قانون الجذب السلبي
صفية بنت ناصر الشرجية – كاتبة وباحثة
هُناك قصة لطالما تكرَّر سردُها على مسامعنا، تدور أحداثُها حول ذلك الرجل الذي استظلَّ بإحدى الأشجار وشد انتباهه إحدى ثمارها وهي تسقط على الأرض؛ ذلك الحدث الذي غيَّر من حياة البشرية أجمع، والذي أحدث نقلة عظيمة في علم الفيزياء. لم يكُن ذلك الرجل سوى إسحاق نيوتن عالم الفيزياء، ولم تكن تلك الشجرة سوى شجرة التفاح، وبالطبع كانت تلك الثمرة الواقعة على الأرض هي ثمرة التفاح الشهيرة.
اتَّفَق العالمُ أجمع على قانون الجاذبية الأرضية، والتي نشعرُ بها حيثما حلَلنا؛ فلولها لما كُنا نسير على هذه الأرض بقدمينا، بل كُنا كرواد الفضاء نسبح في الفضاء الرحب، بلا أن تلامس أقدامنا الأرض، ولكن ماذا إذا تحدثنا عن قانون جذب آخر غير الذي تعلَّمناه في المدارس والجامعات؟ ماذا لو طرحنا قانون جذب من نوع آخر له تأثير عظيم في مستقبلنا وشؤون حياتنا؟ ألا يستحقُّ هذا القانون أن نُوليه الكثير من الاهتمام كما أولى إسحاق نيوتن اهتمامه بتلك التفاحة عندما رآها تسقط على الأرض جراء قوة الجذب؟
لطَالَما تكرَّرت تلك الكلمات على مسامعنا، ولكن لماذا لم نقف يوماً لنتفكَّر في الجوانب المختلفة من معانيها؟ ألم نسمع يوماً أحدًا يُخبرنا بوقوع حادثة مأساوية له ثم ينهي حديثه بقول: “تخيلت ذلك ووقع بالفعل!”، أو أنَّ أحدهم يبدأ بسرد واقعة مؤلمة حدثتْ له ليفتتح حديثه قائلاً: “حدث كما توقعت”. تلك الأحاديث لا تندرج فقط تحت مُسمَّى التنبؤ أو الحدس دائماً؛ فهناك تصنيف آخر من الممكن أن تندرج تحته؛ ألا وهو: قانون الجذب السلبي، وهو نوع من أنواع الطاقة.
إذن، ما هو قانون الجذب الذي نتحدث عنه هنا؟ إنَّ قانون الجذب السلبي هو جزءٌ لا يتجزأ من قانون الجذب الفكري، الذي ينصُّ على أن مجريات حياتنا اليومية، وما نحن عليه الآن، هو نتاجُ أفكارنا في الماضي؛ وبالتالي فإنَّ أفكارنا في الحاضر هي التي ستصنع مُستقبلنا، ويتجلى من هذا الكلام أنَّ لأفكارنا التي تختزلها عقولنا طاقة جذب كبيرة من الممكن أن تكون إيجابية فتجذب لنا الأمور الإيجابية بكل مرونة، ومن الممكن أن تكون سلبية لتجذب لنا المتاعب بأنواعها، دون أن نعي طبيعة ما يحدث من حولنا وأسبابه.
هذه الحقيقة في الواقع لا تَتَعارض مع أقوال رسولنا الكريم -عليه أفضل الصلاة والتكريم- والذي لا ينطق عن الهوى؛ حيث حدَّثنا خاتم الأنبياء والمرسلين في الحديث القدسي: “إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ”؛ لذا علينا أن ننتقي أفكارنا جيداً ونتجنب دائماً التشاؤم والتفكير السلبي، وأن نُحسن الظن بالله في كل نواحي حياتنا، ونتفاءل بالخير حيثما حللنا؛ لأنَّ تفكيرنا السلبي ما هو إلا سوء ظن بالله، والله عند ظن العبد، فليظن خيراً حتى يسعد في حياته.
البعضُ للأسف الشديد يخلطُ بين التفكير السلبي والواقعية؛ لذا عندما تُخبره بأنَّ تفكيره سلبي سيُجيبك بكل بساطه بأنه شخص واقعي، وهذا أمر خاطئ وللأسف شائع. الواقعية هي أنْ تخرج باستنتاج نتيجة لمعطيات حقيقية على أرض الواقع، ومع ذلك تبقى في قرارة نفسك تتمنى الخير، بينما التفكير السلبي هو استباق الأحداث والإتيان بمعطيات غير حقيقية لتحقيق الفكرة السلبية المختزلة في عقولنا أساساً دون أن نشعر.
على كلِّ فرد منا يمرُّ بمرحلة صعبة في حياته، أو محنة، أو تحدٍّ؛ أيًّا كان نوعه، أن يختلي لبعض الوقت مع نفسه، وأن يُمسك بالورقة والقلم، ويعيد جدولة أفكاره وتوقعاته المختزلة في عقله. عليه مراجعة أفكاره في الماضي والحاضر، ويعيد تقيمها، فإنْ كانت سلبية فعليه استبدالها بأفكار إيجابية وفهم الظروف التي تسببت في تكوُّنها لتحسين تلك الظروف؛ وبالتالي تجنُّب أفكار مشابهة لها في المستقبل. كما أنَّ هناك جانبًا مهمًّا على المرء فهمه واستيعابه جيداً؛ ألا وهو: أنَّ المحيط المحبِط له دُور عظيم في تكوين تلك الأفكار السلبية في عقولنا؛ لذا علينا أن نُحيط أنفسنا بالمتفائلين وليس المتشائمين، ومن المهم أن نُعِيد تقييم أي فكرة نسمعها قبل أن نسمح لها بعبور عقولنا.
علينا أن نتذكَّر دائماً أننا صَنِيعة ما يشغل عقولنا، ونحن لنا دور عظيم في تحقيق طموحاتنا أو تثبيطها، أنا لا أُنكر أنَّ تحديات الحياة ليست بالسهلة، ولكن علينا أن نبقِي فكرة واحدة في عقولنا وهي أنَّ هذه التحديات ليست سوى جدران يصعُب تسلقها، وفي ذات الآن يصعُب رؤية ما تحجبه عنا؛ لذا علينا أن نُؤمن بقدراتنا التي وهبنا الله إياها، وأن نُحسن الظن ونتفاءل دائماً بأنه في حال لم ننجح في تسلق إحداها فذلك لا يعني نهاية العالم، وإنما قد يكون من الأفضل أن نوجِّه طاقتنا لتسلق جدار آخر قد يكون يحجب عنا الخير على عكس ما نحاول تسلقه، والذي قد يكون يحجب عنا الشر، وهو خير لنا، كما أنَّ علينا أن نعي ونتذكر أن بعض تلك الجدران ليس محموداً تسلقها والوصول إلى ما تحجبه عنا، حتى لو كنا نطمح إليه بكل جوارحنا؛ لأنَّ الله عز وجل قال في محكم كتابه: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم.
6,522 total views, 2 views today
Hits: 1724