تجارب في السينما الوثائقيَّة
سما عيسى
1
هي فوضى
اخراج: يوسف شاهين وخالد يوسف
انتاج عام ٢٠٠٧
——————————–
يأخذك فيلم: هي فوضى ليوسف شاهين وتلميذه خالد يوسف، الى التنبؤ بما سيحدث في مصر لاحقا، حيث ان الفيلم أنتج عام ٢٠٠٧، -بعد ذلك في ثورة يناير ٢٠١١، التي أطاحت بنظام الرئيس محمد حسني مبارك الذي يتبين من خلال الفيلم قمعيته وشراسته وفساده في آن.
يذهب بك الفيلم الى أحياء مصر الشعبية الفقيرة حيث يعيش في عمارة متهالكة بشقتين متجاورتين معلمة جميلة مع والدتها الأرملة، في الشقة المقابلة لهما شرطي امتهن طوال عمره تعذيب ومطاردة المعارضين السياسيين وتعذيبهم حتى الموت بمختلف الأجهزة الكهربائية عبر حفلة يعدها لكل معتقل سياسي تدعى في مصر: حفل استقبال. يتبين مع مرور احداث الفيلم؛ ان هذا الشرطي الذي يبدو صارما شجاعا إنما هو في الحقيقة رجل منهار من الداخل يحمل طفولة بائسة مشردة فضلا عن فشله المستمر في إقامة اي علاقة سوية مع امرأة، لذلك كان يعد العدة حقدا وغيرة على الحصول على المدرسة البريئة شرعا او اغتصابا يلجأ الى رجال الدين والمتصوفة والمشعوذين في محاولة للحصول على طريقة تجعل المعلمة تبادله المشاعر دون جدوى.
تعيش المعلمة اجواء رومانسية حالمة مع مديرة المدرسة ذات التاريخ التربوي والنضالي التي لها ابن يعمل وكيل نيابة يدخل في علاقة غرامية فاشلة مع امرأة لعوب، ثم عندما يكتشف خطآه يعود الى أمه وعبرها يعيش علاقة حب مع المعلمة، الامر الذي يجعل الشرطي يستثير غضبا فيفكر في اختطافها واغتصابها وعندما يتحقق له ذلك اثر مؤامرة مدبرة، يطارده وكيل النيابة ووالدته وسكّان الحي، حتى يتم حصاره، وقبل الامساك به يطلق النار على وكيل النيابة فيصيبه في صدره جريحا، ويطلق النار على نفسه ويسقط ميتا.
قد يبدو من خلال سرد احداث الفيلم، عدم معقوليته وبساطته بل وسذاجته، الا ان يوسف شاهين بحكم خبرته الطويلة في الإخراج السينمائي، ينقذ السيناريو بتوظيفه الخلاق متجها من خلال احداثه البسيطة؛ الى كشف فساد النظام ورموزه وخوائه، وكأنه يتنبأ بسقوطه بعد ذلك بعدة أعوام قريبة في عام ٢٠١١.
التحفظ الذي قد يطرح حول الفيلم، هو براءة مؤسسة القضاء؛ من الجانب القمعي؛ الذي تتكفل به المؤسسة الأمنية، اذ يخوض وكيل النيابة صراعا مريرا ضد الأمن، مطالبا بالعدالة والحريّة وتطبيق مواد الدستور والقانون، الذي لا يجد له مكانا للتطبيق في دول العالم الثالث برمتها، وبالطبع مصر كنموذج يقدمه الفيلم، نشاهد بالفيلم مشاهد تعذيب مريرة، وتغطية حالات وفاة جراء التعذيب وتقديمها كوفاة طبيعية، فضلا عن فساد مالي وأخلاقي يعري فيه المخرجان المؤسسة الحاكمة من ادعاءاتها؛ بحمالة الانسان والسهر من اجله وأجل الوطن.
الفيلم في النهاية يمثل اعادة اعتبار للمخرج العالمي يوسف شاهين؛ الذي طالما اتهم بالتغريب والبعد عن واقعه الاجتماعي والسياسي المصري. والسؤال الأهم: هل حقا يقف القضاء بمؤسساته المختلفة، ليس في مصر فحسب؛ بل في البلاد العربية عموما، بهذه النزاهة المطلقة المعادية للقمع والتلاعب بحياة البشر الذي تقوم به المؤسسات القمعية بها؛ ام ان القضاء ايضا جزء عضوي من المؤسسات القمعية ينفذ تعليماتها ويتلاعب بالقوانين مجيرا
إياها لمصلحة القمع والقتل والتعذيب……؟
2
Samson & Delilah
Written& directed by Warwick Thornton
——————————–
الفيلم يعيدنا الى سفر القضاة في العهد القديم، غير ان المخرج لا يستفيد من القصة التوراتية، الا عبر ثيمتين فقط: قصة الحب التي ربطت بين شيمعون اليهودي ودليلة الفلسطينية. التركيز على قوة شمشون الجبارة في شعره التي يركز عليها العهد القديم وينقلها كاتب الفيلم ومخرجه: واروك ثورنتون.
الا ان انتقال هذه الحكاية الى استراليا، نقلا عن العهد القديم، ذهب الى منحى اخر، فالفتاة دليلة تقوم ايضا، هي نفسها بقص خصلات شعرها، حزنا وحدادا على وفاة جدتها، وفي ذلك ما يود قوله لنا المخرج وارك ثورنتون؛ ان مصدر القوة هنا هو في السلالات التي أنجبت الاستراليون القدامى، والتي حافظت على بقائهم خاصة مع تدفق المهاجرين الى استراليا، ومحاولاتهم طمس الهوية الثقافية لسكانها الأصليين، ومن بينها لغاتهم ودياناتهم الاولى.
الا ان الجدة قبيل موتها وبحكمة الانسان القديم، وهي هنا تمثل رمز الماضي الراحل، تحث حفيدتها على الرحيل عن عزلة الصحراء؛ والذهاب نحو الاندماج مع المجتمع المدني الجديد؛ الذي شكله المهاجرون الأوروبيون في مدن استراليا. بعد وفاتها تنفذ الصبية والصبي وصيته الجدة ويذهبان ببراءة ابن الصحراء الى المدينة، وهناك يكتشفان الوجه المزيف للحضارة الجديدة التي حملها الى قارتهم البعيدة المهاجرون الأوروبيون، حيث تختطف الفتاة وتغتصب ثم ترمى وحيدة في الشوارع، ومع جهلها لقوانين السير في المدينة، تصدمها سيارة فتصاب بكسر في قدمها. رسالة المخرج هنا واضحة عبر سير احداث الفيلم، اذ ان اغتصاب الفتاة البدائية من قبل سكان المدينة المتحضرين، إنما هو اغتصاب لاستراليا الأصل وثقافتها الاولى؛ من قبل المهاجرين الذين قضوا على كل الهويات الثقافية المتنوعة بالقارة، وأسسوا لمجتمع دون قيم ومبادئ، مجتمع مدني يفتقد لروح المحبة والبراءة؛ التي فطر الانسان عليها.
بعد اغتصابها تعود الفتاة الى المدينة، وقد اكتشفت المجتمع المدني على حقيقته، تخلصت من خجلها لأنها أصبحت تراهم عراة يمتلئون بالحقد والأنانية والعدوانية، وحتى عندما تدخل الكنيسة تجدها خاوية، ينظر الحارس اليها باستغراب، وكأنه يقول لها: توقف الناس هنا عن العبادة منذ امد بعيد، في هذا المجتمع الذي يسحق تحت أقدامه كل جماليات العالم القديم، العالم الذي جاءت به الصبية من الصحراء الأسترالية.
نهاية الفيلم: يعود الصبي والفتاة مهزومين الى الصحراء؛ التي جاءا منها، والذي حدث ان المجتمع هناك رفضهم ايضا، لأنهما وهما يرحلان سرقا سيارة المعسكر؛ الذي كانا يعيشان به. اثر ذلك يعتزلان العالم في كوخ صحراوي بعيد. المخرج هنا وهو من سكان استراليا الأصليين، وليس مهاجرا أوربيًا او صينيا، يعترف بهزيمة الأصلي الأسترالي، وهو كائن بدائي امام سطوة الانسان الحديث، مع تأكيده لوحشية وقمع الساكن الأصلي،
عزلة شمعون ودليلة رمزي العالم القديم؛ سحقا تحت اقدام الحضارة الأوربية المهاجرة، هو المصير الذي ألت اليه أديان وثقافات العالم القديم في استراليا.
ثمة فارق جوهري تميزت به السينما الأسترالية في معالجتها للعلاقة المعقدة بين سكانها الأصليين، ومهاجري الحضارة الأوروبية اليها، مرده ان مخرجي هذه التجارب من السكان الأصليين أنفسهم، لذلك كان علاجهم لهذه القضايا أكثر موضوعية وعدالة، في الوقت الذي أظهرت فيه السينما الامريكية، الهنود الحمر رعاعا وشياه امام حضارة القادم إليهم من أسوار أوروبا العجوز كما وصفها الشاعر أرثر رامبو.
٣
TERA NOVA
THA WORLD ENDS HERE
——————————–
بالطبع هنا ينتهي العالم، لان الفيلم يعالج أكثر الأساليب الانسانية قذارة ووحشية في التاريخ، حدث ذلك او سيحدث، لان الفكرة قابلة للتحقيق، لأنها تمس الغور البشري الشرير القادم من جذر فاشي باق بقاء الانسان على الارض او بافتراض رحيله القادم الى الكواكب الاخرى، الجذر الوحشي المرافق للجينات البشرية مهما حاربته الشرائع والأديان والقيم والمثل العليا، باق لأنه ارتبط بنشوء الانسان على الكون وتنامي نزعة الشر لديه أبديا.
عدد من مساجين الحروب، يصل عددهم الى 206 سجينا، بعد اعتقالهم ترحلهم المؤسسة العسكرية السجانة، الى مكان مجهول، هو جزيرة تتجمد شتاء، وتسكنها الأفاعي والقوارض صيفا، يطلق سراح المساجين نهارا للعمل الشاق ،ومع عودتهم مساء يصطفون امام المعسكر، ما ان تدق صفارة الحارس حتى يجري المساجين الى أماكن نومهم به ،عبر بوابة صغيرة لا تتسع الا لفرد واحد فقط، يتقاتل المساجين للنفاذ عبرها الى داخله، ومن يكون اخر فرد يحاول الدخول هو وجبة العشاء لمساجين المعسكر جميعا، عبر سلخه وشيه على النار المعدة لإعداد وجبة العشاء. وهكذا يوميا حتى يفنى جميعهم.
يهرب اثنان من المعسكر أحدهم طيار، بحثا في الجزيرة عن منفذ لحياة اخرى، بعد فترة بحث متواصل يعودان مضطرين، اكل الجوع اجسادهم وأنهكها البرد القارس، لكنهما عرفا الجزيرة جيدا، واكتشفا وجود طائرة سقطت بأطرافها، وما زالت صالحة للاستعمال بعد إصلاحات بسيطة بها. يقود القادمان حركة تمرد في المعسكر، ضد جنود وضباط السجن، بغية تغيير عقاب الذبح اليومي لأحدهم ثم طبخه وأكله، بعد ان تناقص عددهم الى 87 من أصل 206، وعندما يستطيعون قتل جنود من المعسكر اثر المواجهات التي تولدت من التمرد، يرفضون شيهم على النار وأكلهم، ويطرحون بدلا عن ذلك دفنهم، مع الاكتفاء بالتغذي على أعشاب الجزيرة، التي كانت قد بدأت في الظهور والنمو والاخضرار، مع بداية انزياح الثلوج والجليد ونهاية فصل الشتاء.
تتدخل القيادة العسكرية للسجون، فترسل قوة عسكرية تبيد السجناء، ينجح الطيار وزميله مع عدد محدود من السجناء ي النجاة من المذبحة والفرار، يقوم الطيار بإصلاح الطائرة المنكوبة، ويهرب بها الناجين، في الوقت الذي يرفض زميله الهرب، فيتجه الى قمة جبل يطل على المحيط، يقفز منها منتحرا كطريق رَآه أفضل له من العودة ثانية الى الى المحيط البشري.
أدى هذه الأدوار الصعبة، عدد من المع نجوم السينما في العالم من بينهم: قسطنطين لافرونكو/سعفة كان الذهبية2007.عن دوره في فيلم Banishment . مارات باساروف/جائزة لجنة التحكيم في كان 2000وبطلة فيلم mission impossible وفيلم Burnt by the sun :انجبورجا. دبكينيت. اخرج الفيلم:ألكسندر مينيك.
٤
EVILENko
Written and Directed By DAVID GRIECO – BASED ON A TRUE STORY
——————————–
ان تحول قصة حقيقية واقعية، الى عمل سينمائي يمتزج بالتحليل العميق لشخصيات الأحداث، تجربة بها مكمن من الصعوبة البالغة، خاصة والتعامل يتم مع أشهر شخصية اجرامية في التاريخ الحديث، هي شخصية السفّاح الروسي Andrei EVILENko ،مثل دوره باقتدار متميز :Malcolm Madowell،وهو السفّاح الذي اغتصب وقتل 55 فتاة وامرأة ؛على مدى عشرين عاما، قضاها هاربا من العدالة، حتى وقوعه في الأسر عام 1992م. لذلك كان الاعتماد على كاتب السيناريو مهما جدا، في تقصي النوازع الشاذة والعدوانية لهذه الشخصية القلقة والغريبة ذات الطابع الاجرامي المخيف.
كان أندريه مدرسا في احدى المدارس الابتدائية، ومتزوجا من رفيقة له في الحزب الشيوعي السوفيتي، لكنه في الحقيقة كان يغطي على ميوله العدوانية الشاذة بهذا الانتماء الحزبي، الذي كان يتفاخر به أينما ذهب، كان يستخدمه كغطاء ووسيلة لحمايته من اجراء اي شبهة تحيط به، كيف وهو الشيوعي الملتزم بمبادئ إنسانية تسعى لتحقيق العدالة والاشتراكية لجميع شعوب الارض. حتى عندما اقيل من المدرسة التي يعمل بها اثر محاولته اغتصاب طالبة، استطاعت ان تفلت منه، حماه جهاز المخابرات السوفيتي، وضمه اليه لمحاربة تيار جورباتشوف التحريفي في الحزب، والذي كان يهدد مصالح السلطة الأمنية، وامتيازات كلاسيكي الحزب وهيمنتهم المطلقة على البلاد.
يتولى القضية ضابط شاب، بعد حالة يأس من العثور على السفّاح وتواصل جرائمه، تم اختياره بدقة لكفاءته ولتعلقه العاطفي بطفلته مريم، مما يثري الدوافع العاطفية لديه لاعتقال السفّاح. يتجه الضابط الى أستاذ في علم النفس طالبا منه المساعدة في تحديد ومعرفة دوافع هذا النوع من المجرمين، الذي يفاجئه بالقول بأنكم أيها الشيوعيون من خلقتم في روسيا هذا النوع الاجرامي من الناس، بعد ان جردتم الروسي من انسانيته، وعدتم به الى عالم الحيوانات الغريزي الفتاك، فأصبح كل الروس يملكون قابلية ارتكاب الجرائم الجنسية ضد الأطفال والنساء، لأنهم معكم وبكم عاد الروس الى الغابات التي انحدر أسلاف البشر منها. يضيف قائلا للضابط: لقد أودعكم العقلاء في مصحات المجانين، وابقيتم المجانين والمجرمين يتجولون في شوارع كييف وموسكو، يضيف اخيرا: كلنا جميعا مجرمون وليس أحد محدد بالذات.
من الواضح طبعا حقد وكراهية منتج الفيلم والسيناريست والمخرج على التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، بدلالة تحميلها مسؤولية انتاج مجرمين من طراز أندريه ايفلنكو. ولكن ماذا لو التفتنا الى العالم الرأسمالي الغربي، حيث مئات المجرمين القتلة والمغتصبين، يتوالدون جيلا بعد جيل؟ هل نبرئ هنا النظام الرأسمالي؟ ومن نحمل مسؤولية الجرائم في هذه الحالة؟
يتتبع أستاذ علم النفس شخصيته المريضة حتى يفاجئه متلبسا وهو يحاول اغتصاب صبية في احدى الغابات، يحاول استدراجه اليه وضمه في حضنه كابن مريض، في مشهد سينمائي بامتياز، تهرب الصبية ويستل أندريه السفّاح سكينه فيقتل بها العالم النفساني على اعتبار انه والده الذي أجرم بحقه، عندما رماه وهو رضيع في صندوق القمامة. يضيف السيناريست مشهدا يلتقط فيه الأسد الطفل من القمامة ويذهب به الى الغابة، يقول أندريه السفّاح وهو يسرد تاريخ حياته في لقطة اخرى: كنت مطمئنا الى الأسد وانا بين فكيه، أكثر من اطمئناني بين البشر.
الفيلم يبدآ بحكاية يرويها السفّاح لطفلة: “كان يا ما كان فتاة صغيرة مثلك تماما، شعرها كشعرك وعيناها كعينيك، لحقت مرة بغيمة وتعلمت الطيران، وبعد فترة طويلة وبما ان احدا لم يشاهدها، حسب الجميع ان الفتاة قد ماتت، فأقاموا لها جنازة، وراقبت الفتاة جنازتها من مكان مرتفع جدا في السماء، ورأت ان احدا لم يكن يبكي، فأدركت ان أمها واباها لم يحباها فعلا، فبقيت في الأعلى ولم تنزل مجددا”.
في عام1992، عندما اعتقل أندريه السفاح في روسيا، عرضت المخابرات الألمانية والأمريكية مبالغ مالية طائلة لتسليمها إياه، بغية دراسة هذه الحالة الغريبة في التاريخ البشري، غير ان السلطات الروسية رفضت وقامت بإعدامه، على أساس انه مدع للمرض وبخير نفسيا وجسديا. في الحقيقة كان لابد من دراسة تكوينه الفسيولوجي خاصة الجيني، لمعرفة وتتبع الميول العدوانية الشرسة فسيولوجيا، والتي تنتشر عند كثير من الناس دون معرفتهم، ما اذا كانت الحياة المريرة القاسية تسبب الكثير من تطور هذه الميول والدوافع الشريرة لدى الانسان، الا ان التكوين الفسيولوجي القادم من توارث جيناته عبر رحلة بشرية طويلة ومعقدة، ليس بريئا ومنعزلا عنها…….
3,825 total views, 2 views today
Hits: 104