نحو مُراجعة قضايا المرأة في فقه المسلمين
مشتاق بن موسى اللواتي
إنَّ المتابعَ للنتاج الفكري والفقهي في قضايا المرأة في العقود الأخيرة، يلحظُ ظهورَ كتابات تنحو منحًى غير تقليدي في مُقارباتها في تناول قضايا المرأة في فقه المسلمين؛ فبينما كانتْ الكتابات السابقة تركِّز على الرد على الإشكالات المطروحة من الداخل أو الخارج حول نظرة الإسلام للمرأة، وموقعها الحقوقي في النصوص والتشريعات، وحول واقع المرأة العربية والمسلمة في التاريخ والاجتماع السياسي. وكانت تنطلقُ من منهجيات الدفاع والتبرير والترميم للواقع الموروث والثقافة السائدة. وتَسْعَى جاهدةً لإثبات سمو النظرة الإسلامية ورُقيِّها وتقدُّمها، مقارنة بغيرها من الأديان والمذاهب الفكرية، وتبذل مجهودات بحثية لإبراز المنجزات التاريخية للمرأة العربية المسلمة.
أمَّا المقاربات الجديدة، فقد انطلقتْ من المعايشة عن كَثب لوضع المرأة في المجتمعات العربية والمسلمة، ومن الاعتراف بوقوع كثير من الظلم والإجحاف بحقها في بعض المجتمعات. وركز بعض الدراسين اهتمامَهم على التفكير الفقهي والموروث الثقافي والروائي في مصادر المسلمين، ودور ذلك في تشكيل المفاهيم الثقافية، وبناء الأنساق الاجتماعية في قضية العلاقة بين الرجل والمرأة. وانطلاقًا من ذلك، قاموا بمراجعات نقدية لمناهج البحث الفقهي والنظرات الثقافية والمجتمعية التي تبادلتْ التأثير معها. وقدَّموا أعمالا نقدية جريئة للروايات، وبلوروا اجتهادات فقهية متقدمة حول دور المرأة في المجتمع؛ بدءًا بالأسرة، ومرورا بالمناشط الاجتماعية، وانتهاءً بالحقل الإداري والقضائي والسياسي. ونظرًا لأن المقاربات الفقهية الجديدة حول أدوار المرأة في المجتمع تركز على بعض القضايا المُلحَّة، التي تزايدت الضغوط حولها، ولا تهدف إلى إجراء مراجعات عميقة شاملة لتقديم تصورات شاملةلفقه المرأة الحقوقي؛ فلهذا تعترضها إشكاليات منهجية، وتواجهها تحديات واقعية عملية، كما أنها تصطدم مع النظرات الفقهية السائدة.
و في هذه الأوراق القليلة، نُشير إلى الدواعي التي تستوجب القيام بمراجعات شاملة لوضع المرأة في فقه المسلمين. كما سنتطرق في الأثناء إلى بعض التحديات التي تواجه هذه البحوث، وننوه في الوقت ذاته إلى بعض المفارقات التي تكتنف المراجعات الجزئية؛ وذلك من خلال العناوين الآتية:
تغيُّر الأدوار الاجتماعية للمرأة
كان الموقف الفقهي فيما سبق يتحفَّظ على انخراط المرأة في الميادين الاجتماعية والسياسية والمهنية، ولعله كان مُنسجما مع الأدوار الاجتماعية للمرأة في تلك المجتمعات، وكذلك مع عموم الأوضاع الفكرية والثقافية فيها. ومن المسلَّم به، أن كثيرا من الأوضاع والمفاهيم الاجتماعية قد تغيَّرت في حياتنا المعاصرة عمَّا كان عليه الوضع في القرون السالفة.
إنَّ وضع المرأة العربية المسلمة شَهِد تطورا ملموسا في مختلف المجتمعات المعاصرة؛ فقد نالت المرأة -إلى جنب الرجل- حظًّا وافرا من العلم والمعرفة في مختلف الحقول والتخصصات العلمية والعملية. وانفتحتْ أمامها الفرص لخوض غمار الحياة في محتلف المجالات، وأثبتت جدارتها في مختلف مواقع المسؤولية العامة. وفي الوقت ذاته، لم تتخلَّ عن أدوارها المتعارفة في التربية والعلاقة الزوجية والرعاية الأسرية. وتضاعفت مسؤولياتها، وصارت تسهم بشكل فعال في الأعباء المالية للأسرة إلى جانب الرجل. ولم يعُد الرجل وحده هو المنفق عليها وعلى الأسرة.
والسؤال الذي يطرح على البحث الفقهي هو: هل يملك البحث الفقهي مرونةً في التعامل مع القضايا الاجتماعية المتغيرة؟ وهل لهذه التطورات في وضع المرأة التعليمي، وفي تغير أدوارها في الأسرة والمجتمع، أي تأثير في تغيُّر النظرة الفقهية حول قضية العلاقة بين الرجل والمرأة، أم أنَّ الرؤية الفقهية حيال موقع المرأة في الأسرة والمجتمع تتسمُ بالثبات، وأنَّ العوامل المذكورة لا دخل لها في تكوينها، ومن ثم لا تؤثر فيها؟
والموقف الفقهي السائد لا يُنكر الأهمية الاجتماعية لمشاركة المرأة في الأعباء المالية للأسرة، لكنه يرى أنها ليست واجبة عليها فقهيًّا، بل هو عمل تطوعي منها تُؤجر عليه، وعلى الزوج أن يُقابله بالتقدير؛ لذلك فإنها لا تغير من الأحكام الفقهية المقررة في هذا المجال. ولكن هل يقتنع الجيل المعاصر من المسلمين بمثل هذه الأجوبة الفقهية النظرية؟ وهل تقدم معالجات عملية للأوضاع المستجدة؟ ومن جهة أخرى، هل بوسع أهل الفقه أن يتجاوزوا الأدلة الشرعية؟
هذه بعض التساؤلات الملحة التي تطرح في سياق الحديث عن قضايا المرأة في الفقه.
المواءمة مع التحولات الاجتماعية والثقافية
إنَّنا إذْ نُشير إلى التحوُّلات التي شهدتها الحياة في مختلف الصعد، ندرك تماما أن البحث الفقهي الشرعي يحاول -ولو بشكل جزئي- مُوَاكبة تطورات الحياة برفد المجتمعات المسلمة بمعالجات فقهية متواصلة، قائمة على الاجتهاد الفقهي المنضبط.
كما نُدرك تمامًا أن مسايرة الفقه لمسيرة التطور لا تعني بحال من الأحوال التخلي عن مصادر التشريع وأصوله الثابتة، ولا تستدعي رفع اليد عن الأدلة الشرعية أو تهميش قواعد الاجتهاد وضوابطه باتباع مسالك تقوم على تطويع النصوص الشرعية، وليِّ أعناقها؛ لتتماشى مع الأذواق الشخصية والاستحسانات العصرية. كما لا يتطلب هذا المطلب توظيف الأدلة بشكل ينسجم مع اتجاهات التحديث والتغريب؛ بحيث يُمكن معها تمرير كل الأفكار والمعاملات والعلاقات والممارسات، وإضفاء الشرعية الدينية عليها.
إنَّ ما نقصده من مُوَاكبة تطورات الحياة هو مُعَايشتها، وفهم طبيعتها، واستيعاب فلسفتها، وعدم التعالي عليها، ولا الانزواء عنها، أو اتخاذ مواقف مسبقة منها؛ إذ كيف يُمكن معالجة مشكلات الحياة الاجتماعية أو إنزال النصوص الشرعية أو القانونية على الحوادث الواقعة والوقائع الحادثة دون فهم واستيعاب عميقيْن للنصوص والأدلة الشرعية من جهة، وفهم الحوادث الحياتية الواقعة والموضوعات الاجتماعية المتغيِّرة من جهة أخرى. إنَّ توافر الفقيه على فهم تطورات الحياة، يُتيح له ملاحقة المشكلات والأسئلة المستجدة، وتقديم معالجات فقهية واقعية ومتوازنة لها. لهذا؛ رأى الشيخ جواد مغنية أن المجتهد اليوم -إضافة إلى شرط الاجتهاد في استخراج الأحكام- يجب أن يتوفر له الوعي الديني المستنير المنفتح، والوعي الزمني لمجرى الحوادث وحقائق الحياة من حوله. وأنْ يتحرَّر من القيود والتقاليد التي لا يفرضها عقل ولا دين؛ لكي يستطيع أن يوائم بين النصوص ومقتضيات العصر، وأن يقتبس من القوانين الحديثة ما يخدم الحياة، وتسمح الشريعة الاسلامية السهلة السمحة التي تروي بمعينها الفياض كلَّ أرض في كل مجتمع لولا الحواجز والعقبات. وهكذا، فكما لا يَحْسُن بالفقه الشرعي أن ينساق مع ضغوط الواقع، السائر نحو التغيير بخُطَى حثيثة وسريعة، فيتخلَّى عن أصوله وضوابطه المنهجية، ويتكلف في وضع تخريجات فقهية لكل فكرة وافدة أو ممارسة مستحدثة أو صرعة مستوردة، كذلك لا يُقبل من التفكير الفقهي أن يَجْمُد على المعطيات المتوارثة من السلف، ويتهيَّب مراجعتها ونقدها، بل وتجاوزها متى ما اتَّضح تهافُت حججها وضَعْف أسانيدها حَذَرًا من تأسيس “فقه جديد”! بل لا بد من التمييز بين الثواتب والمتغيرات، والمواءمة بين الأصالة والتجديد. يُقرِّر السيد الخميني بوضوح أنَّ التمسك بالفقه الأصيل، وأساليبه العريقة، ومسلكية اجتهاد صاحب الجواهر (ت1266 هجرية)، لا يَعْنِي أنَّ الفقه الاسلامي جامد وغير قادر على الاستيعاب، ويرى أنَّ الزمان والمكان عنصران أساسيان مصيريان في الاجتهاد. ولمَّا اعترض أحد العلماء على بعض اجتهاداته مُتذرِّعا ببعض الروايات، أجابه -السيد الخميني- بقوله: إنَّ طريقة فهم سماحتكم للأخبار والروايات، وطبيعة استنباطكم منها، تنفي (تتجاهل) المدنية الحديثة بصورة كاملة، وتفترض أنَّ الناس يعيشون في الأكواخ، أو في الصحاري إلى الأبد”.
إنَّ حركة الزمن -بالمفهوم الحضاري- قد تُحْدِث تحولات في الاجتماع الإنساني، وتغيُّرات في منظومة المفاهيم والعلاقات والموضوعات الاجتماعية، وتفضي إلى إنشاء أوضاع جديدة، واستحداث مراكز اجتماعية لم تكن مَوْجُودة. ونظرًا لأنَّ الحكم يتبع الموضوع، ويدور مداره وجودا وعدما؛ فإنَّ تغيُّر الزمن قد يكون موجبًا لتغيُّر الحكم. يُشِير السيد فضل الله إلى أنَّ هناك علاقة عضوية بين الحكم الشرعي والواقع، لا على أساس أنَّ الواقع يتدخل ليحور الحكم الشرعي أو ليزيله، ولكن على أساس أنَّ الواقع يتحرك ليحدِّد للحكم الشرعي موضوعاته التي يُمكن أن يجد مصداقيته فيها. على أنَّ من المفروغ منه أنَّ المحققين من أهل الفكر والفقه في تنظيراتهم لا ينظرون إلى النتاجات الاجتهادية في شتى المعارف الدينية نظرة التقديس، ولا ينزلونها منزلة النصوص الأصلية. بل كذلك الحال من الناحية العملية؛ لذا نجد المحققين من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين درجوا -على تفاوت- على نقد مختلف الآراء ومناقشتها ومحاكمتها وفق الأصول والمناهج البحثية العلمية. وعليه، يُجَانِب الدقة من ينسب إليهم -على نحو التعميم- تقديس التراث الأصولي والكلامي والفقهي والتفسيري والدلالي والدرائي والرجالي والتاريخي، بحُسبانه من الثوابت المنزلة، كما أنَّ من يَدْعو إلى تجاوز هذا التراث العلمي برمَّته، والقطيعة معه تحت دعاوى التجديد والتطوير، يغفل الطبيعة الترابطية والتراكمية للعلوم ومناهج البحث فيها، وأنَّ تجاوزها يعني الرجوع لنقطة الصفر -إذا جاز التعبير- وهو أمرٌ غير مُمكن لأنَّه يعني بكل بساطة إرجاع التاريخ العلمي إلى الخلف. من جهة أخرى، فإن مستوى تطور وجمود هذه المناهج البحثية مرتبط ارتباطا وثيقا بالمناخ العلمي والاجتماعي والسياسي والفكري والحضاري العام لمجتمعات العرب والمسلمين؛ فكما أنَّ الوضع الثقافي والحضاري العام في هذه المجتمعات ينعكسُ على مُنجزات التعليم، والتفكير، والثقافة، والاجتماع، والسياسة، والإدارة، والقانون فيها، فإنه يؤثر أيضا في أنماط التفكير الديني، واتجاهات الاجتهاد الفقهي فيه؛ لأنَّها أمورٌ مُتداخلة ومُترابطة بشكلٍ عضوي، ولأنَّ العقلية التي تتعاطى معها تتأثر بالواقع والمناخ الثقافي والحضاري العام؛ لهذا فلا بد من التفريق بين مطلبين؛ أحدهما يدعو لعدم الجمود على تراث السالفين الفكري، وعدم التهيُّب من مراجعته وإعادة قراءته ونقده، بل التحرُّر من سطوته وسلطته وتجاوز نتائجه متى ما تطلب ذلك. والآخر يدعو لإحداث قطيعة معرفية شاملة مع التراث الفكري والثقافي للمسلمين برمته؛ مما يفضي لاجتثاث الحاضر من جذوره وأصوله التاريخية والثقافية!!
الاجتهاد وأهمية مراجعة فقه المرأة
إنَّ الأحكام الشرعية المنظِّمة للحياة الاجتماعية -حسب جواد مغنية- على أنواع؛ فمنها ما يتسم بالثبات لأنه شرع وفقا لطبيعة الإنسان، واستدعت إنسانية الإنسان وجوده، من قبيل رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وكل إنسان بريء حتى تثبت إدانته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والناس في سعة ما لا يعلمون، ولا ضرر ولا ضرار، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز، ومثل تحريم القتل، والسرقة، والكذب، والغش، والخيانة، ووجوب الصدق والأمانة؛ فمثل هذه الأحكام العامة ثابتة، وليست محلًّا للنظر والاجتهاد. وهناك أحكامٌ متغيرة اقتضتها طبيعة المجتمع الخاص الذي يعيش فيه الإنسان؛ بحيث يكون الفعل وثيقَ الصلة بالصفة الخاصة التي عليها المجتمع. وليس من شكٍّ أن هذا الحُكم يدور مدار ما أنيط به وجودا وعدما؛ فإذا تبدَّلت حال المجتمع إلى حالٍ أخرى، ارتفعَ الحكم الأول من الأساس، ووجب البحث عن حكم جديد. ومن الأمثلة على ذلك: الأحكام والأحاديث الواردة في كيفية القتال بالسيف والرمح، وتخطيط الطرق ومساحاتها، ومسألة الرِّق وإقرار الإسلام له؛ لاستدعاء الحياة الاجتماعية يومذاك له، ومن قبيل ما جاء عن الإمام علي -عليه السلام- حيث سُئل عن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: غيِّروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود، فقال: إنما قال النبي ذلك والدين قُل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه الأرض، فامرؤ وما اختار. وهناك أحكامٌ شُرعت كوسيلة للتوصل إلى غايات أخرى؛ مثل: وجوب الأخذ بقول العادل، فإن من شأنه -في نظر العقلاء- أن يتوصل به إلى معرفة الحق والواقع، وهو من الموارد التي يمكن للمجتهد أن يستعمل فيها النظر، فيأخذ بغير خبر العادل إذا حصل له الركون والاطمئنان بالواقع، وهو من قبيل الاجتهاد في تفسير النص وليس قباله.
ونظرا لأن حركة الاجتهاد الفقهي مُتواصلة -لا سيما في بعض المذاهب الفقهية للمسلمين- وإن شهدتْ تباطؤًا في بعض المراحل، ولمَّا كان النقد والتحليل والتمحيص وإعادة النظر في الآراء والأدلة مُلازمة لعملية الاجتهاد، فإنه يَعْني استمرارَ عمليات المراجعة وإعادة القراءة في المنتج الفقهي السالف، لا سيما في المسائل المتعلقة بمتغيرات الحياة وتجددها، والتي تتأثر بالزمان والمكان من المنظور الحضاري.
ومِنَ المجالات الحيوية التي تحتاج مراجعة فقهية علمية مُتواصلة: فقه الأسرة، وفقه العلاقة بين الرجل والمرأة، ودور المرأة في المواقع الاجتماعية والسياسية، وتحديدا في المساحة التي تعدَّد فيها الاجتهاد الفقهي؛ الأمر الذي يعني أنها ليست من طبيعة الأحكام الثابتة التي لا تقبل الاجتهاد والنظر. ومبرر المراجعة فيها -على نحو أخص- يكمُن في كونها من القضايا الحياتية الاجتماعية التي طرأت عليها كثير من التحولات؛ سواء على مستوى المفاهيم، أو النظرات، أو التطبيقات. ولأنَّه لا يبعد أن يكون جانب من الآراء في المدونات الفقهية الموروثة، بالأخص المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية، هو نتاج المناهج التي تطبَّعت بالنزعة الفردية أو التوجهات الانكماشية التي فرضت على بعض المذاهب الفقهية والفكرية نتيجة لبعض العوامل التاريخية والسياسية، بل يُمكن القول بأنها فُرضت على عموم المذاهب الفقهية بعد التطورات السياسية في التاريخ الحديث. ونتيجة ذلك، صار الهاجس الأهم والأبرز للفقيه -كما أشارالسيد باقر الصدر- هو تقديم الحلول والتخريجات الفقهية للفرد المسلم؛ كي تساعده على المواءمة بين التزامه الديني العقيدي، وبين الواقع الاجتماعي والسياسي الضاغط. ونظرًا لغلبة هذه الحالة على بعض مناهج البحث المتبعة، توارتْ آليات الفهم الاجتماعي للنصوص، وأغفلت الملابسات الزمكانية المحيطة بها، وهيمنت القواعد الصناعية الجامدة والتدقيقات اللفظية والمنطقية. إنَّ الفقيه بسبب ترسُّخ الجانب الفردي من تطبيق النظرية الإسلامية للحياة في ذهنه، واعتياده أن ينظر إلى الفرد ومشاكله، عكَس موقفه هذا على نظرته إلى الشريعة فاتخذت طابعًا فرديًّا، وأصبح ينظر للشريعة في نطاق الفرد، وكأنَّ الشريعة ذاتها كانت تعمل في حدود الجانب الفردي من النظرية الإسلامية للحياة. كما يحتمل أن تكون بعض الآراء الفقهية الاجتهادية عند السابقين انطلقتْ من مُعالجة أوضاع بيئية تاريخية ومجتمعية معينة، وتأثرت بمفاهيم ونظرات عرفية ومرتكزات ثقافية واجتماعية سائدة في تلك الأزمنة. وربما أخذ في اعتبار بعضها “الإجماعات المدركية”، أو “الإجماعات المنقولة”، ودعاوى “السيرة المتشرعية”. وقد تكون بعض الأفكار مستندة إلى حكايات “التسالم والشهرة” وما إلى ذلك من أمور لم تثبت حجيتها في مباحث الأصول عند جُملة من الفقهاء المحققين.
وهذه النزعة تعبِّر في عمقها عن الخضوع لسلطة السلف، ومرجعية السلف، وتعدُّ في الحقيقة تقليدا لفقهاء سالفين، وليس اجتهادا في الحوادث الواقعة. وقد يراعي بعض الفقهاء ظروفًا ضاغطة مُعينة، فلا يُفصحوا بسببها عن بعض آرائهم؛ اتقاءَ أن ينسبوا إلى قلة الإيمان. ذكر السيد السيستاني عند حديثه عن شبهة الارتباط بالفئات المنحرفة، أنَّ بعض المجتهدين قد لا يصرحون في مسألة يفتون فيها واقعا بالحكم الترخيصي، بل يعبرون عنها بـ”احتياط لا يترك”، إذ لو صرَّحوا بالترخيص فيها لنسبوهم إلى الجماعات قليلة الإيمان والاعتقاد بالشريعة المقدسة. ومهما كانت مناشئ الاحتياط في نظر الفقهاء -وبعيدا عن التعميم- فإنَّ مما يلفت النظر أنَّ بعض العلماء ينتهون في البحوث الاستدلالية إلى نتائج معينة، غير أنهم لاعتبارت معينة يحتاطون في مقام الفتوى. فالسيد الخوئي تطرق إلى الروايات المتعلقة بحرمة خروج الزوجة بغير الإذن، وقال: إنَّ المراد بحسب القرائن خروجًا لا رجوع فيه بنحو يصدق معه النشوز. وانتهى إلى أن المراد من روايات منع الخروج هو خروج المرأة من البيت لفترات طويلة نسبيًّا؛ من قبيل السفر بلا إذن الزوج؛ بحيث يصدق عليها عُنوان النشوز، أمَّا خروجها الذي لا يُنافي حقَّ الزوج فلا تشمله تلكم الروايات. وعلى الرغم من قناعته هذه على مستوى البحث النظري، إلا أنَّه أفتى بلزوم الإذن احتياطًا. كما قرَّر الشيخ الفياض أنَّ ثبوتَ حق الزوج على الزوجة إنما هو بالمقدار المتعارف الاعتيادي، وهو لا ينافي توظيف المرأة وخروجها من البيت بمقدار ست ساعات أو ثمانية؛ باعتبار أنَّ الرجل نوعا يخرج من البيت بهذا المقدار في نفس الوقت. ومع ذلك، فإنه يفتي بالاحتياط الوجوبي في مسألة استئذان الزوجة بالخروج من البيت. كما لُوْحِظ أنَّ السيد فضل الله ناقش الأدلة المتعلقة بمنع المرأة من تولي القضاء والمرجعية، لكنه في فتاواه لم يلتزم بنفس النتيجة، بل احتاطَ فيها؛ مما يسبِّب الإرباك عند كثير من المتابعين والمهتمين بأحكام الفقه.
غياب منهج فقه النظرية
تَغْلُب على البحث الفقهي المنهجية التجزيئية؛ حيث ينصبُّ جل اهتمام الباحث في الفقه نحو بحث الفروع والمسائل الجزئية المتعلقة بكل باب، وتناول كل مسألة على حدة حسب أدلتها، وبشكل مستقل ومنفصل عن غيرها من المسائل التي ترتبط بها. أما تقديم تصورات كلية، أو بحث مختلف المسائل المتعلقة بالموضوع بشكل بنيوي مترابط، أو تأسيس نظريات فقهية عامة تنتظمها نواظم متسقة، فلم تحظ بذات الاهتمام في البحوث الفقهية؛ لهذا تفتقدُ بعض المسائل الفرعية في بعض الأبواب إلى الاتساق الداخلي المضموني فيما بينها.
ويظهر أن البحث الفقهي لا يكترث كثيرا بهذه القضية، مادام قام الدليل -في نظر الفقيه- على كل مسألة فيها على حدة. ولعل السبب وراء ذلك هو خشية الفقيه من فتح المجال لدخول التوجهات الشخصية والتأثيرات الثقافية في الفقه الشرعي. وهذا الوضع يظهر المسائل الفقهية في صورة تفتقد إلى الاتساق المنطقي؛ وبالتالي يُثير إشكاليات على المنهج الذي أنتجها.
قد يقال إنَّ الفقيه يهمُّه اتباع الأدلة الشرعية، وأنَّ الشارع الحكيم في أحكامه قد يجمع بين المتخالفات ويفرِّق بين المؤتلفات، أو يجمع بين المتفرقات ويفرق بين المجتمعات.
والواقع أنَّ هذا المضمون يُرد في العادة ردًّا على الحجج التي يسوقها المدافعون عن استخدام الأقيسة الظنية في عمليات الاستدلال الفقهي. وهو ما لا ينطبق على الحديث عن المناهج التجزيئية والموضوعية؛ لأنها ليست بصَدَد الدعوة لاتباع الأدلة غير المعتبرة. وهو تعليلٌ غير مُقنِع، وغير منطقي؛ لأنَّه يجعل من بعض الحالات المتناثرة في بعض الأبواب الفقهية قاعدةً لتبرير الاختلالات في المنهج الفقهي، وتقديم المنجز الفقهي في صُورة غير مُترابطة وغير مُتجانسة وغير منطقية.
وقد نبَّه الشيخ شمس الدين إلى هذه الثغرة في بعض المنهجيات الفقهية، وأشار إلى السبب الذي أدى إليها؛ حيث رأى أنَّ المنهجية التجزيئية والتي لا تدرس الروايات في ضوء “الرؤية القرآنية” هي سبب عدم الاتساق بين بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بوضع المرأة والأسرة. ويقرِّر أنَّ على الفقيه أن يلاحظ النصوص الواردة في السُّنة في شأن المرأة والأسرة، على ضوء “التوجيه القرآني” من جهة، وباعتبارها متلازمة متكاملة من جهة أخرى. أما ملاحظة كل نصٍّ فيها باعتباره يعالج حالة مستقلة أو تفصيلا معزولا عن سائر التفاصيل المتعلقة بوضع المرأة وعلاقتها بالأسرة والمجتمع، فإنه منهج يؤدي إلى خلل في عملية الاستنباط. ومن الأمثلة على ذلك: أنَّ من المُسلَّمات الفقهية أن الأم تتمتع -بالنسبة لأولادها- بمركز معنوي وحقوقي لا يكاد يساويه مركز. ولكنها باعتبارها زوجة تكاد تفقد حُرمتها وكرامتها الإنسانية بالنسبة للزوج -الأب- على بعض المباني الفقهية؛ بحيث لا يزيد أمرها عن كونها موضوعا جنسيا ومُدبِّرة منزل فقط!!
ويمكن أن نشير في السياق ذاته، إلى أنَّ الموقف الفقهي الذي يميل إلى جواز أن تتقلد المرأة بعض أو جميع مناصب السلطة، لا يبدو منسجما مع المسائل الفقهية المتسالم عليها، في الفقه الشرعي الخاص بالأسرة والمراة؛ من قبيل أحكام الولاية والقوامة والطلاق والخروج من البيت والسفر والعمل خارج البيت…وغيرها.
بَيْنَما يظهر أنَّ موقف المنع هو أكثر اتساقا وانسجاما مع المنظومة الفقهية السائدة المتعلقة بالمرأة. والسبب في ذلك يكمُن في أنَّ هذه الآراء الاجتهادية لم تُقدم في سياق تصوُّر فقهي مُتكامل لفقه المرأة، بل جاءتْ كمعالجات مجتزأة في هذا المجال؛ مما أدى لظهور بعض الثغرات فيها؛ فليس العيب في المراجعات نفسها، بل في المسلك الترقيعي المتبع فيها.
وليس غَرضنا من هذه الملاحظة مُعَارضة هذه الاجتهادات، إنَّما القصد هو الإشارة إلى أن المنهجية التجزيئية من شأنها أن تفضي لنتائج غير متسقة مع المنظومة الكلية.
وقد يبرر هذا الفريق -الذي يرى شرعية تولي المرأة للسلطة- طبقا للمنهجية التجزيئية السائدة، بأن الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة في الأمور المذكورة، هي أحكام مُحدَّدة قام عليها الدليل، أما فيما عداها من تكاليف وأحكام فيشترك فيها الرجل والمرأة على حدٍّ سواء؛ كونهما مُكلَّفين ومُخَاطبين بالخطابات التشريعية؛ فلا معنى لتعميم طبيعة تلكم الأحكام الخاصة على كل شؤون المرأة، وإضافة قيود أخرى عليها لم يقم عليها دليل.
وفي جميع الأحوال، فإن المعنيين بتطوير البحث الفقهي مطالبون -حسب رأي باقر الصدر- لاستكمال مسيرة البحث الموضوعي على المستوى الأفقي بمتابعة الوقائع المستجدة بشكل مستمر، وعرضها على مصادر الشريعة لاستنباط الموقف الشرعي منها. وفي الوقت ذاته، فهم مُطَالبون بتركيز الاهتمام ومضاعفة الجهد نحو البحث الموضوعي على المستوى العمودي أيضا. عليهم أن لا يكتفوا بالبناءت العلوية، والمسائل التفصيلية فقط، بل لا بد من النفاذ من خلالها لتشكيل النظريات الأساسية التي تمثل وجهة نظر الإسلام؛ لأنَّ كل مجموعة من التشريعات في كل مجال من مجالات الحياة ترتبط بنظريات أساسية؛ فأحكام الإسلام في مجال النكاح والطلاق والزواج وعلاقات المرأة مع الرجل، وما شاكل، ترتبط بنظريات الإسلام الأساسية عن المرأة والرجل، وعن دورهما في الحياة. وهي تُشكِّل القواعد النظرية لهذه الأبنية العلوية؛ فلا بد من التوغل فيها، ولا ينبغي النظر إلى مثل هذه البحوث بوصفها عملا منفصلا عن الفقه، أو ترفا، أو نوعَ تفنن أو نوع أدب؛ لأن الأمر في الواقع ليس كذلك، بل يُعتبر من ضرورات الفقه التي يلزم الالتفات إليها بقدر الإمكان.
أزمة البحث الفقهي حول قضايا المرأة
حَاوَل بعض الفقهاء أن يدرسوا قضايا المرأة المعاصرة، ويقدموا بعض المعالجات للمشكلات والضغوط التي أنتجتها الحياة المعاصرة. ونظرا لأنهم لم يتناولوا ملف المرأة بشكل متكامل، ولم يبلوروا رؤية حقوقية واضحة بشأنها، بل تناولوا بعض القضايا المتعلقة بها، وبشكل منفصل عن الهيكل العام لفقه المرأة، فقد اصطدمت النتائج التي توصلوا إليها ببعض العقبات في أرض الواقع، وجاءت النتائج -وفق هذه المنهجية التجزيئية- فاقدة لروح التجانس والتناسق مع المسائل الفقهية الأخرى المعروفة، ومع الثقافة التي انبنت عليها عبر التاريخ. وعلى سبيل المثال: يذهب فقهاء المسلمين إلى أن المرأة المسلمة تتمتع بالأهلية القانونية الكاملة في التعاملات المدنية؛ بحيث يحق لها: التملك، والتكسب، والتعاقد، وإجراء مختلف التصرفات القانونية المدنية المشروعة، كما يُمكنها أن تُدير أعمالها التجارية والمهنية والفنية بنفسها، دونما وصاية من أحد – كأبيها أو زوجها أو أخيها. ويذهب بعضُ الفقهاء إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فيجيز للمرأة أن تتولى بعض مواقع السلطة؛ من قبيل أن تُصبح رئيسة دولة، أو أن تدخل المجلس النيابي، أو أن تتولى القضاء، فضلا عن ترؤس الإدارات التنفيذية.
ولكن على صعيد آخر، نجد أنَّ كثيرا من الفقهاء يفتون بحُرمة خروج المرأة من بيتها إلا بموافقة زوجها، ويفتي بعضُهم بحرمة سفرها بدون محرم.. وهذه الفتاوى تفسح المجال للرجل للتعسف في استخدامها، وتقييد حركة المرأة المسلمة في ممارسة حقوقها المشروعة في إدارة أموالها ومؤسساتها، أو الإشراف على ممتلكاتها ومعاملاتها بنفسها، فضلا عن أن تتولى إدارة أعمال غيرها حسب عقود الإجارة والإدارة، وقد تقف هذه السلطة المقررة للزوج عائقا أمام المرأة في مزاولة أية مسؤولية عامة في المجتمع.
وهنا.. تبرز إشكاليات عملية؛ من قبيل: ما هو موقف المرأة المتزوجة فيما إذا منعها زوجها من الخروج من البيت في أوقات العمل؟ وما هو موقفها فيما إذا منعها الزوج من السفر في مهمة أُسندت إليها، أو يفرضها عليها موقعها الرسمي؟ وما هو موقفها فيما إذا منعها الزوج من العمل في مؤسسة؛ سواء كانت تجارية، أو مهنية، أو أكاديمية، أو اجتماعية، أو سياسية، فيما إذا كانت مُختلطة؟
وهكذا يبدو للباحث أنَّ هناك أزمة تواجه البحث الفقهي في المسائل المتعلقة بالمرأة وأوضاعها، ومواقعها الحقوقية والاجتماعية في فقه المسلمين؛ فمن جهة، تواجهه ضغوط الواقع وتطورات الحياة الاجتماعية والسياسية والتحولات الثقافية والتغيرات المفاهيمية الكبيرة التي تمر بها المجتمعات، ومن جهة أخرى هناك أصول البحث المتبعة، ومناهج الاجتهاد، وطرائق الاستظهار والقراءة في الأدلة الشرعية، إضافة إلى ضغوط الموروث الفقهي المتشكَّل عبر القرون؛ فإذا توصَّل البحث إلى مشروعية مزاولة المرأة للسلطة -على الأقل- في بعض المواقع، فإنَّ هذه النتيجة تواجه بإشكالية غياب الاتساق بينها وبين غيرها من الأحكام الفقهية الواضحة، والتي سبقت الإشارة إليها، مضافا إليها التوجيهات الدينية الإسلامية الخاصة بالمرأة وعلاقتها بالرجل.
وفي المقابل، إذا كانت النتيجة عدم مشروعية توليها للسلطة مطلقا، فإنَّها تكون مَدْعَاة لإثارة تساؤلات وإشكالات فكرية وعملية، يفرضها واقع الحياة المعاصرة، والتحولات الثقافية والاجتماعية؛ وبالتالي تحتاج معالجات عميقة وإجابات مقنعة.
ولعلَّ من نافلة القول أن قضية العلاقة بين الرجل والمرأة تتأثر بمجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والدينية. وأنَّ النظرة الفقهية ما هي إلا إحدى المؤثرات في هذه السيرورة التاريخية؛ لهذا يتطلب أخذ هذه العوامل والاشتراطات مجتمعة في الاعتبار في المعالجات المتعلقة بهذا الملف.
الاجتهاد الفقهي وتأثيرات البيئة الثقافية
ورُبَّ قائل بأنَّ المسائل الفقهية في مثل هذه الأمور تعتمدُ على “النصوص”، وعلى الأدلة المعتبرة، وليس على مجرد الظنون غير المعتبرة، والأذواق الشخصية والمفاهيم الثقافية والمجتمعية. وهنا لا بد من الإشارة إلى وجود جدل أصولي في مذاهب الفقه عند المسلمين حول حجية بعض المصادر الرئيسية -كالإجماع، والعقل، والقياس- أو المصادر الثانوية أو التكميلية -كالاستحسان، والرأي، والمصلحة- أو حول حجية بعض أشكال الظهور وما شابه.
ومع التسليم بأن النصوص الشرعية يُفترض أن تكون عُمدة الفقه في استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بقضايا المرأة والأسرة؛ أسوة بغيرها من أحكام الفقه الشرعي، إلا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار بأن هذا الأمر لا يلغي تفاوت الأفهام والمدارك، واختلاف المناهج، وتنوع المباني المتبعة في إثبات صدور المرويات، والبحث في صحتها وضعفها، وفي تفسيرها وتحديد دلالاتها، لدى الدارسين للفقه، فضلا عن تأثير القبليات الثقافية والقيمية التي لا مناص منها في الطبيعة البشرية، وكذلك تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية. إنَّ المفاهيم الثقافية، والأنساق القيمية التي تسود في البيئة، تلقي بظلالها -بتفاوت- على تفكير العلماء والباحثين في الأمور الاجتماعية؛ فنظرات الباحث الذي يعيش في بيئة تنظر للمرأة على أنها عنصر مهم في المجتمع، وتشجع على تعليمها وتثقيفها، وتتيح لها فرص المشاركة في الحقل الاجتماعي والإداري، قد تختلف عن الدارس في بيئة تسودها ثقافة أن المرأة عورة وفتنة، وتمثل عنصرَ الضعف في المجتمع. ويجدُر هنا أن نستدعي رأي الشيخ المطهري حول قوة تأثير البيئة الثقافية والاجتماعية في الاجتهاد الفقهي؛ حيث يرى أن معرفة الفقيه وإحاطته وطراز نظرته إلى العالم أمور تؤثر تأثيرا كبيرا في فتاواه. فإذا افترضنا أنَّ فقيها دائمَ الانزواء عن بيته، أو مدرسته، ثمَّ نُقارنه بفقيه آخر يعايش حركة الحياة حوله، نجد أن كليهما يرجعان إلى الأدلة الشرعية لاستنباط الحكم، لكن كل منهما يستنبط حكمه على أساس وجهة نظره. إنَّ المنظورات الفكرية لكل فقيه، ومعلوماته عن العالم الخارجي المحيط به، تتأثر بها فتاواه؛ بحيث أن فتوى العربي تفوح منها رائحة العرب، ومن فتوى العجمي تفوح رائحة العجم، ومن فتوى القروي رائحة القرية، ومن فتوى المدني رائحة المدينة. وقد يُقال إنَّ هذا الكلام اشتمل على نوع من التعميم والمبالغة في تصوير المؤثرات البيئية على عملية الاجتهاد، إلا أن ما يعنينا منه هو التأكيد على وجود مثل هذه التأثيرات، وعدم إغفالها حسب هذا المنظور.
ويرى بعض الدارسين أنَّ ثمة قضية لم تأخذ حظَّها الكافي في بحوث الفقه الروائي؛ وهي: الدراسات التاريخية والاجتماعية التي صدرت فيها الروايات؛ وذلك للتعرف على ما إذا كانت بعض الأحكام واردة على نحو الإطلاق الأزماني، أو كانت لاعتبارات ظرفية ثقافية محددة، أو صدرت على نحو تدابير اجتماعية أو تاريخية معينة، أو لعلها كانت من قبيل “قضية في واقعة”، أو “حادثة عين” حسب تعبيرات الفقهاء.
وفوق هذا وذاك، فإنَّ التفسيرات المثقلة بتأثيرات البيئات التاريخية المختلفة والتي أسقطت على “النصوص” الدينية الأصلية بشكل عفوي أو غير عفوي، تحوَّلت مع الزمن إلى ما يشبه “النصوص الموازية”. وربما أخذت موقع النصوص الأصلية في تشكيل الرؤى والتصورات الاجتماعية والثقافية والدينية لدى الناس.
ويرى الشيخ أبو شقة أنَّ كثيرا من النصوص الدينية فقدتْ إشعاعها الذي أراده لها الشارع الحكيم؛ فقد طمست معالمها تأويلات الرجال وأقوالهم، وساعد على ذلك عدة أمور؛ منها: بقية من عادات الجاهلية العربية، أو جاهلية الشعوب التي دخلت الإسلام، وظهور نزعات التشدُّد والغلو، وبسبب اجتهادات خاطئة أو مرجوحة صدرت من بعض علماء السلف، وقد عظم شأنها لثبات توارثها قرونا متطاولة بفضل الجمود والتقليد.
الفرز بين الأدلة والأعراف والنظرات الشخصية
إنَّ من شأن مُرَاجعة التراث الفقهي السالف لمختلف المذاهب الفقهية، الكشف والتمييز بين الآراء المستندة إلى الأدلة الشرعية الخاصة أو العامة، وبين ما كان معتمدا منها على بعض المبادئ غير المتفق عليها بين الفقهاء، من قبيل ما يعبر عنه بعضهم بمبادئ الشريعة وروح الشريعة أو مذاق الشريعة. كما أن بعض الآراء المضيقة على حركة المرأة الاجتماعية قد تكُون مُعتمدة على بعض الاستحسانات، أو على التوسُّع في تطبيق بعض القواعد؛ مثل: سد الذرائع وفتحها، أو بعض التفاصيل المتعلقة بمقدمات الواجب، ومقدمات الحرام… وما شاكل ذلك.
وقد نبه أبو شقة إلى أن التوسع في استخدام قاعدة سد الذريعة، والتشدد فيها، أدى لتعطيل كثير من النصوص، وتحريم جملة من المباحات على المرأة من قبيل، أن ترى الرجال ويراها الرجال، واللقاء بالرجال والاجتماع بهم والكلام معهم، وارتياد المساجد. وناقش اعتراضات المغالين، وانتهى إلى أن الإسلام لم يحظر تلك المباحات، إنما وضع آدابا، واتخذ تدابير تكفل الأمن من الوقوع في الفتنة والفساد.
وثمة اجتهادات فقهية استند أصحابها إلى بعض الأمور المرغوبة في الشريعة والمستوحاة -حسب رأيهم- من مُجمل الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة؛ لقد انتهى السيد الخوئي إلى عدم وجود دليل خاص أو عام على شرط الرجولة في مرجع التقليد. ولكن طبقا لما استفاده من “مذاق الشارع” -حسب تعبيره- رأى أنَّ الوظيفة المرغوبة في النساء إنما هي التحجُّب والتستر، وتصدي الأمور البيتية دون التدخل فيما ينافي تلك الأمور؛ لهذا اشترط الرجولة في المرجع.
وصرح الدكتور السباعي في بحثه الفقهي بأهلية المرأة للدخول في المجالس النيابية طبقا للأدلة الشرعية، لكنه قرر تحريمه عليها من جهة أخرى؛ بناءً على أن “مبادئ الإسلام وقواعده” تحول بين المرأة وبين استعمالها لحق النيابة عن الأمة؛ وذلك بتقديم رعاية الأسرة والحجاب وعدم الاختلاط والخلوة والسفر دون محرم.
من جهة أخرى، فإن إعادة النظر والتدقيق والتمحيص في البحوث الفقهية المتراكمة، تهدف للتمييز بين النتائج المتأسسة على بعض القراءات المتأثرة بالأعراف الاجتماعية والمفاهيم الثقافية السائدة أو المستندة لتشخيصات لأوضاع لم تعد قائمة، وبين ما كان مبنيا منها على الأدلة الشرعية الخالدة المحكمة الرصينة. وهكذا تغدو عملية المراجعة وإعادة القراءة للمجهود الفقهي من قبل المختصين في كل عصر مهمة ومطلوبة. يَرَى شمس الدين أنَّ كثيرا من الفقهاء قد جرى في فقه المرأة على العمل بما رُوي من نصوص دون احتراز عن الأحاديث الضعيفة، ومن دون محاكمة لمتون الأحاديث المعتبرة، وقد اعتبروا العُرف مرجعًا في فهم كثير من النصوص، وهو عرف لم يثبت أنه بجميع تفاصيله كان سائدا في عهد النبي (ص)،والأئمة المعصومين (ع)، ليصْلُح مرجعا في فهم النصوص. بل من المعلوم إجمالا -في بعض الحالات- وتفصيلا -في بعضها الآخر- أنَّ بعض عناصر هذا العرف في تكوين العادات والأعراف الدخيلة المستحدثة التي لم يصنعها الشرع، وإنما أنتجها الإرث الثقافي الذي تأثرت به المجتمعات الإسلامية نتيجة تفاعلها مع أهل الأديان والثقافات الأخرى”.
ويبدي الشيخ الغزالي أسفه لأننا قدمنا للإسلام صورا تثير الاشمئزاز، وذكر أن أحد الدعاة المشاهير قال في خطبة له: إن المرأة تخرج من بيتها للزوج أو للقبر! ثم ذكر حديثا: إن امرأة استأذنت زوجها لتعود أباها في مرض الموت، فأبى عليها، فلما مات استأذنته أن تشهد الوفاة مع الأهل فأبى، فلما ذكرت ذلك لرسول الله قال لها: إن الله غفر لأبيك لأنك أطعت زوجك! وتساءل الغزالي: أكذلك يُعرض ديننا؟ سجنا للمرأة تقطع فيه ما أمر الله به أن يوصل؟
إنَّ الشارع حريصٌ على حِفظ الأمر المباح من الاعتداء عليه، وتغيير حكمه من الإباحة إلى الحرمة أو الكراهة؛ وذلك لما في المحافظة على المباح حفاظ على الحرية التي منحها الله للإنسان من ناحية، وتنزيها للشريعة من العنت، وترغيبا للناس فيها من ناحية ثانية.
مفارقات في تطبيقات الولاية
إنَّ الباحث في فقه المسلمين يُلاحِظ وجودَ مسائل تطلق يد الرجل في العلاقات الزوجية. وثمَّة مفارقات في فقه الأسرة والمرأة تحتاج إلى إعمالَ النظر والمراجعة فيها من قبل المعنيين بتطوير الفقه.
فمن حق الزوج أن يمسك زوجته بمنزل الزوجية ويمنعها من الخروج منه، بل يستحب حبسها فيه كي لا تخرج منه إلا لضرورة. ويحق له أن يمنعها من زيارة وعيادة أبويها وأرحامها فضلا عن زميلاتها. وفي الوقت الذي يحرم الفقه على المرأة الخروج من البيت دون إذن الزوج، ويؤكد على أن أولوياتها تتمثل في رعاية شؤون الأسرة والزوج والأولاد، وإن كانت الخدمة المنزلية غير واجبة عليها في نظر كثير من الفقهاء، فإننا في المقابل لا نكاد نجد في الفقه أي إلزام صريح للزوج في أن يتواجد في البيت لرعاية شؤون الزوجة والأولاد وسد الحاجات النفسية والعاطفية والاجتماعية لهم، والقيام بدوره التربوي الأبوي تجاههم. بل يبدو كأن الوضع متروك لتقدير الزوج نفسه؛ مما أدى لتكريس ثقافة سلبية في بعض المجتمعات؛ مفادها: أنَّ مسؤوليات الزوج تقتصر على العمل في الخارج والإنفاق على الأسرة، ويحق له -بعد ذلك- أن يقضي أوقاته في السهرات والسفرات، مُلقيا جل العبء الأسري والتربوي على الزوجة!
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل هذه الآراء الفقهية معنية بإقامة أسرة على قاعدة المودة والرحمة والمساكنة والمعاشرة بالمعروف؟ كما أن بعض التطبيقات المتعلقة بولاية التزويج والكفاءة في النسب -حسب بعض الآراء الفقهية- تحتاج إلى البحث والمراجعة من المختصين بالفقه، وصولا لمعالجات تحول دون سلب إرادة المرأة واختيارها، وفرض أوضاع معينة عليها؛ مراعاة لبعض الاعتبارات الاجتماعية.
إنَّ المقصد العام من الولاية هو جَبْر قصور المولى عليه، سواء لعدم الأهلية أو نقصانها، أو لاعتبار ترشيد القرار وحسن الاختيار. ومن حجج القائلين به في هذا المقام -حسب الشيخ أبي زهرة- إنَّ النساء لا يعرفن أسرار الرجال، والأغلبية منهن تغلب عليهن العاطفة الوقتية سريعة الزوال، فإن مصلحتها ومصلحة الأسرة تقتضي أن يشترك معها وليُّها في الاختيار. وهذا التعليل لا يصدق في بعض الأحوال؛ فالثيبات خبرن الحياة الزوجية، ومع ذلك هناك من اشترط وجود الولي في تزويج المرأة المطلقة، بل يُمكن أن يكون الولد وليًّا في تزويج أمه، وإن كان صغيرا مميزا محتمل البلوغ.
ويذهب كثير من الفقهاء إلى عدم استقلال البكر -بصرف النظر عن عمرها وتحصيلها العلمي والمعرفي وخبرتها الحياتية- في اتخاذ قرار اختيار الزوج الكفء لها؛ فيشترط موافقة وليها في الأمر -حسب بعض الأراء- والولاية هي للأب أو الجد من الأب أو أحد الأخوة أو العصبات، على تفاوت في الترتيب.
وفي المقابل، يقررون أهليتها لأن تكلف وهي في سن مبكرة، بجميع التكاليف الشرعية، بل تكون مؤهلة لأن تجرى عليها أحكام القصاص والحدود، إن صدر منها ما يستدعي ذلك.
كما يشجع الفقه على تزويج البكر في سن مبكرة؛ بحيث يفترض أن تكون -حسب هذا المنظور- قادرة ومؤهلة على تحمل أعباء الحياة الزوجية ومسؤوليات الحمل والإنجاب، وتبعات الرضاعة والحضانة، وتربية الأولاد ورعايتهم! ويرى الفقهاء أنَّ من حق الأب والجد -بمقتضى ولاية كل منهما مستقلا- أن يزوج البنت الصغيرة إن رأى في ذلك مصلحة لها، وحسب بعض الآراء، يحقُّ ذلك أيضا للأخ أو لأحد العصبات في حال وفاة الأب والجد.ويقرر بعضهم أن لا خيار لها في الفسخ بعد البلوغ والرشد، ويتردد بعضهم في ذلك.
إنَّ المرأة لها شخصيتها الإنسانية وكيانها الحقوقي، ولها إرادتها واختيارها، وهي مناط التكليف والمحاسبة والمساءلة والجزاء في الدنيا والآخرة، غير أنها -بموجب هذا الموقف الفقهي- لا تستطيع ممارسة حقها، في هذه القضية المهمة في حياتها!
وعلى صعيد آخر، كيف يحدد الفقه -حسب بعض الآراء- سِنًّا محددة للنضج الجنسي بصرف النظر عن الزمان والمكان، مع أن هذه القضية تتأثر بعوامل المناخ والوراثة والتغذية والبيئة الاجتماعية، وبموجبها تتفاوت الاستعدادات النفسية والجسمية والعاطفية حوله لدى الفتيات؟
صحيح أنَّ بعض هذه المسائل ليست موضع اتفاق بين الفقهاء؛ فهناك من يخالفها ويضع لبعضها حدودا وضوابط، غير أن الفقه السائد يتبناها كما يتبنى مسائل أخرى من طبيعتها.
وقد يُقال إنَّ بعض هذه الأحكام ليست إلزامية، بل تتراوح بين الجواز والندب؛ مما يمنح الناس المرونة والحق في عدم التقيد بها. وهذا صحيح بالفعل، إضافة إلى أن واقع الحياة المعاصرة قد تجاوز بعضها، ولكن لا يبعد أن بعضها لا يزال يُطبق في بعض المجتمعات. على أن الحديث هنا منصب حول طرح مثل هذه الفتاوى بوصفها صالحة لمدى الأحوال والأزمان.
إنَّ من الأهمية توعية المجتمع وتصحيح النظرة إلى الكيان الإنساني للمرأة، وشخصيتها الحقوقية في الأسرة والمجتمع، وفي الوقت نفسه يلزم وضع معالجات فقهية وضمانات قانونية تحول دون تعسف الأزواج في استعمال بعض المسائل الفقهية -من قبيل مسألة خروج المرأة من البيت- كذريعة لحبس زوجاتهم، وتحويل البيت الزوجي إلى ما يشبه السجن، بدلا من أن يكن محلَّ السكن لهما معا.
إنَّ حبس المرأة في دارها، وغلق الأبواب عليها، والحيلولة دون خروجها من الدار بأي وجه، يتعارض -حسب المطهري- مع الحرية الفطرية والكرامة الإنسانية والحقوق الإلهية التي تتمتع بها المرأة، وهي مقولة الحجاب الجاهلي، وليس لها في نظام الإسلام وجود. إنَّ الزواج -كما يقرر فضل الله- لا يمثل عقدا يجعل الزوجة أَمَة (عبدة) للرجل؛ بحيث يكون الزواج عنصرَ اختناق لحياتها، ومصادرة لعاداتها ومزاجها في الحياة؛ فالمرأة إنسانة لها أن تعيش إنسانيتها في داخل الحياة الزوجية، كما أن الرجل إنسان له أن يعيش إنسانيته في داخل الحياة الزوجية. وقد جعل الله سبحانه وتعالى الحياة بين الرجل والمرأة قائمة على أساس المودة والرحمة؛ ليعمِّق الشعورَ بالوحدة التي تربط بين الزوجين.
استخلاص ورأي
نظرًا لكون ملف فقه المرأة الحقوقي واسعًا، ومتشعبَ الجوانب، ومتنوعَ الأبعاد، فإنَّنا نهيب بالمختصين بالفقه الشرعي والفكر الديني، وكذلك بالمختصين في بعض الحقول ذات العلاقة -كالاجتماع والتربية والنفس- أن يتداولوا مثل هذه القضايا الاجتماعية بشكل جماعي في منتديات وحلقات بحثية مشتركة؛ بحيث يُدلي كلُّ فريق منهم بدلوه من منظور حقله الاختصاصي؛ مما يسهم في تنضيج الرؤى، وإغناء الأفكار حولها، وصولا لتكوين المواقف الفقهية المدروسة من مختلف الجوانب.
ومن الأهمية بمكان أن تُعقد منتديات فقهية مختصة ببحث هذه القضايا، بدل الانفراد في دراستها وبحثها وتشكيل المواقف الفقهية الفردية حيالها. ولئن كان ما يعرف بـ”الاجتهاد الجماعي” مَوْضِع جدل وتأمُّل لدى بعض، من جهة عدم وضوح الموقف في كيفية إنجازه مع تعدد المناهج وتنوع المباني، وكذلك من جهة حجية نتائجه، فإنَّ بحث القضايا الاجتماعية بشكل جماعي بين الفقهاء لتكوين رؤية موضوعية قبلية حولها، لا تعترضه كل تلكم الإشكاليات.
إنَّ التحولات الاجتماعية بطبيعتها تتسم بالبطء، لا سيما في المجتمعات المحافظة، ومن المُستحسن أن يتم التغيير فيها بخُطى مدروسة وموزونة، ويكون التغيير مُتواكبا مع عوامل التطور التعليمي والاجتماعي والثقافي؛ فتواصل المراجعات الاجتهادية في فقه المرأة يفضي إلى تجديده وتطويره.
—————————————————-
أهم المراجع :
- أبو القاسم الخوئي، “مستند العروة الوثقى”، منشورات دار العلم، إيران.
- أحمد بن حمد الخليلي، “الفتاوى”، النكاح والزواج، موقع مكتب الإفتاء، الشبكة العنكبوتية.
- حيدر حب الله، “دراسات في الفقه الاسلامي المعاصر”، الطبعة الأولى، سنة 2011م.
- سيد سابق، “فقه السنة”، دار الكتاب العربي، بيروت، سنة 1987م.
- عبد الحليم أبو شقة، “تحرير المرأة في عصر الرسالة”، دار القلم، الكويت سنة 1999م.
- محمد أبو زهرة، “الولاية على النفس”، دار الرائد العربي، بيروت سنة 1070م.
- محمد باقر الصدر، “المدرسة القرآنية”، مؤسسة الهدى الدولية، سنة 1421 هجرية.
- محمد جواد مغنية، “فلسفات إسلامية”، دار ومكتبة الهلال، بيروت، سنة 1993م.
- محمد حسين فضل الله، “تأملات إسلامية حول المرأة”، دار الكتاب الاسلامي، قم، سنة 1413هجرية.
- محمد الغزالي، “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث”، دار الشروق، القاهرة، سنة 1989م.
- محمد كاظم اليزدي، “العروة الوثقى”، مؤسسة النشر الاسلامي، قم، سنة 1420 هجرية.
- محمد مهدي شمس الدين، “مسائل حرجة في فقه المرأة”، الستر والنظر، المؤسسة الدولية، بيروت، سنة 2001م.
- مرتضى المطهري، “مسألة الحجاب”، الدار الاسلامية، بيروت، سنة 1987م.
- مصطفى السباعي، “المرأة بين الفقه والقانون”، دار الوراق، السعودية، سنة 1999م.
- مهدي مهريزي، “مسألة المرأة”، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي، بيروت، سنة 2008م.
6,000 total views, 2 views today
Hits: 725