سُميَّة الذهليَّة

مِمَّا لا رَيْب فيه أنَّ الطرقَ الإبداعية للتدريس تُساعد الطالب على اكتساب المعلومة بطُرق أسهل، كما أنَّها تضيف طابعاً مِنَ المتعة والتسلية، وتكسر الروتين داخل الغرفة الصفية. ومن جانب آخر، لها فوائد كثيرة في إطار إكساب الطالب مهارات إبداعية أخرى؛ كتلك المتعلقة بالفن والابتكار والتصميم.

وَفِي الوقت الرَّاهن، تتوجَّه العديدُ من الدراسات التربوية لدراسة تنمية الإبداع والابتكار داخل غرفة الصف من جوانب مختلفة؛ سواء الأوضاع التعليمية التي تُشجِّع عليه، أو الممارسات والتطبيقات المحفِّزة له؛ مثلا: ركزت دراسة “Student, Seppala, & Sadowska, 2016” على مَدَى تأثير التعرُّض للنباتات الحية والمناظر الطبيعية واللون الأخضر على الابتكار البصري والابتكار اللفظي في الغرفة الصفية. بينما تناولت دراسة لي وآخرون (Li, Huang, Jiang, & Chang, 2016) أثر الممارسة الهندسية “التصميم بمكعبات الليجو”، على أداء الطلاب وقدراتهم على حل المشكلات، والتي بدورها تنمِّي الإبداع.

وَهُنا.. قد يتساءل البعض: لماذا هذا الاهتمام بالإبداع؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، سنتناول أولاً تعريف الإبداع؛ حيث يذكر هاريس (2012م): “أنَّ الإبداع هو القدرة على تخيل أو ابتكار شيء جديد؛ فهو ليس القدرة على الخلق من لا شيء -الله وحده يستطيع ذلك- ولكن القدرة على توليد أفكار جديدة من خلال الجمع بين أو تغيير أو إعادة تطبيق الأفكار القائمة”. ومن هنا، يتَّضح لنا أنَّ الإبداع يُمكن أن يستخدم لتحسين المنتجات والخدمات بشكل أفضل؛ مما يُحقِّق ربحًا أكثر؛ فالتفكير الإبداعي يُدرِّب الطلاب على عدة أمور؛ منها:
1- ابتكار طرق جديدة لتنفيذ المهام.
2- حل المشكلات.
3- مواجهة التحديات؛ فهم يُفكِّرون “خارج الصندوق”، وهذا يُساعد الإدارات والمنظمات على التحرك في اتجاهات أكثر إنتاجية (2016,Doyle).

كَمَا أنَّه لا يُمكن عزل الإبداع؛ فهو يتأثر بالفروق الفردية والظروف البيئية (et al., 2016 Student). لذلك؛ لابد من التدخل لمساعدة المتعلم؛ للكشف عن قدراته الإبداعية وتنميتها في مراحل نموه المختلفة.
وَفِي هَذا الإطار، لن نُركِّز على الجانب النظري للإبداع، وإنما على بعض التطبيقات والممارسات الصفية التي تسهم في تنميته، بالاستعانة بالخبرات العملية السابقة؛ حيث إنَّ المعلمين بحاجة لتوعية في الجانب التطبيقي، وزيادة اهتمامهم بتنمية التفكير الإبداعي لدى طلبتهم. وهي على قسمين لتنمية الإبداع داخل غرفة الصف:
التَّصْمِيم وصناعة النماذج: ويشمل تصميم نموذج لانطلاق الصاروخ، والـDNA والبروتين، والتصميم بمكعبات الليجو.

القَوَالب الفنية: تصميم ورسم الملصقات؛ ومنها: تصميم مُلصق لتمثيل خصائص بعض عناصر الجدول الدوري بالرسم، وتصميم مُلصق توعوي لنوع من أنواع التغليف أو التعبئة وطرق التخلص منه، وتصميم مُلصق لعمليتي الإدخال والإخراج الخلوي.

أولاً: التصميم وصناعة النماذج
مِنْ وَاقِع تجربتي في الحقل التدريسي، وجدتها من الطرق الممتعة التي يتفاعل معها المتعلمون بشكل كبير؛ فمن أجل صناعة النموذج يقوم المتعلم بممارسة التصميم، وبذلك ندمج الهندسة مع العلوم، وهذا يحاذي معايير الجيل القادم للعلوم، وكما ورد في كتاب K-12 “إطار تعليم العلوم: الممارسات، والمفاهيم الشامة، والأفكار التخصصية” (2012م)، فإنَّ الهندسة تشبه العلوم في احتوائهما على العمليات الإبداعية، والتي لا تقتصر على طريقة واحدة، فهناك اتفاق واسع بين الاستكشاف في العلوم والتصميم في الهندسة؛ فالتصميم الهندسي يتضمن تحفيزا عقليا وجسديا للمتعلم، وكذلك ينمِّي مهاراته العملية، خصوصاً في حل المشكلات (Li et al., 2016).

وَأوَّل تطبيق في هذا المجال -وهو تصميم نموذج لتفسير عملية انطلاق الصاروخ- يهدف إلى شَرْح أنَّ تحرُّر أو انطلاق الطاقة من نظام التفاعلات الكيميائية يعتمد على التغيُّرات في إجمالي طاقة الروابط. وهو مثالي لإشعال فتيل الابتكار لدى الطلاب الذين يترتب عليهم توضيح خطوات انطلاق الصاروخ، والتصميم في هذا النموذج يكون فقط بالرسم على الورق. يناسب هذا النموذج دروس القوى والتفاعلات الكيميائية؛ حيث يتم تقديم شرح أولي للطلاب عن طريق عرض فيديو يشرح عملية انطلاق الصاروخ، ثم بعد مناقشة الطلاب فيه، يتم تقسيمهم إلى مجموعات لتصميم نموذج أوَّلي يُفسِّر فهمهم لهذه العملية. بعد ذلك، يقوم الطلاب بمجموعة من الاستقصاءات الموجودة في كتاب الطالب، والتي تقود إلى فهم أعمق للتفاعلات التي تؤدِّي إلى انطلاق الصاروخ. وفي ختام النشاط يُقيِّم الطلاب النموذج، ويعدلون ما يحتاج إلى تعديل فيه (Turley, Trotochaud & Campbell, 2016).

وَتَطْبيقٌ آخر رائع لصناعة النماذج القائمة على التصميم الهندسي وَرَد في دراسة لي وآخرين -تم ذكرها سابقًا- حيث تمَّ استخدام التصميم بمكعبات الليجو -باتباع دورة التصميم- لتصميم نماذج مختلفة؛ حيث يُعطى المتعلمون مشكلة معينة، ويُطلب منهم تصميم نموذج لحلها، مع تحديد معيار للتقييم.. والجدول التالي يوضح الفكرة:

هَذَا التطبيق يُناسب دروسَ البكرات والروافع والتراكيب في الفيزياء، ويعتبر تطبيقا ممتازا لتنمية الإبداع لدى الطلاب؛ فهو يُمثِّل تحديًا لهم، وبه متعة وتسلية.

وَمِن واقع تجربتي مع طالبات الصف الحادي عشر، صمَّمتْ الطالبات نموذجين من إبداعهن؛ الأول: نموذج لـDNA؛ بهدف التعرُّف على تركيبه والروابط المكونة له؛ ففي البداية تمَّ توضيح مكوناته في الصف ومناقشتها، ثم تركيب نموذج لـDNA المتوفر في المختبر. وبعدها، طُلب من الطالبات التفكير في تصميم نموذج مبتكر لـDNA باستخدام الخامات المتوفرة لديهن، بشرط أنْ يُعبِّر بشكل صحيح عن طبيعة الروابط في DNA ((يُمكن استخدام أعواد الشمع، والعصي المصاصة، والخيوط، والأوراق مع الخرز)).

أمَّا النموذج الثاني، فهو تصميم نموذج يوضح مراحل تكوُّن البروتين باستخدام خامات البيئة؛ مثل: أسلاك المعدن والخيوط. ولقد تمَّ إنتاج نماذج تعكس إبداعات الطالبات؛ مما أضفى على الحصة الدراسية طابعاً من الإبداع والمرح.
ثانياً: القوالب الفنية (إنشاء ورسم الملصقات)
اسْتِخدام الرَّسم للتعبير عن المعلومة في حصة العلوم يجعل الحصة مُمتعة ومُسلية، كما أنَّه يُنمِّي الإبداعَ البصريَّ لَدَى المتعلمين، ويحتضن مَوَاهب الطلاب في الرسم والتشكيل، وكذلك هو مثالي لأصحاب نمط التعلم البصري. فالتمثيل البصري للمعلومة يربط بين فصيْ الدماغ الأيمن (الحسي غير اللفظي) والأيسر (اللفظي التحليلي)؛ مما يُسهِّل استدعاء المعلومة لاحقا.

التطبيق الأول: تصميم مُلصَق لعناصر الجدول الدوري للعناصر؛ بحيث يقوم الطلاب أولاً بالبحث عن خصائص عنصر مُحدَّد، ثم التعبير عن تلك الخصائص برسومات مناسبة، وبعدها يتم تجميع جميع الملصقات التي صمَّمها الطلاب في لوحة واحدة تُمثِّل جدولا دوريًّا مصوَّرا للعناصر (Ochterski & Lupacchino-Gilson, 2016).

التطبيق الثاني: وظَّف مكبيرسون (McPherson, 2016) في درس “العلوم ومشاكل القمامة” تصميم ملصق توعوي لنوع من أنواع التغليف؛ حيث يختار الطالب نوعا محددا من المواد التي تستخدم في تغليف الطعام، ثم يُصمِّم ملصقا توعويا يُوضِّح فيه إيجابياته وسلبياته، والطرق الصحيحة للتخلص منه.

التطبيق الثالث: من خِبْرَتي مَع طالبات الصف 11، قامت الطالبات بتصميم لوحة لتمثيل آلية الإدخال والإخراج الخلوي بالصلصال، على ورق مع استخدام الخرز وكتابة البيانات، كانت اللوحات مُختلفة ومُتنوعة أظهرتْ إبداعَ الطالبات بشكل كبير، كما أنَّ جوَّ الحصة لم يخلُ من المرح وكسر الروتين.

وفِي الأخير.. يُمكن عَمَل معرض في المدرسة؛ يتمُّ فيه عرض أعمال الطلاب في العلوم؛ سواء: النماذج، أو الملصقات، أو اللوحات التي شكلوها، أو الرسومات، ويتم استدعاء أولياء الأمور لمشاهدة أعمال أبنائهم. وكما لاحظنا، فإنَّ جميع التطبيقات الواردة في هذا المقال بسيطة، وغير مُكلِّفة، ويُمكن تطبيقها داخل غرفة الصف، وتُسهم بشكل كبير في تنمية الإبداع لدى الطلاب.

—————————————————-

– A framework for K-12 science education: practices, crosscutting concepts, and core ideas. (2012, August 01). Reference & Research Book News, 27(4). Retrieved from http://www.nap.edu/catalog.php?record_id=13165.
– Doyle, A. (2016, October 08). Creative thinking definition, skills and examples. Retrieved December 23, 2016, from https://www.thebalance.com/creative-thinking-definition-with-examples-2063744.
– Harris, R. (2012, April 2). Introduction to creative thinking. Retrieved December 23, 2016, from http://www.virtualsalt.com/crebook1.
– Li, Y., Huang, Z., Jiang, M., & Chang, T. W. (2016). The effect on pupils’ science performance and problem-solving ability through lego: an engineering design-based modeling approach. Educational Technology & Society, 19 (3), 143–156.
– McPherson, H. (2016). Materials science and the problem of garbage. The Science Teacher, 83(8), 32-37.
– Ochterski, J., & Lupacchino-Gilson, L. (2016, October 01). Getting an A in STEM: beginning a steam collaboration between art and chemistry students. The Science Teacher, 83 .(7)
– Studente, S., Seppala, N., & Sadowska, N. (2016). Facilitating creative thinking in the classroom: investigating the effects of plants and the colour green on visual and verbal creativity. Thinking Skills and Creativity, 19, 1-8.
– Turley, R., Trotochaud, A., & Campbell, T. (2016, January 01). Achieving Liftoff Using coherent storylines to explain phenomena. science teacher, 83(6), 35–35

 13,107 total views,  5 views today

Hits: 2606