باسمة الوزّان


سارعت مؤسسات حكومية وأهلية في تكثيف أنشطتها الثقافية المجانية عبر مواقعها الرسمية وقنواتها المختلفة في برامج التواصل المتعددة، كبديل تفاعلي يتواءم مع الظروف التي فرضتها جائحة كورونا لصرف الوقت إيجابا، وبادرت مكتبات وطنية في بعض الدول إلى تمكين روادها من الاستفادة من محتوياتها الرقمية المعدة مسبقا والتي تحتوي عددا كبيرا من الكتب والمجلات وغيرها من منتجات ثقافية للكبار والصغار بالمجان، للقراءة أو الاستماع باللغة الأم أو بلغات أخرى، إضافة إلى الدورات واللقاءات والقراءات الجهرية والمسابقات…، ناهيك عن خدمات ثقافية أخرى كالموسيقى والتجوال الإلكتروني للمعارض والمتاحف، وذلك لملأ الفراغ ولتعزيز الصمود أمام الحجر الصحي.
ارتفعت نسبة تداول الكتاب الإلكتروني للكبار والصغار للشراء أو التحميل في مختلف أنحاء العالم عما كان قبل الجائحة. وفي نفس الوقت استمرت عدة مكتبات ودور نشر في نضالها من أجل تسويق الكتب الورقية بالاستفادة من معطيات الإنترنت وتركزت إدارة العمل عبر المواقع الإلكترونية وبرامج التواصل المختلفة، لتمكين الناس الحصول على الكتاب بنسخته الورقية.
كفرد كنت ولا أزال ألجأ إلى القراءة الإلكترونية عند الحاجة والاضطرار، وتغلبت فكرة استغلال الوقت بقراءة ما تكتنزه المكتبة، ومن الجدير في أية ظروف مستجدة أو متغيرة أنه يجب مناقشة الحلول الممكنة لاستمرار الحياة الثقافية بأشكالها المتعددة وذلك لخطورة أهميتها وأثرها في حياة البشر، وما يمر به النتاج الثقافي هو ظرف مؤقت وليس بجديد على الإنسان أن تباغته أوبئة أو حروب أو كوارث… ومن الضروري أن يتوفر بند للاستعداد لمثل هذه الظروف الطارئة سلبا وإيجابا.
فقد ألزم ظرف الجائحة المؤقت معارض دولية هامة الإلغاء لهذا العام بعد التأجيل! ولا بد من التفتيش عن حلول أخرى والتي تحتاج إلى إعمال التفكير الجمعي والعصف الذهني المشترك للتصرف مع تبعات الظرف.
من الجيد الاحتفاء بالفائزين في مسابقة الشيخ زايد على سبيل المثال في الموعد المقرر افتراضيا، واستمرار إمكانية إقامة أنشطة ومسابقات أخرى، ولا بد من دراسة كيفية الاستفادة القصوى من الإنترنت في خدمة الكتاب الورقي، فالإنترنت يمكن أن يقلل أبواب من النفقات مع مشاركة وحضور وتفاعل عدد كبير من المهتمين وعموم الفائدة.
يعتبر معرض الكتاب السنوي من أهم مظاهر الحياة الثقافية، وحدث هام ينتظره جميع العاملين على الكتب والقراء بمختلف مستوياتهم وقربهم من الكتاب. ويحتل الكتاب مكانة متميزة في هذا الحراك الذي يتطور وتصاعد نشاطه منذ بدأ. فقد أصبحت المعارض تحفل بالندوات والمهرجانات الثقافية والأدبية والحوارات… ناهيك عن استضافة أسماء لامعة في مختلف مجالات الأدب والفلسفة والعلوم الإنسانية… وكل هذا يتطلب دراسة واستعدادا مسبقا ومكلفا، فتأجيل المعارض أو إلغاؤها يحمل إدارة المعرض ودور النشر والمكتبات تكاليف باهظة ماديا ومعنويا… ترى، ما هي الخيارات التي يمكن تفعيلها افتراضيا؟ بمعنى آخر، هل يمكن لبعض بنود المعرض أن تستمر خصوصا التي تم الاستعداد لها مسبقا؟ إن محاولة تفعيل الجزء الممكن من العمل وليس إلغاؤه تماما جيد ولو من باب التجربة في ظل هذا الظرف المختلف، لمعرفة مدى ما يمكن تعويضه من خسائر وكيفية التصرف حيالها، كما أنها فرصة لتجربة لقاءات تم الإعداد لملفاتها من قبل إدارات كثير من المعارض مع أسماء أدبية متميزة أو التي تعمل في السلك الثقافي. وهناك العديد من التساؤلات التي يجب تداولها في التفكير الجمعي حول الكتب والمعارض…
ما هي إمكانية التعاون المنتج بين إدارة المعرض ودور النشر ونقابات الأدباء افتراضيا؟ وهل يمكن إقامة المعارض التي ألغيت بشكل افتراضي بما توفر من جهود سابقة أو أخرى مستحدثة مع مراعاة جدولتها زمنيا؟ وما هي العناصر التي تهم الكتاب غير التعريف على إصدارات جديدة أو متميزة أو الترجمات والقراءات الجهرية والأنشطة القرائية؟ وما هي حلول العالم الافتراضي لمشاكل ارتفاع تكاليف الكتاب الورقي خصوصا بعد أن تسببت له الجائحة بخسائر مادية عالية. إن تحديد اعتبار الكتاب الورقي بأنه هو الأصل والإلكتروني يعمل على دعمه ويسد ثغرات الظروف الطارئة حتى مع ارتفاع رواج بيع الكتاب الإلكتروني، يمنح مزيدا من القوة لاستمرار وتطور الكتاب الورقي وإيجاد الحلول الممكنة لدفعه قدما.
إن من حق الرضيع الحصول على كتاب يلائمه قبل أن يولد، وهو ووالديه فعلا بحاجة ماسة إلى كتب تقودهم نحو السعادة والاستقرار والبناء. إن الرضيع منذ ولادته وإلى أن يتخطى العامين يجب أن يكون بعيدا كليا عن الشاشات وإن كان المحتوى مفيدا جدا، كما أنه لا يستغنى عن حقه في القراءة من قلب والديه أو من كتاب منسوج بمحبتهما. ألم تؤكد الجائحة ضرورة الاستعداد للآباء الجدد مثلا وخطورة التأجيل؟
نعم، هناك الكثير من الأسئلة تنتظر الإجابات ولابد من أن يحمي الإنسان نفسه من خطورة إدمان الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات لأبسط أغراض الحياة. وبالنظر إلى الأسر التي لا تلتزم اللوائح المتعلقة باستخدام الإنترنت والشاشات بجميع أفرادها هل سيبقى الأطفال الأكبر كما الكبار معظم الوقت قبالة الشاشة يتعلمون ويقرؤون ويلعبون و…؟ لأنهم اعتادوا ذلك! وما هي الآثار المتوقعة؟
لقد تغيرت في هذه الفترة طباع وتأكدت أخرى، اعتمادا على كيفية الاستفادة من فرص الجائحة القسرية والخيارات الإيجابية التي صاحبتها، مثل فرصة الوقت الفائض…
ما هو الموقف تجاه البديل الإلكتروني خصوصا وأنه صار يخدم الإنسان بكثافة في مختلف القطاعات في الحياة خلف الجدران؟ وكيف نجد حلا يجعل الكتاب الورقي أكثر تميزا، وأكثر تداولا للجيل الحالي والقادم؟
ختاما… ماذا سيحدث لو أصاب الإنترنت جائحة أوقفت نشاطه تماما لفترة من الوقت؟
ترى، كيف سيتصرف الإنسان حيال ذلك؟

 3,465 total views,  2 views today

Hits: 326