د. زهور حسن حبيب اللواتية

جعل الله عز وجل في الطبيعة أربع قوى معروفة لحد الأن هي؛ القوى النووية القوية والقوى النووية الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية. القوة الكهرومغناطيسية هي المسؤولة عن خصائص الذرة والقوى النووية القوية هي التي تربط البروتونات والنيوترونات مع بعضها البعض داخل نواة الذرة و القوى النووية الضعيفة هي المسؤولة عن الإشعاع الذري.أما القوة الرابعة وهي الجاذبية فهي المسؤولة عن تجاذب الأجسام المادية. هذه القوى هي من يقف خلف هذا التنسيق والحركة والنظام في هذا الكون البديع.

فبقاء الأجسام على سطح الأرض وعدم سقوطها في الفضاء الخارجي و سير الكواكب في مدارات ثابته حول الشمس يحدث بسبب قوة الجاذبية. إلا أن قوة الجاذبية هي القوة الأضعف من بين القوى الأربعة. إذا يمكن بسهولة ركل كرة القدم على ساحة الملعب! سعى الإنسان لفهم وفك الغاز هذا الكون ولكن ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.

ظل العلماء مشغولي البال لفترة من الزمن بفكرة توحيد قوانين قوى الطبيعة في قانون واحد يفسر كل الظواهرالطبيعية المرتبطة بعالمنا. فعندما وضع نيوتن قانون الجاذبية والذي يصف حركة الأجرام السماوية في الفضاء ويفسر سبب سقوط التفاحة للأرض فإنه وحد ما بين الأرض والسماء. ولكن نيوتن لم يوضح كيف تعمل الجاذبية عن بعد بين الأجرام. وقد أجاب أينشتاين عن هذا التساؤل عندما شبه الفضاء بغشاء وافترض وجود الشمس على هذا الغشاء بحيث ينحني حول الشمس بسب كتلتها مما يجعل الكواكب محصورة على طرف هذا الانحناء في مدارات وتدور بها حول الشمس. النظرية النسبية العامة لأينشتاين وضعت تصورًا جميلاً للعالم ولكنها فعالة في تفسير الظواهر الطبيعية فقط عند تجاهل قوانين ميكانيكا الكم. في حين تصف نظرية الكم بشكل جيد سلوك وخصائص المكونات الأساسية للمادة إلا أنها صالحة فقط عندما تكون قوة الجاذبية ضعيفة جدًّا لدرجة إهمالها.

كما تفيد نظرية المجال الكمي (Quantum Field Theory) في الكهرومغناطيسية بوجود القوة المتبادلة بين ذرتين على شكل جسيمات تنتقل بينهما بشكل متبادل، هذه الجسيمات هي الفوتونات. إلا أنه يتعذر النظر للجاذبية على أنها قوة محمولة بواسطة أجسام أخرى (جرافتون) بين الأجسام المتجاذبة وتكون خاضعة لقوانين الكم وذلك لكون المقاديير الرياضية في هذه الحالة للجرافتون عبارة عن قيم لا نهائية لا قيمة لها رياضيًّا وفيزيائيًّا. وهنا تظهر الحاجة إلى توحيد النظريات وضمها في قالب وإطار واحد.

وقد توصَّل علماء الفيزياء خلال القرن العشرين إلى نموذج جيد يصور القوى الثلاث الأولى سمي بالنموذج المعياري (ٍٍStandard model). لم يكن النموذج المعياري في الواقع نظرية موحدة على الرغم من أنها وضعت القوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة في إطار واحد، حيث يمكن النظر لها على أنها تتكون من ثلاث نظريات فرعية متشابهة مناظرة للقوى الثلاث وقد سميت جميعها بنظرية جاوج (Gauge theories). تصف نظرية جاوج جسيمات المادة مثل الإلكترونات والكواركات كما تصف جسيمات أخرى تنقل الطاقة مثل الفوتونات. ولكن يوجد فارق بين القوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية هو أن الفوتون لا يتفاعل ذاتيًّا بينما جسيمات القوة للقوى النووية تتفاعل ذاتيًّا. هذه الحقيقة تجعل تفاصيل النظريات مختلفة نوعًا ما.

جسيمات المادة في النموذج المعياري مثل الإلكترونات والكواركات هي فرمونات في حين أن الجسيمات التي تنقل وتوصل القوة مثل الفوتونات هي بوزونات. قد تتوفر أعداد كبيرة من البوزونات المتطابقة في الحالة الكمية الواحدة بينما يكون هناك فقط فرمون واحد في الحالة الواحدة.فكلما زاد عددا لإلكترونات في الذرة كلما زاد عدد الحالات الكمية التي تحتل بواسطة الإلكترونات.

وجاءت نظرية الأوتار الفائقة لتقدم الحل لوحدة هذا الكون. إذ أنه من نقاط القوة في نظرية الأوتار الفائقة أنها نظرية ميكانيكا الكم متظمنة قوة الجاذبية بطريقة ملائمة. يتكون العالم المادي حولنا من ذرات تتكون بدورها من نواة وإلكترونات. والنواة تضم البروتونات والنيوترونات والتي بدورها تتكون من الكواركات. تصور العلماء لفترة من الزمن أن الكواركات هي اللبنات الأساسية للمادة. ولكن بالمزيد من الدراسة والتفكير العميق واستخدام الرياضيات المعقدة تم التوصل لنظرية الأوتار الفائقة. وتفترض هذه النظرية أن هذه الكواركات تتكون من خيوط دقيقة من الطاقة أحادية البعد يساوي طولها طول بلانك (1.616252 X 10-35m) وهو طول صغير جدًّا أصغر بمقدار 1025 من أبعاد الذرة. هذه الأوتار لا سمك لها وقد تكون على شكل حلقات مغلقة أو مفتوحة وتكون مهتزة بترددات مختلفة (في حالة إثارة) بحيث أن تردد الوتر يمثل ذرة و يحدد نوع الجسيم المكون له. فمثلاً تقترح نظرية الأوتار الفائقة وجود جسيم افتراضي (يتكون من وتر فائق مغلق) لا كتلة له ولديه قيمتين للحركة المغزلية وقادر على حمل قوة الجاذبية يدعى ب “جرافتون، Graviton”.

تقترح نظرية الأوتار الفائقة مفهوم أخر يمثل نوع جديد من التماثل هو «التماثل الفائق». والفكرة الأساسية به أنه يربط البوزونات بالفرمونات. إذا تصورنا أن القوة تنتقل عبر جسيمات هي البوزونات وأن المادة تتولد من جسيمات أخرى هي الفرمونات، فإن التوافق والتماثل بين البوزون والفيرمون قد يتحقق من خلال نظرية الأوتار الفائقة. يقصد بالتناظر الفائق هنا وجود رابطة بين كتلة الذرة وحاملات القوى، أي مقابل كل بوزون يوجد فرميون. وبالتالي يمكن توحيد القوى الأساسية في الكون من خلال نظرية الأوتار الفائقة.

في عام 1919م اقترح عالم ألماني غير معروف اسمه كلوتزة فكرة غريبة وهي أن عالمنا يحتوي على أبعاد أخرى غير الأبعاد الأربعة (الثلاثة المعروفة للمكان والبعد الرابع الزمن). ورغم عدم ثبات صحة هذه الفكرة عمليًّا إلا أنها لاقت قبولاً من علماء الفيزياء. في عام 1926م تم تصنيف الأبعاد المكانية إلى مجموعتين. مجموعة كبيرة واضحة وهي التي نعرفها بالأبعاد الثلاثة وأخرى صغيرة غير ملحوظة ومنحنية ضمن الأبعاد الكبيرة. فمثلاً العمود الكهربائي الحامل للإنارة في الطريق يشكل الأبعاد الثلاثة متمثلا في ارتفاع الحامل وعموديا علية في اتجاه أفقي العصا الحاملة للمصباح وعند الاقتراب نستطيع ملاحظة سمك هذه العصا والذي يشكل البعد الثالث. وإذا اقتربنا أكثر من ذلك فيمكننا مشاهدة المسار المنحني الدائري حول العصا وعندها يكون هذا هو البعد المكاني الرابع. ويضاف الى هذه الأبعاد بعد الزمان.

تصف نظرية الأوتار الفائقة الأجسام في مدى واسع من الأبعاد. تبدأ من كون الأجسام عبارة عن نقاط لها موقع وليس لها أبعاد وتنتهي إلى أن تكون للأجسام تسعة أبعاد تسمى (بي- برانس،p-branes). لذا فإن مجموع عدد الأبعاد في نظرية الأوتار الفائقة يساوي عشرة أبعاد. هذه العشرة أبعاد هي الأبعاد الثلاثة الكبيرة المعروفة وستة أبعاد صغيرة جدًّا تساوي طول بلانك وتكون على شكل منحنيات ودوائر وبعدًا زمنيًّا. ولفهم الصورة أكثر، ففي تصور البرانس يعد الغشاء ثنائي البران والوتر أحادي البران والنقطة صفرية البران. فعلى سبيل المثال، في حالة الشحنة الكهربائية، إذا كانت كثافة الطاقة الكهربائية في المجال الكهربائي حول الشحنة ممتدا على مسار خطي في الفضاء الزمني فإن هذا البعد يمكن تصوره على أنه بي بران بحيث أن بي تساوي 1.هذه الأبعاد المكانية التسعة ضرورية لكي توفر فضاءً وأبعادًا يستطيع الوتر الفائق الأهتزار عليها.

وجد العلماء أن نظرية الأوتار الفائقة ليست بنظرية واحدة وإنما خمس نظريات مما زاد من حيرتهم وجعل حلم التوحيد بين القوى صعب المنال ولكن وجدوا بعد ذلك أن الخمس نظريات ما هي إلا خمس أوجه أو انعكاسات لنظرية واحدة لأنها مترابطة ببعضها البعض من خلال ثنائيات تعطي تفسيرين مختلفين للحالة الواحدة. ومن هذه الثنائيات ثنائية- تي وثنائية- أس و ثنائية- يو. تحتاج النظريات الخمس في نظرية الأوتار الفائقة إلى عشرة أبعاد. نظريتان هما IIA وIIB وبهما تكون الأوتار مغلقة ولهما توافق فائق بين القوة والمادة، في حالة IIA يوجد فرمون عديم الكتلة يتحرك حركة مغزلية بطريقتين و في حالةIIB  يوجد فرمون عديم الكتلة يتحرك حركة مغزلية بطريقة واحدة. ونظريتان من الهتروتريك (أي يوجد اختلاف في حركة الوتر من اليمين واليسار)هي هت A و هت B وبهما تكون الأوتار مغلقة ولهما توافق فائق بين القوة والمادة. ونظرية خامسة هيI  وبها تكون الأوتار مغلقة و أخرى مفتوحة ولها توافق فائق بين القوة والمادة.

وقد تطورت نظرية الأوتار (نظرية أم) لتظيف للوتر الفائق قدرة على التمدد في بعد هو البعد الحادي عشر ليصبح غشاءً متعدد الأبعاد. وعلية يصبح عالمنا مكون من أوتار دائرية مغلقة وأخرى مفتوحة وأغشية ثلاثية البعد أو متعددة الأبعاد وجميعها في حالة اهتزاز. وقد يتمدد الوتر الفائق إلى أن يصبح غشاء كونيًّا إذا توفرت له الطاقة اللازمة لذلك. لو عليه فإن العلماء يتصورون أننا تعيش في عالم عبارة عن غشاء ونحن محصورون فيه وقد تكون هناك أغشية موازية بها عوالم مشابهة أو مختلفة عن عالمنا تحكمها قوانينها الخاصة بها. ويرتبط طرفي الوتر المفتوح بالغشاء الكوني ولا يفلت منه في حين يستطيع الوتر الفائق المغلق كالجرفتون (الجسيم الحامل لقوة الجاذبية) من الإفلات والهروب من الغشاء الكوني إلى خارج عالمنا ولذا نشعر بضعف قوة الجاذبية.

وهنالك حالة خاصة في نظرية الأوتار الفائقة وهي الدي – برانس (D-branes). والدي بران عبارة عن سطح أو غشاء متعدد الأبعاد يتصل بطرفي الوترالفائق. وعندما يتذبذب البران ( الغشاء) فإنه يولد حقول تكون محصورة فيه نتيجة إثارة الأوتار الفائقة. هذه الحالة للوتر المفتوح المرتبط بالبران تمثل جسيم يشبه الفوتون. وقد تصطف مجموعة من البرانس تترابط ببعضها البعض بشكل متوازي بواسطة الأوتار المفتوحة بحيث يصل بين بران وأخر وتريين متوازيين من الأوتار المفتوحة.

نظرية الأوتار الفائقة (والمطورة منهانظرية أم)، معتمدة في تصوراتها على القوانين الرياضية النظرية المعقدة ولم يتم تجريبها عمليًّا للآن. لذا فإن البعض يعتبرها فلسفة وقد تكون صحيحة أو قد يثبت خطأها. إلا أن العلماء يسعون بشكل جاد في إثباتها تجريبيًّا في معملي فيرمي وسيرن لمصادمات الأجسام. ففي تجربة لحسابات الطاقة في الأبعاد الثلاثة الكبيرة قبل وبعد تصادم البروتونات يمكن اكتشاف فقدان واختفاء جزء من الطاقة بسبب سير الجرافتون (الناتج من التصادم) بعد التصادم في أحد المسارات المكانية الستة المنحنية والغير مرئية. ويسعى العلماء لإثبات ذلك ليكون الدليل على صحة نظرية الأوتار الفائقة.

المراجع

  • Howe, String Theory, Textile: The Journal of Cloth and Culture, Volume 5, Number 2, August 2007, pp. 178-188(11), Bloomsbury Journals (formerly Berg Journals)
  • jalalalhajabed.com/superstring.pdf
  • ted.com/talks/brian_greene_on_string_theory?language=ar#t-2291
  • syr-res.com/pdf.php?id=236
  • http://www.superstringtheory.com
  • http://3lum.wordpress.com

 9,565 total views,  5 views today

Hits: 650