www.atheer.om/archives/6514/
- إسحاق بن سالم التوبي، موسوعة التشريعات العمانية، سلطنة عمان / مكتبة الضامري للنشر والتوزيع، ط1/2016، ج 8
- قانون تنظيم وزارة الخارجية رقم 32/2008م. المادة 2
- العربي.السويم، المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث: دراسة تحليلية نقدية، المركز الثقافي العربي، ط1/1987م
- محمد بن سعيد الفطيسي، الأقوال السلطانية كمرجعية للسياسات العامة للدولة، صحيفة الوطن العمانية بتاريخ 23/1/2017م
5,811 total views, 5 views today
Hits: 689