واقع تعليم اللاجئين وتأثيره مستقبلا على اللغة العربيَّة
أ. جواهر بوعذار
لا شكَّ أنَّ الحربَ لها تأثيرٌ مُباشرٌ وسلبي علي اللغة العربية؛ حيث علاوة علي عدة المُشكلات التي تواجهها اللغة العربية في عصرنا هذا، ولولا أنَّها لغة التنزيل الذي تكفَّل الله -عزَّ وجلَّ- بحفظه، لكانتْ مُشكلة واحدة فقط من هذه المشكلات كفيلة بالقضاء المحقق على هذه اللغة الشريفة. وجرَّاء حدوث الحروب -لاسيما في سوريا- شهدنا ظاهرة تدفق اللاجئين السوريين إلي الدول المجاورة كتركيا، ولبنان، والأردن، وأيضا بعض الدول الأوروبية كألمانيا، وهذا الكم الهائل من اللاجئين يحتاج لإمكانيات واسعة. أمَّا اليوم، فإننا نشهد حرمان الملايين من الأطفال المشردين من التعليم الأساسي ومما لا شك فيه، أنَّ انقطاع عشرات الآلاف من الطلاب عن التعليم سوف يترك أثراً كبيراً في المستقبل على جيل بأكمله؛ إذ ينشأ جيل من الأطفال الضائعين دون تعليم في البلدان كثيرة في الشرق الأوسط.
كَمَا أنَّ بعضَ الدول تفرض تعليم لغتها، أو أنَّ الوضع الموجود يوْجِب تعليم لغة الدولة المستضيفة؛ حيث هذا الأمر أحد عوامل إهمال اللغة الأم (اللغة العربية)؛ وبالتالي ضعف الاعتزاز بها، وضياعها. وفي هذا البحث، حاولنا بيان تأثير الحروب علي تراجع مستوي التعليم؛ وبالتالي تأثيرها السلبي علي اللغة العربية.
الكلمات الدليلية:
اللغة العربية، والحرب، والتعليم، واللاجئين، والسوريين.
مُعاناة اللاجئين في التعليم
لَمْ تَنتهِ مشاكل اللاجئ السوري بمجرَّد تركِه أرض الوطن، لاسيما الكثير منهم اتخذ من المخيمات في دول الجوار مأوًى لهم، ودون شك توفير فرص تعليمية لأبنائهم وتأمين مستقبل أفضل لهم من خلال التعليم يعتبر من أكبر التحديات لهم، خاصة وأنَّ الواقع التعليمي يختلف من دولة إلي أخري.
وَتُعدُّ مشكلةُ التعليم واحدة من أعقد مشكلات اللاجئين السوريين والانتقال المباشر من منهج تعليمي إلى آخر قد يحمل في طياته سلبيات وإيجابيات مختلفة. كما أنَّ صعوبة الظروف القاسية التي يمرُّ بها السوريون في مُخيَّمات اللجوء -خاصة في العراق والأردن ولبنان- ومع طول الفترة الزمنية لمشكلتهم في البقاء في هذه الدول، خلفت تراكمات كثيرة؛ حيث لها تأثير سلبي علي واقع التعليم بالنسبة لهؤلاء اللاجئين.
وَكَمَا شَهِدْنا في القرون السابقة، فإن الحرب لها تأثير مباشر علي التعليم ومجال الدراسة، ونحن نشاهد التأثير السلبي للحرب علي اللاجئين؛ حيث أدت الحرب إلي تراجع مستوي التعليم، وكان تغيير المناهج أحد أسباب الرئيسية في هذا الأمر.
وَحَسْبَ تقريرِ اليونيسيف فـ”في سوريا، التي كانت تحتوي على أعلى مُعدَّلات محو الأمية في العالم، قد انعكس هذا الواقع بسبب الصراع وتراجع بنسبة أكثر من عقدين في الحصول على التعليم”.
“فِي سوريا والعراق واليمن وليبيا وحدها -كما يقول التقرير- ما يقرب من 9000 مدرسة غير قابلة للاستخدام لأنها قد تضررت، ودمرت، وتستخدم لإيواء الأسر المشردة، أو تم الاستيلاء عليها من قبل أطراف النزاع. أيضاً أسباب أخرى تؤدي إلى هذا الواقع؛ وتشمل: الخوف، الذي يدفع الآلاف من المعلمين إلى التخلي عن وظائفهم، أو يتحفَّظ الآباء على إرسال أبنائهم إلى المدرسة بسبب ما قد يحدث لهم على الطريق -أو في المدرسة نفسها” (تقرير، اليونيسيف يحذِّر من “جيل ضائع” من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بسبب الحرب-2015).
“يطْرَح تغيير التركيبات الديموغرافية في البلدان المستضيفة بسبب وجود اللاجئين تحديات كبيرة أمام السوريين ومجتمعات البلدان المستضيفة. يرتبط العديد من هذه التحديات بالتعليم؛ بما في ذلك: طريق دمج الأطفال في المدارس والصفوف، وكيفية تحضيرهم للمستقبل عبر تزويدهم بالشهادات، وإيجاد طريقة للحد من عجز الأهل عن توفير سبل العيش؛ مما يسبِّب عمالة الأطفال أو الزواج المبكر؛ مما يمنعهم من التعلم، والنظر بالطريقة التي تدار بها المدارس والمعلمون والحاجات النفسية والاجتماعية للأطفال اللاجئين” (مؤسسة راند سانتا مونيكا، 2015م:67).
“عَبَّر الأشخاصُ الذين أُجريت معهم اللقاءات عن قلقهم حيال جَوْدة التعليم المتوفر للاجئين، لاسيما في المناوبات الإضافية في المدارس في الأردن ولبنان، وفي المدارس الخاصة بمجتمع اللاجئين في تركيا. وتشمل الاعتبارات الخاصة بجودة التعليم خبرة المعلم والتعويض الذي يتقاضاه والدوام التعليمي والرقابة والدعم، فضلا عن البرامج التعليمية البديلة” (مؤسسة راند سانتا مونيكا، 2015م: 83).
“إنَّ استقبالَ السوريين يشكِّل عبئا كبيرا علي أنظمة التعليم الوطنية الضعيفة؛ مما يؤدِّي إلي تأخُّر في الاصطلاحات التعليمية المخطط لها. ويدرس الأطفال الذين يأتون من المجتمعات المستضيفة -والذين غالبا ما يواجهون مشاكل اقتصادية- في غرف صف مكتظة تنقص فيها الموارد. فتتعرَّض فاعلية نظام التعليم العام لخطر كبير مع تحمُّل المجموعات الأكثر تهشيما عبئا متباينا” (مؤسسة راند سانتا مونيكا، 2015م: 85).
وَضْع تعليم اللاجئين في تركيا وألمانيا
– تركيا
لَقَد أثَّرتْ الأزمة التي تمرُّ بها سوريا -بشكل مباشر- علي التعليم، خصوصا تعليم الأطفال والشباب؛ حيث خَسِر الكثيرُ من الطلاب والمعلمين حياتهم، فقد تضرَّرت المدارس بشكل كلي أو جزئي بسبب النزاع المسلَّح.
“فَمِنْ أصْل 995000 طالب -ممن هم في سن التعليم من اللاجئين السوريين- هناك 330000 طالب يلتحقون بالمدارس علي اختلاف تنوعاتها، وهذا يعني أنَّ النسبة الأكبر منهم -أي 665000 طالب- لم يلتحقوا بالمدارس. وهم خارج المنظومة التعليمية” (تقرير هيومان رايتس ووتش، موانع تعليم أطفال اللاجئين السوريين في تركيا، 2015م).
“فِي المخيمات التي زَارَها فريقُ العمل -وهي: بخشين، والتنوز، ييلاداغي- ليس هناك أي مكان لتعليم الأطفال، أو أي مركز ثقافي، أو مكتبة عامة، وكل الأطفال الموجودين هناك يعانون من فقدان حقهم في التعليم؛ فقد انقطعوا عن مدارسهم منذ أكثر من سنة في هذه المخيمات، ويرغبون في أن تقوم الحكومة التركية بمساعدتهم بتأمين مناهج سورية، وتجهيز مكان ومستلزمات التدريس لكي يقوموا هم بعمل ذلك اعتمادا علي بعض الأستاذة، أو ممن لديهم شهادات معاهد أو بكالوريا لتعليم الأطفال، ولكن هذا لم يحدث. فقط في الريحانية، قامتْ الحكومة بإحضار المناهج السورية، وطلبت من السوريين المقيمين في البلدة ممن لديهم إجازات جامعية، ويرغبون بالتدريس، أنْ يسجِّلوا أسمائهم لكي يتم إعطاؤهم مدرسة من الصف الأول وحتى العاشر الثانوي، ووفقا للمناهج السورية، وبراتب حوالي 150 إلي 250 دولارا شهريا، لسنا مُتأكدين من أنَّ الحكومة هي من سيموِّل الموضوع أم أنَّ هناك جمعيات خيرية!!”.
“فِي مُخيَّم ييلاداغي، تم افتتاح مدرسة لتعليم العلوم الدينية علي المنهج السلفي، بتمويل من جمعية كويتية، ولكن بعد فترة قاموا بإغلاقها، ويذكر أنَّ الحكومة التركية قد قدَّمت لها تسهيلات كبيرة” (مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، 2012م،47).
“وَإِضَافة إلى مشكلة الضائقة المالية، وبناءً على معلومات مركز إسطنبول السياسي التابع لجامعة صبانجي، فإنَّ بعضَ اللاجئين السوريين لا يتمكنون من إدخال أبنائهم للمدارس الحكومية، أو مراكز التعليم المؤقتة؛ لحاجتهم الماسَّة لإرسال أبنائهم للعمل بسبب صعوبة الوضع المعيشي، إضافة إلي أنَّ العديدَ من الطلاب لا يملكون أي معلومات عن المؤسسات التعليمية في تركيا.
كَمَا أنَّ عَدَم إتقان الطلاب للغة التركية يُؤثِّر على جَوْدَة التعليم الذي يتلقونه، ويُعاني بعضُ الطلاب السوريين من ضَغْط نفسي نتيجة الحرب وخروجهم من بلادهم؛ مما يتسبَّب بتشتيت تركيزهم في دروسهم. ويتطلَّب تخفيف الضغط النفسي لدى الطلاب وُجُود مرشدين تربويين، وهذه مُشكلة أساسية تُعَانِي منها مراكز التعليم المؤقت التي ينقصها وجود المرشدين. أما المرشدون الموجودون في مدارس الحكومة، فعادةً ما يُواجهون مشكلة في اللغة مع الطلاب. الطلاب بحاجة إلى مُرشدين ذكور، والطالبات بحاجة إلى مرشدات إناث؛ لتتم عملية المعالجة بشكل أفضل. ولكن هذا لا يتوافر؛ سواء في المدارس الحكومية، أو المراكز المؤقتة، حيث يعمل الكثير من المعلمين في مراكز التعليم المؤقتة بشكل تطوعي أو مقابل أجر رمزي، وهذا يعني أنَّ مستوى الطالب العلمي واللغوي قد يظل مُنخفضًا حتى بعد تخرُّجه، وهذا ما يُعرِّضه لعائق عند الالتحاق بالمدارس أو الجامعات الحكومية”. (تحديات وفرص بشأن تعليم اللاجئين السوريين في تركيا، 2016م،http://www.turkpress.co/node/25027).
كَانَتْ الحكومة التركية أصدرت قراراً يقضي بإعفاء الطلاب السوريين المسجلين في الجامعات الحكومية التركية من دفع الرسوم والأقساط الجامعية لهذا العام.
كَمَا رحَّبتْ مُفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين -قبل فترة- بموافقة الحكومة التركية على قبول المؤهلين من اللاجئين السوريين بالدراسة في جامعاتها، ضمن برنامج سخي خاص للتعليم.
وَأوْضَح بيانٌ للأمم المتحدة أنَّ الطلابَ السوريين يستطيعون الدراسة في سبع جامعات في تركيا؛ حيث قرَّرت الحكومة التركية تحمُّل كافة المصاريف الجامعية للطلاب. كما أنَّ التعليم للاجئين السوريين مُستمر ومُنتظم في تركيا، ولا مَجَال للتأجيل أو الإلغاء (المركز “مداد” الدولي للأبحاث والدراسات، 2014م).
“ويُقَّيدُ الطلاب اللاجئون السوريون رسميًّا في وزارة التربية التركية يوبيس، وبلغ عددهم عام 2016 نحو 255000 طالب، في هذه المراكز المؤقتة؛ منهم: 75000 طالب في المدارس التركية الرسمية.
وَتُدَار مراكز التعليم المؤقت -والبالغ عددها 230 مركزًا- من قبل مديرين أتراك يُعيَّنون من طرف وزارة التربية التركية” (دراسات اجتماعية،2011).
– ألمانيا
“أضْحَي حقُّ التعليم جزءاً رئيسًا من شِرْعَة حقوق الإنسان الدولية؛ فلكل شخص الحق في التعليم” (المادة 26 – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 2014م).
لَعِبتْ الأزمة دوراً سلبيًّا على التعليم والعملية التربوية، خصوصاً على فئتي الأطفال والشباب بشكل واسع وخطير، يُهدِّد العملية التنموية بإيقاف عجلة دورانها.
وَمُنذ بداية الاضطرابات والصراعات في سوريا، اضطر أكثرُ من مليون سوري لمغادرة بلادهم، والبحث عن ملجأ في الدول المجاورة والدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا. وقد شهدتْ ألمانيا مَوْجَات الهجرة واللجوء إليها. وبالطبع، تشكل اللغة العنصرَ الرئيسيَّ في مدِّ جسور التواصل بين المجتمع الألماني وبين اللاجئين، وهنا يتوجَّب علي اللاجئين تعلُّم اللغة الألمانية والدمج في ثقافتهم وعاداتهم.
“وَكَان لِهَذا الأمر انعكاساتٌ مُهمَّة بين أوساط اللاجئين؛ فالكثير من أبناء اللاجئين دخلوا إلى المدارس الألمانية ولم يتقنوا بعد مبادئ لغتهم الأم وقواعدها؛ وبالتالي من الضروري لهم في بداية تعلُّمهم -حسب آراء بعض اللاجئين- التعرُّف إلى لغتهم وثقافتهم وعاداتهم، ومن ثمَّ في الوقت ذاته تعلم الألمانية كلغة ثانية رديفة للغتهم الأصلية، تُساندها وتُعاضدها، لا أنْ تلغيها أو تؤثر سلبا عليها، وهذا الأمر منوط بضرورة اتخاذ تدابير إجرائية مدروسة، تَضْمَن الوصول إلي الأهداف المرجوة: (http://www.abwab.eu). “وَعَلى الرَّغم من أنَّ الدراسة في الجامعات مجانية في ألمانيا -أو بتكلفة منخفَّضة جدًّا- للاجئين، كما هي الحال بالنسبة لجميع الطلاب، إلا أنَّ الجامعات بحاجة للحصول على تمويل إضافي من الدولة؛ لكي تتمكن من تقديم مزيد من الدورات التدريبية والتحضيرية، وفقاً للبروفيسور هورست هيبلر رئيس رابطة رؤساء الجامعات الألمانية، الذي قال في حديث صحفي: إنَّ تكلفة تمويل هذه الدورات للاجئ الواحد فقط تبلغ حوالي 4.000 يورو في السنة” (https://www.hrk.de).
التعليم في ألمانيا:
إنَّ الانتقالَ من مَنْهَج دراسي خاص إلي آخر، لا شك له تأثير علي الطالب والظروف الصعبة والحروب والوضع النفسي الصعب الذي يمرُّ به اللاجئ، كما له دور في مستوي كسب العلم وارتقاء أو انحطاط المستوي التعليمي لدي الشخص.
“أوَّل المشكلات التي يُواجهها الطالب الأجنبي في ألمانيا هي مشكلة اللغة؛ حيث يتفق الجميع -بمن فيهم الألمان- على أنَّ إتقان اللغة يحتاج للكثير من الجهد والوقت؛ مما يجعل الطالب القادم إلى ألمانيا -وتحديداً اللاجئ- يخسر فترة زمنية طويلة، إضافة إلى ما خسره أثناء الحرب من قبل. وفي هذا السياق، تمَّ إعادة العديد من الطلاب إلى مُستويات سابقة، أو أقل مما وصلوا إليه في بلدهم الأم؛ وذلك لتعديل الدرجات.
أمَّا المَيْزة الأساسية، فكانت في مجانية التعليم الذي سهَّل الدراسة على اللاجئين؛ فلم يضطروا للبحث عن عملٍ يُؤمِن لهم الدَّخل الكافي لتسديد أقساط الدراسة. كما أنَّ الدراسة في ألمانيا تمنحك فرصة تحقيق هدفك والانضمام للمجال الذي تفضله؛ فبدلا من أنْ يكون أحد الاختصاصات مُجرَّد حلم بالنسبة لك في بلادك، ستراه يصبح حقيقةً هنا في ألمانيا.
لَا يُمْكِن وصف التعليم في الوطن الأم بالنسبة للاجئين اليوم في ألمانيا بصفةٍ واحدة؛ فهو قد يكون إيجابيًّا في الكثير من النقاط وسلبيًّا في أخرى. ومن هذه السلبيات، كانت الأوضاع المعيشية التي تنعكس بشكل واضح على الوضع العلمي، فإن كان الطالب من الطبقة الفقيرة، فلن يستطيع استكمال دراسته بسهولة، وإن كان التعليم مجانيًّا بسبب حاجته للعمل ليوفر لنفسه لقمة العيش، فإنه سيؤثر على تحصيله العلمي، وتظهر مشكلة الوضع المعيشي بشكل أكبر في حال اضطر الطالب للدراسة خارج مدينته الذي سيواجه فيها العديد من العقبات” (https://flucht.politikorange.de/ar).
يَبْقَى التعليم هو الأمر الأهم في حياتنا المعاصرة، ولا يمكن للإنسان أن يتخلى عنه مهما كانت الخطوات صعبة؛ فالصعوبات ستهون ببذل الجهد المطلوب.
– لبنان
“يُظهر تقريرٌ جديد لليونيسيف أنَّ أكثر من 13 مليون طفل من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمَّ منعُهم من الذهاب إلى المدرسة بسبب النزاعات. مؤكدا أنَّ مؤسسات التعليم يجب أن تبقى من المقدسات الآمنة” (تقرير اليونيسيف يحذر من “جيل ضائع” من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بسبب الحرب، 2015م).
“وأنَّ ارتفاع الصراعات والاضطرابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمنع 13.4 مليون فرد من الجيل الشاب -أي 40 في المائة من السكان في سن الدراسة- من الذهاب إلى المدرسة. وأضاف التقرير بأنَّ الهجمات على المدارس والبنية الأساسية للتعليم المتعمدة في بعض الأحيان، هي أحد الأسباب الرئيسية التي تمنع العديد من الأطفال من الذهاب إلى المدرسة” (تقرير اليونيسيف يحذِّر من “جيل ضائع” من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بسبب الحرب، 2015م).
“وَمُنذ أبريل عام 2014، تَجَاوز عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان المليون لاجئ. لكنَّ العددَ الحقيقيَّ للاجئين يفوق ذلك؛ إذ ليس كلُّ السوريين المقيمين في لبنان المسجلين كلاجئين، كما أنَّ تدفق الفارين من سوريا إلي لبنان لا يزال مُستمرا. وبالتالي فإنَّ اللاجئين السوريين أصبحوا يمثِّلون أكثر من 25 في المائة من سكان لبنان.
إنَّ أكثرَ من نصف هؤلاء اللاجئين هم من الأطفال، وما يزيد على 400000 منهم في سن المدرسة، ناهيك عن الصعوبة المتوقعة في الوصول لخدمات التعليم بسبب العدد الهائل للطلاب المحتملين. يواجه الأطفال السوريون الذين أتيحت لهم فرصة الذهاب إلي المدرسة حاجزَ اللغة؛ فالمناهج الدراسية اللبنانية مُطوَّرة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ولا تشغل اللغة العربية فيها إلا حَيزا محدودا، في حين أنَّ الوضعَ في سوريا علي نقيض ذلك؛ إذ لم تكن اللغات الأجنبية في سوريا خلال السنوات الماضية مدعومة دعماً كافيا، ولا يزال تعلُّم اللغة في المدارس الحكومية السورية محدودا، ويفتقر للممارسة الملائمة.
وَتَكْشِف هذه الدراسة أنَّ الاختلافات بَين المجتمعين، تجعل تكيف اللاجئين السوريين وأبنائهم مع البيئة الجديدة (والمختلفة علي نحو غير متوقع) أمراً صعباً. كما أنَّها تُمثِّل خطراً علي تعليم الأطفال السوريين القادمين من طبقات اجتماعية واقتصادية متدنية؛ فهم يواجهون العديد من الصعوبات في فهم كيفية عمل نظام التعليم اللبناني” (علي أبوعمشة، 2014م:10).
“وَبرَغْم الصُّعوبات التي تُواجه نظام التعليم العام اللبناني، فقد سمحتْ وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية -بدعم من المفوضية العليا اللاجئين- لما يقرب من 900000 طفل لاجئ بالالتحاق بالمدارس العامة خلال العام الدراسي 2014/2013. وجَرَي تسجيل أكثر من 30000 من هؤلاء الأطفال في دوام دراسي بعد الظهر يوفِّر منهجا دراسيا مُعتمدا ملائماً للطلاب السوريين باستخدام اللغة العربية كلغة تعليم رئيسية. وهناك 5000 طفل آخر التحقوا أيضاً ببرامج تعليم غير نظامي. وتشير مصادر المفوضية العليا للاجئين إلي وجود 34 مدرسة و15 مركزا مجتمعيا تُدِير مثل هذه البرامج” (علي أبوعمشة، 2014م: 25).
كَمَا أنَّ “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تبذل جهوداً لدفع الأقساط الدراسية للطلاب اللاجئين في المدارس اللبنانية. ومع ذلك، فهي لا تغطِّي إلا نسبةً قليلةً؛ بسبب القدرة الاستيعابية القليلة للمدارس.
وَكَانَت الحكومة اللبنانية وَعَدَت سابقاً بمعاملة الطالب السوري كالطالب اللبناني، ولكن قلة المدارس تمنع ذلك.
وتُوَاجِه الطالب السوري مشاكل إضافيةٌ أخرى، كاجتياز امتحانات القبول في المدارس؛ فهذه الامتحانات تجرى باللغة الإنجليزية، والتعليم في سوريا بالعربية؛ الأمر الذي منع الكثير من الطلاب من اجتياز الامتحان والدخول إلى المدرسة” (التعليم في زمن الحرب، 2014م:6).
المزيج المؤذي
“إنَّ النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام في هذه الدراسة هي الكشف عن “مزيج مؤذٍ”، مُكوَّن من تراكم مجموعة من المخاطر التي يمكن أن تدفع الأطفال إلي التسرُّب من المدرسة اللبنانية.
وتُؤثِّر الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدنِّية علي قدرة بعض الفئات علي دعم تعليم أبنائهم وإعطائه الأولوية. إضافة إلي ذلك، يعاني أطفال هذه الفئات من عنف أقسي (بسبب الأزمة، أو ربما بسبب العنف الأسري المتفاقم أيضا بسبب الأزمة)؛ مما يجْعَلهم أكثر هشاشة وحساسية للتميز. إنَّ هذا المزيج من المخاطر يجْعَل هؤلاء الأطفال أقل قدرة علي التكيف ويدفعهم لترك المدرسة.
وَلِلأَسَف، فإنَّ الفقرَ الذي تعاني منه كثيرٌ من الأسر السورية يسهم في مُراكمة مجموعة من المخاطر غير المعاجلة، ولكن الخفية داخل المجتمعات ذات الدخل المنخفض في سوريا، إلا أنَّ الأزمة دفعتْ بهؤلاء للخروج من بلادهم والتعايش مع الشعب اللبناني؛ حيث باتت مصاعبهم الحياتية مرئية. وقد كان واضحا للمعنيين بهذه الدراسة الأثر الكبير لقلة الموارد وعجز الأهل عن تقديم الدعم اللازم لتعليم أبنائهم” (علي أبوعمشة، 2014م: 26).
قضيَّة التسرُّب من المدرسة
“هُنَاك عِدَّة أسباب تدفع الطلاب -لا سيما الصبية الذين يبلغون 11 عاما فما فوق- إلي التسرُّب من المدارس، وتعتبر القضايا المادية عاملا مهما، كما أنَّ صعوبة المواصلات والتنمُّر (ابتزاز الأقران وسوء معاملتهم)، وحاجز اللغة أيضًا من العوامل التي تبعد الأطفال في سن المراهقة عن المدرسة.
إنَّ الوضعَ الاقتصادي الصعب لعائلات اللاجئين هو أيضاً أحد الأسباب المهمة التي تَجْعَل الأهالي يحْجِمُون عن إرسال أطفالهم إلي المدرسة” (د.علي أبوعمشة، 2014م: 28).
“صُعُوْبَة الظرف، والمحنة القاسية التي يمرُّ بها السوريون في مُخيَّمات اللجوء، خاصة في العراق والأردن ولبنان, ومع طُوْل الفترة الزمنية لمشكلتهم في البقاء في هذه الدول، خلَّفت تراكمات كثيرة، انعكستْ على واقع التعليم بالنسبة لهؤلاء اللاجئين, ولكنَّ الأمر يتفاوت بين الدول التي سمحت لهم بالبقاء؛ فبعض تلك الدول سمحت لهم بالدارسة، ولكنْ بشروط وتكاليف عالية قياسًا بواقعهم المادي الصعب, وبعضها أسَّس من خلال المنظمات العالمية -كالأمم المتحدة و”اليونيسيف”- مراكز لتعليم الطلاب، وإنْ كانت تلك المراكز لا يُعترف بشهادتها في دول أخرى (http://www.medadcenter.com/investigations/578).
تُعدُّ مشكلةُ التعليم واحدةً من أعقد مُشكلات اللاجئين السوريين في تركيا وأخطرها، تهدِّد حاضرهم ومُستقبلهم، وقد دَقَّتْ المنظماتُ الدولية والحكومية ناقوسَ الخطر، بعد أنْ كشفت التقاريرُ العالمية الخاصة بالتعليم أنَّ النسبة الأكبر من الطلاب السوريين اللاجئين لم يلتحقوا بالمدارس؛ سواءً كانت هذه المدارس تركية أو مراكز التعليم المؤقَّت الخاصة بالسوريين، أو مدارس خاصة.
النتيجة:
الحديثُ عَنْ اللغة العربية، وعن التحديات التي تُواجهها خُصُوصا في الوقت الراهن، أصْبَح مسألة تهمُّ الجميع، ولا يُمكن لأحد أن يغضَّ الطرف عنها؛ لأن المسألة لا تنحصر في اللغة في حدِّ ذاتها، بل تهدف إلى ما هو أخطر من ذلك، إلى الهُوية الوطنية، بل إلى مَصِير أمَّة بكاملها من الخليج إلى المحيط.
وَاحِدَة من أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية هي موضوع نوعية التعليم، وأنَّ كل هذه الأمور وما يحصل من ضَعْف ونَقْص في تعليم اللاجئين؛ سواء في الدول الأوروبية أو الدول العربية، لابد أنَّ له تأثيرًا علي تراجع مُستوي التعليم؛ وبالتالي ضعف وتهميش اللغة العربية، وهذه بحد ذاتها تُعتبر كارثة لنا كأمة إسلامية وعربية، ويتوجَّب علينا دراسة هذا الوضع والتحديات لمواجهة تبعات هذا الأمر، ويجب أن نقوم بخطوات تَضْمَن حصولَ الأطفال اللاجئين علي التعليم بمستوي عال، وتحول دون تحولهم إلي جيل ضائع.
وَمِنَ المهم أنْ تَعْمَل كلُّ منظومة الأمم المتحدة على عَدَم جعل هذا الجيل جيلاً ضائعاً، ضاع عليه تعليمه وصحته، بسبب مُعاناتهم من الغضب والصدمة من جراء ما تعرَّضوا إليه، وافتقارهم لمستقبلٍ يتطلعون إليه، لأنَّ الحرب تنقص قدراتنا على دمج مهارات اللغة مع طرق التكفير، أو إتاحة الفرصة للتعبير عن النفس والخبرات، وأيضاً حرمان الطفل من تنوُّع الوسائل المعنية والجذابة له.
كُلُّ هذه العوامل والتحديات التي تواجه التعليم، لا شك لها تأثيرٌ مباشرٌ علي اللغة العربية، كما أنَّ واقع اللغة العربية اليوم هو انعكاس حقيقي لواقع الأمة؛ إذ لا جَرَم أنَّ وَاقع أيِّ أمة من الأمم يعكسُ واقعَ لغتها: قوَّة وضعفًا، ونهضةً وسقوطًا، ومدًّا وجزرا.
—————————————————-
المصادر والمراجع:
1ـ شيلي كالبرتسون ولؤي كونستانت، “تعليم الأطفال اللاجئين السوريين..إدارة الأزمة في تركيا ولبنان والأردن”، مُؤسسة راند، سانتا مونيكا، كاليفورنيا، 2015م.
2ـ “الحدُّ الأدنى لمعايير التعليم.. الجهوزية والاستجابة والتعافي”، الشبكة الدولية لوكالة التعليم في حالات الطوارئ، منسق آيني للحد الأدنى لمعايير التعليم، اليونيسيف – قسم التعليم، نيويورك، 2014م.
3ـ دراسات اجتماعية، الصف السادس، كتاب “التلميذ”، حكومة النظام، طبعة أولى 2010-2011م.
4ـ “التعليم في زمن الحرب.. مأساة سورية بمقاييس أخري”، مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا 2014م.
5ـ د. علي أبوعمشة، “تكيف الأطفال اللاجئين السوريين في لبنان”، مركز جسور التعليمي – بيروت، 2014م.
6ـ مُحمَّد مُحمَّد حسين، “الاتجاهات الوطنية في الشعر العربي المعاصر”، المجلد الثاني.
7- مُحمَّد الطاهر زرهوني، “التعليم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال”، مجلة الثقافة، عدد 95، 1986م.
8- إسماعيل الكيلاني، “لماذا يزيفون التاريخ؟”.
9ـ أعمال الملتقي الوطني “التخطيط اللغوي”، الجزء الثاني، 2012م.
10 ـ http://ei-ie.org/accrs/ .
11ـ https://www.hrk.de.
12ـ http://www.abwab.eu.
13ـ http://www.turkpress.co/node/25027.
14ـ https://flucht.politikorange.de/ar.
15ـ http://www.abwab.eu/%D8%A8%D8%A7%D8%A8.
16- https://www.hrw.org/ar/report/2015/11/09/283260.
4,906 total views, 8 views today
Hits: 356